بعد العمل بقانون “جاستا”.. هل بدأ السعوديون سحب استثماراتهم من أمريكا؟
عبداللطيف التركي – التقرير
بعد القضايا التي رفعها أهالي ذوي ضحايا 11 سبتمبر، ضد أكثر من 35 شخصية بازرة ومؤسسات مالية ومصرفية وهيئات خيرية سعودية؛ للمطالبة بمليارات الدولارات، بزعم ضلوع السعودية في الهجمات.
وشهدت هذه الفترة عودة مليارات سعودية كانت مستثمرة في أوروبا والولايات المتحدة إلى داخل المملكة، طبقا لما ذكرته “الفاينانشال تايمز”، وشهدت البلاد بعد عودة الأموال المهاجرة طفرة عقارية، وحركة كبيرة في سوق العقار، أبرزها كانت في العاصمة الرياض، حيث تم تشييد الأبراج الضخمة على طريق الملك فهد، الشريان الرئيسي للعاصمة السعودية، في تجاه الشمال.
كما تحولت الكثير من الاستثمارات السعودية نحو بلدان عربية وإسلامية، وإلى الصين وماليزيا وإندونيسيا، كما تشهد الآن تركيا طفرة كبيرة في الاستثمارات العقارية السعودية، حيث احتل السعوديون الصدارة في الاستثمار العقاري في تركيا.
قضايا التعويضات بالمليارات
وجاء إقرار قانون “العدالة ضد رعاية الإرهاب”، المعروف باسم “قانون جاستا”، أو قانون 11 سبتمبر، ليثير المخاوف بشدة بشأن الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة، وإمكانية الحجز على هذه الاستثمارات، والأصول السعودية بالخارج، في حال صدور أحكام بتعويضات لذوي ضحايا 11 سبتمبر والناجين من الهجمات، خاصة أن هناك قضايا منظورة منذ سنوات أمام المحاكم الأمريكية، وجُمعت أمام محكمة واحدة.
ورفضت المحاكم الزج باسم السعودية، لوجود حصانة للدول، وهو الأمر الذي ألغاه قانون “جاستا”، الذي جعل من حق الأفراد مقاضاة الدول ذا ثبت ضلوعها في أحداث إرهاب.
“ستيفاني روس”.. والبداية
وبعد يومين فقط من إقرار قانون “جاستا” الذي يتيح لضحايا الهجوم مقاضاة الرياض، رفعت أرملة أحد ضحايا هجمات 11 سبتمبر 2001 على مقر البنتاغون، دعوى قضائية ضد السعودية.
وبحسب “وكالة بلومبرغ” الأمريكية، تقدمت السيدة “ستيفاني روس”، بدعوى قضائية في واشنطن تتهم فيها السعودية بتقديم الدعم المادي لمنفذي الهجمات الإرهابية، والتسبب في مقتل زوجها الضابط البحري باتريك دون، إذ كانت حاملا عندما لقي زوجها حتفه في الهجمات.
إضعاف الحصانة السيادية
وقالت “بلومبيرغ”، إن لجنة أمريكية قامت بالعديد من التحقيقات في عام 2004 أثبتت عدم صلة السعودية بالهجمات، إلا أن اللجنة الأخرى التي شكلها الكونغرس أشارت إلى احتمال تلقي منفذي هجمات 11 سبتمبر دعما من أحد المسؤولين السعوديين، ما أتاح للكونغرس أن يمرر قانون مقاضاة السعودية على الرغم من اعتراض البيت الأبيض.
وفي أول رد فعل لوزارة الخارجية السعودية، على إقرار قانون “جستا” وصفت غلمسألة بأنها “مصدر قلق كبير”، وقالت في بيان لها، أنه من شأن إضعاف الحصانة السيادية التأثير سلبا على جميع الدول بما في ذلك الولايات المتحدة.
