بلومبيرغ : في الحديث عن أهمية الإصلاح الاقتصادي في الخليج وارتباطه بقوة الدولار
بلومبيرغ – التقرير
أهدرت البنوك المركزية العربية الخليجية القليل من الوقت لمتابعة زيادة معدلات فائدة احتياطي النقدي الفيدرالي، في شهر ديسمبر الماضي؛ مما ساعد على الالتزام بالحفاظ على ربط العملات الخليجية بالدولار الأمريكي، فكان من الطبيعي أن تحافظ دول الخليج على ربط عملتها بالدولار، وأن تسير على خطى السياسة النقدية الأمريكية لتجنب إنهاك تدفقاتها الرأسمالية، وفي ظل الموقف الراهن؛ ارتفعت نسبة الفائدة في الدول الخليجية، في حين أن أسعار النفط لاتزال منخفضة، إلى جانب محافظة الدولار على قوته ومكانته المرموقة، وهو ما قد يزيد من الضغوطات المؤثرة على النمو الاقتصادي بدول الخليج العربي.
ومع ذلك، لن تتجه دول الخليج إلى فك رابط عملاتها مع الدولار الأمريكي، ولن تقلل من قيمة عملتها في هذه المرحلة، ولكن يجب أن تتجه دول الخليج إلى إحداث العديد من الإصلاحات الهيكلية لتساعد على تنويع مصادرها الاقتصادية بعيدًا عن النفط، بعد أن ظلّ المصدر الوحيد القائم عليه اقتصاد بلادهم، فلا يُعَد تعويم العملة حلٌ مطروح؛ بسبب نظرة البنوك المركزية المتشككة لمثل هذا الإجراء، فما هو إلا مقياس لعدم استقرار البلاد وفقدان القدرة على التنبؤ بحالتها المالية المستقبلية، حتى وإن زادت معدلات الاستثمارات الأجنبية في البلاد، مع العلم أن أسعار النفط ارتفعت تدريجيًا في الآونة الأخيرة، ومن المحتمل أن يصل سعر البرميل الواحد إلى 60 دولار في عام 2017، إذا اتجه أعضاء أوبك وغيرهم إلى استغلال الأوضاع الحالية بذكاء، وهو ما سيترتب عليه ارتفاع معدلات أسعاره في الأعوام المقبلة.
على الرغم من تأثير نسبة الفوائد على معدلات النمو، وانتشار نظام ربط العملة في المنطقة، يتوقف مستقبل نجاح تنوع الاقتصاد على قدرة الأمة في الدفع بالإصلاحات الهيكلية؛ حيث تتخفى دول الخليج العربي وراء كونها أفضل أداء اقتصادي متطور، وخلف نمو أسواقها في عدد من المناطق، ولازال هناك العديد من الفرص؛ باقتناص أفضل أداء في المنطقة، بما في ذلك المساعدة في تسوية حالات التعسر، والائتمان، والتجارة عبر الحدود بحُرية، وحقوق الملكية، وحرية الاستثمار، والابتكار، والاهتمام بالتعليم العالي، وسيادة القانون، ونوعية اللوائح المطبقة، ومدى تأثير الحكومات، هذا وقد أشارت آخر التقارير التي أعلن عنها صندوق النقد الدولي، عن ارتباط المؤسسات عالية الجودة – مثل الهيئات الحكومية العامة ونظم القانونية وحقوق الملكية – بزيادة كفاءة توزيع الموارد؛ فهو ما يعمل بدوره على تعزيز الإنتاجية، وبناء حالة من الثقة بالاقتصاد والإيمان بقوته، مما يترتب عليه تنشيط الاستثمارات ومجال العمل.
وعلى الرغم من أهمية هذه الخطوات، من الضروري وجود بضع الإصلاحات المهمة في المنطقة من أجل منع تواجد آثار للتدهور الاقتصادي على المدى البعيد صعبة التخلص منها، حيث تشجع الإجراءات المحفزة على قيام المشاريع، والقوانين التي تساعد على قيام صناعة عالية الجودة، والأنظمة القانونية القوية على خلق روح تنافسية في الاقتصاد المتقدم ونمو حالة السوق عندما تتوافر المقومات الناجحة للمشاريع؛ من توفير الكهرباء اللازمة، وتسوية حالات التعسر والنزاعات، وتنفيذ البنود التي تنص عليها العقود المبرمة.
وفيما يخص حرية العمل، تحتل دول الخليج العربي مراتب أقل من الدول المتقدمة، وتتربع على مركز عالٍ وسط الدول ذات الأسواق النامية، أما فيما يخص جودة القوانين – من قدرة الحكومة على خلق وتطبيق سياسات سليمة تعمل على تعزيز تنمية القطاع الخاص – فإنها لا ترتقي بأعلى المستويات الاقتصادية بها.
لابد وأن تعتبر المكاسب الإنتاجية من أهم أولوياتها في المنطقة، وأن تهتم بتطبيق دول الخليج العربي لإصلاحات هيكلية في وسائل إنتاجها لدعم نمو عالي يدوم، وتشير الدلائل العالمية إلى أن النمو عالي الجودة والدائم يأتي عن طريق تحسين إجمالي عوامل الإنتاج – والتي قد تدعم تراكم رأس المال – مجهودات الإصلاح الهيكلي المرتبطة بالإيجاب مع النمو، وعلى صعيد آخر؛ سنجد أن ارتفاع معدلات النمو ودوامها في دول الخليج العربي، إذا ما ألقينا نظرة على التاريخ، ترجع إلى عوامل التراكم المالي، وليست مبنية على عوامل تحسين الإنتاجية.
صممت الإصلاحات في سوق العمل في الأعوام الماضية على ضوء ملامح محددة من سوق العمالة في دول الخليج، وهو ما تم على مراحل متعددة على مر الزمن، هذا وقد عملت المملكة العربية السعودية في شهر سبتمبر الماضي، على تطبيق قوانين بخفض رواتب العاملين بالمصالح الحكومية إلى جانب الحد من منافعهم، وهو ما يشير إلى تنصل الحكومة من كونها المعيل الأول والأخير للمواطن السعودي، فلابد وأن تتجه دول الخليج إلى موازنة معدلات الأجور المرتفعة للسكان المحليين، والعمل على استبدال وجود العنصر الأجنبي بالمواطنين السعوديين، وهو ما سيعمل على مساعدة القطاع الخاص بتقليل اعتماده على العمالة، والانتقال إلى الاهتمام برأس المال وبالتالي تتحسن الإنتاجية، وفي نفس الوقت يعمل الحفاظ على قوة عاملة أجنبية ذو خبرات عالية على تحسين إنتاجية العمل.
يرجع جزء كبير من مشكلة الفجوة في مجال الخبرة إلى قطاع التعليم في المنطقة؛ فالتعليم في الخليج العربي لا يواكب متطلبات العصر، حيث تهتم المدارس بالتركيز على الضوابط التقليدية والأخلاق، متناسية للخبرات والتعاليم المهمة التي تؤهل الطلاب لمجال العمل في الصناعات المزدهرة؛ مثل تكنولوجيا المعلومات والأبحاث واللوجيستكيات.
لابد وأن تهتم دول الخليج بتطبيق الإصلاحات اللازمة لتأسيس بيئة مناسبة تساهم في تحسين معدلات الإنتاج بها، فتسمح بيئة يزدهر بها معدلات الاستثمار، فلابد وأن يتحلى الخليج بالصبر، والاتجاه إلى تعديل مفاهيمهم، والشفافية لتصل إلى مبتغاها بتعليم الجميع.