العلاقات السعودية ـ الأميركية بدأت عام 1911 طبيا

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1257
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

واشنطن: محمد علي صالح: قبل بداية العلاقات الدبلوماسية بين السعودية واميركا كانت هناك علاقات نفطية، وقبل النفطية كانت هناك علاقات مائية، وقبل المائية كانت هناك علاقات طبية. العلاقات الدبلوماسية بدأت في 1942، والبترولية في 1933، والمائية في 1931 . كانت العلاقة الطبية باكورة العلاقات السعودية ـ الاميركية وبدأت في 1911 عندما ارسل المغفور له الملك عبد العزيز آل سعود عشرة من جنوده الجرحى الى مستشفي البعثة الاميركية في البحرين. وبعد سنتين وصل من البحرين الى القطيف بول هاريسون، وهو طبيب اميركي تخرج من كلية طب جامعة جونز هوبكنز في بولتمور (ولاية مريلاند) وكان يتكلم اللغة العربية، وقضى في القطيف شهرا ونصف الشهر عالج فيها المواطنين من امراض مثل السل والملاريا والتراكوما، لكنه لم يقابل الملك عبد العزيز. وفي السنة التالية ارسل الملك عبد العزيز، مرة ثانية، مرضى سعوديين بالملاريا الى المستشفى الاميركي الذي كان يشرف عليه د. ستانلي ميلريا. وفي نفس السنة زار ميلريا الملك عبد العزيز، ويعتقد انه اول اميركي قابله الملك.

ووصف ميلريا الملك عبد العزيز بأنه كان «حقيقة شخصية مهمة، وزاده طول قامته (اكثر من ستة اقدام) اهمية. اعجبت به كثيرا، وبهرني نشاطه، وملامح وجهه، وذكائه، وتصميمه، وعظمته التي لا حدود لها». ووصف ملامح وجه الملك عبد العزيز بأنها «دليل على سمعته بأنه رجل متدين تدينا عميقا. انها ليست ملامح رجل فاسق، وحديث النعمة. انها ملامح رجل هذب نفسه، ويعرف جيدا معنى الصوم والصلاة». في سنة 1917 دعا الملك عبد العزيز د. هاريسون لزيارة الرياض، وجهز له منزلا ليكون «مستشفى بسيطا»، وقال له: «اعرف انك مسيحي، لكن الرجال الشرفاء يمكن ان يكونوا اصدقاء رغم اختلاف اديانهم». قبل سنتين اصدر الطبيب الاميركي بول آرمردنغ كتاب «اطباء الى المملكة: عمل مستشفيات البعثة الطبية الاميركية في السعودية»، اشار فيه الى اول علاقات سعودية اميركية طبية، والى انطباعات د. ميلريا عن الملك عبد العزيز.

* من الدواء إلى الماء

* واذا كان الطبيب ميلريا اول اميركي قابل الملك عبد العزيز، فإن شارلز كرين كان اول خبير ماء اميركي قابل الملك. ورث كرين شركة انابيب مياه وحمامات في شيكاغو، وكان هذا من اسباب اختيار الرئيس ودرو ويلسون له (مع الاكاديمي هنري كينغ) للسفر الى فلسطين، في 1919، لسببين: اولا، اظهار حسن نية بتقديم مساعدات لتوفير الماء هناك. ثانيا، دراسة نتائج «وعد بلفور» الذي قدمته بريطانيا لليهود بتأسيس وطن لهم في فلسطين.

وكتب كرين وكينغ تقريرا الى الرئيس ويلسون قالا فيه ان «وعد بلفور» لن يتحقق إلا بالقوة، وذلك لأنه «سيخرق الحقوق المدنية والدينية لغير اليهود في فلسطين». (لكن ويلسون اهمل التقرير). وبعد ذلك بعشر سنوات دعا الملك عبد العزيز كرين لزيارته، بعد ان سمع بعطفه على العرب، وبتخصصه في مجال الماء. وبناء على طلب الملك عبد العزيز، ارسل كرين مهندس الماء والجيولوجيا الاميركي كارل ميتشل، الذي جاء مع زوجته نونا (اول اميركية زارت السعودية). وقضيا شهورا قطعا خلالها آلاف الاميال، وكتب ميتشل في مذكراته ان زوجته «قادت فريقا للبحث عن الماء خارج جدة، واشرفت على جهود ما بين عشرين وثلاثين من النجديين المسلمين، عاملوها باحترام كثير».

لكن ميتشل وزوجته فشلا في العثور على الماء، وعندما سمع الملك عبد العزيز، والشيخ عبد الله السليمان، وزير ماليته، الخبر، اصيبا بخيبة امل، وسأل السلمان ميتشل: «هل هناك اي وسيلة اخرى لزيادة دخل المملكة؟».

