«ستراتفور»: خطط الإصلاح الاقتصادي لن تحسن من أوضاع الشيعة في السعودية

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2170
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

لقد كانت السعودية هي الزعيم الحقيقي لمجلس التعاون الخليجي منذ إنشائه، حيث تمتّعت بالاقتصاد الأكبر وعدد السكّان الأعلى وإنتاج النفط الأضخم في المجموعة. وفي هذا العام، استطاعت قيادة دول مجلس التعاون الخليجي وباقي أعضاء أوبك للموافقة على قرار بخفض إنتاج النفط، على أمل تعزيز، أو على الأقل الحفاظ على، أسعار النفط. لكنّ الرياض تفهم أنّه حتّى التعافي في أسعار النفط لن يكون كافيًا لتأمين الاقتصاد السعودي في المستقبل.

ولهذه الغاية، اتّخذت السعودية خطوات لتقليل الإنفاق وزيادة العائدات الداخلية من مصادر أخرى غير إنتاج النفط. وهي خطط طموحة طويلة الأجل لإنعاش الاقتصاد، تشمل حملات الخصخصة وإصلاحات عمالية واجتماعية، تشمل حملات لإدماج المرأة في سوق العمل.

لكن مع القيام بمثل هذه الإجراءات واسعة النطاق، وبالرغم من ضرورتها، سيضع آل سعود أنفسهم في موقفٍ حرج. وستطال تأثيرات عملية الإصلاح الكثير من جماعات المصالح في أنحاء البلاد وقد تؤدّي إلى مخاطر تحريض بعضها على بعض. وعلى وجه الخصوص، فإنّ التغييرات الجذرية قد تؤدّي إلى مزيد من التوتّرات بين المجتمعات السنّية والشيعية في المملكة. وعلى الرغم من محاولات الرياض لإحداث توازن بين المصالح المتنافسة، فمن المرجّح بقاء الشيعة على هامش المجتمع السعودي.

تحليل

كان آل سعود دائمًا يتعاملون بحساسية مع الاضطرابات الداخلية والاحتجاجات والانقسامات الطائفية منذ توليهم البلاد. لكنّ الثورة الإسلامية عام 1979 وثورات الربيع العربي عام 2011 جعلت الرياض مدركة للتهديدات التي تواجه حكمها المستمر. ومع استيقاظ الثورة الإيرانية، نما القلق لدى الرياض تجاه مسائل الشيعة، والذين تشك الرياض في علاقتهم غير المرغوبة بإيران. وتسبّبت ثورات الربيع العربي، التي قامت على أيدي الشباب غالبًا الذين أطاحوا بزعمائهم الذين استمرّوا في الحكم طويلًا، في إحداث صدمة لدى آل سعود.

وعندما اندلعت احتجاجات في المنطقة الشرقية التي يقطنها أغلبية شيعية، اتّخذت الحكومة إجراءً من شقين لتجنّب توسّع الاحتجاجات قبل أن تتحوّل إلى حركة مثل التي أطاحت بأنظمة الحكم في مصر وتونس. أولا، قامت الرياض بزيادة الإنفاق الاجتماعي إلى 93 مليار دولار لتهدئة شعبها، وثانيا، قامت بتشديد الخناق ضد المعارضة. لكنّ زيادة الإنفاق هذه قد توسّعت حتّى أصبحت الدولة تحتاج إلى بقاء سعر النفط عند 100 دولار للبرميل على الأقل، في عام 2014، حتى تستطيع الوفاء بنفقاتها.

وقت التغيير

والآن، وبعد مرور عامين منذ الانهيار الكبير لأسعار النفط في منتصف عام 2014، تتذبذب أسعار النفط حاليًا حول 55 دولارا للبرميل، ويبدو أنّها ستستقر هكذا لفترة ما، الأمر الذي لا يدع للرياض خيارًا في تخفيض الدعم وتقليص النفقات الاجتماعية.

وكانت الحكومة السعودية قد كشفت عن برنامج رؤية 2030 وبرنامج التحول الوطني الربيع الماضي، مع عشرات الأهداف بتنويع عائدات الاقتصاد غير النفطي وخفض الإنفاق. ومن بين أهمّ مقترحات البرنامج السعي لزيادة الاستثمار في قطاعات خارج صناعة الطاقة، وزيادة العائدات النفطية بثلاث مرات بحلول عام 2020 من خلال الضرائب والرسوم، وتعزيز فرص عمل السعوديين في القطاع الخاص، وتخفيض تكاليف الأجور العامة.

