“السعودية” تجدد موقفها من التطبيع مع المستجدات الاقليمية

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 17
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

خلال افتتاح “السعودية” أعمال السنة الأولى من الدورة التاسعة لمجلس الشورى، يوم الأربعاء الماضي، قال محمد بن سلمان أن بلاده “ترفض إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل دون إقامة دولة فلسطينية”. كلام ابن سلمان عَقِبَ مجزرة الثلاثاء -السابع عشر من سبتمبر 2024- التي استهدفت حاملي أجهزة البايجرز في الضاحية الجنوبية لبيروت، وجدد فيه التنديد بمجازر “إسرائيل” بحق “المدنيين الفلسطينيين”، واضعا إدانته في سياق منافاة السلوك الإسرائيلي للقوانين الدولية والإنسانية! أتت تصريحات ابن سلمان للمرة الأولى مباشرة بعد تصريحات أميركية معاكسة، إذ قال وزير الخارجية أنتوني بلينكين خلال هذا الشهر إن التطبيع ممكن قبل مغادرة الرئيس جو بايدن منصبه في يناير.  وهو الأمر الذي قرأه مركز أبحاث مجموعة الأزمات الدولية، بأن السعودية “ترسل إشارات، على الأقل علناً، إلى أن التطبيع مع إسرائيل غير وارد في الوقت الحالي”. وهو الموقف المتجدد بعد أن بات “عنف الحرب والفظائع التي ارتكبت ضد الفلسطينيين قاتلة لإمكانية قبول التطبيع من قبل الرأي العام في السعودية”، وفق ما اعتبره  مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجية. مسببات تقلّب المواقف هذا، إلى جانب ترجيح كفة “الهوبرة الإعلامية”، يصفه البروفيسور ستيفن سيمون بأنه نتاج تقلّب شخصية ابن سلمان نفسه.  موضحا أن بيان ابن سلمان الأخير عن رفض التطبيع بدون دولة فلسطينية كان إدراكًا أن “إسرائيل” تجاوزت الحدود “حتى بالنسبة لسيئ السمعة محمد بن سلمان”. “ابن سلمان” صانع قرار زئبقي، من غير المستبعد أن يتراجع عن طلب حل الدولتين حين تهدأ الأمور البروفيسور ستيفن سيمون ينوه البروفيسور سيمون إلى أنه حتى وقت قريب، كان ابن سلمان حريصًا على “التقليل من أهمية البعد الفلسطيني للتطبيع”، واقترح على الحكومتين الإسرائيلية والأمريكية أن تكون عتبة التطبيع بمثابة “عملية غير محددة”، بغض النظر عن مصداقيتها، كما أنه أعرب علنًا وسرًا عن اهتمامه المستمر بالتطبيع. ولأن ابن سلمان هو “صانع قرار زئبقي” وفقا لوصف البروفيسور، نجده اليوم ينافي كل ما سبق بإعلاء اللهجة الرسمية. يمكن إضافة هذا التصريح إلى أرشيف تصريحات ابن سلمان التي سرعان ما يتضح أنها غير مبنية على مواقف حاسمة ومبدئية، لكنها تصريحات اندفاعية وتخدم ظروف مؤقتة. وعليه يقول البروفيسور أن “لذلك لن يكون مفاجئًا على الإطلاق إذا تم التراجع عن شرط الاستقلال الفلسطيني كشرط مسبق للتطبيع عندما تهدأ الأمور”. على المقلب الآخر، يرسو فريدريك ويهري، وهو زميل أول في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إلى خلاصة مفادها أن التطبيع إن تم وفقا للشروط الملزمة للجانب الأميركي، فإنها ستكون ثمارها على الجانب الأميركي غير ذي نفع، ولكن عكسية في بعض الأحيان. معتبرا أن الترتيب المقترح للصفقة لن ينهي الحرب في غزة، أو يحل “الصراع الإسرائيلي الفلسطيني”، أو يمنع