* من الماء إلى النفط

* سافر ميتشل الى اميركا، وقابل رئيسه كرين، وعاد الى الملك عبد العزيز بخبر سعيد، وهو ان البريطانيين الذين وجدوا النفط في العراق، بدأوا التنقيب في البحرين، واذا وجدوه هناك، ربما سيعني هذا وجود النفط في شرق السعودية. ثم عاد مرة اخرى، واتفق مع شركة «سوكال» (اصبحت فيما بعد «شفرون») للتنقيب عن النفط في السعودية. في السنة الماضية اصدر الصحافي الاميركي توماس ليبمان كتاب «داخل السراب: شراكة اميركا المهتزة مع السعودية». وقال ان اعجاب الملك عبد العزيز بالاطباء ومهندسي الماء الاميركيين مهّد لقراره بتفضيل الاميركيين على البريطانيين للتنقيب عن النفط في السعودية.

واضاف جون فلبي، البريطاني الذي كان مقربا من الملك عبد العزيز، وجمع مذكراته في كتاب «مغامرات بترولية عربية»، سببا آخر لتفضيل الملك عبد العزيز للاميركيين على البريطانيين، وهو ان عرض البريطانيين كان مجحفا. ورغم ان فلبي، البريطاني، كان يفضل شركة بريطانية على اميركية، وفاوض شركة نفط العراق بالنيابة عن الملك عبد العزيز، اضطر لأن يقول لمندوب الشركة البريطانية، ستيفن لونغريغ، ان «الاميركيين قدموا عرضا افضل، وليس امامك الى ان تجمع حقائبك وتعود الى البصرة». ولهذا، في سنة 1933، قال الملك عبد العزيز للشيخ عبد الله السليمان، وزير المالية: «توكل على الله، ووقع». وكان يقصد التوقيع على اول اتفاقية سعودية اميركية مع شركة «سوكال» البترولية.

* من النفط إلى السياسة

* رغم زيارات ونشاطات الاطباء وشركات الماء والنفط ، مضت اربعون سنة قبل ان تؤسس سفارة اميركية في السعودية، في 1949 . وقال الصحافي ليبمان، في كتابه «داخل السراب»، ان الحكومة الاميركية لم يكن لها تمثيل دبلوماسي دائم وكبير في الخليج والجزيرة العربية لأنها «اعتبرتهما منطقة نفوذ بريطانية، ولم تكن لنفط العرب اهمية استراتيجية بالنسبة للاميركيين مثلما هو الآن». وقال باركر هارت، سفير اميركا السابق في السعودية، ومؤلف كتاب «السعودية والولايات المتحدة»، ان الرئيس فرانكلين روزفلت «اعتبر كل الشرق الاوسط، ما عدا سورية ولبنان، منطقة نفوذ بريطانية، وان بريطانيا مسؤولة عن حمايتها خلال الحرب العالمية الثانية» امام خطر سيطرة المانيا النازية وايطاليا الفاشية عليها. وكانت السفارة الاميركية في القاهرة تشرف على السعودية، ويزورها دبلوماسي منها لتفقد احوال الاميركيين هناك. ومضت ثماني سنوات بعد تأسيس المملكة العربية السعودية، حتى عينت الحكومة الاميركية اول قنصل (وكان غير مقيم) في جدة، في 1940 . وفي 1943 قررت الحكومة الاميركية فتح قنصلية في الظهران، وذلك للاسباب الآتية: اولا، قربها من مقر اقامة الملك عبد العزيز. ثانيا، قربها من آبار البترول. ثالثا، لتنسيق هبوط الطائرات العسكرية الاميركية في مطار الظهران للتزود بالوقود في طريقها بين مصر والهند، بعد ان دخلت اميركا الحرب العالمية الثانية. وطلبت وزارة الخارجية الاميركية من جيمس موس، قنصل جدة غير المقيم، الاجتماع مع الملك عبد العزيز للحصول على موافقته.

* الملك يرفض

* لكن، كما قال هارت، «فوجئ الجميع بأن الرد الملكي جاء سلبيا وصارما»، وذلك للاسباب الآتية:

اولا، حفاظا على السيادة السعودية، حتى لا يكرر الاميركيون ما فعل الاتراك العثمانيون (وتكون القنصلية الاميركية خطوة اولى لتحقيق ذلك).

