السياسة الجديدة للإدارة الأمريكية في الحرب على الإرهاب هل تخدم أعداءنا؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1503
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

 الجزء الأول

الجمل: في الأشهر القليلة الماضية، في الوقت الذي تدهور فيه الوضع في العراق، فإن إدارة بوش، في كل من دبلوماسيتها العامة المعلنة وعملياتها السرية، قد أبدلت بقدر كبير وملحوظ استراتيجيتها المتعلقة بالشرق الأوسط. «فتغيير الاتجاه» كما سماه البعض داخل البيت الأبيض بإطلاق تسمية الاستراتيجية الجديدة عليه، قد دفع وجعل الولايات المتحدة تكون قريبة جداً إلى مواجهة مفتوحة مع إيران وفي بعض أجزاء المنطقة، دفعها وسيرها في صراع طائفي واسع بين المسلمين الشيعة والسنة.

لتقويض وتحطيم إيران، ذات الأغلبية الشيعية الكبيرة، فقد قررت إدارة بوش، في الواقع، إعادة تشكيل وصياغة وترتيب أولوياتها في الشرق الأوسط. ففي لبنان، تعاونت الإدارة الأمريكية مع الحكومة السعودية السنية، في عمليات سرية هدفت إلى إضعاف حزب الله، التنظيم الشيعي المدعوم بواسطة إيران. وتعهدت الولايات المتحدة أيضاً بالتعامل مع إسرائيل جزءاً من العمليات السرية التي استهدفت إيران.

ومحصلة هذه الأنشطة أصبحت تتمثل في تدعيم وتقوية الجماعات المتطرفة السنية التي تناصر وتعتنق المنظور العسكري للإسلام وتعادي أمريكا وتناصر وتتعاطف مع القاعدة.

المتناقص الوحيد للاستراتيجية الجديدة، يتمثل في انه في العراق معظم عنف التمرد الموجه ضد القوات الأمريكية يأتي من القوى السنية، وليس من الشيعة، ولكن بمنظور الإدارة الأمريكية، فإن التبعات والعواقب الاستراتيجية –غير المقصودة- والأكثر عمقاً وصعوبة للفهم، في حرب العراق، هي اكتساب إيران للقوة.. فرئيسها محمود أحمدي نجاد أطلق سلسلة تصريحات تعلقت بتدمير إسرائيل وحق بلده في مواصلة برنامجها النووي والأسبوع الماضي قال زعيمها الديني الأعلى آية الله علي خامنئي قائلاً على تلفزيون الدولة بأن «الوقائع توضح أن جبهة الغطرسة والتكبر بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها سوف تكون الخاسر الرئيسي في المنطقة».

بعد أن جلبت ثورة عام 1979 حكومة دينية إلى السلطة، انسلخت وافترقت الولايات المتحدة، مع إيران وأنشأت ونمت علاقات وثيقة مع زعماء البلدان العربية السنية مثل الأردن، مصر، والعربية السعودية. وأصبح ذلك الحساب والتدبير أكثر تعقيداً بعد هجمات الحادي عشر من أيلول، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بالسعوديين. فالقاعدة سنية، والعديد من ناشطيها جاؤوا من دوائر دينية متطرفة داخل العربية السعودية. قبيل غزو العراق. في عام 2003م، افترض مسؤولو الإدارة الأمريكية الذين تغلبت وتهيمن عليهم أيديولوجية المحافظين الجدد، أن وجود حكومة شيعية هناك –أي في العراق- سوف يحدث توازناً يميل لجانب أمريكا في مواجهة المتطرفين السنة، طالما أن الأغلبية الشيعية العراقية قد ظلت مقموعة ومضطهدة تحت حكم صدام حسين.

وقد تجاهلوا –أي المسؤولين الأمريكيين- تحذيرات مجمع المخابرات حول الروابط بين زعماء الشيعة العراقيين وإيران، حيث عاش بعضهم في المنفى لعدة سنوات. والآن بالنسبة لمحنة وبلاء البيت الأبيض، فقد صاغت إيران علاقات وثيقة مع حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي التي يهيمن ويسيطر عليها الشيعة.

السياسة الأمريكية الجديدة، في خطوطها العريضة، تمت مناقشتها علناً، وفي شهادة شفهية كانون الثاني أمام لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ حيث قالت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس بوجود «انحياز استراتيجي جديد في الشرق الأوسط، يفصل بين «دعاة الإصلاح» و«المتطرفين». وأشارت إلى الدول السنية باعتبارها مراكز للاعتدال، وقالت: إن إيران وسوريا وحزب الله أصبحوا «على الجانب الآخر من ذلك الفاصل»، «فالأغلبية السنية السورية تهيمن وتسيطر عليها الطائفة العلوية»، وقالت بأن إيران وسوريا «قامتا بخيارهما في زعزعة الاستقرار».

بعض التكتيكات الجوهرية –لعملية- تغيير الاتجاه ليست معلنة، على أية حال، فالعمليات السرية يتم الاحتفاظ بها سراً، في بعض الأحيان، بترك عملية التنفيذ أو التمويل إلى السعوديين، أو بإيجاد سبل أخرى يمكن إعمالها واستخدامها تفادياً وتجنباً لعملية طلب المخصصات التي يقوم بها تقليدياً الكونغرس. وهو ما يقول به المسؤولون الحاليون والسابقون الوثيقي الصلة بالإدارة الأمريكية.

أخبرني عضو بارز في لجنة المخصصات التابعة لمجلس النواب بأنه قد سمع بالاستراتيجية الجديدة، ولكنه أحس هو وزملاؤه بأنه لم يتم إطلاعهم حولها بالقدر الكافي، وقال: «لم نحاط بأي من ذلك.. سألنا حول كل ما يجري، وقالوا "لا يوجد شيء". وعندما طرحنا أسئلة محددة قالوا "سوف نعود إليكم". إنه شيء محبط جداً».

اللاعبون الرئيسيون في عملية تغيير الاتجاه هم: ديك تشيني نائب الرئيس، إليوت ابراهام نائب مستشار الأمن القومي، زلماي خليل زاده السفير الأمريكي في العراق والمرشح لمنصب سفير الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، والأمير بندر بن سلطان مستشار الأمن القومي السعودي. وفي الوقت الذي تظل فيه كوندوليزا رايس منهمكة بعمق في رسم وتشكيل السياسة العامة، فإن المسؤولين –الأمريكيين- الحاليين والسابقين يقولون بأن الجانب السري تتم قيادته بواسطة ديك تشني. «رفض مكتب تشيني والبيت الأبيض التعليق على هذه الرواية، والبنتاغون لم يتجاوب بالرد على استفسارات محددة، ولكنه قال: "إن الولايات المتحدة لا تخطط للدخول في حرب مع إيران"».

