تقدير موقف| “لقاء” المعارضة: عاشوراء 1446هـ.. انتهاك صارخ للحريات الدينية في “السعودية”

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 174
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

حول الانتهاكات الصارخة للحريات الدينية في “السعودية” خلال موسم عاشوراء الماضي. أصدر المكتب السياسي في “لقاء” المعارضة في الجزيرة العربية تقديرا للموقف. أكد في مقدمته على أنه “منذ العهد السعودي الأول، مارس الأمراء السعوديون صنوف الانتهاكات الدينية بحق السكان الشيعة. فما إنْ استتبّت أمور حكمهم، حتى بادر رجال الحكم السعودي الأول، إلى تدمير المساجد والحسينيّات الشّيعيّة باعتبارها كنائس، كما يذكر ذلك ابن بشر في كتابه (عنوان المجد في تاريخ نجد). وتمادى الوهّابيّون بمؤازرة الأمراء السعوديين في فترات حكمهم المتعاقبة في الذهاب إلى أبعد من محاربة إحياء المناسبات الدينية، حيث حاربوا “التّشيّع” كمعتقد، وكذلك الشّيعة كأفراد. ومنذ احتلال الأحساء والقطيف (1210هـ/1796م) كانت الشعائر الدينية الشّيعيّة محظورة بقرار سلطوي، ويُعاقب على ممارستها قتلاً أو طرداً من البلاد. وقد مُنع الشّيعة من ممارسة هذه الشّعائر، بنعتها كفراً وهرطقة وبدعة لا محلّ لها من الدين. فكان أنْ مُنِع الشيعة من إحياء هذه المناسبات وقد كانت، على مرّ السنين، عنواناً للمذهب الشّيعيّ. ومع ذلك كله، استطاع الشيعة أن يمارسوا شعائرهم بسرّيّة تامّة في منازلهم”. ووفقا لما ورد في تقدير الموقف فإنه “خلال العهد السعودي الثاني، ومع سيطرة تركي بن عبد الله بن محمّد آل سعود، على الأحساء والقطيف (1245هـ /1831م) واصلت السلطة السعودية التّضييق على الطقوس الشيعية، وقُتل عدد من وجهاء وقادة الشيعة المحليين، لأسباب تافهة، تعود لمجرد تعبدهم بالمذهب الشيعي” وتابع “مع سيطرة عبد العزيز آل سعود على الأحساء والقطيف، كانت عيون السكان الشيعة مصوّبة على مساجدهم وحسينيّاتهم، للحؤول دون تدميرها، كما فعل أجدادهم من قبل، فآثروا إبرام معاهدة مع الغازي الجديد للمنطقة، أي عبد العزيز آل سعود، وكان من بنودها “ألا يتدخّل في شؤونهم العقائديّة، وألا يُجبرهم على اعتناق ما لا يعتقدون به، ويُتيح لهم حرّيّاتهم في أداء شعائر الدّين، وفق اجتهاداتهم، وكلّ ذلك مقابل الامتثال والطّاعة له”. ولفت “لقاء” المعارضة إلى امتناع “السلطة السعودية عن الإلتزام بأيّ من بنود تلك المعاهدة، حيث مُنع الشيعة من ممارسة شعائرهم الدّينيّة، خاصة في العشرينيات الميلادية من القرن العشرين. واستمرّت أوضاع الشّيعة على سوئها في عهد الملك عبد العزيز، حيث عُطِّلت المآتم والحسينيّات، واضطرّ الأهالي إلى إقامة المآتم في منتصف الليل، وفي السراديب. وبعد وفاته “عمد الحكّام السعوديون إلى تقييد الشّعائر والممارسات الدّينيّة الشّيعيّة بصرامة. وقد كانت العلاقة – ولا تزال – بين أهالي القطيف والحكم السعوديّ في الفترات التي سيطر فيها السعوديّون على مناطق تواجد الشيعة في مختلف أدوار دولتهم سيئة للغاية، بسبب كون السعوديين متمسّكين بالمعتقد الوهّابيّ الذي