ملاحظات سعودية سياسية ورئاسية
رغم أن الملف الرئاسي ليس حاضراً بقوة في المرحلة الراهنة إقليمياً ودولياً، إلا أن أي بحث يتناول وضع لبنان يكشف أن الرياض لا تزال عند المراحل الأولى في مقاربة ملف لبنان
منذ أشهر والملف الرئاسي غائب عن طاولة البحث الجدي. الاعتياد اللبناني على غياب رئيس للجمهورية لم يعد ينحصر بما يحصل في غزة، ولا بمواكبة تطورات رفح أخيراً والانشغال بمتابعة ملف النزوح السوري إلى لبنان، إذ إن ثمة يقيناً لدى القوى السياسية بأن معالجة الشغور الرئاسي باتت أكبر مما كانت عليه الأمور مع انتهاء عهد الرئيس العماد ميشال عون، أو حتى أكبر من أي إحاطة سياسية داخلية كتلك التي أنتجت حينها التسوية التي أتت به إلى قصر بعبدا.في أي مقاربة لملف لبنان، في العواصم العربية والغربية المعنية، لا يزال ملف الرئاسة يحتل أولوية، لكنه واقعياً موضوع في خانة الانتظار ليس فقط بسبب ما يحصل في غزة، بل أيضاً بسبب المواقف التي تتمسك بها الدول الراعية لأي اتفاق رئاسي، والتي عادت إلى تشدّدها ولا سيما بعد حرب غزة. في كل المراحل السابقة، كان الحديث عن الدور الفرنسي الذي يريد تفعيل اللجنة الخماسية وتحريك الملف الرئاسي من دون أن يصل إلى أي نتيجة إيجابية. الدور المصري يريد الإبقاء على نشاطه في لبنان عبر حركة دبلوماسية، وقطر تتحرك بفاعلية على خلفية تقديم دورها على الدور الفرنسي، مع علمها بالضوابط الموضوعة إقليمياً ودولياً. في حين أن كلام الطرفين الأساسيين، واشنطن والرياض، لا يزال عند بداياته، ولم يتخطّ المرحلة الأولى للملف الرئاسي.
في الأيام الأخيرة، وصلت ملاحظات وكلام سعودي من خارج لبنان (لا علاقة له بأي تحرك للدبلوماسية السعودية في بيروت)، يتعلق برؤية ما يتم تداوله حول خلاصات من ضمن إعادة ترتيب العلاقات الإقليمية، على خلفية حرب غزة.
رغم الاهتمام السعودي بملف لبنان، إلا أن مقاربة أزمته تراوح مكانها منذ أشهر طويلة، وتكاد تسبق أول موعد للاستحقاق الرئاسي. وفي وقت تنشغل السعودية بمتابعة ملف التطبيع على خلفية الاتصالات مع المسؤولين الأميركيين، وليس حصراً من خلال جولات وزير الخارجية أنتوني بلينكن، وبمقاربة مختلفة عن المتداول لما يجري في غزة ومستقبل الوضع السياسي فيها، يحظى لبنان بمتابعة لمستقبله ولكن من ضمن أطر محددة، إذ لا تتعاطى الرياض مع وضع لبنان على خلفية ما يحصل في غزة والحرب الدائرة فيها وما يمكن أن ترتدّ نتائجها عليه من خلال تسوية كبرى، بل هي تحتفظ بموقفها الأساسي منذ البداية في التعاطي مع الانتخابات الرئاسية من ضمن رؤية شاملة للبنان وللوقائع السياسية فيه. وتنقل الملاحظات السعودية أن لا جديد في ما يخص الملف الرئاسي وتحرك اللجنة الخماسية، لكن الملف الرئاسي يحمل في طياته الكثير من الوقائع التي تؤخذ في الاعتبار عند إعادة طرح الملف على الطاولة. لم تعد النظرة السعودية إلى لبنان الذي ساندته هي نفسها لناحية التسليم المطلق بكل ما يجري ولا سيما لجهة التعاطي مع القوى السياسية كما كان يجري سابقاً. المتغيّر الذي حصل مع علاقة السعودية بالرئيس سعد الحريري وبموقعه السياسي، وتالياً بالعلاقة مع القوى السياسية السنية، يفترض أن يشكل إشارة مهمة، لأنه ينسحب على كل القوى السياسية.
ما يصل إلى بيروت أن السعودية قالت سابقاً وتقول اليوم الكلام نفسه، وتتعاطى مع الوضع السياسي العام وليس الرئاسي فحسب من زاوية إحداث تغييرات في البنية التي يفترض أن تتولى إدارة السلطة عند التوصل إلى أي تسوية. وحتى الآن، لا ترى الرياض نضوج هذا المنحى، ما يعني أن أي رهان على دعم سعودي سياسي ومالي ليس في محله، إذا كان الكلام الرئاسي لا يزال يدور حول تسويات ومقايضات كالتي طُرحت سابقاً ويجري التعامل معها كاقتراحات من اللجنة الخماسية. علماً أنه منذ انطلاقة هذه اللجنة والرياض تضع لها سقفاً سياسياً ومهمة وخطوطاً عريضة، وهي تراعي تحركها ورغبة دول فيها بالعمل من أجل انتخاب رئيس للجمهورية، لكن من ضمن ضوابط سعودية تعبّر عن السياسة تجاه لبنان، وليس من خلال مسايرة أي طرف من ضمن دول اللجنة. لا هدايا مجانية لا في الأسماء ولا في الاتجاهات، ولا في المشاريع والأموال، إذا كانت الأمور ستبقى على ما هي عليه، ومعها المسار اللبناني الحالي. ولم تغيّر حرب غزة ولا الوضع اللبناني المتدهور في الاتجاه السعودي شيئاً. فرغم أن الرياض تسلك سبيل التهدئة مع إيران، إلا أن الوضع الخليجي والعلاقة الإقليمية مع إيران مختلفان عن الحسابات في لبنان، بما ينعكس تمسكاً بالموقف الأساسي، وبسياسة عدم تقديم تنازلات وعقد تسويات على حساب لبنان، وهذا أمر محسوم في الحسابات السعودية حتى الآن. لكن، في المقابل، ثمة خصوصية تتعلق بالإطار السياسي الداخلي اللبناني الذي يفترض أن يتحمل مسؤوليته في ما آلت إليه الأوضاع الحالية من سياسية واقتصادية واجتماعية، قبل التطلع إلى تحرك اللجنة الخماسية ورعاتها وانتظار تسوية تشمل في ما تشمل خططاً مالية واقتصادية لإنقاذ لبنان، من دول أن تحمل في جعبتها الكثير من الملاحظات على أداء القوى السياسية.