«بلومبرغ»: كابوس «بن سلمان».. لماذا لن يتم الاكتتاب العام في «أرامكو»؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 22775
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد
 في تلك اللحظة، كان الأمير السعودي الشاب يقدم نفسه للعالم كوجه متهم بالأعمال التجارية.
وفي أوائل عام 2016، قال «محمد بن سلمان» إنه يعتزم بيع أسهم في جوهرة تاج المملكة، شركة «أرامكو» السعودية، شركة الطاقة العملاقة التي تنتج 10٪ من نفط العالم، وتمول الدولة السعودية.
وسيكون الاكتتاب العام الأولي، المخطط له عام 2018، هو الصفقة المنتظرة بهدف جمع أكثر من 100 مليار دولار لصندوق ثروة سيادي جديد، وإنشاء أكبر شركة مدرجة في العالم، وتحويل مئات الملايين من الدولارات كرسوم إلى نخبة بنوك وول ستريت.
وقال «بن سلمان»، ولي العهد البالغ من العمر 32 عاما، إن الشركة تبلغ قيمتها ٢ تريليون دولار على الأقل، أي أكثر من ضعف تقييم السوق الحالي لشركة «آبل»، وربما تصل إلى 2.5 تريليون دولار.
وبعد عامين، تبدو الأمور مختلفة تماما؛ مزيج من الغطرسة بشأن التقييم، وجدول زمني مفرط، وعدم مبالاة، إن لم تكن سخرية، من المستثمرين العالميين المشككين في أن الطرح العام سيعود عليهم بالفائدة، الأمر الذي أجبر الرياض على تأخير البيع حتى عام 2019 على الأقل، وتشك القيادة العليا للشركة في ما إذا كان الاكتتاب سيحدث على الإطلاق، وأصبح الاكتتاب العام لشركة أرامكو أشبه بـ«زومبي»، أو ميت حي.
وكان «دونالد ترامب» قد أضاف إلى هذا المزيج، حين قال الرئيس الأمريكي إنه متحمس لفكرة بيع أسهم «أرامكو» في بورصة نيويورك، لكن يبدو الآن أن إبقاء سعر البنزين تحت السيطرة أمر أكثر أهمية.
ومع مواجهة الجمهوريين للانتخابات المتوسطة الصعبة في نوفمبر/تشرين الثاني، ضغط الرئيس على السعودية لضخ المزيد من النفط، ويعني انخفاض سعر النفط تخفيض قيمة الشركة.

أزمة شخصية
وبالنسبة لـ«بن سلمان»، يمثل تلاشي الاكتتاب العام الأولي أزمة شخصية، ولم يكن ولي العهد محتاجا إلى المال بقدر ما كان في بداية مهمته لتغيير البلاد.
وقد توصلت السلطات السعودية هذا العام إلى اتفاقات لاسترداد أكثر من 100 مليار دولار (وهو المبلغ نفسه الذي كان من المفترض أن يقدمه الاكتتاب في أسهم شركة أرامكو) من خلال حملة تحقيقات فساد مثيرة للجدل، وضعت العديد من أبرز شخصيات المملكة سجناء في فندق «ريتز كارلتون» في الرياض.
وبالفعل، بدأ كبار المسؤولين تخفيف التوقعات حول الاكتتاب العام، وقال «خالد الفالح»، وزير الطاقة، أمام مؤتمر صناعي في يونيو/حزيران: «التوقيت ليس حاسما بالنسبة لحكومة المملكة العربية السعودي، ولكنه سيكون من اللطيف إذا استطعنا القيام بذلك في عام 2019، هناك الكثير على المحك قبل أن نقول إننا مستعدين لهذا المسار».
وسيكون تأجيل طرح الاكتتاب الأولي لما بعد عام 2019 بمثابة نكسة لخطة «بن سلمان» لتحويل المملكة، وسيثير فكرة أن المملكة ليست جادة حقا بشأن إصلاح اقتصادها.
لكنه سيكون أيضا انتصارا لأنصار البيئة في أوروبا وأمريكا، الذين يقولون إن المستثمرين الدوليين يجب أن يبدأوا إدارة ظهورهم بعيدا عن النفط والاستعداد للانتقال إلى نظام النقل الكهربائي.