تبديل السياسة وضع العربية السعودية وإسرائيل ضمن طوق استراتيجي جديد متساو، ويرجع ذلك بقدر كبير إلى أن كلا البلدين ينظر إلى إيران باعتبارها تمثل وتشكل خطراً ماثلاً موجوداً. –ومن ثم- فقد انخرطوا واشتركوا في محادثات مشتركة.

والسعوديون، الذين يعتقدون أن حدوث استقرار أكبر في إسرائيل وفلسطين سوف يقلل من فعالية ونفوذ إيران في المنطقة، أصبحوا –أي السعوديون- أكثر اشتراكاً في المفاوضات العربية- الإسرائيلية.

الاستراتيجية الجديدة –على حد تعبير- قول مستشار حكومي أمريطي له روابط وثيقة مع إسرائيل «تمثل تبديلاً –ونقلة- في السياسة الأمريكية، فهي بحر تغيير»، فالدول السنية على حد تعبيره وقوله «صعقها الصعود والانبعاث الشيعي، وهناك سخط متنام لمقامرتنا ومجازفتنا لدى الشيعة المعتدلين في العراق. وقال أيضاً: «ليس بإمكاننا أن نعكس ونبطل المكسب الشيعي في العراق، ولكن يمكننا احتواء ذلك».

فالي نازر الزميل رفيع المستوى في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي- الذي كتب كثيراً وبإسهاب عن الشيعة، إيران، والعراق.. أخبرني قائلاً: «على ما يبدو ان هناك حواراً داخل الحكومة –الأمريكية- حول أيهما الخطر الأكبر إيران أم الراديكاليين السنة» وقال: «إن السعوديين والبعض داخل الإدارة الأمريكيين ظلوا يقولون بأن الخطر الأكبر هو إيران، الراديكاليون السنة هم الأعداء الأقل –شأناً- وهذا –التوجه- يعتبر انتصاراً للخط السعودي».

مارتن أنديك، مسؤول وزارة الخارجية الأمريكية، الرفيع المستوى في إدارة كلينتون، والذي عمل سفيراً –أمريكياً- في إسرائيل، قال: «إن الشرق الأوسط يمضي قدماً باتجاه حرب باردة سنية- شيعية خطيرة»، وأضاف مارتن أنديك، الذي يعمل مديراً لمركز سابان لسياسة الشرق الأوسط بمعهد بروكينكز، أضاف بأنه في رأيه، ليس من الواضح ما إذا كان البيت الأبيض –يدرك- ويعي بالكامل الورطات الاستراتيجية –التي تتضمنها- سياسته الجديدة. وقال –مارتن أنديك-: «البيت الأبيض لا يضاعف بالكاد الرهان في العراق –بل- يضاعف الرهان في كامل المنطقة، ومن الممكن أن يؤدي هذا إلى تعقيد كبير جداً، وينقلب كل شيء رأساً على عقب».

سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة، الهادفة لاحتواء إيران، على ما يبدو سوف تفقد استراتيجيتها لكسب الحرب في العراق، وقد قال باتريك كلاوسن، الخبير في الشؤون الإيرانية ونائب مدير البحوث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، بأنه مهما يكن الأمر، فإن الروابط الأوثق بين الولايات المتحدة والسنة المعتدلين أو حتى المتطرفين، سوف تلقي "المخاوف" على حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي و"تجعله قلقاً إزاء أن السنة قد يكسبون ويفوزون" بالحرب الأهلية هناك –أي في العراق-.

وقال كلاوسن بأن ذلك يمكن أن يقدم للمالكي حافزاً وباعثاً لكي يتعاون مع الولايات المتحدة في –عملية- قمع ووضع نهاية للميليشيات الشيعية المتطرفة مثل جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر.

بالرغم من ذلك، فقد بقيت وظلت الولايات المتحدة تعتمد على تعاون الزعماء الشيعة العراقيين. قد يكون جيش المهدي معادياً للمصالح الأمريكية بشكل مفتوح، ولكن ميليشيات الشيعة الأخرى تحسب حليفة للولايات المتحدة. ان كلاً من مقتدى الصدر والبيت الأبيض يدعم المالكي. وقد كتبت مذكرة في وقت متأخر من العام الماضي بواسطة ستيفن هادلي، مستشار الأمن القومي، اقترحت على الإدارة الأمريكية أن لا تحاول فصل وتفريق المالكي عن حلفائه الشيعة الأكثر راديكالية وتطرفاً، عن طريق بناء قاعدة له في أواسط السنة المعتدلين والأكراد، إلا أن التوجهات حالياً قد مضت بقدر كبير في الاتجاه المعاكس.

وبينما واصل الجيش العراقي إخفاقه في مواجهاته مع المتمردين، فقد تزايدت قوة الميليشيات الشيعية بثبات وقدر كبير.

فلاينيت ليغاريت، المسؤول السابق في الأمن القومي في إدارة بوش، أخبرني قائلاً بأنه «لا يوجد شيء متوافق أو ثمة سخرية للقدر»، إزاء الاستراتيجية الجديدة المتعلقة بالعراق، وقال –أيضاً- «تحاول الإدارة الأمريكية خلق قضية مفادها أن إيران أكثر خطورة وأكثر استفزازاً وإثارة من المتمردين السنة بالنسبة للمصالح الأمريكية في العراق –وإذا نظرنا إلى عدد الضحايا الفعلي- ولما كان العقاب الواقع على الأمريكيين بواسطة السنة، أكبر من حيث مدى ومقدار الشدة، فإن كل ذلك مجتمعاً يشكل جزءاً من جملة خطوات الإثارة والاستفزاز الهادفة لزيادة الضغوط على إيران، والفكرة تتمثل في أن الإيرانيين في نقطة ما سوف يقومون بالرد، وعندها سوف تجد الإدارة الأمريكية باباًَ مفتوحاً لضربهم».

الرئيس بوش في حديثه في العاشر من كانون الثاني، نطق وتحدّث متفوهاً جزئياً بهذا التوجه –عندما قال- «هذان النظامان» –إيران وسوريا- «يسمحان للإرهابيين والمتمردين استخدام أراضيهما للتحرك إلى داخل وإلى خارج العراق»، وقال بوش –أيضاً- «إيران تقدم الدعم المادي من أجل الاعتداءات على القوات الأمريكية. وسوف نعطل ونقضي على الاعتداءات والهجمات ضد قواتنا. وسوف نعطل ونقضي على الدعم –القادم- من إيران وسوريا، وسوف نسعى ونبحث ونحكم الشبكات التي تقدم الأسلحة المتطورة والتدريب لأعدائنا في العراق».

