«ناشيونال إنترست»: كيف تستعد كل من السعودية و(إسرائيل) لانهيار الاتفاق النووي؟
ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد
في مناقشة ردود الأفعال حول الاتفاق النووي الذي تم توقيعه بين إيران والمجتمع الدولي في يوليو/تموز عام 2015، حذر الباحثون من متوالية التداعيات المحتملة في منطقة الشرق الأوسط. كانوا قلقين بوجه خاص حول ردود أفعال بلدين رئيسيين هما (إسرائيل) والمملكة العربية السعودية. وفي حين أن مهندسي الاتفاق النووي أشادوا به بوصفه وسيلة للحد من الانتشار النووي في المنطقة، جادل النقاد أن هذه الصفقة سوف تؤدي في الواقع إلى اشتعال سباق تسلح نووي.
ووفقا لخطة العمل المشترك، فإن إيران تلتزم بتقديم تنازلات جوهرية بشأن برنامجها النووي في مقابل رفع العقوبات. في ديسمبر/كانون الأول عام 2015، قدمت الوكالة الدولية للطاقة الذرية شهادة تفيد بامتثال إيران لبنود الاتفاق، مما يمهد الطريق لتخفيف العقوبات. ووعدت الوكالة بتشديد مراقبتها على الأنشطة السلمية الإيرانية طوال مدة الاتفاق البالغة 15 عاما. وأعربت جميع الأطراف عن تفاؤلها بالتوصل إلى صفقة تاريخية تمنع انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط.
ومع ذلك فإن إيران لديها تاريخ طويل من إثارة التوترات في المنطقة، وسجل طويل مناظر من الخداع في التعامل مع شعبة الوقاية من وكالة الطاقة الذرية. ولذلك فإن أجواء من عدم الثقة تخيم على التوقعات بشأن النتائج النهائية لاتفاق العمل المشترك. وأثيرت مخاوف من أنه على الرغم من الرقابة الصارمة، فإن إيران بإمكانها إدارة برنامج تسلح غير مشروع. (إسرائيل) هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك أسلحة نووية وقد برزت بوصفها أبرز معارضي الاتفاق النووي.
الترسانة الإسرائيلية
على النحو الذي كان يأمله «ديفيد بن جوريون»، كان الهدف من الترسانة النووية الإسرائيلية هو توفير الردع ضد التهديدات القادمة من الدول العربية ذات الجيوش الأقوى عدديا. من أجل الحفاظ على هذه القوة الرادعة، فإن (إسرائيل) عملت على احتكار امتلاك السلاح النووي في المنطقة. ونتيجة لهذا الافتراض، وتحت ما يسمى «مبدأ بيغن»، قام سلاح الجو الإسرائيلي بقصف مفاعل «الأزيرق» العراقي في عام 1981 والمفاعل السوري في عام 2007.
بعد اكتشاف البرنامج النووي الإيراني في التسعينيات، شنت (إسرائيل) حملة متعددة الأوجه لإجبار إيران على التراجع عنه مرة أخرى. باستخدام مجموعة من الأدوات السرية، وأجهزة الاستخبارات، والعمل بمفردها أو مع الولايات المتحدة، سعت لكشف وتدمير البنية التحتية النووية الإيرانية. وعلى الصعيد الدبلوماسي، قادت حملة لفرض عقوبات اقتصادية قاسية على إيران. وبحلول عام 2009، خلصت حكمة الليكود أنه على الرغم من تحقيق بعض النجاحات المحدودة، فإن هذه التدابير فشلت في إيقاف تقدم البرنامج النووي الإيراني.