يحارب الشّيعة، ويعتبرهم غير مسلمين، وهذا ما دفع أهالي القطيف لأن يشترطوا على عبد العزيز – حينما جاء لأخذ البيعة من أهل القطيف – بأن يكونوا أحراراً في عقيدتهم، ولكن ذلك الوعد تبخّر، كما تبخّرت كل وعود الدّولة.” انتهاك الحريات الدينية في عهد سلمان وابنه محمد شدّد “لقاء” المعارضة في الجزيرة العربية في تقديره على أن الأوضاع في فترة حكم سلمان ونجله محمد “الحاكم الفعلي للبلاد” لم تكن بأفضل حال عن سابقاتها، ومع أن محمد بن سلمان صرح لمجلة (ذا أتلانتيك الأمريكية) أن السعودية لا تعاني من مشاكل مع المذهب الشيعي، وإنما مع النظام الإيراني، وقال: إن الشيعة يعيشون حياة طبيعية في السعودية[1]. إلا أن الواقع وما ينتهجه محمد بن سلمان من سياسات كيدية، وإجراءات قمعية متهورة ضد الشيعة في القطيف والأحساء والمدينة المنورة وبقية المناطق، يكذب تلك المزاعم، إذ لا تجريم للطائفية، ولا حريات دينية.   “ورغم مزاعم “التغيير والانفتاح والتسامح” وهي الشعارات التي تصدرت رؤية 2030، فإن حملات التضييق والاستفزاز تبلغ ذروتها خلال موسم عاشوراء. فعلى سبيل المثال، مع حلول موسم عاشوراء 1439هـ/2017 أزال رجال المباحث “المضائف الحسينية” وعبثوا بمحتوياتها، ومزقوا اليافطات العاشورائية. كما أقدمت القوات السعودية المدججة بالسلاح في أول أيام عاشوراء عام 1440هـ/2018 على تكسير وتخريب المكان المخصص لبيع الكتب الدينية، والتسجيلات الحسينية، بشارع الثورة بالقطيف. وفي عام 2023 جرى إغلاق العديد من المآتم في مختلف بلدات القطيف مثل “القسم النسائي في حسينية كريم أهل البيت”، ومسجد “أبو عزيز”، وبرنامج “واحة الحسين”، المخصص للفتيات في جزيرة تاروت، إلى غيرها من ممارسات القمع.” ورأى “لقاء” المعارضة أن “انتهاك الحريات الدينية في “السعودية” لا يعد من الأمور الطارئة، فهو جزء صميميّ في سياسة “آل سعود” التي ورثها محمد بن سلمان من جده وأعمامه وأبيه، ومارسها ولا يزال يمارسها بكل صرامة وحرفية. لكن الإضافة التي يمكن قولها هنا هي، أن محمد بن سلمان معادٍ للدين بأيّ نسخة مذهبية أو فقهية كانت، وهو يرى أن المناسبات الشيعية بالذات تصطدم مع رؤيته في تغريب المجتمع، فضلاً عن أن الدين يُنظر إليه سعودياً، كوحش مخيف يمكن أن ينقلب ضدّ آل سعود؛ فيما إذا كانت الحالة الدينية قوية”. وردّ “لقاء” المعارضة  أسباب استهداف الشيعة وشعائرهم بالتالي “في شقها الأول جزء راسخ من عقدة مذهبية قديمة قام عليها مذهب عنصريّ طائفي، وفي الشق الثاني، فإن المظاهر الدينية الشيعية خاصة في أيام عاشوراء تحمل في جوهرها رسائل سياسية للأنظمة الطاغية، وبينها النظام السعودي الدموي.” وتابع “رأينا كيف لجأت السلطات السعودية منذ جائحة كورونا، كيف انتهجت سياسة تشديد القيود على الحريات الدينية، لا سيما ضد الطائفة الشيعية، عبر استحداثها “قائمة الضوابط التنظيمية”، الصادرة عن دائرة الأوقاف والمواريث في محكمة القطيف[2]. وقد وجد النظام السعودي في انتشار وباء كورنا عام 2020، فرصة مؤاتية لفرض جملة من التدابير الصارمة والقيود المشدّدة، تحت ذريعة “الاحترازات الصحية”. ورغم التزام المشاركين في إحياء تلك الشعائر بتطبيق الإجراءات الوقائية، فإن “قائمة الضوابط” اشتملت على قيود لا تمتّ للاحترازات الصحية بأية صلة، ومنها – على سبيل المثال لا الحصر- حظر استخدام مكبرات الصوت، ومنع نصب الرايات الحسينية، وتعليق السواد. ومع انحسار الجائحة، ورفع القيود الصحية، أبقى النظام على تلك القيود المشددة المتعلقة بإحياء الشعائر الدينية في محرم الحرام، وسائر المناسبات الدينية التي يحييها الشيعة على مدار العام، لا سيما منعه لتسيير مواكب العزاء، إلى غير ذلك”.   إن تقييم هذا الموقف لا يعنى بتفنيد ما ورد في “قائمة الضوابط التنظيمية”، التي قد تبدو للمتابع وكأنها مجرد إجراءات تنظيمية، لكنها في الواقع تمثل وسيلة تدريجية للمنع التام لإحياء مراسم عاشوراء، ليلحق بذلك منع المناسبات الدينية كافة. نماذج من انتهاك السلطات السعودية للحريات الدينية خلال موسم عاشوراء 1446 هـ (رصد ميداني) قدّم المكتب السياسي لـ”لقاء” المعارضة عرضا لبعض النماذج التي تثبت الممارسات السعودية ضد الحريات الدينية خلال موسم عاشوارء الماضي، بالتالي: قبل حلول موسم عاشوراء هذا العام 1446هـ، جدّدت السلطات السعوديّة فرض إملاءاتها على الطائفة الشيعية، بإصدارها “قائمة الضوابط التنظيمية” عبر دائرة الأوقاف والمواريث في محكمة القطيف[3]. ما إن بدأ الأهالي في القطيف إحياء المجالس الحسينية في الليلة الأولى من شهر محرم الحرام، حتى انتشرت القوات السعودية في مختلف شوارع بلدات القطيف، الذي مثل استفزازًا وتدخّلًا سافرًا في طبيعة إحياء الشعائر الحسينية. أقامت السلطات السعودية مفارز للتفتيش على جميع المداخل الرئيسة والفرعية لمنطقة القطيف؛ كما منعت الشيعة القادمين من (المدينة المنورة والأحساء والخُبر والثُّقْبَة والظهران والكويت وعمان وقطر) من الدخول إلى القطيف لحضور المجالس الحسينية. نفّذت السلطات السعودية حملة قمع واسعة النطاق، وفرضت ما يشبه التدابير الطارئة في المدن والقرى الشيعية، مصحوبة بعمليات مداهمة لمنع كل المظاهر العاشورائية في الشوارع، أو على جدران الحسينيات والبيوت. منعت السلطات السعودية الأهالي من إقامة المآتم والمواكب بعد منتصف الليل خلال موسم إحياء عاشوراء، بحجة الدواعي الأمنية والتنظيمية، في حين أن تزاحم الفعاليات في الكثير من البلدات، يستوجب الإحياء بعد منتصف الليل، لا سيما ليلة العاشر من المحرم، التي تعدّ ذروة الموسم، وذلك ما تعارف عليه الأهالي، حيث يستمر الإحياء إلى صلاة الصبح. فرضت السلطات حظرًا تامًا على استخدام مكبرات الصوت خارج المساجد والحسينيات، كما منعت رفع الرايات والأعلام واليافطات التي دأب الأهالي على تعليقها على جدران المساجد والحسينيات والمنازل خلال شهري محرم وصفر. دام منع تسيير مواكب العزاء، ومنع إقامة “المضايف”، واعتقال عدد من القائمين على مواكب العزاء، وقد تم توثيق اعتقال أحد القائمين على موكب أهل البيت في بلدة القديح، وأحد القائمين على موكب الشهداء في بلدة الربيعية. اعتقلت السلطات السعودية خطباء المنبر