العلاقات التعليمية بين السعودية وأميركا بدأت بـ 9 طلبة

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1260
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

واشنطن: هدى العمري: كانت العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة في معظمها تجارية بحتة حتى عام 1941، حيث بدأت تتوسع لتشمل مجالات متعددة أخرى، من بينها المجالات التربوية والثقافية. وفي عام 1946، تم التوصل إلى اتفاقية للتعاون بين البلدين في المجالات الثقافية والمهنية وتبادل الطلاب. وتشير المعلومات المتوفرة لدى الملحقية الثقافية السعودية في واشنطن، إلى أن البعثات الطلابية السعودية إلى أميركا بدأت عام 1948، حينما تم تحويل مجموعة من طلاب البعثة السعودية في لبنان إلى الدراسة بجامعات الولايات المتحدة الأميركية. ولكن عدد الخريجين السعوديين من الجامعات الأميركية حتى عام 1953 لم يتجاوز التسعة أفراد (ثلاثة بدرجة البكالوريوس وستة بدرجة الماجستير).

وتزايدت الأعداد بشكل مطرد بعد أن تولى الأمير فهد بن عبد العزيز (الملك فهد بن عبد العزيز حاليا) وزارة المعارف عام 1953، واستمرت أعداد الطلبة في الزيادة حتى بلغ عدد الذين تشرف عليهم الملحقية الثقافية في واشنطن عام 1980، أكثر من عشرة آلاف طالب وطالبة، لا يدخل ضمنهم الطلاب الذين يدرسون على حساب شركة «أرامكو»، وهي الشركة التي كانت رائدة في إرسال المبعوثين للدراسة في الغرب.

وقد استثمرت الحكومة السعودية أموالا طائلة في الإنفاق على تعليم عشرات الآلاف من الشباب السعودي في الجامعات الأميركية طوال العقود الماضية، ووصل العديد منهم إلى أعلى المناصب في السعودية. ففي إحدى التشكيلات الوزارية على سبيل المثال قبل أعوام قليلة، كان هناك 21 وزيرا من بين ثلاثين وزيرا تخرجوا من الجامعات الأميركية، 16 منهم يحملون شهادات دكتوراه. ويتساءل غرانت. إف. سميث، مدير معهد سياسات الشرق الأوسط في واشنطن: «ماذا لو قرر هؤلاء عدم إرسال أبنائهم إلى أميركا، في ظل الحقيقة القائلة بأن 65% من سكان السعودية حاليا تحت سن 25 سنة؟». ويجيب على تساؤله قائلا: «إن ضررا كبيرا وربما دائما سوف يحدث للعلاقات السعودية ـ الأميركية، لأن الدارسين في الولايات المتحدة يمثلون جسرا قويا للتفاهم بين البلدين بحكم فهمهم للثقافتين والحضارتين».

يشار إلى أن الطلبة السعوديين الدارسين في أميركيا كانوا يمثلون استثمارا جيدا لحكومتهم، لأنهم عادوا إلى بلدهم وساهموا في بنائه وتطبيق ما تعلموه، بعكس بعض الطلبة المقبلين من بلدان أخرى ممن فضل عدد منهم البقاء في أميركا ليضافوا إلى قائمة المساهمين في هجرة العقول من الشرق إلى الغرب.

