النظام السعودي و7 أكتوبر : ادعاءات التمسك بدولة فلسطينية

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 651
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

طوال سنة مضت من عمر الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، ودخول المنطقة منعطفا أكثر خطورة مع فتح الكيان المحتل لجبهة حرب مضافة في لبنان، أتت الذكرى الأولى من طوفان الأقصى محمّلة بكثير من الثوابت غير القابلة لأن تحمل وجهي تفسير. بما يخصّ الرؤية السعودية وقرار محمد بن سلمان بكل ما يرتبط بالقضية الفلسطينية، توالت الدلالات التي تؤكد مضي النظام السعودي نحو التحرر من خطاب قديم والتزام ثقيل تبنّته لعقود مضت على سبيل “قيادة العالم الإسلامي- السني”. قبل السابع من أكتوبر، لم تتوقف التلميحات والتصريحات الغربية والتسريبات الصحفية عن نيّة النظام السعودي للانضمام إلى قافلة الدول العربية المطبعة مع الاحتلال، ضمن صفقة “استراتيجية” تعزز من مسار “السلام” المزمع، الذي تتبناه الرياض طمعاً بمخرجاته على المستوى السياسي والاقتصادي وانعكاساته على رؤية 2030 المتعثرة. فبعد أن ثبُت استحالة تحقيق أي نصر ميداني على الساحة اليمنية، واخفاق الاستراتيجية السعودية في اليمن، قرر محمد بن سلمان المضي بمسار المفاوضات تحت رعاية دولية وضوء أخضر أميركي. أتت سياسات “التهدئة” السعودية مع قطر بداية، واليمن لاحقا، وتبريد ساحات الاشتباك المسلح لتُهيّئ الأرضية لتحوّل في السياسات والخطاب الرسمي السعودي تجاه فلسطين، وإن كانت دلائل الانعتاق السعودي عن القضية الفلسطينية كثيرة إلّا أن اعتراف محمد بن سلمان لشبكة “فوكس نيوز” الأميركية، خلال لقاء أُجري معه، بأن المحادثات بشأن التطبيع “تتقدم كل يوم..وكل يوم نقترب أكثر من ذلك”، آملاً أن ” نصل إلى حل يسهل حياة الفلسطينيين ويعيد إسرائيل كعنصر في الشرق الأوسط”. وكان قد سبق ذلك، انعقاد لقاءات عديدة ممهدة لمسار التطبيع برعاية أميركية، حيث التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي مع “جيك سوليفان” مستشار الأمن القومي لإدارة بايدن في 19 يناير/كانون ثاني 2023، وقام وزير الخارجية “أنتوني بلينكن”، ومستشار الأمن القومي “جيك سوليفان” بزيارة السعودية للتشاور حول مسار التطبيع. شروط سعودية مقابل التطبيع روّج النظام السعودي لمروحة من الشروط الواهية على مسار التطبيع مع الكيان المحتل، من بينها تأكيده وعلى لسان الحاكم الفعلي للبلاد، محمد بن سلمان، إقامة دولة فلسطينية. الشرط المذكور، ما لبثت أن عدّلت في صياغته كالقول “وضع مسار لقيام دولة فلسطينية”، ما يعني التخفيف من حدّة الالتزام والاكتفاء بتعهد أو مسار سياسي غير واضح المخرجات.  وقد أتى في بيان لوزارة الخارجية السعودية في فبراير/ شباط الماضي “لن تكون هناك علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ما لم يتمّ الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلّة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وإيقاف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وانسحاب كافة أفراد قوات الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة”. إلى جانب ذلك، لا يوجد أي دليل على أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ــ أو أي حكومة إسرائيلية ــ سوف تقدم وتلتزم بالتنازلات اللازمة لإنشاء دولة فلسطينية، وهو ما طالبت به الرياض كشرط مسبق، بغض النظر عن الفوائد الاقتصادية والأمنية