الحسيني، وجرى إخضاعهم لفحص أمني، وصدر بحق البعض منهم المنع من الخطابة الحسينية، ومنهم من تمّ استدعاؤه للتحقيق، ومنهم من جرى توقيفه واعتقاله، وقد تمّ توثيق اعتقال الخطباء: (حسن القديحي، محمد المنامين، سعيد العبيدان)، كما اعتقل عدد من القائمين على المآتم الحسينية بحجة مخالفة “الضوابط التنظيمية”، وتم توثيق اعتقال القائم على الحسينية الفاطمية في حي البستان الحاج علي مدن، والقائِمَيْن على حسينية الإمام السجاد في بلدة القديح: الحاج جعفر سلام (ستيني) والأستاذ عادل انصيف، والحاج حبيب آل سالم، كما اعتقل الحاج أبو هشام دعبل من أهالي تاروت.   شملت التدابير القمعية المحلات التجارية التي أعلنت عن “تخفيضات” خاصة للمآتم والمواكب الحسينية، لتلزمها السلطات بإلغاء “التخفيضات” تحت طائلة الإغلاق والعقوبة المالية. داهمت السلطات عددًا من ساحات وغرف إعداد الطعام المخصصة للمشاركين في المناسبة (المعزّين)، والتي تحمل تاريخًا يمتد لعشرات السنين، بما في ذلك ساحات مخصصة للنساء. وقد أُجبر القائمون على هذه المرافق على وقف عمليات الطهي، كما تم منع توزيع الأطباق على المنازل. أجبرت السلطات السعودية القائمين على مأتم النمر في سيهات على إغلاق المأتم، وإيقاف مراسم العزاء بعد ليلة التاسع من المحرم. جاء هذا القرار بعد أن شهد المأتم حضورًا ملحوظًا من مختلف مناطق القطيف والأحساء. كما تم منع الرادود الحسيني محمد بو جبارة من المشاركة ليلة العاشر وما تلاها. ويشرف على مأتم النمر في سيهات؛ عدد من أهالي بلدة العنود في الدمام، نظرًا لعدم سماح السلطات بإقامة المراسم في البلدة خلال موسم عاشوراء. للعام الخامس على التوالي تمنع السلطات السعودية شيعة المدينة المنورة من إقامة مراسم التعزية في مزرعة المرحوم العلامة الشيخ محمد علي العمري، كما لا يزال أبرز علماء شيعة المدينة المنورة الشيخ كاظم العمري رهن الاعتقال. لا تزال السلطات السعودية تمنع أهالي بلدة العنود بالدمام وأهالي الثُّقْبَة والخبر من إقامة مراسم التعزية خلال موسم عاشوراء، كما تمنع أهالي الأحساء من تسيير مواكب العزاء. التحريض الطائفي والتقارير السعودية الكاذبة وعن التحريض أشار تقدير “لقاء” المعارضة إلى ما نشرته “وسائل الإعلام السعودية تقارير، ومقالات حول دور الأجهزة الأمنية السعودية في إنجاح موسم عاشوراء في القطيف”[4]. في حين أن الممارسات التي قامت بها السلطات كانت استفزازية ومؤذية للمشاركين في المناسبة (المعزّين)، بدءًا من صدور “قائمة الضوابط التنظيمية”، ومرورًا باستدعاء القائمين على المآتم والمواكب، وانتهاء بمنع عدد من الخطباء من قراءة المجالس الحسينية لأسباب تافهة. كل تلك الممارسات والاعتقالات تكذب ما ورد في تلك المواد الإعلامية حول الحرية الدينية المزعومة، التي يحظى بها المواطنون الشيعة في “السعودية””. وتابع “أما بعض مظاهر السواد واللافتات والأعلام الحسينية التي ظهرت في تلك المواد الإعلامية بشكل محدود، فهي تعكس إصراراً من الأهالي على التمسك بإقامة مراسم عاشوراء رغم القيود والإملاءات التي أراد النظام