في الأسابيع التي أعقبت –حديث بوش- كانت هناك موجة من الادعاءات والمزاعم من جانب الإدارة –الأمريكية- حول تورط إيراني في حرب العراق. وفي الحادي عشر من شباط –تم في العراق- إطلاع المراسلين الصحفيين على معدات تفجيرية متطورة، تم الاستيلاء عليها، وأمسك بها –الأمريكيون- في العراق، وزعمت الإدارة الأمريكية بأن هذه –المعدات- جاءت من إيران. وكانت رسالة الإدارة الأمريكية تتمثل –من حيث المغزى والجوهر- بأن الوضع والموقف الكئيب –السائد- في العراق ليس نتيجة لفشل تخطيطها وتنفيذها، وإنما بسبب تدخل إيران.

قامت القوات الأمريكية أيضاً باعتقال واستجواب المئات من الإيرانيين في العراق –وفي هذا الصدد- قال مسؤول استخباراتي كبير سابق: «الكلمة الواضحة التي –قيلت- للعسكريين هي الشروع في محاولة الإمساك بالعديد من الإيرانيين في العراق طوال ما كان بمقدورهم ذلك»، وقال أيضاً: «لقد أوقفوا في إحدى المرات خمسمائة، وقمنا بإخضاعهم وأخذ المعلومات منهم، وهدف البيت الأبيض هو بناء قضية مفادها أن الإيرانيين يقومون بإثارة وتحريض التمرد، ومن ثم، فإن إيران بالتالي تقوم حقيقة بدعم قتل الأمريكيين». وقد أكد مستشار البنتاغون بأن مئات الإيرانيين قد تم الإمساك بهم والقبض عليهم بواسطة القوات الأمريكية في الأشهر الأخيرة. ولكنه أخبرني بأن العدد الكلي كان يتضمن إيرانيين يعملون في –مجال المساعدات- الإيرانية الإنسانية، وأشغال الإغاثة، وقد تم التعرف عليهم وأطلق سراحهم بعد فترة قصيرة، بعد أن تم –إخضاعهم- للاستجواب والتحقيق.

«نحن لا نخطط من أجل الحرب مع إيران» –هكذا قال- روبرت غاتز، وزير الدفاع الجديد في الثاني من شباط، والآن أصبح جو المواجهة أكثر عمقاً. واستناداً إلى مسؤولي المخابرات الأمريكية والعسكريين الحاليين والسابقين، فقد تزامنت العمليات السرية في لبنان وتصاحبت مع عمليات سرية تستهدف إيران.

وقام العسكريون الأمريكيون وفرق العمليات الخاصة بتصعيد أنشطتهم في إيران لجمع المعلومات الاستخبارية، واستناداً إلى مستشار البنتاغون حول الإرهاب والمسؤول الاستخباراتي الكبير السابق، فقد قام هؤلاء أيضاً بعبور الحدود من أجل تعقب الأنشطة الإيرانية انطلاقاً من العراق.

عندما وقفت ومثلت كوندوليزا رايس أمام مجلس الشيوخ في كانون الثاني الماضي قام السيناتور الديمقراطي عن ديلوار، جوزيف بايدين، مشيراً بطرح سؤال عليها حول ما إذا كانت الولايات المتحدة قد خططت لعبور الحدود الإيرانية أو السورية في مجرى عمليات التعقب والملاحقة والمطاردة. وردّت كوندوليزا رايس قائلة: «المفهوم بكل وضوح، هو أن الرئيس –الأمريكي- لا يمكن أن يحكم ويبت في كل شيء لحماية قواتنا، وإنما الخطة هي أن نقضي على هذه الشبكات في العراق». وأضافت قائلة: «أعتقد أن كل واحد سوف يفهم ذلك، فالشعب الأمريكي وأنا، نفترض أن الكونغرس يتوقع أن الرئيس –الأمريكي- يفعل ما هو ضروري لحماية قواتنا».

أدى غموض والتباس رد كوندوليزا رايس إلى رد فعل سيناتور نبراسكا الجمهوري، جوك هاغيل، والذي ظل منتقداً للإدارة الأمريكية: «أيتها السيدة الوزيرة، البعض منا يتذكر عام 1970 وما حدث في كمبوديا، وعندما كذبت حكومتنا على الشعب الأمريكي وقالت: « لم نقم بعبور الحدود والدخول إلى كمبوديا» وفي الحقيقة فعلنا ذلك. لقد حدث وعرفت مصادفة شيئاً حول ذلك، عن طريق ما يقوم بفعله البعض في هذه اللجنة، ومن ثم، يا سيادة الوزيرة، عندما تضعين موضع التنفيذ ذلك النوع من السياسة الذي يتحدث عنه الرئيس –الأمريكي- هنا، فإن ذلك سوف يكون خطيراً جداً.

اهتمام الإدارة الأمريكية بدور إيران في العراق، -هو اهتمام- ارتبط بحذرها ورعبها الذي استمر طويلاً حول برنامج إيران النووي.

فعلى –شبكة اخبار- فوكس نيوز، وفي الرابع عشر من كانون الثاني حذر –ديك- تشيني من احتمال إمكانية «إيران المسلحة نووياً في بضعة سنوات، والتي تجلس على مفرق إمدادات النفط العالمي، وهي قادرة على أن تؤثر عكسياً على الاقتصاد العالمي، ومجهزة ومستعدة لاستخدام المنظمات الإرهابية وأسلحتها النووية لتهديد جيرانها وبقية أنحاء العالم الأخرى».

وقال -ديك تشيني- أيضاً: «إذا ذهبتم وتحدثتم مع دول الخليج، أو إذا تحدثتم مع السعوديين أو إذا تحدثتم مع الإسرائيليين أو الأردنيين، فإن كل المنطقة مضطربة ومتخوفة، إن الخطر والتهديد الذي تمثله إيران يتنامى ويتعاظم».

تقوم الإدارة الأمريكية حالياً بتفحص موجة من –المعلومات- الاستخبارية الجديدة حول برنامج أسلحة إيران، وقد أخبرني المسؤولون الأمريكيون الحاليون والسابقون بأن المعلومات الاستخبارية التي جاءت من عملاء إسرائيليين يعملون داخل إيران، تتضمن وتحتوي زعماً بأن إيران قد طورت صاروخاً عابراً للقارات يعمل بالوقود الصلب ثلاثي المراحل، وقادر على حمل عدة رؤوس حربية -لكل منها دقة ضبط محددة- إلى داخل أوروبا. وصحة هذه المعلومات الاستخبارية البشرية ماتزال موضعاً للنقاش والحوار.