توغلات الصين في الشرق الأوسط، أو يواجه إيران وحلفائها. وبدلاً من ذلك، “من خلال إلزام واشنطن بالدفاع عن دولة عربية قمعية للغاية ولها تاريخ من السلوك المزعزع للاستقرار، فإن الإنجاز الرئيسي للاتفاق سيكون زيادة تورط الولايات المتحدة في منطقة حاول الرؤساء الأميركيون المتعاقبون الابتعاد عنها” وفقا للزميل في كارنيغي. لذلك، يدعو المقال الذي نُشر في “فورين آفيريز”، الرئيس الأميركي القادم إلى أن يتخلى عن الاتفاق المقترح، لأن السعي الحثيث إلى تحقيق هذه الصفقة السيئة قد أعمى صناع السياسات في الولايات المتحدة عن عوامل أخرى أكثر أهمية للصراع في المنطقة، كما تسبب في تأخير الولايات المتحدة للجهود الرامية إلى تكثيف الضغوط على إسرائيل لإنهاء حربها في غزة . ثمرة عفنة للطرف الأميركي الزميل في معهد كارنيغي، في مقال نشره بالاشتراك مع جينيفر كافاناغ، هي زميلة أولى ومديرة التحليل العسكري في أولويات الدفاع وأستاذة مساعدة في مركز الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون، يعيد التذكير بمعضلة الولايات المتحدة مع صفقة التطبيع التي ستكون ثمارا ناضجة للطرفين السعودي والإسرائيلي ولكن عكس ذلك مع الأميركي. بالنسبة لكيان الاحتلال: يقدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاتفاق باعتباره انتصارا سياسيا بعد أن واجه انتقادات محلية شديدة لفشله في منع هجمات حماس المروعة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول وإطالة أمد الحملة العسكرية في غزة. بالنسبة للسعودية: ستوفر الصفقة لها فوائد اقتصادية كبيرة وضمانة لها في كونها من بين أقرب حلفاء الولايات المتحدة. أما بالنسبة لواشنطن: ينوه المقال إلى أن التطبيع الإسرائيلي- السعودي يبدو وكأنه يقدم وسيلة لتعزيز حل الدولتين ــ وبالتالي إنهاء الصراع الذي امتص موارد الولايات المتحدة واهتمامها ــ مع منع النفوذ المتزايد للصين في الشرق الأوسط. ولكن عند الفحص الدقيق، لن يحقق التطبيع أيا من هذين الهدفين. فبادئ ذي بدء، لن تكون الصفقة هي الطريق إلى السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين كما تأمل واشنطن. إلى جانب ذلك، لا يوجد أي دليل على أن نتنياهو ــ أو أي حكومة إسرائيلية ــ سوف تقدم وتلتزم بالتنازلات اللازمة لإنشاء دولة فلسطينية، وهو ما طالبت به الرياض كشرط مسبق، بغض النظر عن الفوائد الاقتصادية والأمنية التي قد يجلبها التطبيع السعودي. وإضافة إلى هذا، انخفض الدعم الشعبي الإسرائيلي للدولة الفلسطينية منذ هجوم حماس: فوفقا لاستطلاع للرأي أجراه مركز بيو للأبحاث في ربيع عام 2024، فإن أكثر من ربع الإسرائيليين يؤيدون الآن مثل هذا الترتيب. وحول ترّها إحلال السلام في المنطقة مع تطبيع العلاقات الثنائية، ينبذ المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية هكذا خيار، فإن غالبية الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية المحتلة يؤيدون الكفاح المسلح ضد إسرائيل. إلى جانب تسلّح الإسرائيليين الذين لن يتوارون عن إثارة الفوضى والدماء، وهو ما سيبطل ادعاءات الصفقة. إستبعاد إبعاد الصين عن المشهد يشير المقال