وتنوي الحكومة أيضًا فتح الاقتصاد لمزيد من الاستثمار الأجنبي، وطرح 5 بالمائة من جوهرة تاجها، عملاق النفط، شركة أرامكو السعودية، للاكتتاب العام. وتهدف هذه الإجراءات لتلبية مطالب الإصلاح وبخاصة من الشباب. ومع وجود أكثر من 50 بالمائة من سكان المملكة تحت سن 25 عامًا، فإنّ عدد مستحقّي الوظائف يرتفع كالصّاروخ. كما يطالب العديد من الشباب، وإن كان ليس جميعهم، بإصلاحات لتحرير المملكة من السياسات الاجتماعية الصارمة.

ومع ذلك، ستكون الإصلاحات بمثابة الدواء المرّ لكثير من السعوديين. وحتمًا، ستؤذي المبادرات التي تدفع باتجاهها الرياض بعض فصائل المجتمع. وللسيطرة على المعارضة العامة، على الأرجح سيعود آل سعود لاتّباع تكتيكهم القديم، بوضع المجموعات المختلفة في مواجهة بعضها البعض لمنع أي حركة معارضة من اكتساب الكثير من قوّة الجذب. وبلا شك، سيقع الشيعة السعوديون، والذين يمثّلون من 10 إلى 15 بالمائة من سكّان المملكة، في شرك محاولات الحكومة للسيطرة على الاضطرابات.

الفرص التي كانت موجودة يوما

للوهلة الأولى، قد يساعد برنامج التحرر الاقتصادي للرياض المجتمع الشيعي، موفّرًا لأفراده فرصًا لم يحصلوا عليها خلال العقود القليلة الماضية. وكان الشيعة قبل الثورة الإيرانية ممكنين من الحصول على الوظائف في مجال النفط في المنطقة الشرقية ويعملون في الصناعات الإنتاجية. لكنّ الحكومة أصبحت مرتابة تجاه مواطنيها الشيعة بعد الانتفاضة، وخشيت أن يتبعوا خطى الثورة الإسلامية. وبدأت فرص التوظيف للشيعة في السعودية بالاختفاء. لذا لم يستطع الشيعة السعوديون إلا تحقيق النجاح في مناصب إدارية متوسّطة، ولم يصلوا إلى مناصب عليا إلا نادرًا في الشركات الحكومية أو حتّى الأجنبية في البلاد.

 

لكن وبغض النظر عن الكيفية التي سيسير عليها الإصلاح المنشود في الرياض، فلن يقدّم حلًّا للانقسامات الطائفية التي همّشت الشيعة في البلاد. ومع عملهم على إحداث التغيير في مسار المملكة، سيتجنّب القادة السعوديون تهديد تحالفهم مع رجال الدين في المجتمع السلفي، والذي سيحاول التأكد من بقاء الحقوق والأدوار الدينية للشيعة محدودة في المجتمع الديني. وربما تدرك الحكومة السعودية أنّ استمرار الاضطرابات والاحتجاجات الطائفية هو أمر لا مفرّ منه. لكن توجد حركات إسلام سياسي أخرى في المملكة، بما في ذلك الجماعات السنّية مثل حركة الصحوة، تمثّل تهديدًا أكبر على المملكة من الشيعة، حيث يمكن لمعتقداتهم أن تلقى رواجًا بين الأغلبية السنّية في البلاد.

معارضة أكثر سلمية؟

على الرغم من وضعهم الاقتصادي، ترفض معظم القيادات الشيعية في السعودية الاحتجاجات العنيفة والتدخّلات خلال الـ20 عامًا الأخيرة. وبدلًا من ذلك، اتّبعوا نهجًا مختلفًا، ودخلوا مع الحكومة في مفاوضات بطيئة للحصول على تنازلات جزئية والمزيد من الاعتراف. وحتّى حزب الله الحجاز، الحركة المسلّحة التي ارتبطت بإيران، والمتّهمة بتنفيذ تفجير أبراج الخبر عام 1996، قد تحوّلت إلى حدٍّ كبير بعيدًا عن العنف. وساعد في ذلك القمع الذي مارسته السلطات الأمنية السعودية للحد من التطرّف الشيعي. وأظهرت الاحتجاجات التي صاحبت ثورات الربيع العربي كيف تحوّل النهج الشيعي في المملكة، حيث أصرّ القيادات من كبار السن البعد عن العنف والاستمرار في التفاوض مع الحكومة. لكن من جديد رفضت القيادة الرضوخ لأي طلبات، حتّى المتواضع منها.