يوجد دليل وبرهان مماثل يتعلق بالخطر الوشيك الذي تفرضه أسلحة الدمار الشامل، وهناك تساؤلات حول المعلومات الاستخبارية التي تم استخدامها لبناء هذه القضية، والذي شكل المقدمة –لذريعة- غزو العراق.. فعديدون في الكونغرس رحبوا بالمزاعم حول إيران بحيطة وحذر. وفي مجلس الشيوخ، وفي الرابع عشر من شباط، قالت هيلاري كلنتون: «لقد تعلمنا جميعاً الدروس من صراع العراق، وعلينا أن نقوم بتطبيق هذه الدروس على أي مزاعم يتم طرحها وإثارتها حول إيران، لأنه –يا سيادة الرئيس- إن ما نسمعه هو رنين وطنين –أصبح- عادياً بالنسبة لنا، -ومن ثم- يتوجب علينا أن نكون على حذر واحتراس حتى لا نقوم مطلقاً بإصدار القرارات مرة أخرى على أساس المعلومات الاستخبارية التي يتم في نهاية الأمر لاحقاً اكتشاف وتبني أنها مغلوطة ومغشوشة».

حالياً ما يزال البنتاغون يواصل مستمراً في التخطيط المكثف من أجل تنفيذ هجوم محتمل بالقنابل على إيران، وهي العملية التي بدأت في نهاية العام الماضي، بناء على توجهات وتعليمات –الرئيس- بوش.

وفي الأشهر الأخيرة أخبرني مسؤول استخباري سابق بأن مجموعة تخطيط خاصة قد تم تكوينها في مكاتب هيئة رئاسة الأركان المشتركة، وكلفت بمسؤولية وضع خطة قصف طارئ ضد إيران، بحيث يمكن تنفيذها بناء على أوامر تصدر من الرئيس بوش –وتطبق- خلال اربعة وعشرين ساعة.

في الشهر الماضي أخبرني مستشار بالقوات الجوية مختص الاستهداف، ومستشار البنتاغون حول الإرهاب، قائلاً: إن مجموعة تخطيط إيران تم تكليفها بمهمات جديدة هي: التحديد والتعرف على الأهداف –الموجودة- داخل إيران، والتي يمكن أن تكون متورطة ومشاركة في دعم وإمداد ومساعدة المسلحين في العراق، وسابقاً كان التركيز على تدمير المنشآت النووية الإيرانية وإمكانية تغيير النظام.

مجموعتان من الحاملات الهجومية –ايزنهاور وستينيس- الآن بحر العرب، وخطتهم الوحيدة هي أنه سوف يتم تبديلهم في مطلع الربيع، ولكن هناك مخاوف وقلقاً بين العسكريين بأنه قد تصدر إليهم الأوامر للبقاء في المنطقة بعد أن تصل الحاملات الجديدة، وذلك بحسب ما أشارت إليه مصادر عديدة «من بين الاهتمامات الأخرى، أوضحت المناورات والتدريبات الحربية بأن الحاملات من الممكن أن تكون مكشوفة أمام أساليب وتكتيكات الحشد التي تتضمن استخداماً للأعداد الكبيرة من الزوارق الصغيرة، وهو أسلوب جربه واختبره الإيرانيون في الماضي وللحاملات –الأمريكية- قدرة محدودة في قابلية المناورة الخادعة –وبالذات- في المدخل الضيق لمضيق ممر هرمز، الواقع في أقصى ساحل إيران الجنوبي».

وقال المسؤول الاستخباري الكبير السابق، بأن خطط الطوارئ الراهنة تسمح – بتنفيذ- أمر الهجوم في هذا الربيع. وأ ضاف قائلاً: مهما يكن الأمر، وعلى أية حال، فإن الضباط الكبار في هيئة الأركان يعولون على البيت الأبيض بأن لا يكون غبياً بما فيه الكفاية لكي يقوم بذلك، وهو يواجه معارضة العراق، والمشاكل التي سوف يتعرض لها الجمهوريون في عام 2008.

 الجزء الثاني 

الإدارة الأمريكية الهادفة لإضعاف سلطة إيران في الشرق الأوسط عولت بثقل على العربية السعودية والأمير بندر بن سلطان، مستشار الأمن القومي السعودي، وقد عمل بندر كسفير –للسعودية- في الولايات المتحدة لفترة اثنين وعشرين عاماً، حتى عام 2005م، واستمر محتفظاً بالصداقة مع الرئيس بوش ونائب الرئيس –ديك- تشيني. وفي وظيفته الجديدة، واصل المقابلات الخاصة معهما، وقد قام مسؤولو البيت الأبيض الكبار بعدة زيارات إلى العربية السعودية في الآونة الأخيرة، بعض منهم لم يتم الكشف أو الإفصاح عنه حتى الآن.

في تشرين الثاني الماضي، طار –ديك- تشيني إلى العربية السعودية لعقد لقاء مفاجئ مع الملك عبد الله، وبندر بن سلطان، وأشارت التايمز إلى أن الملك -عبد الله- حذر ديك تشيني من أن العربية السعودية سوف تدعم وتساعد السنة في العراق في حال انسحبت الولايات المتحدة. أخبرني مسؤول في المخابرات الأوروبية بأن اللقاء ركز على المخاوف السعودية البالغة من «النهوض والصعود الشيعي». وفي رد فعل على ذلك «بدأ السعوديون باستخدام قوة نفوذ المال».

في عائلة مالكة حافلة بالتنافس، استطاع بندر –بن سلطان- أن يبني على مر السنوات، قاعدة قوة ونفوذ اعتمدت بشكل أساسي على علاقته الوثيقة مع الولايات المتحدة، التي تعتبر الحاسم النهائي بالنسبة للسعوديين. وقد خلف بندر –بن سلطان- كسفير في واشنطن الأمير تركي الفيصل، استقال تركي الفيصل من منصبه بعد ثمانية عشر شهراً، وحل محله عادل الجبير، الذي عمل موظفاً مع بندر. أخبرني دبلوماسي سعودي سابق بأنه خلال فترة تولي تركي للمنصب، أصبح واعياً للاجتماعات واللقاءات الخاصة التي جمعت بندر بن سلطان وكبار مسؤولي البيت الأبيض –الأمريكي- بما في ذلك ديك تشيني و-إيليوت- ابراهام. وقد قال الدبلوماسي السعودي: «يستولي عليَّ اعتقاد بأن تركي لم يكن سعيداً إزاء ذلك». وأضاف قائلاً: « لا أعتقد أن بندر بن سلطان قد تحرك من تلقاء نفسه». وبرغم أن تركي لا يحب بندر، فقد قال –الدبلوماسي- السعودي بأنه يشاركه في سعيه لمواجهة انتشار القوى الشيعية في الشرق الأوسط.