ثانيا، حتى لا تصبح القنصلية الاميركية سابقة لدول اخرى لتؤسس قنصليات لها، وتجر السعودية الى خلافات ومشاكل دولية. (رفض الملك عبد العزيز طلبا من بريطانيا بفتح قنصلية، وايضا من ايران). ثالثا، حتى لا يتكرر في السعودية ما حدث في البحرين حيث اصبحت القنصلية البريطانية الحاكم الفعلي للبحرين ولمناطق الخليج المجاورة. (رفضت بريطانيا السماح للسعودية بفتح قنصلية في البحرين).

رابعا، حتى لا تصبح السعودية طرفا في صراع اقليمي بين اميركا وبريطانيا في الشرق الاوسط (وتعاديها دول عربية تسيطر عليها بريطانيا، مثل مصر، والاردن، والعراق). لكن الملك عبد العزيز ترك الباب مفتوحا، واختار اثنين من مستشاريه، خالد الجرجاني وبشير السعداوي، للتفاوض مع موس (قنصل جدة غير المقيم) للوصول الى حل وسط. وعندما فشل الجانبان في الوصول الى حل، ابلغ موس وزارة الخارجية، التي ابلغت البيت الابيض، حيث كان الرئيس روزفلت حريصا على تأسيس قنصلية في الظهران.

* دعوة الملك لزيارة واشنطن

* في سنة 1943 ارسل الرئيس روزفلت دعوة مكتوبة الى الملك عبد العزيز لزيارة اميركا، وقال ان الهدف من الزيارة هو توثيق العلاقات بين البلدين، لكن كان واضحا انه يريد تأسيس قنصلية الظهران. لكن الملك عبد العزيز اعتذر لأنه كان مريضا، وخاف ان تزيد الرحلة الطويلة مرضه، واوفد ابنيه الاميرين فيصل وخالد (ومعهما الشيخ حافظ وهبة).

وخلال اجتماعات استمرت ساعات طويلة بين الوفد السعودي ووالاس موريه، مسؤول الشرق الادنى في وزارة الخارجية، قال الاميركيون ان قنصلية الظهران مهمة بعد دخول اميركا الحرب العالمية الثانية، وبعد وضع خطة لبناء مصفاة ومرسى ناقلات بترول في رأس تنورة، وتوقع مئات من الخبراء والمستشارين الاميركيين. وخفف موريه من عبارات غير دبلوماسية نسبت الى موس قال فيها ان السعوديين «لا يفهمون دور ومعنى القنصليات الدبلوماسية في العصر الحديث»، وكان القنصل قال ذلك لأنه فوجئ برفض الطلب الاميركي. وقال موريه، مسؤول الشرق الادنى في وزارة الخارجية، للوفد السعودي ان فتح القنصلية لا يجب ان يكون سابقة لدول اخرى لتفتح قنصليات، وذلك لأن «الولايات المتحدة والسعودية فقط تجمعهما مصالح مشتركة لتطوير المنطقة». وفي نهاية المفاوضات قال الوفد السعودي انه سينقل رأي الاميركيين الى الملك عبد العزيز.

* الملك يوافق

* حسب ذكريات السفير السابق هارت، لعب الامير فيصل دورا كبيرا في إقناع والده بالموافقة على الطلب الاميركي. وكان هارت في ذلك الوقت قنصلا غير دائم في جدة، ويوم 1 ـ 6 ـ 1944، وصلته برقية من وزارة الخارجية، عن طريق السفارة الاميركية في القاهرة، بتعيينه قنصلا مقيما في الظهران. وفهم هارت ان الامير فيصل نجح في اقناع والده. لكن هارت لم يقدر على السفر من جدة الى الظهران لأنه لم يكن معتمدا رسميا، فسافر الى القاهرة، ثم بغداد، ثم البصرة، ثم البحرين، ثم الرياض. وعاد بنفس الطريقة، وفعل ذلك اكثر من مرة، حتى افتتحت القنصلية. (عندما قضى اياما في السفارة الاميركية في القاهرة، خلال واحدة من زياراته، قابل جين سمايلي، الاميركية التي كانت تعمل في قسم المعلومات الاستراتيجية، واحدة من متطوعات اميركيات ارسلن الى السفارات الاميركية في الخارج لمواجهة النقص بسبب تجنيد الرجال في الحرب العالمية الثانية. وعندما تحابا واتفقا على الزواج قال لها انه يفضل الانتظار حتى يضمن موافقة الملك عبد العزيز النهائية على قنصلية الظهران، ثم يتزوجان، ثم يذهبان الى الظهران معا). ومضت خمس سنوات اخرى قبل ان تفتتح اول سفارة اميركية في السعودية، في 1949.

                                                                 الشرق الاوسط 24 / 5 / 2005