شرع «نتنياهو» ووزير دفاعه آنذاك «إيهود باراك» في التخطيط لتنفيذ ضربة وقائية على منشآت طهران النووية. وفي عدد من المناسبات المختلفة بين عامي 2010 و2012، حاول «نتنياهو» و«باراك» إقناع الحكومة بتوجيه الضربة الأمنية. باءت نتيجة هذه المحاولات بالفشل بسبب وجود اعتراضات قوية من الجيش الإسرائيلي وقادة الاستخبارات وعدد من أعضاء مجلس الوزراء. أخذ «مائير داغان»، رئيس الموساد، زمام المبادرة في تنظيم معارضة قوية للمهمة المقترحة نظرا لأن إيران كانت لا تزال على بعد سنوات طويلة من امتلاك السلاح النووي. كما أن الهجوم على إيران يمثل تحديا عسكريا أكثر تعقيدا ولا يمكن تنفيذه سوى بمساعدة الولايات المتحدة.
الحصار الدبلوماسي
ومع اضطرارها للعودة إلى المسار الدبلوماسي، حثت حكومة الليكود الولايات المتحدة على التفاوض للوصول إلى اتفاق يلغي مشروعات التخصيب الإيرانية كلية وهو موقف نظرت إليه إدارة «أوباما» على أنه غير واقعي بالنظر إلى أن معاهدة حظر الانتشار النووي لا تحظر على إيران امتلاك برنامج نووي مدني. وعلى الرغم من أن الاتفاق يمثل تراجعا كبيرا لبرنامج إيران النووي، فإن «نتنياهو» قام بحشد اللوبي الإسرائيلي في واشنطن من أجل منع تمريره في الكونغرس. خلال حملة ضارية، اتهم «نتنياهو» وأنصاره من الأمريكيين إدارة «أوباما» بتعريض (إسرائيل) لمحرقة ثانية على يد إيران النووية.
ومع ذلك، نجح الحرس الثوري في تمرير نقطة الضعف الأبرز بشأن الاتفاق والمتعلقة بالصواريخ البالستية. في الأسابيع الأخيرة من المفاوضات، سعى المسؤولون الإيرانيون لتخفيف قرار مجلس الأمن رقم 1929، والذي أكد أن إيران يجب عليها «عدم القيام بأي نشاط يتعلق الصواريخ الباليستية القادرة على حمل أسلحة نووية»، ليحل محله قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 المؤرخ بتاريخ 20 يوليو (تموز) 2015 والذي دعا إيران إلى «عدم القيام بأي نشاط يتعلق بالصواريخ الباليستية التي صممت لتكون قادرة على حمل أسلحة نووية».
في الأساس، فإن القرار الجديد، الذي لا يعد ملزما قانونيا مثل اتفاق العمل المشترك، خلق ثغرة لإيران لاستغلال وتعقيد الجهود الرامية إلى تحديد أي نوع من الصواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية. وفقا لنظام مراقبة تكنولوجيا القذائف، وهي مجموعة غير رسمية تعمل على تكنولوجيا الصواريخ ذات القدرات النووية، فإنه يمكن لصواريخ ذات مدى 300 كم وقادرة على حمل 500 كجم أن تقوم بإيصال حمولة نووية.
ومع ذلك، انتهكت اختبارات الصواريخ الإيرانية بشكل واضح هذه القرارات. في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أطلق الحرس الثوري صواريخ عماد وغدر متوسطة المدى، وهي قادرة على حمل رؤوس نووية. كما كانت بعض الصواريخ تحمل عبارة «يجب أن تمحى إسرائيل من الوجود».
وغني عن القول إن اختبارات الصواريخ البالستية الإيرانية أثارت ردود أفعال سلبية. سلطت وسائل الإعلام الضوء على الشعارات التي تم وضعها على الصواريخ وتم تداول تصريح رئيس فرع الجو والمقذوفات في الحرس الثوري بأن هذه الصواريخ صممت بهدف الوصول إلى (إسرائيل). وأسهب المعلقون في التأكيد على أن المتشددين في إيران لم يتخلوا عن حلمهم في تدمير الدولة اليهودية. بالنسبة لأولئك الذين اعتادوا على سماع الخطابات الإيرانية المشحونة، بدا من الواضح أن حكومة الليكود سجلت نقطة هامة.