الانقسام بين الشيعة والسنة يرجع في الماضي إلى الخلاف المرير في القرن السابع حول من سيخلف النبي محمد «ص»، وقد سيطر السنة على الخلافة في القرون الوسطى والامبراطورية العثمانية، -أما- الشيعة فقد ظل ينظر إليهم، تقليدياً، باعتبارهم مجرد مجموعة منعزلة ضئيلة الفرصة في الفوز. والسنة يمثلون في مختلف أنحاء العالم 90% من المسلمين، بينما يتركز الشيعة في إيران، والعراق، والبحرين، والمجموعة المسلمة الأكبر في لبنان. وتمركزهم في منطقة إقليمية متقلبة غير مستقرة وغنية بالنفط، قد الغرب والسنة إلى الالتفات إلى احتمال بروز «هلال شيعي»، على خلفية الوزن والثقل الجيوبوليتيكي المتزايد لإيران.

فريدريك هوف، الضابط العسكري المتقاعد، وخبير الشرق الأوسط، أخبرني أن السعوديين مازالوا ينظرون إلى العالم من خلال أيام الامبراطورية العثمانية، عندما حكم المسلمون السنة المنطقة، وكان الشيعة يمثلون الطبقة الأدنى»، وأضاف فريدريك هوف قائلاً: إن بندر بن –سلطان- إذا كان ينظر إليه باعتباره الذي يحقق النقلة في سياسة الولايات المتحدة لصالح السنة، فلابد أنه عزز موقفه ومكانته داخل العائلة المالكة.

السعوديون مدفوعون بواسطة خوفهم من أن تحدث إيران ميلاً في ميزان القوى ليس في المنطقة وحسب، بل وداخل بلدهم –السعودية- ويوجد في العربية السعودية أقلية شيعية كبيرة في المحافظة الشرقية، وهي حيث حقول النفط الرئيسية، وقد شهدت المحافظة توترات طائفية مرتفعة. هذا وتعتقد العائلة المالكة، بأن الفعاليات الإيرانية، تعمل مع الشيعة المحليين، وأنها تقف وراء الهجمات الإرهابية العديدة –التي حدثت- داخل المملكة، وبحسب ما قاله فالينازر: «حالياً، الجيش الوحيد القادر على احتواء إيران» فالجيش العراقي قد تم تحطيمه والقضاء عليه بواسطة الولايات المتحدة والآن نحن نهتم بأمر إيران، تمتلك القدرة النووية، ولديها جيش جاهز قوامه أربعمائة وخمسين ألف جندي» –بينما العربية السعودية لها قوات يبلغ قدرها 75 ألف جندي في حالة الاستنفار.

مضى فالينازر قائلاً: للسعوديين وسائل مالية هائلة معتبرة، ولهم علاقات عميقة مع الاخوان المسلمين والسلفيين –المتطرفين السنة ينظرون للشيعة باعتبارهم مرتدين- «وإذا حدث مرة وشكلت إيران خطراً جديداً، فإن السعوديين قادرين على حشد وتعبئة أسوأ أنواع الراديكاليين والمتطرفين الإسلاميين، والذين بمجرد أن تقوم بإخراجهم من الصندوق، فلن يكون باستطاعتك إرجاعهم إليه مرة أخرى».

ظلت العائلة المالكة السعودية، في كلا الاتجاهين، على السواء، راعية وهدفاً للمتطرفين السنة، الذين يعارضون الفساد والتدهور والانحطاط في أوساط العدد الضخم الوافر من أمراء العائلة، والأمراء يقامرون ويراهنون بأنه لن يُطاح بهم طالما استمروا في دعم المدارس الدينية والجمعيات الخيرية وتقديم الصدقات –المرتبطة جميعها- بالمتطرفين. والاستراتيجية الأمريكية الجديدة تعتمد بثقل على هذه المقايضة والمساومة التوافقية.

قارن فالينازر الوضع الراهن الجاري بالفترة التي ظهرت وبرزت فيها القاعدة لأول مرة. ففي ثمانينيات ومطلع تسعينيات القرن الماضي، قدمت الحكومة السعودية العون المالي لحرب الوكالة «بروكسي» السرية الأمريكية التي قامت بشنها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية «CIA» ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، وقد تم إرسال المئات من السعوديين الشباب إلى مناطق الحدود –الأفغانية- في باكستان، حيث هيؤوا وجهزوا المدارس الدينية، وقواعد ومنشآت التدريب. وكان آنذاك، كما هو حالياً، عديد من الأطراف والمتعاملين الذين كان يتم دفع الأموال السعودية لهم، وكانوا من السلفيين، ومن بينهم، بالطبع، أسامة بن لادن وأقرانه، الذين أسسوا القاعدة في عام 1988م.

هذه المرة، أخبرني مستشار حكومة الولايات المتحدة، بأن بندر –بن سلطان- وسعوديين آخرين، أكدوا للبيت الأبيض بأنهم «سوف يتقصدون إغفال النظر عن الأصوليين الدينيين، ورسالتهم إلينا هي"لقد خلقنا هذه الحركة، وبإمكاننا السيطرة عليها". وليس معنى ذلك أننا لا نرغب في أن يقوم السلفيون بإلقاء القنابل، بل هم الذين سوف يقومون بإلقائها على حزب الله، ومقتدى الصدر، وإيران، والسوريين إذا استمروا في العمل مع حزب الله وإيران».

قال السعودي، بأن وجهة النظر في بلده، تتمثل في اتخاذ المخاطرة السياسية، بالانضمام إلى الولايات المتحدة في مواجهة إيران: فبندر بن سلطان، ينظر إليه بالأساس في العالم العربي باعتباره وثيق الصلة بإدارة الرئيس بوش. وأخبرني الدبلوماسي السابق قائلاً: «لدينا كابوسين، "الأول ان إيران تسعى لاكتساب القنبلة النووية" و"الثاني أن الولايات المتحدة تسعى لضرب إيران". وأود بدلاً عن ذلك، لو أن الإسرائيليين قاموا بقصف الإيرانيين، ومن ثم نستطيع إلقاء اللوم عليهم. –أما- إذا فعلت أمريكا ذلك، فسوف نكون نحن الملومين».

في السنة الماضية قام السعوديون والإسرائيليون، وإدارة بوش بتطوير سلسلة من التفاهمات غير الرسمية حول اتجاه استراتيجيتهم الجديدة. وقد تم على الأقل تغطية أربعة عناصر رئيسية، -بحسب- ما أخبرني مستشار حكومة الولايات المتحدة، الأول: هو التأكيد لإسرائيل بأن أمنها ينال الأهمية القصوى، وأن الولايات المتحدة، والعربية السعودية، والدول السنية الأخرى تتقاسم وتتشارك معها القلق من إيران.