التي قد يجلبها التطبيع السعودي. وهذا ما أكده تبني الكنيست الإسرائيلي قرارا ينص على رفض إقامة دولة فلسطينية، وذلك للمرة الأولى في تاريخ المجلس. ووصف القرار إقامة دولة فلسطينية في أعقاب أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023 بأنها “مكافأة للإرهاب” وستكون خطرا وجوديا على إسرائيل، مشيرا إلى أن حركة حماس ستستولي على الدولة الفلسطينية وتحولها إلى “قاعدة إرهابية إسلامية متطرفة” في وقت قصير. وإضافة إلى هذا، انخفض الدعم الشعبي الإسرائيلي للدولة الفلسطينية منذ السابع من أكتوبر : فوفقا لاستطلاع للرأي أجراه مركز بيو للأبحاث في ربيع عام 2024، فإن أكثر من ربع الإسرائيليين يؤيدون الآن مثل هذا الترتيب. واستكمالا للشروط السعودية المزمعة للتطبيع، فقد صرّح رئيس الولايات المتحدة الأميركية، جو بايدن، في يوليو/ تموز 2024 بأن “السعودية” تريد تطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل ضمانات أمنية من الولايات المتحدة وإقامة “منشأة نووية مدنية” فيها. إذ ترغب السعودية في بناء 17 مفاعلًا نوويًا مدنيًا كجزء من تنويع مصادر الطاقة، والحصول على الأسلحة الأمريكية المتطورة والحديثة. وأوضح بايدن في مقابلة أجراها معه برنامج “360 مع سبيدي” أن ما يريده النظام السعودي مقابل التطبيع مع “إسرائيل” هو ضمان بأن الولايات المتحدة ستزودهم بالأسلحة “إذا تعرضوا لهجوم من قبل دول عربية أخرى (أو) تلك (الواقعة) على مقربة مباشرة منها”.  وأضاف الرئيس الأمريكي أن واشنطن ستقيم أيضا منشأة نووية مدنية في أراضي السعودية، سيديرها الجيش الأمريكي “حتى يتمكنوا من الابتعاد عن الوقود الأحفوري”، حسب تعبيره. وإذ يُعدّ التوصل لاتفاق التطبيع بين “السعودية” وإسرائيل نجاحا للإدارة الأميركية يسبق الانتخابات الرئاسية المنتظرة نهاية العام الحالي، إلّا أن أحداث السابع من أكتوبر وحرب الإبادة المستمرة من قبل جيش الاحتلال في قطاع غزة، بالتوازي مع تمدد رقعة المواجهات العسكرية لتشمل لبنان، جعلت من هذا الانجاز مستحيلا وحوّلت محور اهتمام الإدارة الأميركية إلى الظفر بتسجيل نقطة نهاية الحرب قبل خروج بايدن من البيت الأبيض، الأمر الذي لن يسمح نتنياهو بتهيئة ظروفه، بل يتخذه وقتا إضافيا للمغالاة في إجرامه. مصالح “السعودية” من التطبيع تتحرك الرياض من منطلق تحقيق مصلحتها وأمنها القومي المفترض، وتسعى لتحقيق ما كان ممنوعا عنها أميركيا من بوابة التطبيع مع الكيان المحتل. وما خطوة توقيع الاتفاق السعودي الإيراني في 10 مارس/آذار 2023 برعاية الصين إلّا تكتيكا مدروسا للضغط على الإدارة الأميركية. تبحث “السعودية” عن مصالحها مع أميركا والكيان، ترغب في الحصول على ضمانات من واشنطن في ضوء القلق من تحركات الأخيرة خلال الفترة الماضية لفك الارتباط بالمنطقة، وبروز مخاطر وتهديدات، لا تختصر فقط بالترسانة الإيرانية للأسلحة والطائرات المسيرة والصواريخ العابرة، بل تتجاوزها لتشمل إمكانيات وقدرات الحشد الشعبي العراقي وحركة “أنصار الله” في اليمن، سيّما بعد الهجمات اليمنية على منشآت النفط في بقيق في عام 2019. وفي الشق الاقتصادي، بلا شك فإن الرياض تتطلع من خلال تطبيع العلاقات مع الكيان إلى تحقيق معايير رؤية 2030 وجذب الاستثمارات الإسرائيلية إلى البلاد، والانفتاح على اقتصاد الكيان عبر التجارة والعبور والسياحة في البحر الأحمر والمتوسط. بالمقابل، لم يتوانَ الكيان عن المضي بمشروع الخط البري المقام من موانئ الإمارات، إلى فلسطين