وتحتاج الرياض إلى أسعار نفط أعلى لتمويل ميزانيتها الوطنية، والحصول على تقييم مرتفع لـ«أرامكو» قريبا من احتياجات «بن سلمان» المستهدفة بـ2 تريليون دولار.
لكن هذا يعمل ضد خطط «ترامب»، وهو أهم حليف للمملكة، وغيره من الحلفاء، ولا سيما الصين والهند، وهما من أكبر مستهلكي النفط في العالم.
وفي 20 أبريل/نيسان، ذهب الرئيس الأمريكي إلى «تويتر» ليدفع السعوديين إلى التوقف عن السعي لرفع أسعار النفط، وقال ترامب: «يبدو أن منظمة أوبك تعيد الكرة مرة أخرى، فأسعار النفط مرتفعة جدا بشكل مصطنع».
ومنذ ذلك الحين، أصدر «ترامب» المزيد من التغريدات حول النفط، والسعودية، ومنظمة «أوبك»، وفي إحدى التغريدات، قال إنه أقنع الملك «سلمان» برفع الإنتاج من أجل خفض الأسعار.
وليست المشكلة فقط في واشنطن وبكين ونيودلهي، فقد قالت موسكو، التي دعمت السعوديين خلال العامين الماضيين في تعزيز أسعار النفط من خلال الحد من الإنتاج، إن الوقت قد حان لخفض الأسعار، وقال «فلاديمير بوتين»، في نهاية مايو/أيار، إن موسكو ستكون أكثر سعادة بـ60 دولارا للبرميل بدلا من 80 دولارا التي يسعى السعوديون إلى تحقيقها.
وقد استقبل السعوديون الرسالة على النحو الواجب، وفي أواخر يونيو/حزيران، أعلنوا أن «أوبك» وحلفاءها سيزيدون الإنتاج بما يصل إلى مليون برميل يوميا، أي ما يعادل 1٪ من الطلب العالمي.
وفي المنتدى الاقتصادي الدولي في «سانت بطرسبورغ»، تعهد «الفالح» بأن يفعل «كل ما هو ضروري للحفاظ على توازن السوق»، مرددا التعهد الشهير الذي قدمه «ماريو دراجي»، رئيس البنك المركزي الأوروبي، لإنقاذ العملة الموحدة في ذروة أزمة اليورو في عام 2012.

تأخير الاكتتاب
وفجأة، لم تعد الرياض قادرة على دفع أسعار النفط إلى المستويات التي تحتاجها لتحقيق تقييم «أرامكو» الذي تريده، ويقول «أوليفييه جاكوب»، العضو المنتدب في شركة «بتروماتريكس للاستشارات» ومقرها سويسرا: «هذا تغير محوري، لقد عدنا إلى الأيام التي اضطرت فيها المملكة إلى الاستجابة لمطالب الولايات المتحدة بفرض سقف على أسعار البنزين».
ومنذ يناير/كانون الثاني 2016، عندما أعلن «بن سلمان» نيته لأول مرة عقد الاكتتاب العام في شركة «أرامكو»، وعلى مدى أشهر تالية، قال المسؤولون السعوديون مرارا وتكرارا، إن الطرح العام الأولي «على المسار الصحيح، وفي طريقه للتنفيذ في النصف الثاني من عام 2018».
وفي أواخر العام الماضي، قام المسؤولون السعوديون باستبعاد الإدراج الخارجي، ووضعوا خطة أقل طموحا للاكتتاب العام في الرياض.
ثم، في وقت سابق من هذا العام، عندما أصبح من الواضح أن العملية تأخرت، قام المسؤولون بتغيير السرد مرة أخرى، قائلين إن البيع سيحدث «على الأرجح» في عام 2019.
والآن ضعفت الإشارات مرة أخرى لقرب حدوث الاكتتاب، ويصر السعوديون على أن الاكتتاب قد تأخر فقط ولم يلغ، ومع ذلك، لا جديد يبدو في الأفق.
