السعودية الوارث الذي لا يعمل .. ازمة كفيلة لانهيار امبراطورية.. ” الجزء الثالث “

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1802
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

د. نسرين زريق
الاقتصاد السعودي لم يبنى على تحفيز الاستثمار ، العقد الاجتماعي الضمني بين الحكومة والشعب ينص على ( لعنة الريع ) : توفيرهم للشعب وقودا باسعار متدنية ودعما للبضائع بعدم فرض اي ضرائب – انفتاح على الاستهلاك- توفير الخدمات المجانية من انترنت وطبابة وتعليم وكهرباء ، رغم انها الان بدأت تتراجع عن خدمة الانترنت بين قوسين.
لو توقفت الحكومة السعودية عن تقديم هذا الدعم الى مواطنيها كما هي تتوجه الان من ناحية نيتها القريبة برفع اسعار الوقود المباع للناس الى ما يقارب سعر بيعه العالمي ، اي بين 3 الى 5 اضعاف ، فإن الغالبية من السكان ولنقل السعوديين الذين تقل رواتبهم عن ال 1500 دولار شهريا موظفين وعسكريين لن يشعروا بكثير من السعادة بذلك مع الاحتمالات المتزايدة بالغلاء والتضخم بالاسعار المتوقع مع احتمالات قوية بتراجع سعر صرف الريال السعودي في مقابل تردد دول مجلس التعاون الخليجي بفكرة دعم عملة قائد المجلس هذا تجنبا لغرق الكل .
الامراء والاثرياء والطبقة المالية العليا تضخمت ثرواتهم على خلاف المتوقع خلال هذه الازمة الاقتصادية بشكل واضح وهم لا يبدون استعدادا للتنازل عن جزء من رفاهيتهم او تقديم اي دعم لحكومتهم ان تعرضت لمزيد من العواصف في ازمتها ، مثلهم كمثل نمطية تفكير الشعوب العربية التي لم تبرمج على ان الدعم لدولهم هو دعم لموطنهم اصلا منبع ثروتهم فهناك فصل حاد بالتفكير بين النظرة للوطن الذي اقتصرت على الاسم والعلم والشعار والمكان ، وبين الارتباط المتبادل به .
النظرية في الاقتصاد السياسي ان الدولة الريعية اي التي تدعم مواطنيها والتي تعتمد على مورد وحيد، ستواجه حتما دوامة الحلقة المفرغة تقع فيها اسيرة في حال حصدت المزيد من المال من هذا المورد .. كيف ؟ تحصل على المزيد من الايرادات وبحكم لعنة الريع ستقوم بتوظيف المزيد من الشعب بدون انتاج حقيقي والمزيد من الغرباء بانتاج حقيقي ، الشعب سيعود لانفاق ما يحصل عليه بالداخل والغرباء سيوجهون اغلب اموالهم للخارج اي انها ستعيد ايراداتها للهدر في الخارج ، فكيف اذن سيتم الاستثمار ؟ عن طريق السعوديين وبعض الغرباء الاثرياء .
وحين تنخفض الاسعار لهذا المورد الوحيد تقع الكارثة ، لا تغيير في النظرة لهذه النظرية المثبتة , هذا ان تجاهلنا ان الغزارة النفطية دائما تتجه يوما ما الى الانحسار ، وبالنسبة للسعودية تقدر ب 4 عقود على اعلى تقدير . كما عنونت نيويورك تايمز ، تمويلها لهذا الريع بالبترودولار لن يدوم طويلا لان ساعة الحقيقة قد حانت .
من ناحية ثانية قانون جاستا الذي اقره مجلس الشيوخ الامريكي، الذي يسمح لاي مواطن امريكي بمقاضاة دولة راعية للارهاب ان الحقت به ضرارا او بذويه وساهمت بالحاق الضرر في المصلحة الامريكية العامة مقابل تعويض مادي ، هذا القانون الذي ابعد فكرة الفردية في المحاسبة على الجرائم الامنية والانسانية بل والتوجه لمقاضاة دولة سيؤدي ان تم تطبيقه لاقتناص بعض الثروات للدول الراعية للارهاب وكذلك الجهات الراعية للارهاب والتي تصنف المملكة من ضمنها, و أول قضية قانونية تم رفعها من سيدة امريكية.
المضحك ان هذا القانون نفسه لو تم تطبيقه على الولايات المتحدة بصفتها ايضا راعية للارهاب فإن كلا من اليابان وفيتتنام و العراق وسوريا ستحصل على تعويضات كفيلة بافلاس الولايات المتحدة خلال مدة وجيزة وذلك بما لديهم من توثيقات لدعمهم الجهات الارهابية في تلك المناطق او ممارستهم جرائم ضد الانسانية بشكل فاضح حسب القانون الدولي ما يسمى : الابادة .