إجبار الأهالي عليها، ولم يكن ما نشره الإعلام السعودي إلا ردًّا على ما نشره النشطاء من ممارسات النظام تجاه إحياء الشعائر الحسينية، وانتهاكه للحريات الدينية”. ورأى “لقاء” المعارضة أنه “من اللافت للنظر، إن ما تم تداوله جاء في سياق التحريض الطائفي ضد الشيعة وممارساتهم الدينية، حيث طالب اللواء السعودي المتقاعد عبد الله غانم القحطاني مجلس التعاون الخليجي بمنع إقامة المآتم الحسينية، زاعمًا أنها تحمل طابعًا سياسيًا، وتساهم في نشر الكراهية والتحريض على الانتقام[5]. وقد تجاوز القحطاني في تصريحاته لأن يقلل من أهمية “الفكر الإرهابي لتنظيمي داعش والقاعدة”، واصفًا إياه بأنه “لا يساوي شيئًا” مقارنة بما أسماه “الفكر الإرهابي الشيعي البغيض” الذي يهدف إلى الموت والقتل وتفكيك المجتمعات، بالإضافة إلى ما اعتبره “فضائح أخلاقية وسلوكية” وترويجًا للمخدرات، وتجهيلاً للعامة – حسب زعمه”. “لقد تكرر هذا النوع من التخرّصات الباطلة وهي مندكة في الخطاب الرسمي وفي مقالات وتغريدات وبرامج تلفزيونية عدة، الذي يعكس توجهًا ممنهجًا لدى السلطة وماكينتها الاعلامية، وقد بلغ ببعض الكتاب السعوديين أن يربطوا على نحو عبثي بين نشأة تنظيم داعش ووجود الحسينيات، في تجاهل صارخ للسياق التاريخي والسياسي الذي يحيط بهذه الجماعة ونشأتها[6]“، بحسب تقدير الموقف الصادر. خلاصة وفي الختام، أكد “لقاء” المعارضة في الجزيرة العربية في تقديره الصادر عن مكتبه السياسي على عدّة أمور” بناء  على ما تقدم “إن السلطات السعودية تمارس انتهاكا صارخًا للحريات الدينية بحق الشيعة، مع كونها من الدول الموقعة على المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي ينص في إحدى مواده على أنه: “لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده، بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة”[7]. بلوغ انتهاك الحريات الدينية في “السعودية” مستوى متقدّمًا وغير مسبوق، وتزامنه مع تصاعد وتيرة الاعدامات السياسية بمزاعم سخيفة وكاذبة.. وهذا ينم عن عبثية النظام السياسي والقضائي في هذا البلد لفرط استعمالها غير المنضبط. اتساع رقعة القيود المشدّدة والمضايقات على إقامة مراسم عاشوراء والمناسبات الدينية الأخرى بصورة متصاعدة، وبهذا القدر من القمع، فيما يشبه العقاب الجماعي الذي تقوده السعودية ضد المكوّن الشيعي في “الخليج” يشي بخطة عمل مشتركة معدّة سلفًا لتستوعب مجمل المكوّنات الشيعية في الخليج، وقد وجدنا نظائر لذلك في الكويت والبحرين، وبالأساليب الصارمة نفسها. ولا شكّ، وحسب ما يصدر من مواقع التواصل الاجتماعي عن كتاب رسميين يتبعه جيش من الذباب الإلكتروني، أن الحكومة السعودية وراء تحريض دول خليجية أخرى للتشدّد مع الشيعة في مناسباتهم الدينية. إن إيعاز النظام السعودي إلى بعض الكتاب لتشويه طبيعة الشعائر الحسينية، وأنها قد تفتح بابًا للمتطرفين من أمثال داعش للقيام بأعمال إرهابية في الحسينيات كما حصل في العام 2015، ما هو إلا تبرير للنظام لمصادرة الحريات الدينية، والتمهيد لما هو أبعد من مجرد تشديد