وتبدو المشكلة الرئيسية الآن هي التقييم، وقد أصبحت مشكلة التقييم أكثر وضوحا بعد أن كشفت وكالة «بلومبرغ نيوز» عن أول حسابات لـ«أرامكو» منذ تأميمها قبل 40 عاما تقريبا.
وشملت الوثائق المسربة النظام الضريبي للشركة، وأظهرت الحسابات أن «أرامكو» كانت الشركة الأكثر ربحية في العالم، حيث حققت 33.8 مليارات دولار من الدخل الصافي في الأشهر الستة الأولى من عام 2017، قبل الضرائب.
ويتم توجيه الكثير من الأموال التي تولدها الشركة ذات الضريبة العالية كإتاوات مقتطعة لصالح ميزانية الحكومة السعودية، فكيف يمكن للمستثمرين أن يتأكدوا من أن الحكومة لن ترفع الضرائب على الشركة لدفع المزيد من الإنفاق الاجتماعي أو العسكري، خاصة عندما تحتاج الحكومة بالفعل إلى كسر سعر 80 دولارا للبرميل؟
ومع كل ذلك، لن يساعد ارتفاع أسعار النفط في تعزيز التقييم بقدر المرغوب فيه من قبل الحكومة، لأن الرياض قامت بإصلاح نظام الإتاوات لتحصل الحكومة على المزيد من الأموال مع ارتفاع أسعار النفط الخام.
ومن المقرر أن يصل المعدل إلى 20% من الإيرادات عند وصول أسعار النفط إلى 70 دولارا للبرميل، و40% عندما تكون الأسعار بين 70 و100 دولار، و50% لما فوق 100 دولار.
كما وسعت الحكومة حجم مجالات النفط الخام التي تغطيها الإتاوات، وفي السابق، تم تطبيق ذلك على الصادرات، والآن، أصبحت على الإنتاج.
وبالنسبة للمستثمرين المحتملين، يتجاوز لغز «أرامكو» موضوع التقييم، فقد يكونون مرعوبون أيضا من الطريقة التي يتم بها تسعير النفط، فلطالما تم تحديد إنتاج «أرامكو» من قبل الدولة، ويجب أن تتوافق الشركة مع ما تقرره «أوبك»، حيث تعد السعودية هي العضو القيادي، ويخلق هذا صراعات محتملة بين ما يصلح للحكومة في الرياض وما يزيد من عوائد المستثمرين إلى أقصى حد.
كما يشعر مديرو الصناديق بالقلق من أن قيمة حقول النفط قد تتضاءل مع قيام الحكومات بتكثيف جهودها للحد من استهلاك الوقود الأحفوري لمكافحة تغير المناخ. وسوف يقلل انتشار السيارات الكهربائية، على سبيل المثال، من نمو الطلب على النفط على مدى العقدين المقبلين.
ولدى الحكومة السعوديية خيارات في حال قررت القيام بالاكتتاب العام بسرعة، وقد تقرر خفض معدلات الضرائب على الشركة لدعم تقييمها، والتطلع إلى استعادة الأموال في صورة أرباح.
ومن الممكن أيضا توفير وضع خاص لحفظ ماء الوجه، حيث يتم بيع حصة في شركة «أرامكو» إلى شركة صينية دون الإفصاح عن مقدار الأموال التي تم جمعها فعليا في المعاملة.
وقد ناقش المسؤولون علنا عملية بيع أو توزيع عدد قليل من الأسهم للمواطنين السعوديين في سوق الأوراق المالية المحلية في البلاد.
ويقول «جون براون»، الذي كان يدير شركة النفط البريطانية العملاقة «بي.بي بي إل سي» لأكثر من عقد من الزمان: «أنا متأكد من أنه سيكون هناك شكل من أشكال بيع أرامكو السعودية في السوق، ولكن من غير الواضح أي سوق وكيف بالضبط، وأنا هنا متردد في استخدام كلمة الاكتتاب العام».
ويبدو أن صفقة «بن سلمان» التي تم التطلع إليها في عام 2016 قد يكون أمامها شوط طويل لتقطعه.

المصدر | بلومبرغ