تم رفض طلب الفيتو الرئاسي الامريكي الى مجلس الشيوخ بايقاف القانون من جهة السماح لذوي ضحايا 11 ايلول بمقاضاة الدول المتورطة في الهجمات ، تم تجاهل رغبة المشرعين الامريكيين باستقصاء القانون وما زال مجلس الشيوخ بالاجماع ماعدا صوت واحد مصرا على المضي بهذا القانون والبدء بتجميد ارصدة الدولة الراعية للارهاب لديها حتى يتم البت في هذه القضايا من مبدأ “العدالة مقابل الارهاب = جاستا اختصارا ” وحتى يتم تسديد التعويضات للمستحقين .
بين المزيد من الضغوط العالمية على الولايات المتحدة للتوقف عن المضي بذلك باعتبارها متورطة ايضا وسيقاضيها العالم ان اقر هذا القانون الدولي المشروع الذي ما زال يتجاهله ، وبين ان السعودية في واجهة المدفع ستكون اول المحاسبين عن الارهاب ، وفي ظل ازمتها الاقتصادية الحالية ، تجميد ارصدتها الذي ما زال بين تأكيد تنشره سي ان ان تارة وتنفيه بعض جهات الاعلام تارة ، سيضعها في خانة المزيد من الضغوط المالية المدمرة سريعا ، كيف .؟
اول نتائج القانون كان تراجعا طفيفا جدا في سعر صرف الريال السعودي اتجاه الدولار ، الاهم هو تعطيلها واعادة النظر بأهم مشروعين للمملكة في الوقت الحالي لتوفير السيولة لحل ازمتها الخانقة وهما : طرح اسهم ارامكو اكبر شركة نفطية في الشرق الاوسط المملوكة للمملكة : طرح اسهمها في بداية العام القادم كان من المخطط ان يتم في الولايات المتحدة لحصد اموال من المستثمرين في الخارج للملكة، و بدأت المملكة باعادة النظر في تقديمها استثمارات جديدة لها في الولايات المتحدة بعد هذا القانون تخوفا من حدوث اي تجميد في هذه الاستثمارات في حال استمر جاستا وبدأت تنهال عليها القضايا القانونية لسحب تعويضات .
والمشروع الثاني كانت السعودية تعتزم طرح سندات دولية سيادية بقيمة مليارات دولار للبيع خارج المملكة ، السندات الحكومية عادة تمثل استدانة دولة من افراد سواء في الخارج او الداخل للحصول على سيولة تحتاجها مقابل اعادتها لقيمة السندات مع فوائد بعد انقضاء المدة المحددة في السند ما لم يخضع لتجديد ، ايضا تم اعادة النظر في هذا الطرح ، بدأت المخاوف من التمدد بالاستثمارات الخارجية تحيط بالمملكة وبطبقتها المخملية .
لن يكون هناك تأثير مباشر سريع على المملكة بقانون جاستا ان تم تطبيقه ، سيحتاج وقتا في المحاكم الدولية والامريكية ريثما يتم البت في القضايا ، الارهاق سيكون في تسديد اعباء قانونية للسير بهذه المحاكمات كانت المملكة بغنىً عن مزيد من النفقات في الوقت الحالي ، مشكلة هذا القانون او ازمته الحقيقية بالنسبة للمملكة برأيي هو التوقيت السيء .
الاحصائيات تقدر التعويضات بهذا القانون بما تقارب ال 2 تريليون دولار امريكي، سواء للاشخاص او لشركات التأمين الامريكية والدولية التي ستشارك في القانون هذا وتنفيذه بما يخص هجمات 11 ايلول وحدها ، لم يتم فتح باقي ملفات الارهاب بوجه السعودية حتى الان ويتوقع ان تنال المزيد من الضغوط ان بدأت السلسلة بالتفكك.
السعودية ترى نفسها في موقف سليم بعيدا عن اي اعباء او مسؤوليات او خسائر من جراء تطبيق هكذا قانون بما ينقض توترها الواضح بين النفي والقبول للعدالة، ولكن الواضح والجازم الان انها في طور البحث عن ” حليف شرقي قوي جدا بديل” عن الولايات المتحدة لتصب استثماراتها وسنداتها فيه لمواجهة الاسوأ ان كان يتم حساب الاسوأ في ظل ادارة دولة مبتدئة تعاني من سوء التخطيط للمستقبل كالمملكة.