والثاني هو قيام السعوديين بحث حماس، الحزب الفلسطيني الإسلامي الذي يتلقى الدعم من إيران، لكي تقلل عداءها المناهض لإسرائيل، وأن تبدأ سلسلة محادثات حول تقاسم القيادة مع فتح، الجماعة الفلسطينية الأكثر علمانية «في شباط، توسط السعوديون لإتمام صفقة بين الفصيلين في مكة، وبرغم ذلك فقد عبرت إسرائيل والولايات المتحدة عن عدم الرضا ببنود الاتفاق».

والعنصر الثالث هو: إن تعمل إدارة بوش مباشرة مع البلدان السنية من أجل إبطال النهوض والصعود الشيعي في المنطقة.

أما الرابع فهو: قيام السعودية بتقديم الأموال والمساعدات اللوجستية بموافقة واشنطن، من أجل إضعاف حكومة الرئيس بشار الأسد في سوريا.

ويعتقد الإسرائيليون أن وضع مثل هذا الضغط على حكومة الأسد سوف يجعلها أكثر تنازلاً واسترضاءاً، وتكون منفتحة إزاء المفاوضات. فسوريا تمثل القناة الرئيسية لمرور الأسلحة لحزب الله. والحكومة السعودية أيضاً على خلاف مع السوريين حول مقتل رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، في بيروت عام 2005م، والذي تعتقد –أي الحكومة السعودية- أن حكومة –الرئيس- الأسد هي المسؤولة. فالحريري، الملياردير السني، كان مرتبطاً بشكل وثيق مع النظام السعودي ومع الأمير بندر –بن سلطان- «ثمة تقرير للأمم المتحدة زعم بأن السوريين متورطين، ولكنه لم يقدم دليلاً مباشراً على ذلك، وهناك مخططات من أجل تحقيق آخر، بواسطة محكمة دولية».

باتريك كلاوسن، الذي يعمل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وصف تعاون السعوديين مع البيت الأبيض باعتباره اختراقاً هاماً بارزاً. وقال لي: «يفهم ويدرك السعوديون بأنهم إذا كانوا يريدون من الإدارة الأمريكية تقديم عرض سياسي جيد للفلسطينيين فإن عليهم –أي السعوديين- إقناع واستمالة الدول العربية لتقديم عرض أكثر جودة وسخاء للإسرائيليين. وأضاف كلاوسن قائلا: إن التوجه الدبلوماسي الجديد «يوضح درجة حقيقية من الجهد والتعقيد، وبنفس القدر أيضاً أناقة ورشاقة التواصل التي لم تكن على الدوام من –الشيم والخصال- المصاحبة والمقترنة بالإدارة الأمريكية. من الذي يتعرض لحمل أعباء المخاطرة الأكبر نحن –الأمريكيون- أم السعوديون؟ ففي تتدنى مكانة أمريكا في الشرق الأوسط إلى أدنى الدرجات، فإن السعوديون يتبعوننا ويسيرون خلفنا تماماً –ومن ثم- يتوجب علينا الاعتداد بنعمة البركة والحمد والمجد والقداسة».

لمستشار البنتاغون وجهة نظر خاصة، فقد قال: إن الإدارة الأمريكية قد تحولت إلى بندر بن سلطان، باعتباره –ذخيرة- الاحتياطي التي يتم اللجوء إليها عند التقهقر، وذلك لان الإدارة الأمريكية قد تحققت من أن الحرب الفاشلة في العراق من الممكن أن تترك الشرق الأوسط معلقاً فوق الخطاطيف.

• الجهاديون في لبنان:

تركيز علاقة الولايات المتحدة- السعودية، بعد إيران، ينصب على لبنان، حيث ينخرط السعوديون بعمق في جهود الإدارة الأمريكية الهادفة لدعم الحكومة اللبنانية. ورئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة يجاهد من أجل السلطة، في مواجهة المعارضة المستمرة التي يقودها حزب الله. هذا، ويمتلك حزب الله بنى تحتية هائلة، وعنده حوالي 3آلاف مقاتل ناشط، والآلاف من الأعضاء الإضافيين.

تم وضع حزب الله في قائمة الإرهاب بوزارة الخارجية -الأمريكية- منذ عام 1997م. والتنظيم متورط في تفجير عام 1983م الذي استهدف ثكنات المارينز في بيروت والذي أدى لمقتل 241 من العسكريين الأمريكيين، والتنظيم متهم أيضاً بالتورط في اختطاف الأمريكيين، ومن بينهم رئيس محطة وكالة المخابرات المركزية الامركيية «CIA» في بيروت، والذي مات خلال فترة الأسر، وضابط في قوات المارينز برتبة عقيد، كان يعمل ضمن بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وقد تم قتله. «أنكر حزب الله تورط الجماعة في هذه الوقائع».

ينظر عديدون إلى –حسن- نصر الله باعتباره "إرهابي" قوي مخلص، وهو القائل بأنه يعتبر إسرائيل دولة لا حق لها في الوجود. والعديدون في العالم العربي برغم ذلك، وعلى وجه الخصوص الشيعة، ينظرون إليه باعتباره زعيم المقاومة، الذي وقف وقاوم إسرائيل في حرب الثلاثة وثلاثين يوماً الصيف الماضي، والسينورة كسياسي ضعيف يعتمد على دعم أمريكا، ولكنه لم يكن قادراً على حث الرئيس بوش للمطالبة بوضع حد للقصف الإسرائيلي على لبنان. «صور السنيورة وهو يقبل كوندوليزا رايس على وجنتها عند زيارتها خلال الحرب تم استخدامها بشكل واسع خلال مظاهرات الشوارع في بيروت».

أعلنت إدارة بوش التزامها بتقديم مليار دولار لحكومة السنيورة كمساعدة بعد حرب الصيف الماضي، وتم عقد مؤتمر للمانحين بباريس في كانون الثاني، ساعدت الولايات المتحدة في تنظيمه، وقد أثمر عن التزامات بحوالي 8 مليارات أخرى، من بينها وعد بتقديم أكثر من مليار دولار بواسطة السعوديين. وقد تضمن الالتزام الأمريكي تقديم مساعدات عسكرية بأكثر من 240 مليون دولار للأمن الداخلي.

