عام على طوفان الأقصى.. هل ما زال حلم ابن سلمان بالتطبيع ممكنًا؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 62
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

عام مرّت على عملية طوفان الأقصى التي بدّلت وجه المنطقة إلى غير رجعة. ومعها تبدّلت حسابات دول على الصعيدين العربي والإقليمي، وبات لزامًا على المنطقة إعادة بلورة خططها ومشاريعها بناءً على تطورات الأحداث المتصاعدة والمتجهة يومًا بعد يوم نحو الانفجار الكبير. في السعودية، بدّل 7 من أكتوبر حسابات المملكة على أكثر من صعيد، ولعلّ أهم استحقاق تأثر بالطوفان كان ملف التطبيع مع الكيان الإسرائيلي. فأين أصبحت الصفقة؟ وهل ما زال الحديث عنها ممكنًا؟ ولماذا يتمسّك بها حاكم السعودية الفعلي ولي عهدها محمد بن سلمان؟ في سبتمبر 2023، قال محمد بن سلمان في مقابلة إعلامية، إن بلاده كل يوم تقترب أكثر فأكثر من إتمام صفقة التطبيع. كان هذا التصريح قبيل أيام عملية طوفان الأقصى التي ستغيّر وجه المنطقة، وستطيح بسنوات من العمل الدؤوب على مشروع دمج الكيان في المحيط العربي.  صفقة من بنود ثلاثة كانت تعمل أطراف التفاوض الأميركي والإسرائيلي والسعودي على إتمامها: أولًا: معاهدة دفاع مشترك من خلال ضمانة أمنية من الولايات المتحدة مثل المادة الخامسة للناتو. لكن واشنطن تطرح بديلًا للسعوديين يتمثل في إعطاء السعودية صفة خاصة كحليف غير عضو في حلف شمال الأطلسي، على غرار الوضعية التي يمتلكها كل من الكيان وقطر والأردن. ثانيًا: التدفق الحر للأسلحة والقدرة على شراء أسلحة متقدمة بما في ذلك طائرات F-35 الأميركية. وهو بند يخضع لمحاذير أميركية، ويصطدم بخلاف داخل البيت الأميركي في ظل مطالب بوضع قيود على صفقة السلاح للسعودية. يضاف إلى ذلك، توازنات القوى في المنطقة، وشرط التفوق الدائم للكيان ومنع حيازة إي دولة لسلاح كاسر للتوازنات يمكن أن يهدد التفوق العسكري الإسرائيلي. ثالثًا: برنامج نووي مدني يعطي الضوء الأخضر لقدرة سعودية مستقلة على تخصيب اليورانيوم، وهو بند يرفضه الجانب الإسرائيلي ويشترط الجانب الأميركي أن يظل هذا البرنامج تحت سيطرته (على غرار النووي الإماراتي والتوقيع على المادة 123 من قانون الطاقة الذرية الأميركي) بما يمنع حيازتهم لتكنولوجيا تمكنهم من تطوير سلاح نووي. رابعًا: تنفيذ “خطة السلام” الموضوعة عام 2002، والمتمثلة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. ولكن هذا يصطدم برفض إسرائيلي، ولا يعد أصلًا بندًا أساسيًا لدى الطرف السعودي الذي كان يبدي استعداه على القبول بأقل من ذلك بكثير، كتجميد الاستيطان والتنصل من ضم الضفة الغربية ووقف اقتطاع الأراضي منها. لكن طوفان الأقصى جمّد مشروع التطبيع، وعرّى المطبّعين ودفاعهم عن بقاء الكيان وتصفية القضية الفلسطينية ومشروع مقاومة الاحتلال في المنطقة. وأمام هول مشهد الإبادة الجماعية في غزة، والجرف الشعبي الغاضب، وجدت المملكة نفسها في موقف حرج يحتّم عليها فرملة مفاوضات التطبيع، فأعلنت تجميدها للمحادثات، من دون إلغائها. وهي رسالة فهمها الطرف الأميركي وكان رده التأكيد بأن جهود التطبيع لم يتم تعليقها بشكل رسمي، لكن التركيز منصب على تحديات عاجلة أخرى. أحيا طوفان الأقصى مشروعية المقاومة في المنطقة، وأعاد زخف