الخليج ومتغيرات الاقتصاد العالمي: إصلاحات مُتأخرة وضرائب دخل مُنتَظرة
عامر ذياب التميمي
الخليج ومتغيرات الاقتصاد العالمي: إصلاحات مُتأخرة وضرائب دخل مُنتَظرة
السبيل الوحيد للتحرر هيمنة النفط هو السعي لإنجاز إصلاحات هيكلية قد تكون مؤلمة في عدد من البلدان المعنية.
هل ستكون برامج وقرارات القمة الخليجية كافية في ظل تحولات بنيوية بالاقتصاد العالمي ومؤشرات مقلقة لقطاع النفط؟!
أصبحت الضرائب مستحقة خليجيا لا سيما أن أصحاب الثروات تمكنوا على مدى عقود من مضاعفتها عبر آليات إنفاق عام ودعومات وتسهيلات.
اعتمدت دول الخليج طويلا على إيرادات النفط لتمويل الإنفاق العام وتحفيز الاقتصاد ولم تخفف محاولات تنويع مصادر الدخل حدة هيمنة النفط على الاقتصاد.
* * *
بعد انعقاد القمة الخليجية يوم الخامس من يناير الجاري، طُرحت علامات إستفهام حول وجود خطة خليجية لمواجهة المتغيرات في الاقتصاد العالمي وتأثيراتها على المنطقة.
بالطبع هناك قرارات وبرامج تهدف لتحسين البيئة الاقتصادية وتحفيز الأعمال وعمليات التنسيق، وربما التكامل، بين بلدان الخليج، لكن هل ستكون هذه البرامج والقرارات كافية في ظل التحولات البنيوية في الاقتصاد العالمي والمؤشرات المقلقة لقطاع النفط؟
منذ عقود ودول الخليج تعتمد على إيرادات النفط لتمويل الإنفاق العام وتحفيز النشاط الاقتصادي، وكل محاولاتها لتنويع مصادر الدخل لم تخفف من حدة هيمنة النفط على الحياة الإقتصادية، ليبقى السبيل الوحيد للتحرر من هذه الهيمنة هو السعي لإنجاز إصلاحات هيكلية قد تكون مؤلمة في عدد من البلدان المعنية.
لا تمر محاولات الإصلاح عادةً دون عقبات وأسئلة مصيرية ينبغي على الحكومات الإجابة عليها منذ البداية، أولها، قدرة هذه الدول على تقليص الإنفاق التجاري والرأسمالي دون إحداث أضرار إجتماعية وسياسية، والطرق التي ستعتمدها لسد العجز في ميزان المدفوعات إن حدث، وبأي الوسائل ستعالج تداعيات الدين العام المحتمل؟
يمكن الزعم بأن دول الخليج ومنها السعودية والإمارات شرعت بإنجاز اصلاحات اقتصادية مستحقة وعَمِلت على تخفيض نسبة مساهمة قطاع النفط في الناتج المحلي الإجمالي ونسبة الإيرادات النفطية من الإيرادات السيادية أو الخزينة العامة، وأصدرت سندات وأذونات دين عام أصبحت من واقع الوضع الاقتصادي لديها..
لكن يبقى السؤال الأهم هو كيف ستتعامل هذه الدول مع أعباء الديون العامة وخدمتها خلال السنوات القادمة؟
تتمثل المواجهة الصحيحة في ترشيد الإنفاق وتقليص العجز في الموازنات وتخفيف الإعتماد على الاستدانة. ذلك بطبيعة الحال يعني إنجاز تحولات في الهيكل الاقتصادي وتحديث بنيته وترشيد دور الدولة الاقتصادي واعتماد أنظمة ضرائب متنوعة.
ومنها ضرائب الأرباح والدخل على الشركات والأعمال وضرائب القيمة المضافة وضرائب دخل الأفراد بموجب الأنظمة التصاعدية Progressive Taxation وتعديل أنظمة الدعم ورفع جباية أدوات الإنتفاع من الاصول والأملاك العامة.
هذه تحديات قد تكون اعتيادية في دول خليجية كالإمارات والسعودية وعمان ولكنها قد تشكل تحديًا في أخرى كالكويت التي تعتمد نظاماً برلمانياً يتسم بالشعبوية، حيث تعززت على مدى سنوات طويلة قيم الاقتصاد الريعي ومفاهيمه وواكبها فساد إداري وسياسي أوجد إستقطابات غير مريحة حول الإصلاح الاقتصادي.
ومهما يكن، فإن استحقاقات الإصلاح ضرورية في كافة دول الخليج ولا مهرب منها خلال السنوات القليلة القادمة.
ترتبط المسألة الثانية، وهي الأهم، بالتركيبة السكانية وكيفية تعديلها بعد أن أصبح الوافدون يشكلون النسبة الأكبر من التعداد السكاني لمعظم دول الخليج ما عدا السعودية، كما يمثلون النسبة الغالبة في سوق العمل في حين تبدو مساهمة العمالة الوطنية هامشية. تشكل هذه المسألة تحدياً هاماً للتنمية البشرية التي لم تساهم إلى حد الآن في تطوير سوق العمل واليد العاملة المحلية نظراً لنوعية التعليم وتدني الكفاءة المهنية بين المواطنين.