لكن لم يكن ذلك على نطاقٍ واسع. حيث شجّع الشيخ «نمر النمر» الشباب على الاحتجاج والمقاومة حتّى إلقاء القبض عليه عام 2012. وحكمت عليه فيما بعد المحكمة بإعدامه عن دوره في المظاهرات. وتم تنفيذ الحكم عام 2016، وكأنّه كان جزءًا من رسالة أرادت الرياض إظهارها للجيل الجديد من رجال الدين الشيعة، لتبين إلى أي مدى هي قادرة على الذهاب إليه في احتوائها للاحتجاجات.

لكن لتجنّب موجة جديدة من الاحتجاجات، فعلى الأرجح ستحاول الرياض بدء علاقات مع زعماء الشيعة الراغبين في تهدئة الاضطرابات مقابل بعض التنازلات، ربما قد تشمل ضمّهم إلى النظام الديني القائم. (وقد اقترحت الرياض فكرة مماثلة على البحرين). لكن لفعل ذلك، ستجني الحكومة السعودية اعتراضات من حلفائها السلفيين وزعماء السنّة، على الأقل في المناطق الحضرية الكبرى. وبالتالي، فقد تركّز الرياض جهودها على المدن الشيعية الرئيسية، التي يحظى الشيعة فيها بالفعل برجال دين ومكاتب سياسية. وبوجود التهديد المتزايد الذي تتعرض له السعودية من قبل المتشدّدين السنّة، سواء السلفيين المتطرفين أو الجماعات الجهادية مثل (الدولة الإسلامية)، سيدفع ذلك أيضًا الرياض للعمل مع قادة الشيعة لإبقاء التوتّرات الطائفية تحت المراقبة.

دخول إيران

في حين تحاول الحكومة السعودية التوفيق بين مطالب الشيعة والمجموعات الأخرى، ستحاول إيران، بلا شك، كسب النفوذ والتأثير على الشيعة السعوديين. واستنادًا إلى محاولاتها السابقة، بالرغم من ذلك، فقد لا تصل إيران بعيدًا في هذا المسعى. فلم تحقّق إيران نجاحًا يذكر مع الشيعة في السعودية بعيدًا عن نفوذها مع الجماعات المسلّحة مثل حزب الله الحجاز ومنظمة الثورة الإسلامية.

وأبقى غالبية الشيعة في السعودية على مسافة بينهم وبين طهران، ويستاؤون فقط من مجرد التصوّر أنّهم يراهنون على إيران. وفي الحقيقة، يفخر الشيعة السعوديون أنفسهم بإرثهم السعودي والعربي، ويعتبرون أنفسهم أصل الشيعة. وبإعدام الشيخ «نمر النمر» الذي تعلّم في إيران وهدّد بالسعي للدعم الأجنبي إذا قاومت الرياض مطالبه، أرسلت الحكومة السعودية رسالة إلى إيران أنّها لن تتهاون على الإطلاق مع التدخّل في المنطقة الشرقية.

وبالرغم من أنّ الإصلاحات التي اقترحتها الرياض ستؤثّر على حياة كل مواطني البلاد، إلّا أنّها لن تقوم بذلك على قدم المساواة. وبالنسبة للسكّان الشيعة في البلاد، على سبيل المثال، سيستفيد المجتمع السنّي بشكلٍ أكبر من فرص الحلول التي ستعمل على تخفيف آلام الإصلاح. وبمجرد أن ينطفئ بريق التدابير الجديدة، سيجد الشيعة أنّ وضعهم الاجتماعي والاقتصادي لم يتغيّر كثيرًا، وقد يبدءوا بالاستياء من أقرانهم السنّة بشكلٍ أكبر.

المصدر | ستراتفور