التعاون الأمريكي
لمواجهة تداعيات الاستفزاز الإيراني، قامت واشنطن بتعزيز تعاونها مع الجيش الإسرائيلي في مجال مضادات الصواريخ. ومن أجل زيادة الجاهزية القتالية، شملت مناورات «جونيبر كوبرا» نصف السنوية بين البلدين تدريبات على الهجمات الصاروخية.
وبالإضافة إلى ذلك، قامت (إسرائيل) بتصعيد جهودها الدبلوماسية والسياسية. وشكت (إسرائيل) إلى الأمم المتحدة مجموعة 5+1 ما وصفته بأنه تجاهل إيران الصارخ لقرارات مجلس الأمن وجوهر اتفاق العمل المشترك. طالب سفير (إسرائيل) لدى الأمم المتحدة في مجلس الأمن بمعاقبة إيران. كان هناك بعض التعاطف مع الموقف الإسرائيلي بين مجموعة دول 5+1 إلا أن مجلس الأمن لم يتحرك، بسبب معارضة روسيا والصين.
حصلت (إسرائيل) على آذان أكثر إصغاء في الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون، مع العديد من المبادرات التشريعية في هذا الاتجاه. في 24 مايو/أيار عام 2016، أدلي «مايكل إيليمان»، وهو خبير من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، بإفادته أمام مجلس الشيوخ والتي أكد خلالها على وجود زيادة كبيرة في الاختبارات الباليستية في إيران. كما أكد أن إيران تسعى إلى زيادة دقة الصواريخ البالستية التي يمكن استخدامها في إيصال حمولة نووية. على الرغم من أن إدارة «أوباما» فرضت عددا من العقوبات على 11 كيانا وشخصا مرتبطين بالمشروعات البالستية، اعتبر النواب أن هذه الإجراءات غير كافية.
يريد هؤلاء معاودة إصدار قانون بفرض العقوبات على إيران من المقرر أن ينتهي في نهاية هذا العام، حيث من المنتظر أن يشمل مجموعة متنوعة من القيود الجديدة. وحذرت منظمات اللوبي الإسرائيلي الشركات والبنوك في الولايات المتحدة وخارجها من الانخراط في أعمال تجارية مع إيران.
ومن شأن تحجيم الفوائد الاقتصادية للاتفاق النووي أن يؤثر على المسار السياسي في البلاد. ويتهم المتشددون بالفعل الرئيس «روحاني» بالتخلي عن طموحات إيران النووية من أجل جني بعض الفوائد الاقتصادية وهو موضوع من المتوقع أن يهيمن على انتخابات الرئاسة في عام 2017.
مخاوف السعودية تدفعها إلى خيارات نووية
شأنها شأن (إسرائيل)، لدى المملكة العربية السعودية تاريخ طويل من الصراع مع إيران. بمجرد وصول النظام الإيراني الجديد إلى السلطة عام 1979، بدا عازما على تصدير ماركته الخاصة من الإسلام وتقويض المملكة السنية، وشن عمليات ضد الرياض ودول الخليج المجاورة. في أحدث مشروع لها، شجعت إيران على التمرد الحوثي في اليمن، وهو التحدي الأكثر مباشرة للمصالح السعودية على مدار عقود، ناهيك عن دعم إيران لنظام «بشار الأسد» في سوريا. لذا فإنه ليس من المستغرب أن النظام الملكي يعتبر الطموح النووي الإيراني مظلة واقية لمتابعة الهيمنة في المنطقة.