إنتبهت القيادات في كل من الإمارات وعمان والسعودية لوجود معضلة في تعطيل المحددات الثقافية والقيمية لتطور التنمية البشرية وحاولت في السنوات القليلة الماضية إنجاز اصلاحات في النظام التعليمي والتأكيد على أهمية توطين الوظائف والحرف في قطاعات حيوية، بيد أن المشوار أمامها طويل ولا يمكن الإستهانة بأهميته وضرورة العمل عليه بسرعة.
إن أهم المعالجات الفعالة في مسألة التنمية البشرية هي تلك المتعلقة بالتطورات التقنية في الأعمال، فالثورة الصناعية الرابعة أدت إلى تحولات في سوق العمل نتج عنها الاستغناء عن أنشطة متعددة ووظائف تقليدية!
لذلك ينبغي أن يواكب التعليم وبرامج التنمية البشرية هذه التحولات ومتغيرات التكنولوجيا وأن يحرص على ضرورة اكتساب المهارات المهنية بأحدث الأدوات والآليات التعليمية والمهنية. خلاف ذلك، ما الفائدة من التركيز على مهارات تم الاستغناء عنها بفعل الثورة التكنولوجية الحديثة؟
تحسّنَ المستوى المعيشي في دول الخليج لكافة الفئات والطبقات الشعبية منذ بداية عصر النفط، لكن التفاوت الكبير في توزيع الثروات يمثل، ربما، أكبر عقبة في وجه الإصلاح الإقتصادي.
تطالب الفئات المهمشة بالعدالة الاقتصادية والاجتماعية ومحاربة الفساد والتنفع من الأموال العامة الذي ساهم بمجمله في هذا الإختلال المريع في توزيع الثروة ليراكمها في يد نسبة لا تتعدى ال1% من السكان. وعليه، يجب أن يرتكز الإصلاح الإقتصادي على تطبيق العدالة وإعادة توزيع الثروات.
ومن أهم هذه الاجراءات إقرارُ نظامٍ ضريبي تصاعدي على الدخل يشعرُ أصحابَ الدخل المحدود والمتدني والطبقات الوسطى أن الأثرياء يدفعون ضرائباً مستحقة على الأموال التي مكنتهم سياسات الإنفاق العام غير العادلة من الإستحواذ عليها.
هذا النوع من الضرائب مطبق في مختلف الدول ذات النظام الاقتصادي الرأسمالي، ويشكل المصدر الرئيسي لمداخيل خزينتها العامة، بما يمكنها من تحسين قدرتها على الانفاق العام، خصوصاً في مجال الرعاية الصحية والتعليم والإسكان ومساعدة الفقراء.
أصبحت الضرائب مستحقة في دول الخليج لا سيما أن أصحاب الثروات تمكنوا على مدى عقود من مضاعفتها عبر أليات الإنفاق العام والدعومات المتنوعة والتسهيلات التي توفرت لمصلحة القطاع الخاص، ومنها دعم الكهرباء والمياه وغيرها من خدمات لوجستية.
يحتاج الإصلاح الاقتصادي في دول الخليج إلى أنظمة سياسية أكثر عصرية تسمح بالمشاركة الشعبية الحقيقية وتدعم قيام المنظمات السياسية التي تمتلك البرامج الملائمة وتعتمد مرجعيات مدنية مقبولة من المجتمعات وأنظمة الحكم القائمة ولا تكرس الاستقطابات الأيدولوجية أو الدينية أو العرقية.
كما أن تطوير هيئات المجتمع المدني المهتمة والعاملة في مختلف المواضيع كالبيئة والمرأة والشباب والفنون ونقابات العمال والطلبة قد يساهم في خلق رأي عام وطرح وجهات نظر حول مختلف القضايا الاقتصادية، من جهة أخرى قد يُمكّن هذا التطوير الدولة من إقناع المجتمع بأهمية الاصلاحات الهيكلية التي تقوم بها.
في عصر التواصل الاجتماعي المتسارع يكون للمجتمع المدني أهمية لا تقل عن أهمية التمثيل النيابي في البرلمانات. يمكن لمخرجات هذا المجتمع أن تساهم في طرح أفكار ومقترحات تثري الحياة السياسية وتدفع لتطبيق تشريعات أو قوانين ذات صلة بالحياة الاقتصادية.
مكّنت إيراداتُ النفط دول الخليج من تطوير بُنيتها التحتية وارتقت بمستوى الرعاية الصحية وأوجدت مخرجات تعليمية متنوعة، رغم ذلك، آن الأوان لإستثمار هذه الانجازات في بناء اقتصادات قابلة للديمومة، تستفيدُ منها كافة العناصر البشرية والمادية.
* عامر ذياب التميمي كاتب وباحث اقتصادي كويتي
المصدر | البيت الخليجي للدراسات والنشر