لماذا قرر المغرب القفز من سفينة السياسة السعودية؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2991
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد
 أبقِ أصدقاءك قريبين لكن أبق أعداءك أقرب، قد يكون هذا المثل حاضرا بشدة لدى المغرب في حين تتحرك بخطوات أكثر عدوانية تجاه المملكة العربية السعودية وولي عهدها، "محمد بن سلمان".
وفي ظاهر الأمر، يبدو سحب المغرب لسفيره من الرياض، وإثارة الخلاف مع المملكة العربية السعودية، غير منطقي لكلا البلدين، خاصة بالنظر إلى أنه منذ تنصيب "بن سلمان"، التزمت الرباط باحترام ولي العهد السعودي ومحاذاة نفسها مع أفكار الرياض وواشنطن الأكثر جرأة في المنطقة.
ويعتبر كلا البلدين ملكيات لها علاقات قوية مع واشنطن، وبشكل أو بآخر، يقعان في نفس الصفحة الجيوسياسية.
وكان المغرب والسعودية حليفين في جامعة الدول العربية حول الموضوعات الكبرى، مثل اليمن والصحراء الغربية وإيران، لكن الرباط كانت قد بدأت في إظهار بعض التململ حول السياسات السعودية ومنها حرب اليمن وحصار قطر، وهو ما ردت عليه قناة "العربية"، وهي آلة الدعاية الداخلية الخاصة بالمملكة التي تجاوزت خطا أحمرا عندما صنعت فيلما وثائقيا حساسا عن الصحراء الغربية.

هدف في مرماه
ولسوء الحظ، يتعمق الخلاف، الذي يبدو أنه تفاقم بسبب الفيلم الذي يصور المغرب على أنها تغلغلت بشكل غير شرعي في الصحراء الغربية عندما انسحب الأسبان عام 1975.
ومن وجهة نظر الرباط، كان الفيلم الوثائقي هو "القشة التي قصمت ظهر البعير". فقد وصل المغاربة إلى نقطة الانهيار مع "بن سلمان" وأسلوب قيادته الصاخب، مع وصف أحد المطلعين من الداخل للفيلم الوثائقي بالـ"مهين".
لكن هذه ليست المرة الأولى التي يشعر فيها المغاربة بالإهانة في عهد "بن سلمان"، وهو ما يثير التساؤل عما إذا كانت "الصداقة" بين البلدين حقيقية.
وفي الواقع، لم يكن من الممكن للسعوديين أن يطلقوا على أنفسهم "أصدقاء" للمغرب، في حين أنهم لعبوا لعبة قذرة ضدها خلال التصويت على ملف كأس العالم 2026، حين أيدوا العرض الأمريكي ضد العرض المغربي. وكان هذا في حد ذاته خيبة أمل كبيرة للرباط، التي اعتبرت الحدث فرصة هائلة لوضع المغرب على خريطة الاستثمار الأجنبي.
وفي المقابل، قد يجادل السعوديون بأنهم شعروا بالإحباط بعد أن قرر الملك "محمد السادس" تجميد القوات التي أرسلها إلى اليمن دعما للرياض، ورفضه استضافة ولي العهد السعودي مؤخرا.
ولا يمكن إلقاء اللوم كثيرا على الملك المغربي، بسبب ما اعتبره معظم المراقبين، بما في ذلك وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، تواطؤا في مقتل الصحفي "جمال خاشقجي"، والذي كان سيضع الملك المغربي في موقف حرج على المسرح العالمي.
ومن نواح كثيرة، سهل مقتل "خاشقجي" على المغرب الابتعاد عن السعودية، حيث كانت الرياض تشعر بحرج مسبق بسبب رغبة السعودية في الهيمنة، ويبقى الخاسر الأكبر في هذه المعركة أيضا هو "محمد بن سلمان".
وفي كل الخلافات الدولية التي حدثت مؤخرا تقريبا، عادة ما تكون السعودية متحمسة ومندفعة، لكن هذا الاندفاع يأتي بنتائج عكسية غالبا. ونذكر هنا بسجل من الحوادث المماثلة في اليمن ولبنان وسوريا وقطر. ولكن لأن المغرب لاعب ثقيل الوزن في كل من واشنطن وباريس، لا يستطيع السعوديون تحمل تكلفة الخلاف الدبلوماسي مع المغرب أو إبعاد المغاربة عن الحلبة الجيوسياسية، لأنه من المحتمل إذا ما حدث ذلك، أن النتيجة كارثية لـ "بن سلمان"، فسوف يقترب المغرب أكثر من قطر وتركيا، وستجد الرياض نفسها معزولة.
وإذا حصل الفريق المكون من تركيا وقطر على عضو ثالث، فستكون هذه ضربة مدمرة للمملكة العربية السعودية، التي تكافح من أجل تحقيق عدد من مبادرات العلاقات العامة التي تهدف إلى تحسين صورتها حول العالم.
وستكون خسارة المغرب خطأ فادحا؛ لأنها ستشير إلى العالم العربي برمته بأن هناك، في الواقع مكان جغرافي ثالث يدير ظهره إلى النظام القديم والتقليدي، الذي تقف فيه السعودية مقابل إيران وروسيا والصين. وقامت دول مثل قطر وتركيا بالفعل بهذا الأمر، بينما تراجعت دول أخرى مثل مصر وعمان والكويت الأمر ولكنها لا تزال تخشى التحرك.
وكان للمغرب موقف حازم ضد إيران منذ عام 2014، عندما وجد أن طهران تدعم مقاتلي "البوليساريو" في الصحراء الغربية، لذا قد يعتقد المرء أن السعودية لديها حليف طبيعي في الرباط. والحقيقة هي أن هذه المملكة القديمة على أطراف العالم العربي لم تقبل أبدا السعودية كأخ كبير لها. وفي الأعوام الأخيرة، كان هذا واضحا، بعد أن تجاهل المغرب تماما الدعوة للانضمام لمجلس التعاون الخليجي.
لكن المغرب اختار إظهار الدعم للمملكة في اليمن. وكان هناك 1500 جندي، و6 مقاتلات مغربية شاركوا في القتال في عرض واضح للدعم الرياض.
وكانت الحرب في اليمن كارثة بالنسبة للسعوديين. فقد كلفتها نحو 100 مليار دولار، والتي كان من الممكن أن تضخها داخل "رؤية 2030" لخلق الوظائف، ولا تحتاج لبيع جزء من شركة النفط المملوكة للدولة. ورغم ذلك، ليس هناك ما يشير إلى أن التحالف السعودي في طريقه حتى لتحقيق النصر.