يقول د. مزيد بن إبراهيم المزيد، في دراسة عن تجربة الابتعاث السعودي لأميركا، نشرتها الملحقية الثقافية في واشنطن، إن الإشراف على الطلبة السعوديين في الولايات المتحدة بدأ بداية متواضعة عام 1951، عن طريق مكتب صغير ملحق بمندوبية المملكة في الأمم المتحدة بنيويورك، وكانت مسؤوليته تنحصر في الإشراف المالي والاجتماعي على عدد محدود من المبتعثين، لكن تزايد أعداد المبتعثين، وإضافة مهام جديدة لهذا المكتب خلال الفترة الأولى من وجوده، أدى إلى استقلاله عن المندوبية واتخذ له مقرا خاصا به، ثم انتقل إلى مدينة هيوستن، ومنها إلى مدينة واشنطن العاصمة. وتقول الدراسة إن الانتقال لم يكن عفويا، بل كانت تحكمه اتجاهات الإيفاد والمناطق التي يتركز فيها معظم الطلاب، واختيار المكان والموقع المناسب، وسهولة وصولهم إليه، الأمر الذي أدى في ما بعد ذلك إلى إنشاء العديد من المكاتب التعليمية الفرعية في مناطق أخرى من الولايات المتحدة لمواجهة الكثافة الطلابية والإشراف عليهم. وفي هذا الإطار تم فتح مكتب فرعي في مدينة لوس أنجليس بولاية كاليفورنيا عام 1978، تلاه فتح أربعة مكاتب فرعية في كل من واشنطن العاصمة، ودنفر وشيكاغو وهيوستن، ليصبح عدد المكاتب الفرعية خمسة مكاتب، يضاف إلى ذلك مكتب شؤون الجامعات بواشنطن العاصمة الذي أنشئ لتجميع عدد من المكاتب كانت تعود لبعض الجامعات السعودية في أميركا، في مكتب واحد. وتتعددت الجهات التي ترسل مبتعثين للدراسة في أميركا، حيث يمكن توزيعها على خمس مجموعات رئيسية، هي: وزارة التعليم العالي، الجامعات والمؤسسات التعليمية، الوزارات، المؤسسات والمصالح الحكومية، ومنح الأمراء، وجهات الابتعاث الخاصة.

في عام 2000 جددت الملحقية الثقافية السعودية القائمة الموحدة المختارة للكليات والجامعات التي توصي الملحقية بالتعامل معها، حيث تم اختيار 600 مؤسسة جامعية من بين أكثر من 3675 مؤسسة تعليمية جامعية في الولايات المتحدة. وهذا لا يعني أن هذه المؤسسات التعليمية هي فقط التي تنطبق عليها المعايير التي وضعتها لجنة معادلة الشهادات الجامعية والملحقية الثقافية، وإنما لأنها تعتبر أيضا أفضل المؤسسات التعليمية الأميركية التي اجتازت المعايير المعتمدة. وتحولت القائمة إلى قاعدة بيانات إلكترونية ميسرة ليستفيد الطلاب منها بوضعها على شبكة «الإنترنت»، ولها قابلية التعديل حسب التغيرات التي تطرأ على برامج الجامعات والكليات ومدى توافقها مع المعايير المعتمدة. كما أنها تحوي التخصصات الموصى بها التي تقود الدراسة فيها إلى نيل درجة علمية (بكالوريوس، ماجستير، دكتوراه) ولهذا فان التخصصات غير الموصى بها لم تدرج في هذه القائمة وإن كانت الجامعات الموصى بها تقدمها.

وتؤكد الملحقية الثقافية السعودية أن خدماتها لا تقتصر على الطلبة المبعوثين، بل إنها تحرص على إيجاد نوع من الصلة بينها وبين الطلاب الذين يدرسون على نفقتهم الخاصة، بهدف توجيههم الوجهة الصحيحة من الناحية الأكاديمية والدراسية، وتوفير كل ما يمكن لمساعدتهم على إتمام دراستهم بنجاح، حيث تتم مساعدة الطالب في الحصول على قبول من الجامعات الموصى بها، وحل مشكلاته الاجتماعية، وتزويده بما يحتاجه لأبحاثه ودراسته من إحصاءات وتقارير ورسائل علمية كتبها زملاء له في التخرج، وكذلك تزويده بالصحف والمجلات السعودية. وقد استحدثت الملحقية وحدة خاصة للإشراف عليهم، بدأت في حصر قيد هؤلاء الطلاب وإنشاء ملفات خاصة بهم، وإدخال مختلف المعلومات اللازمة عنهم في جهاز الحاسب الآلي. في السابع عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 أصدر السفير السعودي في واشنطن، الأمير بندر بن عبد العزيز تطمينا للمواطنين السعوديين في الولايات المتحدة، بأن السفارة ستقف إلى جانبهم في حال مواجهتهم لأية معاناة جراء الأحداث. كما أصدرت الملحقية الثقافية تعميما عاجلا إلى رؤساء الأندية والمراكز التعليمية وكذلك الطلبة السعوديين المبتعثين والدارسين على حسابهم الخاص، جاء فيه: «نظرا للأحداث المأساوية المؤسفة التي تعرضت لها مدينتا نيويورك وواشنطن، ننصح الطلاب السعوديين بالذهاب من المنزل إلى الجامعة لحضور المحاضرات، ثم العودة بعد ذلك إلى المنزل، وتجنب أية تحرشات كلامية أو خلافها قد يتعرضون لها من أي طرف، وتجنب الذهاب إلى الأماكن العامة إلا في حالة الضرورة وإبلاغ أفراد أسرهم بذلك، وعند الحاجة يرجى الاتصال بالملحقية الثقافية السعودية بواشنطن على الأرقام الموضحة». ويعكس التعميم الصادر بعد أيام من الأحداث، دواعي القلق الذي كانت تعتري الطلبة السعوديين، بسبب الهجمات التي تورط فيها سعوديون، وكان هناك قلق واضح من تعرض أي مواطن سعودي أو ذي ملامح عربية للأذى، واستمر القلق لسنوات تالية.