قدمت الولايات المتحدة أيضاً دعماً سرياً لحكومة السنيورة، وقد قال المسؤول الاستخباراتي الكبير السابق ومستشار حكومة الولايات المتحدة «تنخرط في برنامج يهدف إلى تعزيز قدرة السنة في مقاومة نفوذ الشيعة، وتقوم بالتوزيع لكل من حولنا بقدر ما نستطيع» وقال المسؤول الاستخباري الكبير السابق بأن مشكلة هذا النوع من المال «دائماً يدخل في الجيوب بما يفوق تصورك» وأضاف قائلاً: «في هذه العملية نحن نمول عدداً كبيراً من الأولاد الأشرار السيئين، الأمر الذي تترتب عليه تبعات غير مقصودة وخطيرة، فنحن ليس لدينا القدرة على أن نقرر ونأخذ سندات استلام الدفع الموقعة بواسطة الذين نريدهم ونتجنب الذين لا نريدهم –وكما ترى- فهي علاقة ارتباطية عالية جداً فيها مخاطرة كبيرة».

المسؤولون الأمريكيون، والأوروبيون، والعرب، الذين تحدثت إليهم، أخبروني بأن حكومة السنيورة وحلفاءها قد تم منحهم بعض المعونات لتوصيلها إلى أيدي الجماعة الراديكالية السنية الصاعدة في جنوب لبنان، وادي البقاع، ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الجنوب. وهذه المجموعات برغم صغرها، ينظر إليها باعتبارها –تقوم بدور- العازل إزاء حزب الله، وفي الوقت نفسه، فإن روابطها الأيديولوجية مع –تنظيم- القاعدة.

حلال مناقشة معي، اتهم الدبلوماسي السعودي السابق، حسن نصر الله بمحاولة «اختطاف الدولة» ولكنه اعترض أيضاً على الرعاية اللبنانية والسعودية للجهاديين السنة في لبنان. وقال لي: «السلفيون مريضون ومقيتون للغاية، وأنا ضد فكرة مغازلتهم». وقال أيضاً: «إنهم يكرهون الشيعة، ولكنهم يكرهون الأمريكيين أكثر. وإذا حاولت أن تفوقهم حيلة، فهم سوف يفوقوننا حيلة، وسوف يكون ذلك قبيحاً للغاية».

الأستير كروك، الذي قضى ما يقرب من ثلاثين عاماً في جهاز الأمن الخارجي البريطاني «MI6»، ويعمل الآن في منتدى الصراعات –مركز دراسات بيروت- أخبرني قائلا: «الحكومة اللبنانية وتفسح في المجال مكانة لهؤلاء الناس لكي يدخلوا. ومن الممكن أن يكون ذلك خطيراً للغاية». وقال كروك بأن إحدى الجماعات المتطرفة السنية، وهي "فتح الإسلام"، قد انشقت عن مجموعتها الأم في "سوريا الانتفاضة" الموالية لسوريا، وتوجد –جماعة فتح الإسلام- في مخيم نهر البارد شمال لبنان، وأعضاءها في الوقت الحالي أقل من 200 عضو. وأضاف كروك قائلا: «تم إخباري بأنه خلال أربعة وعشرين ساعة /فقط/ استلم هؤلاء الأعضاء الأسلحة والمال بواسطة أناس قدموا نفسهم باعتبارهم ممثلين لمصالح الحكومة اللبنانية، على افتراض أن يقوموا بتولي أمر حزب الله».

المجموعة الأكبر، "عصبة الأنصار"، توجد في مخيم اللاجئين الفلسطينيين في عين الحلوة، وقد استلمت "عصبة الأنصار" الأسلحة والإمدادات من قوى الأمن الداخلي والميليشيات المرتبطة بحكومة السنيورة.

في عام 2005م، واستناداً إلى تقرير المجموعة الدولية للأزمات، الموجودة في واشنطن، فإن سعد الحريري، زعيم الأغلبية السنية في البرلمان اللبناني، وابن رئيس الوزراء الأسبق الذي تم اغتياله. ورث أكثر من أربعة مليارات دولار بعد اغتيال والده، وقام بدفع ثمانية وأربعين ألف دولار ككفالة لأربعة أعضاء في إحدى الجماعات المسلحة الإسلامية بالضنيّة. والذين تم اعتقالهم بتهمة محاولتهم إنشاء دولة إسلامية مصغرة شمال لبنان، وأشارت مجموعة الأزمات إلى أن العديد من المسلحين "تدربوا في معسكر القاعدة بأفغانستان".

استناداً إلى تقرير مجموعة الأزمات، فقد استخدم سعد الحريري أغلبيته البرلمانية من أجل الحصول على عفو عام لاثنين وعشرين من إسلاميي الضنيّة، وأيضاً سبعة مسلحين متهمين بالتخطيط لتفجير سفارتي إيطاليا وأوكرانيا في بيروت، خلال العام الماضي. «كما قام أيضاً بترتيب عفو عن سمير جعجع، زعيم الميليشيا المسيحية المارونية، الذي أدين بأربعة اغتيالات سياسية، من بينها الاغتيال عام 1987، لرئيس الوزراء رشيد كرامي». وقد وصف سعد الحريري أعماله للصحفيين باعتبارها إنسانية.

في مقابلة ببيروت، أو ضح مسؤول كبير في حكومة السنيورة، معترفاً بوجود جهاديين سنّة يعملون داخل لبنان، وقال: «لدينا توجه ليبرالي، وهو يسمح لأمثال القاعدة بأن يكون لهم وجود هنا» وأرجع ذلك إلى الاهتمامات بأن إيران وسوريا قد تقرران تحويل لبنان إلى ٍ"مسرح صراع".

 

قال المسؤول –اللبناني- بأن حكومته ليست في وضع الرابح، وبدون حل سياسي مع حزب الله –على حد قوله- فإن لبنان من الممكن أن "ينزلق إلى الصراع"، الذي سيتحارب فيه حزب الله بشكل مفتوح مع القوى السنية، على نحو تترتب عليه مضاعفات مخيفة مرعبة كامنة، محتملة. ولكن إذا وافق حزب الله على حل واستمر في الحفاظ على وضعه كجيش منفصل، وحليف لإيران وسوريا، "فإن لبنان من الممكن أن يصبح هدفاً، وفي كلا الحالتين سوف يصبح هدفاً".

صورت إدارة بوش دعمها وتأييدها لحكومة السنيورة باعتباره مثالاً نموذجياً لاعتقاد الرئيس بوش في الديمقراطية، ورغبته في منع القوى الأخرى من التدخل في لبنان. وعندما قاد حزب الله مظاهرات الشارع في بيروت في كانون الأول، أطلق جون بولتون، الذي كان حينها سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، عليه صفة أنها تمثل "جزءاً من الانقلاب الذي تحض وعليه كل من إيران وسوريا".