مجموعة غنية
وكانت قطر أيضا موضع بين الرياض والرباط، وقد استفادت هذه الإمارة الغنية الصغيرة بالفعل من الحصار الذي فرضه عليها "بن سلمان". وربما لم يغفر السعوديون للمغرب كونه أول بلد عربي يرسل المساعدات الغذائية لقطر، وأن "محمد السادس" كان أول زعيم عالمي يزور قطر بعد الحصار.
والمشكلة هنا مع السعوديين هي أن كل مشروع تقريبا ينخرطون فيه وتظهر فيه بصمة "بن سلمان" فإنه يفشل ويرتد بعد ذلك إلى صدورهم، إنها لعنة تقريبا.
وفي الحرب الإعلامية مع قطر، فقدت المملكة كل صوت مؤيد. ويبدو الأمر وكأن الدول التي تظاهرت في البداية بدعم الموقف السعودي قد بدأت بالقلق من انتشار المرض السعودي.
وبالنسبة لـ "بن سلمان" وحكومته الجديدة، سيكون عليهم فعل الكثير من أجل تحسين العلاقات مع الرباط. ويعد المغرب قصة ناجحة عن كيفية قيام مملكة عربية مسلمة محافظة بإبقاء قدم لها في الماضي وأخرى في المستقبل.
ولا شك أن الاستثمار الأجنبي في المغرب موضع حسد كبير من قبل "بن سلمان" والمملكة. ومع وضع المغرب الآن كمستثمر رئيسي في أفريقيا، ستكون هناك مجموعات غنية من السعوديين على استعداد للاستثمار هناك إذا ما أرادوا تقوية موقفهم. ويمتلك المغرب صناعة الطيران الأقوى في العالم العربي.
لكن السعودية تظهر دائما كبيت من ورق. وتحتاج النخبة إلى قصة نجاح لأميرها الشاب الجديد، وهو أمر من يتطلب دفن قضية "خاشقجي"، والأحاديث حول سلسلة من السياسات السيئة، التي يجد الملك "سلمان" صعوبة في تجاهلها كل يوم.
وفي الواقع، يتوقع معظم الخبراء أن تحفر الرياض حفرة أخرى لا يمكنها الخروج منها، بينما تحسن قطر علاقاتها مع الرباط. ويعد الحديث مؤخرا عن انسحاب المغرب من خطة "الناتو العربي" ضربة أخرى تهدد مصداقية وقيمة "بن سلمان" لدى واشنطن.

المصدر | مارتن جاي - تي آر تي وورلد