خلال سنوات ما بعد الهجمات استنكف كثير من الطلاب العرب عن الإقبال على الجامعات في أميركا، وصدرت قوانين أميركية تضع شروطاً جديدة وتعرّض زائر اميركا لإجراءات صعبة ومعقدة عقب الأحداث، ولكن ما يعتقده البعض من أن التناقص الحاد في أعداد الطلبة جاء بعد الحادي عشر من سبتمبر، ليس صحيحا 100%، وفقا للإحصاءات المتوفرة، إذ أن الوجود الطلابي السعودي في الولايات المتحدة بلغ الذروة قبل أكثر من عقد من الزمان، بوصول العدد الإجمالي إلى ثلاثين ألف طالب في الولايات المتحدة. وكان عدد الطلبة السعوديين في الجامعات الأميركية في عام 2001 يقدر بـ5800 طالب وطالبة فقط، غادر منهم 300 طالب وطالبة بعد الأحداث مباشرة بين سبتمبر وديسمبر (كانون الأول) 2001، ووصل عدد الدارسين في آخر تقدير لهم إلى أقل من 3500 طالب وطالبة. وطبقا لإحصائية أصدرها معهد الدراسات الدولية في واشنطن، الذي تدعمه الخارجية الأميركية، فإن أعداد الطلبة الأجانب المقبلين للدراسة في الولايات المتحدة نقص في العام الدراسي الماضي 2003 ـ 2004 بنسبة 2.4 في المائة ( اثنان ونصف في المائة) ليصل مجموعهم إلى 572509. ولكن نسبة تناقص الطالبة المقبلين من الشرق الأوسط وصلت في العام ذاته إلى 9%، وهي نسبة أقل من نسبة 10% من العام الذي سبقه. وانخفض عدد الطلبة المقبلين من السعودية على وجه التحديد بنسبة 16% (3521 طالبا وطالبة) بالمقارنة مع 17%، نسبة التناقص من الكويت (1846)، و15% الأردن (1562 طالبا وطالبة)، وكانت أعلى نسبة للتناقص 30% للطلبة المقبلين من الإمارات (1248 طالب وطالبة).

ورغم أن الطلبة المقبلين من بلدان الشرق الأوسط بما فيها السعودية لا يشكلون سوى 6% من المقبلين من بقية أنحاء العالم، إلا أن المؤسسات التعليمية الأميركية استشعرت الخطر من تناقص إيراداتها، وبدأت تحتج على صعوبة الاجراءات الخاصة باستقدام الطلبة الأجانب. وأفادت أكثر من عشرين جامعة أميركية بأن أعداد الطلبة السعوديين فيها تتناقص كل عام منذ أحداث 11 سبتمبر.

