كيف عرّى وثائقي لقناة عبريّة النظرة الإسرائيلية المتعالية على تصهين “العربية”
بِقّدر ما أثارت تغطية قناة “العربية” لأحداث المنطقة غضب وحفيظة قسم كبير من الشارع العربي، بِقَدر ما حظيت على المقلب الآخر بحفاوة الإعلام الإسرائيلي، وهو ما لخّصه تقرير حديث مُطوّل عُرض على القناة 11 العبرية. التقرير الذي ضم لقاءات بعدد من المتخصصين والباحثين، أهم ما حمله كان في ما قالته إحدى الشخصيات عن وجود “تعاون بين قناة العربية والجيش الإسرائيلي”، في تأكيد على أن القناة إياها تخضع لرقابتَي الجهاز السعودي والإسرائيلي في آن. تقرير المحطة العبرية ساوى بين (العربية) والقنوات الإسرائيلية التي تخضع للرقابة العسكرية الإسرائيلية وهو ما لم يكن مخفيّا عن أحد في تغطية المحطة خلال محطات الحرب الدائرة في المنطقة: في اعتمادها على المصادر الإسرائيلية بسكل أساسي، أو في تبنّي روايات العدو في تبرير مجازره سواء مجزرة المواصي أو مجدل شمس وغيرها. وتذكّر القناة 11 بالتقرير الذي بثه رئيس تحرير قناة العربية في فلسطين المحتلة، زياد حلبي، عام 2020 من أمام الكنيست الإسرائيلي؛ واصفة الحدث بأنه شكّل “ترجمة للعلاقات الدافئة بين السعودية وإسرائيل”. تزامُن التقرير الذي بثه الحلبي من أمام الكنيست مع توقيع حكومات الإمارات والبحرين على اتفاقية التطبيع مع “إسرائيل”؛ وصفه التقرير على أنه “لم يكن أمرا عاديا، بل كان أيضا مفاجئا”. كما توضع تغطية العربية في إطار “المحاولات العميقة للسعودية لتهيئة الرأي العام لاتفاقايت تطبيعية مستقبلية بين السعودية وكيان الاحتلال”، وفق ما جاء في التقرير. بيّنت المحطة العبرية مدى اهتمام مراكز الأبحاث بتغطية القناة “السعودية”، على حد سواء مع اهتمامها بردود أفعال الشارع العربي تجاه هذه التغطية المفضوحة. حيث يسرد أحدهم للمحطة كيف لوحِظ إعلان القناة عن اسم شخصية جرى استهدافها في جنوب لبنان خلال ارتيادها سيارتها، حتى قبل أن تتبين هوية المًستهدف من قِبل الأفراد المُسعفة. وأثارت “العربية” حينها جدلا واسعا بين أوساط المتابعين، ووضعت نفسها في موضع استفهام لا مهرب منه. كما يستعرض وثائقي القناة 11 حالة النفور التي بدأت تتسع بين الجمهور العربي تجاه سياسة المحطة، وتُبدي مراكز الأبحاث في الداخل الصهيوني اهتماما وتتبعا لردود أفعال الشارع العربي على تغطية الاعلام العربي والسعودي على وجه التحديد للأحداث الجارية. وتستعرض باحثة في اتجاهات الصحافة العربية- العالمية، تقييمها قائلة: “هناك حملة منتشرة على الانترنت يقوم بها نشطاء وشبان يحاولون تحفيز نقاش جديد مفاده (لا تصدقوا ما تنقله العربية)”. كما تشير في معرض وصفها، إلى حالة الوعي التي امتلكها الشارع العربي لتوافق السردية التي تقدمها القناة العربية مع السردية الصهيونية. وفي السياق، يسرد الوثائقي بعضا من أوجه حرب المفردات التي لعبتها “العربية”: على صعيد استبدال كلمة (شهيد) في الجانب الفلسطيني أو اللبناني بتوصيف (قتيل). والامتناع عن ذكر حماس كـ”مقاومة إسلامية” وإنما دائما “تنظيم حماس”، إلى جانب تجنب وصف كيان الاحتلال بأنه “عدو” بل الحرص على تسميته بـ”إسرائيل”، وجيش العدو بـ”الجيش الإسرائيلي”. تختتم المحطة تقريرها المطوّل بما يشبه التفاخر بالوقاحة التي وصلت إليها “المملكة” بإعلامها، قائلة أنه: “أمام مشهدية التغطية الإعلامية هذه لا يسع المرء إلا أن يتساءل عن تأثير نتائج الحرب على الاتفاقيات والعلاقات الاسرائيلية مع دول العالم الإسلامي”. بدا الوثائقي بما أبرزه من ردود الفعل الشعبية الغاضبة على التغطية الاعلامية السعودية؛ كمادة مُقدّمة للمتابع الإسرائيلي يقولون له فيه أنه في الجانب الآخر –الحكومة السعودية- هناك من خلع ثوب الحياء من أمام أنظار شعبه والشعوب العربية، وأنه هناك من هو مستمر في تقديم سرديتنا على حساب شعبيته ومقبوليته في الشارع العربي. الوثائقي بما حمله من مدركات –تجاه “مملكة الخير”- سبق أن ترسّخت في الذهن والوعي العربي المُثكل بطعنات العمالة، بدا في صياغته مستهزئا بصورة “المملكة” أكثر منه مادحاً بها. وهو بالضبط أسلوب تعاطي المُستعمرين مع الخونة، حين يفقد هذا الأخير كل أوراق قوته؛ فتتحول هذه الأوراق نفسها إلى نقاط ضعفه: ورقة الشعوب الإسلامية تحوّلت من مكمن قوة بيد الكيان السعودي إلى “خاصرته الرخوة” التي تؤلمه خسارتها.