غموض حول حجم الاستثمارات
ويكتنف الغموض حجم الاستثمارات السعودية، وتساؤلات بشأن الإجراءات التي ستتخذها المملكة قبل صدور قضايا تعويضات؟، وهل يمكن الحجز هذه الاستثمارات أو الأصول السعودية في الولايات المتحدة؟، وماذا عن مبدأ “المعاملة بالمثل” الذي يخشاه الرئيس أوباما والبيت الأبيض، من تحريك دعاوى ضد الولايات المتحدة في دول عربية وإسلامية؟، أو الخطر الذي يشكله تطبيق “جاستا” على الجنود والدبلوماسيين الأمريكيين بالخارج؟، طبقا لبيان المتحدث باسم البيت الأبيض، حول مخاطر القانون.
للمرة الأولى منذ 40 عاما
قدرت صحيفة “النيويورك تايمز” الأمريكية حجم الاستثمارات السعودية بنحو 750 بليون دولار، ولكن وزارة الخزانة الأمريكية، كشفت الحجم الحقيقي لسندات الخزانة الأمريكية لدى السعودية، وفق قانون حرية المعلومات، مؤكدة للمرة الأولى، منذ 40 عاما، أن مقدار هذه السندات والاستثمارات “الحكومية”، لا يزيد عن 116.8 مليار دولار، حتى شهر آذار (مارس) الماضي، وقالت إنها انخفضت بمعدل 6℅بالمقارنة عما كانت عليه في شهر كانون الثاني (يناير) الماضي.
انخفاض الاحتياطات
وأكدت وكالة “بلومبيرغ” الاقتصادية، انخفاض الاحتياطات المالية السعودية إلى نحو 587 مليار دولار، أي أنها انخفضت بمقدار 200 مليار دولار في أقل من عامين نتيجة السحب المتواصل منها لسد العجز في ميزانيتي عامي 2015 و2016، وهذا يعني أن سندات الخزانة الامريكية التي تملكها الحكومة السعودية (116.8 مليار) تبدو ضعيفة بالمقارنة مع نظيراتها الصينية التي تبلغ (1.3 تريليون) أو اليابانية (1.1 تريليون)، في حين تملك الإمارات (62.5 مليار)، والكويت (31.2 مليار)، وعُمان (15.9 مليار)، وقطر (3.7 مليار)، والبحرين (1.2 مليار).
طابع السرية
ولكن كل هذه تقديرات، نظرًا لطابع السرية الذي يحيط بالاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة، حيث تم الاتفاق على إضفاء تابع السرية على توظيف عائدات النفط السعودية في السندات السيادية الأمريكية، خلال المباحثات بين وزير المالية الأمريكي، وليم سايمون، والقيادة السعودية في عام 1974.
وقالت وكالة “بلومبيرغ”، إن الوفد الأمريكي توجه إلى دول أوروبا والشرق الأوسط حاملا تعليمات من الرئيس الأمريكي آنذاك بعدم العودة إلا بعد التوقيع على الاتفاقيات الضرورية مع ممثلي المملكة.
الحظر النفطي
وأوضح “بلومبيرغ”، أن الوضع في الاقتصاد الأمريكي، في ذلك الوقت كان صعبا بسبب الحظر النفطي الذي فرضته الدول العربية بعد حرب يوم الغفران عام 1973 ردا على الدعم الأمريكي لإسرائيل في تلك الحرب، وقالت الوكالة، إن فشل تلك المباحثات كان سيؤدي ليس فقط إلى تقويض الاستقرار المالي الأمريكي بل وإلى تعزز العلاقات بين الاتحاد السوفيتي والدول العربية.
توظيف 116.9 مليار دولار
ولم يدم طابع السرية على هذه الاستثمارات السعودية، سوى 40 عاما، ففي مايو/ أيار الماضي، كشفت وزارة المالية الأمريكية عن حجم الاستثمارات السعودية، وعادة تقوم المصارف المركزية بتوظيف ثلثي الاحتياطي المالي في أصول بالدولار، ووظفت السعودية 116.9 مليار دولار، وفي أبريل/ نيسان الماضي هددت السلطات السعودية الجانب الأمريكي باحتمال بيعها للديون الأمريكية وغير ذلك من الأصول في الولايات المتحدة بقيمة 750 مليار دولار إذا صدر قانون “جاستا”.