ومن المفارقات العجيبة ما ذكرته طالبة سعودية في واشنطن لـ«الشرق الأوسط»، طلبت عدم نشر اسمها، من أن نسبة من الطلبة السعوديين العائدين، لم يكن دافعهم الأول للعودة هو الخوف من تبعات أحداث سبتمبر بقدر ما كان فرصة لهم للتخلص من مشكلات كانت تواجههم في تحصيلهم الدراسي. الأمر الذي جعل البعض منهم يستغلون قلق الأسر لتبرير العودة والبدء من جديد في جامعات الداخل أو جامعات بلدان أخرى. وربما ساهم موقف هؤلاء ومبالغاتهم في تصوير ما تعرضوا له من معاناة، في تأجيج قلق أسر أخرى ينتظم أبناؤها بالدراسة في الجامعات الأميركية من دون أي مشكلة، وأجبرت المبالغات كثيرا من المنتظمين على العودة مرغمين، خصوصا الإناث منهم. وطبقا للمثل القائل «مصائب قوم عند قوم فوائد»، فقد استفادت بلدان أخرى من إقبال الطلبة الخليجيين ومن بينهم المقبلون من السعودية، للدراسة في جامعاتها بدلا من الجامعات الأميركية، ومن بين هذه البلدان بريطانيا وايرلندا ونيوزلندا وأستراليا، إضافة إلى كندا، وهي الدول الناطقة بالإنجليزية التي يفضل الطلبة السعوديون التوجه إليها. كما تضاعف عدد الطلاب العرب، والخليجيين منهم تحديداً، في الجامعات الأميركية التي تتخذ في عدد من الدول العربية مقرات لها, كالجامعة الاميركية في بيروت، والجامعة الأميركية في القاهرة.

ولكن الولايات المتحدة، وخصوصا مسؤولي دوائر وزارة الخارجية، استشعروا أخيرا مدى فداحة الخسارة من تناقص أعداد الطلبة السعوديين المقبلين إليها، وبدأ الدبلوماسيون الأميركيون يبذلون مساعي حثيثة لترميم الصدع، وجذب الطلبة مجددا إلى الجامعات الأميركية بالنسب العالية التي كانوا يأتون بها في السبعينات والثمانينات. وفي إطار هذه الجهود أكدت مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون القنصلية، مورا هارتي، ترحيب الولايات المتحدة الأميركية بالطلبة السعوديين الراغبين في الدراسة. مشيرة إلى أن ترحيب الولايات المتحدة الأميركية بالزائرين من جميع أنحاء العالم هو من السمات التي تميزها. وأوضحت في تصريح صحافي أدلت به أخيرا موجهة كلامها إلى المواطنين السعوديين الراغبين في الدراسة، أو العلاج، اأنه ليس لديهم خيار أفضل من القدوم إلى الولايات المتحدة لوجود أفضل الجامعات والمراكز التعليمية بها، والتي تتميز بتنوع تخصصاتها وتميز العاملين فيها، سواء في المجالات الأكاديمية أو الطبية، خاصة أنهم يشكلون مجموعات متنوعة من معظم الأعراق والثقافات، الأمر الذي يتيح للزائرين والدارسين التعرف على تلك الثقافات وتبادل الأفكار والخبرات عن قرب. وأشارت إلى أن الولايات المتحدة الأميركية ما زالت تلك الدولة المنفتحة والمرحبة بالزائرين، كما كانت دائما ملتزمة بدعم وتوفير الفرص للطلبة المقبلين من الخارج للحصول على أعلى المستويات التعليمية وتحقيق أحلامهم في مستقبل أفضل.

وقالت المسؤولة الأميركية إن إدارتها في الخارجية الأميركية، تعمل على تذليل العقبات التي تواجه حصول الطلبة السعوديين وغيرهم على تأشيرات الدخول للدراسة، وتقليص مدد الانتظار للحصول على تلك التأشيرات، مطالبة في الوقت نفسه بتفهم أسباب الترتيبات الأمنية التي تطبقها الولايات المتحدة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بهدف حماية أراضيها ومواطنيها.

                                                          الشرق الاوسط 24 / 5 / 2005