ستراتفور: حرب غزة أعادت أهمية القضية الفلسطينية.. وعقدت جهود التطبيع السعودية

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 339
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

سلط مركز "ستراتفور" الضوء على رد الفعل المحلي بالمملكة العربية السعودية على العدوان الإسرائيلي الوحشي ضد قطاع غزة، مشيرا إلى أن هذا الرد أعاد أهمية القضية الفلسطينية وعقد جهود الرياض لتطبيع العلاقات مع تل أبيب.

وذكر المركز، في تقدير ترجمه "الخليج الجديد"، أن الجهود الإسرائيلية المستمرة لإزالة حماس من السلطة في قطاع غزة أثارت ردود فعل داخلية وسياسية كبيرة في السعودية، وبينما تظهر التغطية الإعلامية صور الضحايا المدنيين، تعود القضية الفلسطينية إلى مركز الصدارة في الوعي العام الإقليمي.

وأضاف أن لرد الفعل السعودي آثار سياسية، ففي 14 أكتوبر، ذكرت وكالة "رويترز" أن محادثات التطبيع التي توسطت فيها الولايات المتحدة بين إسرائيل والمملكة تم "تجميدها" وستظل كذلك طوال مدة الصراع في غزة، كما انتقدت السعودية إسرائيل بشكل علني منذ اندلاع الحرب.

وفي بيان صدر عقب الهجوم الذي شنته حركة حماس على مستوطنات الاحتلال الإسرائيلي في 7 أكتوبر/تشرين الأول، قالت الرياض إنها "تذكرت بتحذيراتها المتكررة من مخاطر انفجار الوضع نتيجة لاستمرار الاحتلال وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه".

كما ألقى السعوديون باللوم على إسرائيل في قصف يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول لمستشفى في غزة والذي أدى إلى مقتل العشرات من المدنيين، لكن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة قالتا إنه كان نتيجة صاروخ خاطئ وليس غارة جوية إسرائيلية.

وتستمر وسائل التواصل الاجتماعي السعودية في دعم الفلسطينيين على نطاق واسع وإدانة إسرائيل، وهي أحد المقاييس القليلة للمزاج العام في بلد لا يوجد فيه الكثير من الاستطلاعات الرسمية.

وقبل الصراع الأخير في غزة، كانت السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة تتفاوض على اتفاق تطبيع يتضمن تنازلات غير معلنة للفلسطينيين.

لكن التفاصيل المتعلقة بنوع التسوية التي وافقت إسرائيل على التوصل إليها مع الفلسطينيين كجزء من صفقة محتملة مع الرياض ظلت غامضة، حيث يبدو أن السعوديين ليس لديهم مطالب واضحة على هذه الجبهة.

وفي السنوات التي سبقت الحرب الحالية، كانت إقامة الدولة الفلسطينية قضية متراجعة الأهمية في الشرق الأوسط، ويرجع ذلك جزئيًا إلى وضعها المتعثر، وجزئيًا لأن دولًا مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان قامت بالتطبيع مع إسرائيل دون إحراز أي تقدم ملموس في هذه القضية.

 موقف متطور

ومنذ استقلال إسرائيل عام 1948، أيدت السعودية فكرة الدولة الفلسطينية. وفي البداية، رفضت المملكة وجود إسرائيل وأرسلت قوات رمزية لدعم الحروب العربية الإسرائيلية في عامي 1948 و1973، لكن صعود إيران الثورية وتوقيع اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل أقنع المملكة باتخاذ نهج أكثر اعتدالا.

وطورت السعودية علاقات سرية مع إسرائيل منذ الثمانينات فصاعدا، ومع ذلك، ظل ملوكها يؤيدون بقوة إقامة الدولة الفلسطينية.

وفي عام 2000، اقترحت الرياض مبادرة السلام العربية، التي كانت ستعرض على إسرائيل التطبيع واسع النطاق مقابل إقامة دولة فلسطينية.

وانهارت المبادرة خلال الانتفاضة الثانية 2000-2005، رغم أنها ظلت الأساس لسياسات السعودية تجاه إسرائيل حتى وصول ولي العهد الأمير، محمد بن سلمان، إلى السلطة في عام 2015، إذ رأي ضرورة تنشيط اقتصاد المملكة والتخفيف من وطأة الأزمة الإقليمية.

