إبطال “تيران وصنافير” يُنذر بصدام بين السلطات الثلاثة بمصر

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1875
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

القاهرة/ فريد دياب، حسين القباني / الأناضول – جاء حكم محكمة القضاء الإداري بمصر، الإثنين الماضي، ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية المعروفة إعلاميًا باسم “تيران وصنافير”، كبداية لصدام “غير مسبوق” بين السلطات الثلاثة القضائية والتشريعية والتنفيذية، وفق خبراء ومختصين.
هذا المشهد الصدامي بين السلطات الثلاثة وفق خبراء ومختصين، تحدتث إليهم الأناضول بشكل منفضل، يتجلى فى أن السلطة التنفيذية (رئاسة وحكومة) متمسكة بسعودية جزيرتي “تيران وصنافير”، بصرف النظر عن تاكيدها احترام أحكام القضاء كالعادة، بينما أحد أركان القضاء وهو المحكمة الإدارية العليا حسمت أمرها ببطلان الاتفاقية وانتقدت الحكومة.
وبينما تتمسك الحكومة بنزاع قضائي آخر أمام المحكمة الدستورية العليا (أعلى محكمة بالبلاد) للتأكيد على أن نظيرتها الإدارية ليس من حقها نظر أي اتفاقيات، يقول البرلمان إنه الوحيد المعني بنظر الاتفاقية .
وصباح الإثنين الماضي، رفضت المحكمة الإدارية العليا (أعلى هيئة قضائية مختصة في الفصل بالمنازعات الرسمية) طعناً حكومياً، وأيدت بطلان الاتفاقية التي وقعت في أبريل/ نيسان 2016.
** أزمة مستمرة
ولم ينه الحكم الأخير، رحلة قضائية، بدأت قبل 9 أشهر،عندما حرك نشطاء سياسون وحقوقيون دعوى أمام المحكمة الإدارية (معنية بالنظر في الخصومات الإدارية مع الجهات الحكومية) لإبطال الاتفاقية، التي أثارت احتجاجات شعبية واسعة، خاصة يومي 15 و25 إبريل/ نيسان الماضي، ومطلع يناير/ كانون ثان الجاري، وسط مطالبات سياسية بعدم الالتفاف على الحكم الأخير.
وفي 29 ديسمبر/ كانون الثاني الماضي، أحالت الحكومة الاتفاقية إلي مجلس النواب للتصديق عليها “طبقاً للإجراءات الدستورية المعمول بها بهذا الشأن”، حسب ما قالت في بيان في ذلك الوقت.
كما رفعت قبلها دعوى منازعة قضائية أمام المحكمة الدستورية العليا تحددت لها جلسة في 12 فبراير/ شباط المقبل، بشأن وجود حكمين متعارضين أحدهما من القضاء الإداري في يونيو/ حزيران الماضي بإبطال الاتفاقية والثاني من محكمة الأمور المستعجلة بوقف تنفيذ الحكم في أكتوبر/ تشرين أول باعتباره صادرا من محكمة غير معنية بالاتفاقيات.
ورغم تعويل الحكومة، على حكم الدستورية برفض إبطال الاتفاقية غير أنها، تقول في أكثر من بيان صادر عن ممثلين لها أن البرلمان صاحب الاختصاص الأصيل.
وعزز رئيس مجلس النواب علي عبدالعال الذي هو بالأساس أكاديمي متخصص في الشأن الدستوري هذا الاتجاه، بإعلانه “أن المجلس سيعقد جلسات استماع مع جميع أطياف المجتمع لمناقشة الاتفاقية، مؤكدا أن “البرلمان هو الجهة الوحيدة التي تحدد ما إذا كانت اتفاقية ترسيم الحدود مخالفة للدستور أم لا” .
وقال، في تصريحات إعلامية الإثنين الماضي، إن “اللجنة التشريعية (بمجلس النواب) ستنظر اتفاقية ترسيم الحدود، وتحدد هل تخالف الدستور أو بها تفريطا في أرض مصرية أم لا”، لافتا إلى “حكم الإدارية العليا سيكون ورقة ضمن الأوراق التي سينظرها المجلس بشأن اتفاقية ترسيم الحدود”.
ولم يصدر عن المحكمة الدستورية العليا (مختصة بمطابقة القوانين لمواد الدستور) تعليقا على حكم القضاء الإداري، غير أنه في يوم 12 فبراير/ شباط المقبل، تواصل النظر في التنازع .
** وجوه ثلاثة
توقع المستشار محمد حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة الأسبق (هيئة قضائية مختصة بالمنازعات الإدارية)، أن يأتي حكم المحكمة الدستورية التي رفعتها الحكومة ضد الحكم الأولي بإبطال الاتفاقية في صالحها، غير أنه قال إنه هذا سيوحي بصدام بين السلطات الثلاثة .
وقال، للأناضول، إنه “طبقا لأحكام الدستور والمبادئ الدستورية العامة وقانون مجلس الدولة، فإن القضاء الإداري لا يختص بنظر الدعاوى المتعلقة بأعمال السيادة والمحكمة الدستورية العليا، هي صاحبة الاختصاص في الفصل حاليا بين الحكمين “.
وبحسب الجمل فإنه “حتى بعد صدور الحكم من الدستورية العليا سيئول الأمر للبرلمان مرة أخرى”، باعتباره صاحب الاختصاص.
لكن أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان جهاد عودة، رأى أن قرار المحكمة الإدارية العليا يعد بمثابة رفض لقرار الحكومة بإحالة الاتفاقية للبرلمان.