المنشور في فورين آفريز إلى أن طبيعة التواجد الصيني في “السعودية” ليس تواجدا عسكريا يمكن كبحه من خلال هكذا صفقة، بقدر ما هو تواجد “خفي، قد لا يُحظى به بسهولة”. وعليه فإن هذه تنازلات تكاد تكون بلا معنى: فالروابط العسكرية ليست المصدر الرئيسي لنفوذ بكين المتزايد في السعودية أو في الشرق الأوسط. واليوم، ليس للصين وجود عسكري دائم أو قواعد عسكرية مخططة في السعودية، وهي ليست مورداً رئيسياً للأسلحة للبلاد، ونادراً ما تدرب الدولتان قواتهما معاً. والأمر الأكثر أهمية هو أن الشراكات الاقتصادية والتجارية التي تشكل المحركات الحقيقية للنفوذ الإقليمي للصين ستظل دون مساس إلى حد كبير. إلى ذلك، فإن الفوائد العسكرية المزعومة للولايات المتحدة من التطبيع الإسرائيلي السعودي مبالغ فيها أيضًا. من الناحية النظرية، من شأن الاتفاق أن يوفر للولايات المتحدة بعض المزايا العسكرية الهامشية عندما يتعلق الأمر بإيران. فقد تستخدم واشنطن الوصول الجديد إلى المياه والمجال الجوي السعودي لتحسين قدرتها على تعقب وتعطيل حلفاء واعتراض شحنات الأسلحة المتجهة إلى وكلائها. ولكن في الممارسة العملية، ستكون المكاسب العسكرية ضئيلة. أما في ما يتعلق بتمكين “السعودية” لصد الضربات التي تستهدف كيان الاحتلال، فدونها عوائق أهمها التردد السعودي من وضع نفسها في مواجهة مباشرة مع ايران. كما وأن هذه الأساليب في ردع العمليات التي تشنها جبهات الإسناد أظهرت فشلها سيما في الحالة اليمنية. المقال يتابع القول بالإشارة إلى أن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن اتفاق التطبيع من شأنه أن يعرقل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في وقت ينبغي فيه للبيت الأبيض أن يعطي الأولوية لتحديات عالمية أخرى، مثل مواجهة بكين في بحر الصين الجنوبي. في حال اندلاع حرب سيتبين أن الرياض تشكل عبئا على واشنطن زميل في معهد كارنيغي وعلى الرغم من تلقي “السعودية” لملايين الأطنان من الأسلحة المتقدمة من فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة، إلا أنها تحتاج إلى مساعدة خارجية أقوى للدفاع عن نفسها. وفي حالة اندلاع حرب، فمن المرجح أن يثبت أنها تشكل عبئا على واشنطن أكثر من كونها شريكا قيما. هنا يشير الكاتب إلى أنه “ينبغي للولايات المتحدة أن تستمر في مساعدة السعودية في تطوير القدرات المتخصصة التي تحتاجها لحماية نفسها، مثل أنظمة الدفاع الجوي. ولكن ينبغي لها أن تتجنب الالتزام الشامل بإرسال قوات ومعدات أميركية للدفاع عن النظام من العدوان الخارجي. وقد يثني مثل هذا التعهد الرياض عن السعي إلى المصالحة مع جيرانها ويشجع المملكة على المخاطرة”. يختتم المقال بالإشارة إلى أن الولايات المتحدة ستحتاج لممارسة ضغوط أكبر وأكثر مباشرة على إسرائيل. وبدلاً من ذلك، تصرف المسؤولون الأميركيون وكأنهم قادرون على حل الصراع من خلال التلويح بجزرة التطبيع. وعلى نطاق أوسع، أدى انشغال إدارة بايدن بهذه الصفقة إلى صرف انتباهها عن مشاكل أخرى تلوح في الأفق في الشرق الأوسط، بما في ذلك الاستبداد والفساد وانتهاكات حقوق الإنسان ونقص الفرص الاقتصادية للشباب وتغير المناخ.