أزمة السُيول المتفاقمة والتعالي الحكومي عن الاعتراف
عام تلو آخر ولا حلول لأزمة الأمطار الغزيرة التي تُغرق شوارع العديد من محافطات “السعودية”؛ صيفا وشتاء. تطوف الشوارع في كل عام؛ مع أسلوب ثابت تنتهجه الحكومة في تخطّي الأزمة عبر إغماض عينيها عنها لأنها تعلم علم اليقين أن أزمة البنى التحتية في البلاد هي أزمة متجذرة يصعب حلّها من جذورها في ظل الإنفاقات المتوجبة عليها في رؤية 2030 والتي لم تتضمنها أساسيات حياة المواطنين. أزمة سيول الصيف المتكررة والمصاحبة لدرجات حرارة مرتفعة لا تنقضي في بضعة أيام، بل هي ممتدة منذ أشهر وتحلّ على مناطق مختلفة من البلاد من جيزان والعسير فالرياض وجدة والمدينة المنورة. وقد خلّفت هذه الأزمة مشاهد أقرب للفضيحة بحق “النظام” المتهاون في حلّ أحد المشاكل القديمة وأكثرها تكررا، فلا تنحصر عند أمطار الصيف لكنها بطبيعة الحال تتكرر شتاءً ما يجلعها أزمة شبه دائمة. غرق أنفاق وانهيار خطوط وتعطل في شبكات الصرف، تفضح ترهّل البنى التحتية وانعدام مسؤولية الجهات القائمة على الأعمال، ولعلّها تكذّب أقوايل الحكومة في المبالغ الطائلة التي تزعم صرفها على البنى التحتية وخاصة في أهم شوارع البلاد. أزمة تصريف السيول رغم معدلات المطر الطبيعية والتي لم تخرج عن حدودها الموسمية؛ تُنبئ بسوء البنية التحتية التي تتغنى بها السلطات وتكابر على الاعتراف بتردّيها. تأتي السيول فتجرف معها أكذوبة الإنماء أمام مرأى الناس، لمدة أكثر من 15 عام تتكرر الأزمة نفسها ولا تبدع “الحكومة” سوى بمزيد من المفاجئات في التبرّؤ من المشكلة. حيث ابتدعت مؤخرا قانونا يُجرّم بالمال كل من يقود عربته في مناطق جبلية تجتاحها السيول، في خطوة تحمل بها المواطن مسؤولية فشلها هي. هذا إلى جانب المعلومات التي يتم تداولها عن اعتقال مصوّري مقطاع الفيديو التي تُظهر تضرر الطرقات وغرق السيارات ومحاصرة المنازل، وتهديم بعضها من جراء السيول. الإصرار الحكومي على إهمال الكارثة يكبّدها في كل عام خسائر مالية وفي حين تُعتبر البنية التحتية واحدة من أهم مؤشرات النمو الاقتصادي في البلدان، تُظهر الحكومة إهمالا واضحا في تحسينها. رغم القاعدة التي تقول بأن أي مبلغ يتم صرفه على البنى التحتية يكون عائدا على الدولة بثلاثة أضعاف، نظرا لما توفّره على الخزينة من أعمال الصيانة والتحديث التي مهما كانت جدية إلا أنها لا تنهي الأزمة المتمثلة بضعف تصميم هذه البنى وتشبيكها مع بعضها بما لا يحسّن ظروف منطقة على حساب أخرى. أزمة غياب البنى التحتية عن الكثير من المناطق يخلق عوارض للأزمة في نواحي أخرى من حياة “السعوديين”. فبسبب غيابها تنعدم فرص الحياة في هذه المناطق ويبقى جزء كبير من المحافظات غير قابل للسكن مما يجبر الكثيرين على الازدحام في مناطق محددة، وهو ما يرفع بدوره أسعار العقارات ويُصعّب على المواطنين إيجاد أماكن سكن بأسعار معقولة. من هذه النقطة الأخيرة، يمكننا الانتقال إلى أزمة أخرى مرتبطة أيضا بتراخي البلديات والوزارات المعنية بالقيام بواجب تأمين الأراضي الخاصة التي تُعرض للبيع قبل بيعها للمواطنين. فسبق أن منحت المواطنين قروضا لشراء أراضي غير مطورة في مشاريع سكنية، ما راكم الأعباء على هؤلاء. في حين ينبغي على “الدولة” أن تقوم بنفسها بعملية التطوير. هذا إلى جانب المبالغ التي تتكبدها خزينة الدولة نفسها عندما تضطر لدفع مبالغ سنوية كبيرة للصيانة وحفر الشوراع لإصلاح العطل، أو في إعادة تشييد الطرقات التي تتضرر من جراء السيول على سبيل المثال، حيث أن شبكات صرف السيول تُعدّ واحدة من أهم التجهيزات التي يتوقع من أي بلد يملك كل هذه المقدرات أن يوفرهاوتكون تحصيل حاصل. يبرر بعض المضطلعين على الأمر برمي المسؤولية على عاتق الشركات الاستشارية باعتبارها الموكلة من قِبل الحكومة بإدارة المشاريع، معتبرين أنها المسوؤلة عن التواطؤ مع المقاولين في تخفيف تكاليف البنى بأقل جودة ممكنة لكي يحصلوا على أكبر قدر ممكن من الأرباح الصافية، التي بجزء كبير منها ينبغي أن تعود إلى المشروع نفسه. ولكن أولا وأخيرا يعود السبب الأسياسي في هذه الأزمة التي تعيق حياة المواطنين من عمل وعلم، إلى تراخي السلطات. فحتى لو كانت المسألة فعلا مسألة “شركات استشارية”، وهي لو صحّت فأين الرقابة والمحاسبة منذ أكثر من عقد على هذه التفلتات. الجهة الأولى التي يجب مساءلتها هي الجهات الرسمية، ولكن أي جهات؟ ففي ظل تكرار هذه الحوادث بشكل أصبح فيه المواطن على موعد معها، يصبح من البديهي تشكيل لجان تكون مسؤولة عن إدارة هذه الأزمات بتنوّع مآلاتها وارتداداتها. الأرواح التي تُزهق والخسائر المادية التي تُهدر من جراء السيول لا يمكن إرجاعها إلى “سوء الأحوال الجوية” أو إلى غزارة الأمطار، فهذه حجج يمكن رميها حين يكون الوضع استثنائيا. وأما وقد أصبحت كارثة دائمة ومتكررة فتكون الجهات محط أصابع الاتهام هي “الحكومة”، التي أولت للإنفاق على أفراد ومشاريع وشركات أجنبية؛ أهمية عن من هم في الداخل.