المحتلة عبر “السعودية” والأردن، لتعويض إسرائيل، التي لا تفتأ تجوّع الغزيين، ما يَنقصها نتيجة الحصار الذي تفرضه حركة “أنصار الله” عليه في البحر الأحمر. أما في الشق العسكري، ترسم الرياض أهدافها لتعزيز التعاون العسكري والأمني مع الاحتلال، وبالتالي تعميق التعاون الاستخباري. وفي هذا الشق، سبق أن تعاون النظام السعودي مع شركات السايبر الهجومية الإسرائيلية. وكشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، في يوليو/تموز 2021، إصدار وزارة الأمن الإسرائيلية لتصاريح تصدير رسمية لأربع شركات تعمل في مجال البرمجة والهايتك الإسرائيلية، من بينها شركة “كوا دريم” لبيع برمجياتها الخاصة بالتجسس والقرصنة للنظام السعودي. وذكرت أنه “منذ العام 2017 دخل إلى السعودية العشرات من الإسرائيليين الضالعين في الشأن الاستخباراتي، ومعظمهم من وحدات سيبرانية”. وقالت إنّ شركات السايبر الهجومي التي حصلت على تفويض للعمل مع “السعودية”، هي “إن إس أو” و”كانديرو” و”فيرينت” و”كوا دريم”، وذكرت أنّ الشركتين الأخيرتين منحتا التفويض بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي. صورة التمهيد للتخلّي عن فلسطين على المستوى الشعبي، وأمام الرأي العام الداخلي والخارجي، لعبت شخصيات سعودية من مسؤولين وإعلاميين دوراً في الترويج للتطبيع الرسمي المرتقب بين الكيانين. ففي الوقت الذي انتقت الرياض، وعلى مدار سنة، القليل من مجازر الصهاينة بحق الفلسطينيين لإدانتها، عملت على الضفة المقابلة في تهيئة “النخبة” الإعلامية والثقافية وعدد من الشخصيات لتبني خطاب التعاون مع الكيان المحتل، واتهام حماس بـ”الإرهاب” وتحميل مسؤولية الأرواح التي سفكت على يد جيش الاحتلال بكونها مسؤولة عنها. وعند هذا الحدّ، شاركت السفيرة السعودية في واشنطن، ريما بنت بندر بن سلطان، إلى جانب مسؤولين إسرائيليين، في افتتاح “الحوار الأميركي – الشرق أوسطي”، وهو إطار يركّز على تحقيق مصالح إسرائيل، حيث ألقت خطاباً لم يرشح أي شيء عن مضمونه، نتيجة حظر على النشر والتقاط الصور فرضه القيّمون على الحدث، الذي لم يكن متاحاً الدخول إليه إلا للمدعوين. لكن الإسرائيليين الحاضرين اعتبروا الخطاب “مُلهماً”، وأشار أحدهم، وهو الصحافي عميت سيغال، إلى أن السفيرة قالت كلاماً مهماً لا يستطيع ذكره، علماً أن ريما، بصفتها بنت بندر و”سفيرة خادم الحرمين الشريفين” الغائب عن المشهد حالياً، لا يمكن أن تتحدّث إلا بلسان ابن سلمان. كما أن الاجتماع نفسه قُدّم في الإعلام الإسرائيلي بوصفه قناة خلفية للمناقشات المستمرة حول التطبيع السعودي – الإسرائيلي. وسبق ذلك وصول أول وفد إسرائيلي رسمي إلى الرياض للمشاركة في مؤتمر لليونسكو، في شهر سبتمبر/أيلول 2023. وكتب مراسل هيئة البث الإسرائيلي (مكان) أميشاي شتاين: “حدث تاريخي: وصول وفد رسمي إسرائيلي إلى السعودية لحضور مؤتمر لليونسكو”. بالمقابل، أبقت الرياض على أهم أوجه التطبيع الثقافي لناحية التعديل الذي حصل على المناهج الدراسية بأسلوب بطيء ومتأني، بحذف وصف “الصهيونية” طورا؛ وفي إلغاء فلسطين من الخريطة طوراً آخر؛ أم غيرها الكثير وعلى المنوال نفسه، ضيّق “النظام السعودي” على مظاهر التضامن السلمي مع القضية الفلسطينية بُعيد الإبادة الجماعية التي شنتها “إسرائيل” على غزة. فمن اعتقال من يرفع العلم الفلسطيني إلى منع اردتاء الشملة الفلسطينية، وصولا إلى اعتقال المعتمرين والحجاج الذين يبدون أي نوع من أنواع التضامن مع المقاومة الفلسطينية.