“تصعيد” الخطاب السعودي ضد خيارات نتنياهو: ماذا يقف خلفه؟
اشتدّ خلال الأسبوع الجاري الخناق على خيار بنيامين نتنياهو الاستمرار بحرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة وتعنّته في “قرار” احتلال محور فيلادلفيا. وقد تم “الضغط” على هذا الخيار من قِبل جبهات متعددة وبدفع أميركي أملاً بإحداث تبدّل نوعيّ في موقف نتنياهو من صفقة بايدن المقترحة. كانت “السعودية” ببيانها الاستعراضي “إدانة تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن محور فيلادلفيا ومصر”، تظهر موقفا متماهيا مع تصاعد الموقف الاميركي والداخلي الإسرائيلي ضد تعنّت بنيامين. وقد وصفت في بيان وزارة خارجيتها تصريحات نتنياهو بـ”المحاولات العبثية لتبرير الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة للقوانين والأعراف الدولية”، مؤكدة تضامنها ووقوفها إلى جانب مصر. وقالت الوزارة إن “السعودية تحذر من عواقب هذه التصريحات الاستفزازية، ومالها من تبعات في تقويض جهود الوساطة التي تقوم بها جمهورية مصر العربية ودولة قطر والولايات المتحدة الأمريكية للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، وتزايد حدة التصعيد الخطير الذي تشهده المنطقة”. فيما عاودت إخراج أرنب “دولة فلسطينية على حدود الـ67″، فقالت في بيانها “ضرورة تضافر الجهود الدولية لتمكينه من حقه الأصيل في تقرير المصير، وإقامة دولته المستقلة على حدود عام1967 وعاصمتها القدس الشرقية”، في حال أن تصريحات وزير خارجيتها وابن سلمان ما فتئت في المحافل تشير إلى أن السير في مسار التطبيع يكفي بأخذ ضمانات شفهية من الجانب الإسرائيلي البدء في “مسار قد يُفضي إلى دولة فلسطينية”. تزامن هذا البيان “شديد اللهجة” من جهة ما برحت تلبّي نداء الغوث لكيان الاحتلال عند كلّ مفترق طرق يصل إليه، تمثّل بشكل فاضح في “تصدّي” السعودية للصواريخ الإيرانية في الـ13 من نيسان التي انطلقت إلى أراضي فلسطين المحتلة ردا على اعتداء الأخيرة على قنصلية إيران في دمشق. ففي تقرير حديث لـ”فورين أفيريز” حاولت فيه بيع صورة نصر موهوم لنتنياهو، اعتبرت أن أحد أوجه نجاح مساعيه تمثّلت في التنسيق الذي حصل بين عدد من الدول العربية وعلى رأسهم “السعودية” مع الولايات المتحدة لـ”التصدي” لأكبر هجوم بالصواريخ والطائرات المسيرة في تاريخ هذا الوجود الاستيطاني. وتابع التقرير القول أن الدول العربية في المنطقة، وعلى رأسها السعودية، باتت ترى في إيران “تهديداً لأمنها أكبر من إسرائيل”؛ وبالتالي، عندما تنتهي الحرب في غزة، فإن السعودية “مستعدة الآن للدخول في اتفاقية شبيهة باتفاقات آبراهام مع الولايات المتحدة وإسرائيل، والاعتراف بدولة إسرائيل، وإقامة علاقات ديبلوماسية طبيعية في إطار الضمانات الأمنية الأميركية لها”. إلا أن الموقف الأميركي العلني “الغاضب” من كيان الاحتلال وخياره الثابت في العمل على إبطال أي صفقة وقف إطلاق نار؛ كان قد تأجج مع تبيُّن للرأي العام الأميركي أن أحد الأسرى الذين لقوا حتفهم في نفق جنوبي رفح مع 5 أسرى آخرين كان يحمل الجنسية الأميركية. وقد تماهى موقف بايدن الاخير هذا مع تصعيد الموقف الداخلي المعارض في كيان الاحتلال، سواء لأهالي الأسرى أو الاتحادات العمالية التي تضامنت مع مطالبهم من خلال إعلان الإضراب العام في محاولات للضغط عبر سلاح الاقتصاد على حكومة بنيامين نتنياهو. ولكن سرعان ما بطلت مساعي بايدن هذه في رفع اللهجة في وجه نتنياهو، حتى بدت كذرّ الرماد في العيون. حيث تبخر تأثير كل ما صدر من وزارات خارجية سعودية وتركية، وبقي الموقف المصري الذي اعتبر أن “إسرائيل فشلت في السيطرة على تهريب السلاح من داخلها إلى الضفة الغربية وقطاع غزة”. ووفق التصريحات الرسمية المصرية المنسوبة إلى مصدر رفيع المستوى والتي جرى تعميمها للإعلام، فإن مصر تعتبر أن تهريب السلاح إلى الضفة يعكس “فشلا أمنيا لحكومة نتنياهو” “ضغط” ابن سلمان لإنهاء الحرب: حماسٌ للتطبيع تدلّ كل المؤشرات على أن حدود الاهتمام السعودي بإيقاف الحرب على غزة تقف عند حدود مصالحها من الأمر. فلا تُجبر على الخوض في حرب إقليمية هي بغنى عنها في فترة قررت فيها الانطواء ولو جزئيا على الداخل وتحسين علاقاتها مع كل القوى من إيران إلى الصين وروسيا وإعادة برمجة علاقاتها مع أميركا. ومن جهة أخرى لا تُحرج من فرص استكمال صفقة التطبيع وما سيلحقها من منافع عسكرية ومالية لها. لكنها في الوقت نفسه وأمام أي طارئ سوف لن تتوانى عن تلبية نداء أميركا لها، ولكن إلى اليوم كانت قادرة على تلبية النداء بالخفاء خشية من إعادة التوتر على علاقاتها الخارجية التي تؤثر مباشرة على استقرارها الداخلي. ولا بد من التذكير هنا بأن رؤية ابن سلمان قائمة في الأصل على وجود استقرار محلي وإقليمي، وهي مدركة أن أي اندلاع لحرب أوسع من شكلها الحالي سوف تضطر مغرمة أو مندفعة إلى الدخول في الصراع. وهو ما سيرتّب على هذا التدخل ردات فعل من جيرانها المتربصين لها الانزلاق دون غطاء في مواجهة إيران وحلفائها، لتلقينها دروسا شبيهة بل أشد مرارة بالصواريخ التي طالت شركة أرامكو.