وقوبل استعداد «أوباما» للتفاوض مع الإيرانيين بجزع كبير في الرياض. ظهرت وثائق ويكيلكس ومصادر أخرى أن السعوديين كانوا محبطين جدا من تحركات «أوباما». بالنسبة إلى النخبة السعودية، كان اتفاق العمل المشترك مؤشرا على استعداد واشنطن لتحمل التوسع الإيراني على حساب تحالفها التاريخي مع الدول العربية في الشرق الأوسط. وحث بعض المسؤولين في العائلة المالكة بلادهم على مواكبة التطورات النووية الإيرانية. على سبيل المثال، أعلن الأمير «تركي الفيصل»، رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، أن الرياض لن تعيش هكذا في ظل إيران مسلحة نوويا. وفي عام 2011، أكد أنه في حال عبور إيران للعتبة النووية، فإن السعودية ربما تتفاعل من خلال بناء قدرات تخصيب اليورانيوم الخاصة بها.
في الواقع، فإن المملكة العربية السعودية وضعت بالفعل أساس البنية التحتية النووية الخاصة بها. ومن المسلم به، أن برنامج الطاقة النووية من شأنه أن يوفر البنية التحتية اللازمة لبرنامج أسلحة سرية خصوصا إذا ما قررت الرياض تخصيب اليورانيوم الخاص بها. ولكن المراقبين يقولون إن شراء تكنولوجيا التخصيب ربما يكون هو الخيار الأفضل، وتبدو الأسلحة النووية الباكستانية هي السيناريو الأكثر ترجيحا. لدى السعودية تاريخ طويل من التعاون مع باكستان وقامت بتمويل «عبد القادر خان» رائد تطوير الأسلحة النووية الباكستانية. في عام 2013، قام «مارك أوربان»، مراسل الدفاع في «بي بي سي» بالادعاء أن جزءا من الصفقة كان يشمل التعهد بتحويل عدد من الرؤوس الحربية للرياض في حالة الطواريء. وأكدت تقارير صحفية أخرى هذه النظرية أيضا، ومع ذلك، فإنه من الصعب تقييم مدى صحة هذه التقارير.
السعوديون لديهم مصلحة في إثبات أن الاتفاق النووي مع إيران سيؤدي إلى انتشار الأسلحة النووية. وقامت المملكة بترجمة ذلك إلى لغة أكثر واقعية في العلاقات الدولية. في الواقع، فإن هذا هو جوهر «عقيدة سلمان» التي تتوخى أيضا عزل إيران دبلوماسيا واستخدام الوسائل العسكرية التقليدية لزيادة كلفة تأجيج إيران للاضطرابات. في الوقت الحاضر لا يوجد شيء في «عقيدة سلمان» يلمح إلى التوجه النووي، ولكن اعتمادا على التطورات في المستقبل، فإنه ليس من المستبعد إدراج هذا الخيار.
من أجل ثني الرياض عن سلوك مسار نووي، وافقت إدارة «أوباما» على ترقية نظام الدفاع المضادة للصواريخ باتريوت، ولكنه لم يوقع بعد على هذا القرار. على أي حال، فإن نتيجة الانتخابات ربما تؤدي إلى المزيد من عرقلة التوجه التقليدي للسياسات الأمريكية في المنطقة. ومع ذلك، في الوقت الحالي، يبدو أن النظام الملكي قرر تخفيض مسلكه والقبول على مضض بالاتفاق النووي بفعل الضغط الأمريكي. ولكنه يعمل على استراتيجية وقائية حال قامت إيران بإلغاء الاتفاق.
قيام إيران بكسر الاتفاق النووي، عبر خرقه كليا أو عبر الالتفاف التدريجي على التزاماتها يمكن أن يغير المعادلة بشكل جذري. أخرجت وكالة الاستخبارات الألمانية مؤخرا تقريرا مفصلا حول مظاهر الغش الإيراني لا يجعل مثل هذا السيناريو مستبعدا. في حال حدوث ذلك، فإن المملكة ربما تلجأ إلى الاستفادة من مشروعها الناشئ للطاقة النووية في الأغراض العسكرية. كما أن (إسرائيل) قد تعيد التفكير في سيناريو توجيه ضربتها العسكرية الوقائية.
المصدر | ناشيونال إنترست