السعودية تخشى التجميد
ونوّه “فواز جرجس”، رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد، بأن الأصول التي تمتلكها المملكة العربية السعودية في الولايات المتحدة الأمريكية تتراوح قيمتها بين 700 مليار إلى تريليون دولار، مشيرا في تعليق سابق له حول تهديد السعودية ببيع الأصول التي لديها في أمريكا بسبب مشروع قانون مرتبط بهجمات 11 سبتمبر، أن القيادة السعودية تخشى من تجميد مليارات الدولارات التي تمتلكها بقرارات من المحاكم الأمريكية إذا تم تمرير مشروع القانون في الكونغرس.
الانسحاب من الأسواق الأمريكية
ونقلت صحيفة “الفاينانشال تايمز” البريطانية، عن مصرفيين تحذيراتهم من انسحاب السعودية من الأسواق الأمريكية، مؤكدة أن التشريع الأمريكي الذي يسمح لأسر ضحايا هجمات 11 سبتمبر/أيلول برفع دعاوى قضائية على السعودية قد يؤدي بشكل ينذر بالخطر إلى إعاقة الاستثمارات الأمريكية في السعودية، كما أنه قد يؤدي إلى بيع أصول تقدر قيمتها بمليارات الدولارات.
قلق مصرفي
وأضافت الصحيفة، أن السعودية لم ترد بصورة رسمية على القرار الأمريكي، لكن سعوديين أعربوا عن قلقهم لمسؤولين مصرفيين من أن أموالهم قد تصبح هدفا في إجراءات قانونية، مشيرة إلى أن مصرفيين يقولون إنهم يتوقعون أن تتصرف السعودية بحذر بينما تراقب أي إجراء قانوني. لكن المخاوف السعودية تقوض احتمال حدوث استثمارات جديدة في الولايات المتحدة، وتزيد من مخاوف تصفية استثمارات سعودية قائمة بالفعل في الولايات المتحدة، حسبما أشار مصرفيون.
الخوف على الأصول
وبيّنت “الفاينانشال تايمز”، عن مسؤول مصرفي يشرف على استثمار أموال سعودية قوله “سيكون السعوديون أكثر حذرًا بالتأكيد وتكون التداعيات على المدى الطويل للأصول السعودية في الولايات المتحدة ضخمة”.
هروب الاستثمارات
وأوضح مدير صناديق تمويل في الخليج، للصحيفة البريطانية، أن المستثمرين قد يكونون بالفعل يخططون للحد من الاستثمار في الولايات المتحدة، مضيفًا أنهم “يشعرون بالقلق إزاء تجميد الأرصدة”، فيما أكدت الصحيفة أن مسؤولين مصرفيين يقدرون أن معظم استثمارات الحكومة السعودية وأصول العائلة المالكة في السعودية موجودة في السعودية، ما يجعل مئات المليارات من الدولارات عرضة للتصفية.
الشركات المسجلة في الولايات المتحد
وتابع المسؤول المصرفي ، أنه من المحتمل أن يسحب أي شخص أو أي مؤسسة لها صلة بالحكومة السعودية أو العائلة المالكة أمواله من البنوك التي تتخذ الولايات المتحدة مقرا لها، إذا أمرت محكمة أمريكية بمصادرة الأموال، فإن ذلك سينطبق على جميع الشركات المسجلة في الولايات المتحدة.
وتقول “الفاينانشال تايمز”، إنه في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول أعاد مستثمرون سعوديون أموالا تقدر بمليارات الدولارات إلى بلادهم والشرق الأوسط خوفًا من استهداف أصولهم، وإنه يخشى أن تكون ردة الفعل مماثلة إزاء القرار الجديد.