ليسلي إتش غيلب، الرئيس السابق لمجلس العلاقات الخارجية، قال: إن سياسة الإدارة الأمريكية أصبحت أقل مناصرة للديمقراطية "من مناصرتها للأمن القومي الأمريكي. والحقيقة تتمثل في أنه سوف يكون خطيرا بشكل مرعب إذا تولى حزب الله تسيير دفة أمر لبنان". فسقوط حكومة السنيورة، على حد تعبير غيليب سوف يكون بمثابة إشارة في الشرق الأوسط لانحدار ومكانة الولايات المتحدة وصعود خطر الإرهاب. ومن ثم فإن إي تغيير للسلطة السياسية في لبنان يتوجب أن تعارضه الولايات المتحدة، فنحن نملك التبرير لمساعدة أي أحزاب وأطراف غير شيعية تعارض ذلك التغيير. ويجب أن نقول ذلك علناً وصراحة، بدلاً من الحديث عن الديمقراطية.

مارتن أنديك مدير مركز سابان، قال، على أية حال، الولايات المتحدة "ليس لها القدرة الكافية لإيقاف المعتدلين في لبنان من التعامل –وعقد الصفقات- مع المتطرفين". وأضاف قائلاً: "ينظر الرئيس إلى المنطقة باعتبارها مقسمة بين المعتدلين والمتطرفين، ولكن أصدقاؤنا الأقليميون ينظرون إليها باعتبارها مقسمة بين السنة والشيعة. والسنة الذين ينظر إليهم باعتبارهم متطرفين، ينظر إليهم حلفاؤنا السنة بكل بساطة باعتبارهم سنيين".

في كانون الثاني، وبعد اندلاع عنف الشارع في بيروت الذي اشترك فيه مؤيدو كل من حكومة السنيورة وحزب الله، سافر الأمير بندر إلى طهران لمناقشة المعضلة السياسية في لبنان، واللقاء مع علي لاريجاني، مفاوض الإيرانيين في المسائل والقضايا النووية. واستناداً إلى سفير شرق أوسطي، فإن مهمة بندر والتي قال السفير بأنه تمت الموافقة عليها بواسطة البيت الأبيض هدفت أيضاً "إلى خلق مشاكل بين الإيرانيين وسوريا" فقد كانت هناك توترات بين البلدين حول محادثات سورية مع إسرائيل، وهدف السعوديين هو تسريع الانفراط. وبرغم ذلك قال السفير: "لم ينجح ذلك، فسوريا وإيران لن تقوما بالتخلي عن بعضهما البعض"، وأسلوب بندر على الأغلب سوف لن ينجح.

وليد جنبلاط، زعيم الأقلية الدرزية في لبنان ومؤيد السنيورة القوي، هاجم نصر الله –واصفاً إياه- باعتباره عميلاً لسوريا، وظل يكرر للصحفيين الأجانب بأن حزب الله يخضع مباشرة للقيادة الدينية في إيران. وفي مناقشة له معي في نهاية كانون الأول الماضي، رسم صورة للرئيس السوري بشار الأسد باعتباره "القاتل المتسلسلِ. ونصر الله، كما قال –جنبلاط- كان "مذنباً أخلاقيا" في اغتيال رفيق الحريري، واغتيال –الوزير- بيير الجميل الوزير في حكومة السنيورة في نهاية تشرين الثاني الماضي، وذلك بسبب تأييده –أي حسن نصر الله- للسوريين.

أخبرني جنبلاط حينها بأنه قد التقى في واشنطن مع ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكية /نهاية الخريف –الماضي. ومن القضايا التي ناقشها، إمكانية تقويض –نظام- الأسد. وقد قام هو ومرافقيه بنصيحة ديك تشيني بأنه إذا كانت الولايات المتحدة تحاول بالفعل التحرك ضد سوريا، فإن إعضاء –جماعة- الاخوان المسلمين السوريين سوف يكونون "الجديرون بالتحدث معهم" على حد تعبير جنبلاط. الاخوان المسلمين السوريين، فرع من حركة سنية راديكالية تأسست في مصر عام 1982، ودخلت لأكثر من عشر سنوات في معارضة عنيفة مع نظام حافظ الأسد والد –الرئيس- بشار.

وفي عام 1982م، سيطر الاخوان على مدينة حماه، وقام الأسد بقصف المدينة لمدة أسبوع، -أدت- إلى مقتل بين ستة وعشرين ألفاً شخص. وأعضاء الاخوان يعاقبون بالموت في سوريا. والاخوان هم أيضاً عدو سافر معلن للولايات المتحدة وإسرائيل. ومع ذلك، فقد قال جنبلاط "لقد أخبرنا تشيني بأن الصلة الرئيسية بين إيران ولبنان هي سوريا، ولكي تضعف إيران فإنك تحتاج لفتح الباب أمام المعارضة السورية الفاعلة".

هناك دليل بأن استراتيجية الإدارة الأمريكية لتغيير الاتجاه، قد أفادت بالأساس من الاخوان المسلمين. فجبهة الخلاص الوطني السورية هي تحالف لجماعات معارضة أعضاءها الأساسيون هم فصيل بقيادة عبد الحليم خدام نائب الرئيس السوري السابق والذي انشق في عام 2005م، والاخوان المسلمين.

أخبرني ضابط سابق كبير الرتبة في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية «CIA» قائلاً: "لقد قدم الأمريكيون لهم الدعم السياسي والمالي. والسعوديون يتولون القيادة في تقديم الدعم المالي، ولكن بمشاركة أمريكا".

وأضاف قائلاً: إن خدام الذي يعيش الآن في باريس، يحصل على الأموال من العربية السعودية، بمعرفة وعلم البيت الأبيض، «في عام 2005م، التقى وفد من أعضاء الجبهة بمسؤولين أمريكيين، مجلس الأمن القومي، وذلك بحسب ما أوردته تقارير صحفية». هذا وأخبرني مسؤول سابق في البيت الأبيض، بأن السعوديين قد زودوا أعضاء جبهة الخلاص بمستندات ووثائق السفر.

قال جنبلاط بأنه قد فهم وأدرك بأن المسألة حساسة بالنسبة للبيت الأبيض، وعلى حد تعبيره "أخبرت ديك تشيني بأن بعض الناس في العالم العربي، وبالذات المصريينِ" والذين ظلت قيادتهم السنية المعتدلة تحارب لعدة حقب الاخوان المسلمين المصريين. "قد لا يرغبون في قيام الولايات المتحدة بمساعدة الاخوان المسلمين. ولكن إذا لم تقم بذلك –أي بدعم الاخوان- في سوريا، فإننا سوف نصبح وجهاً لوجه في لبنان مع حزب الله في قتال طويل، وقد لا يكسب أو يفوز أحد فيه".

                                              شبكة راصد الإخبارية 3 / 3 / 2007