القضية الفلسطينية. وهو ما انعكس على الشارع السعودي أيضًا، إذ أظهرت استطلاعات الرأي أن ما يقرب من 96٪ من السعوديين يعتقدون أن الدول العربية يجب أن تقطع أي علاقات مع الكيان الإسرائيلي بسبب سلوكها في غزة. أما بالنسبة لمركز القيادة السعودي، فإن معركة وحدة الساحات تمثّل خطرًا جديًا على أمن المملكة الداخلي الممسوك بقبضة من حديد للحفاظ على طريق العرش معبّدًا. كما أنها تعطّل مشاريع رؤية 2030 الاقتصادية المتعثّرة أصلًا، وهو ما من شأنه أن يزيد من نزيف الاقتصاد ويوسع العجز المالي. أما انتصار محور المقاومة، فيعني انتصارًا لإيران، وعودة لحركات المقاومة التي تخشاها دول الخليج، المحتمية بالدعم الغربي والحماية الأميركية. أمام هذه الواقع، أعادت السعودية بلورة حساباتها السياسية من جديد، فروّجت لتمسكها بالبند الفلسطيني كشرط أساسي للمضي في إشهار العلاقات مع الكيان الإسرائيلي، وهو ما بات بندًا غير قابل للتفاوض مع رئيس وزراء كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو المتعطش للدم والماضي في محاولته للقضاء على حركات المقاومة في المنطقة. ورغم هذا الشرط غير القابل للتطبيق، إلا أن السعودية متمسكة بالصفقة التي ترى فيها مصلحة اقتصادية بالدرجة الأولى، إلى جانب الفوائد الأخرى التي ستجنيها من فتح باب العلاقات رسميًا مع الكيان. أما الأخير، فيرى في السعودية كعكة الأسد التي ستجر معها دولا أخرى للمضي في قطار التطبيع، وهو ما بات يحتاجه أكثر بعد عملية طوفان الأقصى وانكشاف صورته الدموية على حقيقتها. وأما الجانب الأميركي، فإن واشنطن تريد أن تكبح جموح النفوذ الصيني المتصاعد في المنطقة وأن تبقي دول الخليج ضمن مروحتها. وفي هذا السياق يقول المحلل السياسي حسان عليان، “قبل أيام تحدث محمد بن سلمان عن التطبيع ولكن في مقابل أن يكون هناك دولة فلسطينية والقدس الشرقية عاصمة لها. وهو بند فرضته معركة طوفان الأقصى التي جمدت أو أجلت مسألة التطبيع، ولكن الآن بعد معركة وحدة الساحات بات قرار ابن سلمان في الذهاب إلى التطبيع أصعب بكثير في ظل العدوان والمجازر، وبالتالي مهما كانت الحسابات السياسية، سيكون لها تداعياتها على المستوى الداخلي. فمحمد بن سلمان الذي يرى في التطبيع أهمية كبرى في طريق العرش، يواجه الغليان الشعبي الرافض له، وهو ما دفعه لوضع شرط تعجيزي يعلم بأن نتنياهو لن يقبل به. محمد بن سلمان كان جزءً أساسيًا من اتفاقيات صفقة القرن، ولكن بعد معركة الأقصى وتمادي العدو في مجازره في غزة ولبنان في ظل التخاذل العربي، فإن مسألة التطبيع لغاية هذه اللحظة “متوقفة” من دون آلية للتنفيذ”. ويضيف عليان، “كان يعمل على محو القضية الفلسطينية من الذاكرة وطيها في غياهب النسيان قبل الطوفان. ولذلك باتت هذه المسألة صعبة جدا بالنسبة للسعودي من دون إضافة البند الفلسطيني. والسؤال اليوم هو: هل تضغط أميركا في ضوء ما صرح به الرئيس الأميركي جو بايدن قبل أيام بأن المجتمعين العربي والإسلامي يوافق على التطبيع مع تحقيق مطلب إقامة دولة فلسطينية؟ والجواب أن الجميع يعلم أن أميركا تكذب منذ العام 1993، إذ لا نية للأميركي بالضغط على الكيان للقبول بمطلب إقامة دولة فلسطينية متكاملة قابلة للحياة. ولذلك يمكن القول إن مسألة التطبيع انتهت إلى حدّ بعيد أو أجلت، وفي المقابل أصبحت القضية الفلسطينية بعد طوفان الأقصى قضية مركزية في العالم وباتت من أهم النقاشات في العالم وبالتالي بات من غير الممكن التراجع إلى الوراء والتنازل للإسرائيلي في ظل العدوان والمجازر في غزة ولبنان”. تضيق الخيارات السعودية في إتمام ملف التطبيع، ورغم هذه العوائق، تمضي في التطبيع الناعم الذي شرعت به منذ سنوات وبات يطال مختلف المجالات الاقتصادية والاستثمارية والعسكرية والاستخباراتية والفنية والثقافية والرياضية والإعلامية. بل إن مسارات هذا التطبيع الناعم في توسع وتطور مستمر، وما استقبال الوفود الاقتصادية والرياضية والإعلامية الإسرائيلية في السعودية إلا خير دليل على ذلك. ولعل آخرها زيارة وفد من الموساد إلى المملكة لاستكمال مشاورات التطبيع. على المستوى الرسمي، استمرت المفاوضات بين الطرفين الأميركي والسعودي على أعلى المستويات لاستكمال مسار المحادثات وتذليل العقبات، وكانت التصريحات الرسمية الموازية تصب في سياق التأكيد على أن التطبيع غير ممكن من دون البند الفلسطيني، فيما كانت الرسائل تمرر من تحت الطاولة بأن قيادة المملكة محرجة من العالمين العربي والإسلامي من حمام الدم الإسرائيلي. من بين هذه التصريحات، نذكر ما قاله ابن سلمان خلال افتتاح أعمال السنة الأولى من الدورة التاسعة لمجلس الشورى، وقوله إن بلاده  ترفض إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل دون إقامة دولة فلسطينية، بعد أيام من مجزرة “البايجرات” في لبنان، وفي ذلك إشارات مباشرة بصعوبة إتمام الصفقة في هذا التوقيت. تقف السعودية على حفة الهاوية، وهي لازالت ترفض التراجع خطوات إلى الوراء، متمسكة بقرار “أرهبة” حركات المقاومة الفلسطينية، واستمرار محاكمة أفرادها بقانون الإرهاب، ورفض الإفراج عن قيادات حماس في المملكة رغم كل العروض اليمنية التي قدّمت، وفي الوقت نفسه، تبعث بإشارات بأن المحادثات لم تنتهي، وبأنها لن تتأثر بهوية الزائر الجديد للبيت الأبيض، وبأن التطبيع عقيدة لآل سعود وتحديدا ابن سلمان الذي يرى في عمادًا لرؤية الحلم 2030. وأبرز دليل تصريحات ريما بنت بندر المتكررة وحديثها عن رغبة بلادها بأن ترى “إسرائيل” مزدهرة في شرق أوسط موحّد ومتكامل تماشيًا مع أهداف رؤية 2030. أما مشاركتها الأخيرة في مؤتمر MEAD فكان له رمزيته، إذ أوضح تمسك آل سعود بمشروع التطبيع، وإشاراتهم بأن ما تريده السعودية اليوم ليس التزامًا إسرائيليًا بحدود الدولة الفلسطينية المستقبلية، وإنما مجرد تصريح يوفر أفقًا سياسيًا من أجل المضي في التطبيع. أي بمعنى آخر، قدموا لنا ما يبرر تمريرنا التطبيع أمام الرأي العام! في الخلاصة، السعودية من أكبر الخاسرين من عملية طوفان الأقصى. محور الساحات أحيا مشروع المقاومة الذي تخشاه دول الخليج المتهالكة، وجمد مشاريعهم الاقتصادية والتي تعتمد على التطبيع والكيان في فتح مجالات استثماراتية جديدة، وفوق ذلك كله، أبرز الدور المشرف لدول محور المقاومة فيما كشف سوءة دول التطبيع وهمّش صورة عملت على تلميعها هذه الدول لسنوات، تحت شعارات التسامح وحوار الأديان والسلام في المنطقة. اليوم، إصرار السعودية على المضي بالتطبيع، يعني قولها: أنا موافقة على حمام الدم في غزة ولبنان، أدعم إبادتكم الجماعية، وأصافح القاتل، وأستقبله بالأحضان!