وقال للأناضول:” عرض الاتفاقية على البرلمان يضع رئيس الجمهورية والسلطتين التنفيذية والتشريعية في مأزق الصراع بين السلطات”.
وتابع: “مناقشة الاتفاقية لا تجوز الآن، وأخشي أن تدخل مصر في متاهة الخلاف القانوني والدستوري”.
وطالب عودة السلطة المصرية بإغلاق هذا الباب، مؤكدا أن “المشكلة ليست في جزيرتي تيران وصنافير ولكن في ترسيم الحدود البحرية، وموارده التي ستفتح صراعا بين إسرائيل ودول البحر الأحمر”.
بينما لفت محمد حامد الخبير القانوني إلي أن مناقشة البرلمان للاتفاقية ستفتح باباً للتنازع مع القضاء، منوهاً إلي أن حكم الدستورية العليا، سيزيد الأمر وضوحاً.
وقال للأناضول: ” إذا حكمت الدستورية باختصاص القضاء في نظر الاتفاقية سيغلق ملفها داخل الحكومة و البرلمان”.
من جانبه، قال حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، للأناضول، “بالتأكيد نشأ صدام بين السلطات الثلاثة وكان الأجدر بالسلطة التنفيذية أن تحترم حكم القضاء بشأن تيران وصنافير؛ لأن الاستجابة لفقهاء السلطة باعتبار مجلس الشعب هو صاحب الاختصاص للأزمة وليس حلها”.
وأضاف “ما نراه وضعا مقلوبا لو انتهى به المطاف في البرلمان، فنحن أمام أمران إما رفض الاتفاقية وهذه لطمة ثانية للحكومة بعد رفض القضاء، أو موافقة البرلمان على الاتفاقية وستكون ذلك كارثة لأنها ستكون تحديا لسيادة أحكام القضاء وإهدارا لها”.
وقال سعيد صادق أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية للأناضول: “لم يحسم الصراع بعد بين السلطات الثلاثة المصرية، وهذا الصراع جديد في المشهد السياسي”.
وأوضح أن ” مجلس النواب هو الفيصل في الصراع بين السلطات الثلاثة في هذه الاتفاقية بحكم الدستور حتي ولو أصدر القضاء أي حكم وفق المادة 151 من الدستور”.
وتنص المادة 151 من الدستور “يمثل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب”وهو ما يؤكد المعارضون عدم انطباقه على اتفاقية ” تيران وصنافير” ، كونها تتضمن تنازلاً عن جزء من الأراضي المصرية.
** البرلمان محطة جديدة للنزاع
واستبق نواب مصريون مؤيدون للسلطة أي حكم الدستورية العليا، وأعلنوا تمسكهم بمناقشة الاتفاقية، تمهيداً لاتخاذ قرار بشأنها، باعتبار أن “التصديق على الاتفاقية من اختصاصات السلطة التشريعية”، حسب قولهم.
وقال بيان لائتلاف “دعم مصر” ، إن مجلس النواب هو “صاحب الحق الأصيل في التصديق على مثل هذه الاتفاقيات”.
ويملك الائتلاف الذي تشكل بعد الانتخابات البرلمانية نهاية عام 2015، أغلبية مريحة داخل مجلس النواب ( 365 مقعداً من أصل 596 ).
وحسب بيان “دعم مصر” الصادر مؤخرا فإن “مجلس النواب حريص علي ممارسة دوره في نظر اتفاقية ترسيم الحدود “، معتبراً أن “الحكم (ببطلان الإتفاقية) لا يغير من الحقيقة الدستورية القائلة بأن البرلمان هو المنوط بنظر الاتفاقية “.
وبوصول الاتفاقية للبرلمان سيتجدد نزاعا جديدا بين النواب حيث هناك تكتل رافض للاتفاقية داخل البرلمان.
ولا يعرف عدد الرافضين حتي الآن، غير أن كثيرت ومنهم البرلماني ضياء الدين داود، عضو “تكتل 25-30″ المعارض، يؤكدون وفق تصريحات الأخير أن “الحكم نهائي، والاتفاقية أصبحت منعدمة ولا يجوز للبرلمان النظر فيها”.
وهو ما أكده وزير العدل الأسبق، أحمد مكي، في تصريحات للأناضول بأن “الحكم نهائي وواجب تنفيذه من الحكومة، وملزم للبرلمان، ولا يمكن تجاوزه، وأي شيء بخلاف ذلك هو نيل كبير من هيبة الأحكام والقضاء”.
وأيده الدبلوماسي السابق معصوم مرزوق، الذي شارك في تحريك دعوى البطلان، فأكد أن حكم الإدارية العليا نهائي وواجب النفاذ.
وقال للأناضول إنه يجب على الحكومة المصرية احترام الحكم والالتزام به بشكل فوري، وألا تقحمنا في هذا الصراع الذي يخالف صحيح القانون.
وأواخر الشهر الماضي، أقرّ مجلس الوزراء المصري اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع المملكة السعودية، التي أقرتها بشكل مبدئي في أبريل/ نيسان الماضي، وأحالها إلى البرلمان لمناقشتها، لكن الأخير لم يحدد بعد موعداً لمناقشتها.
وتدافع الحكومة المصرية عن الاتفاقية بالقول إن “الجزيرتين تتبعان السعودية وخضعت للإدارة المصرية عام 1950 بعد اتفاق ثنائي” بين القاهرة والرياض، بغرض حمايتها لضعف القوات البحرية السعودية، آنذاك، وكذلك لتستخدمها مصر في حربها ضد إسرائيل آنذاك.