الخناق على الحسينيات، بل وإغلاقها إن استطاع إلى ذلك سبيلًا، وتاليًا إعلان الحرب على الشعائر الحسينية وعلى الهوية الشيعية، إلى جانب عمليات التغيير الديمغرافي، عبر تجريف مناطق مأهولة واسعة في المدن والقرى الشيعية. إن كل ما يشيعه كتبة النظام السعودي والذباب الإلكتروني السعودي عن الشعائر الحسينية ما هي إلا جملة افتراءات، إما من أناس طائفيين يروّجون لسردية حكومية، أو أنهم بسطاء متأثرون بالدعاية السعودية الرسمية، وهؤلاء لا عهد ولا معرفة لهم بطبيعة المواضيع التي يطرحها خطباء المنبر الحسيني في مناسبة عاشوراء والمحكومة بضابطة الوحدة الإسلامية، والقواسم المشتركة. إن موجة القمع المتصاعدة على مستوى الحريات الدينية والمتزامنة مع تزايد وتيرة الاعدامات، تعود إلى مواجهة النظام السعودي معادلة جديدة فرضها طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، بلحاظ كون المواجهة الجارية في غزة بين جيش الكيان الصهيوني وفصائل المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس ومشاركة جبهات الإسناد التي يغلب عليها الطابع الشيعي، أوقعت النظام السعودي، في مأزق حقيقي، ولذلك عمل النظام السعودي على خلط الأوراق ومشاغلة البيئات المحلية بموجات تهويل وتخويف من جهة؛ وتأجيج للفتنة الطائفية من جهة أخرى. إن هدف النظام السعودي من إغراق الساحة المحلية بالخطاب الطائفي، وهو السلاح الذي لطالما لجأ إليه في سبيل حرف انتباه المسلمين في الداخل والخارج عن قضايا الأمة الكبرى، وعلى وجه الخصوص القضية المركزية، أي الاحتلال الصهيوني لفلسطين، يفضح زعم تخلي النظام السعودي عن عقيدته المذهبية التقسيمية. إن هذه السياسات تعكس توجهًا سعوديًّا ممنهجًا لتقويض الحريات الدينية، وتبقى مزاعم الإصلاح والانفتاح في “السعودية” في عهد سلمان ونجله محمد مشوبة بالتناقضات، حيث أن الانتهاك المستمر للحريات الدينية لا سيما ضد الشيعة يثير القلق، ويعكس واقعًا مختلفًا عن الصورة الرائجة في الإعلام السعودي، وإن تحقيق الإصلاح الحقيقي يتطلب التزامًا فعليًا بحماية حقوق الإنسان، وضمان حرية التعبير والممارسة الدينية للجميع، بما في ذلك الشيعية؛ ما يتطلب من المجتمع الدولي والمراقبين ضرورة التصدي لهذه الانتهاكات والدعوة إلى احترام حقوق الجميع في ممارسة شعائرهم الدينية بحرية. إن محمد بن سلمان وإن تخلّى شكلياً عن الوهابية بصفته كابحًا لتصرفاته البعيدة عن الدين، فإنه لم يتخلَّ عن الوهابية كسلاح ضد خصومه المعارضين، الذين لازال يعتبرهم (خوارج). كما أنه يستخدم الوهابية ضد الشيعة، والصوفية، وضد فلسطين وأهلها، وضد كل من يقف أو يختلف مع النظام السعودي في جزئية سياسية. بدا واضحا أن ما يروجه النظام من مزاعم الانفتاح والإيمان بالحرية الدينية وحرية العبادة وما أشبه، لا يتعدّى حدود التسويق الخارجي، لدى الغرب بالذات، لاسترضائه، ولتبرير التطبيع مع كيان الاحتلال الإسرائيلي. أما من الناحية العملية، فإنّ النظام لم يمارس يوماً مدّعياته هذه تجاه التنوّع الديني والمذهبي بين المسلمين أو حتى داخل “السعودية” نفسها.