فالتهديد الذي تشكله إيران أكثر أهمية من التنازلات بشأن القضية الفلسطينية من منظور بن سلمان، وفي عام 2020 أوردت تقارير بأنه التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بعد وقت قصير من توقيع إسرائيل على اتفاقيات إبراهيم مع الإمارات والبحرين.

وابتداءً من عام 2023، ظهرت تقارير إعلامية تفيد بأن السعودية بدأت في إجراء محادثات تطبيع رسمية مع إسرائيل والولايات المتحدة.

وبينما واصل المسؤولون السعوديون التأكيد على اهتمامهم بحل القضية الفلسطينية، حتى هجمات حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، لم يكن هناك سوى القليل من التفاصيل حول ما تطلبه الرياض من إسرائيل مقابل التطبيع.

وهنا يشير "ستراتفور" إلى أن إيقاظ القضية الفلسطينية من جديد في أوساط الرأي العام السعودي، إلى جانب الحلول السياسية المحتملة التي ستضطر إسرائيل إلى فرضها على قطاع غزة بمجرد انتهاء الصراع، سيزيد من إلحاح التنازلات الإسرائيلية بشأن القضية الفلسطينية قبل التوصل إلى اتفاق سعودي إسرائيلي واسع النطاق.

تنازلات جديدة

وبعد الحرب، من المرجح أن تطلب الرياض المزيد من التنازلات الملموسة من إسرائيل بشأن القضية الفلسطينية، خاصة إذا انتهى الأمر بإسرائيل إلى إعادة احتلال قطاع غزة جزئيًا أو كليًا. وقد تشمل مثل هذه التنازلات تعهدات بعدم إعادة توطين سكان غزة، وهو الأمر الذي أثاره وزراء اليمين المتطرف في إسرائيل بالفعل كوسيلة محتملة للسيطرة على القطاع.

ويمكن للسعودية أيضاً أن تطلب تعاوناً إسرائيلياً كبيراً في إعادة إعمار غزة وعودة اللاجئين. وقد تدفع الرياض من أجل استئناف مفاوضات السلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، بينما تدعو أيضًا إلى تجميد أو سحب المستوطنات الإسرائيلية من الضفة الغربية.

وإضافة لذلك، قد تضغط السعودية على إسرائيل للتعهد بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطينية مستقبلية أيضًا، الأمر الذي سيكون بمثابة تراجع في السياسة بعد أن ضمت إسرائيل هذا الجزء من القدس بعد حرب عام 1967 مع الأردن.

ومن المرجح أن تؤدي الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة إلى إزاحة حماس من السلطة في قطاع غزة، ولكن يظل من غير الواضح كيف سيبدو سيناريو ما بعد الصراع، حيث سيكون الأرجح هو عودة السلطة الفلسطينية و/أو الاحتلال العسكري الإسرائيلي.

وستواجه المطالب السعودية بتقديم تنازلات بشأن القضية الفلسطينية معارضة من الحكومة الإسرائيلية، رغم أنه إذا انهارت حكومة نتنياهو الحالية، فقد يكون يسار الوسط الإسرائيلي أكثر استعدادا لتقديم تنازلات.

وتضم الحكومة الإسرائيلية الحالية أحزابًا يمينية متطرفة مثل الصهيونية الدينية وعوتسما يهوديت، وكلاهما يدعوان علنًا إلى حل الدولة الواحدة الذي يتضمن ضم قطاع غزة والضفة الغربية ووضع المنطقتين تحت السيطرة الإسرائيلية.

وتشكل هذه الأحزاب عنصراً أساسياً في بقاء حكومة نتنياهو، وستستخدم هذا النفوذ لمنع أي تنازلات للفلسطينيين من شأنها أن تقلل من احتمالات التوصل إلى حل الدولة الواحدة.

ومع ذلك، فإن الغضب بشأن هجمات حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول والإخفاقات الاستخباراتية التي أدت إلى الهجوم المفاجئ قد أشعلت بالفعل عاصفة سياسية في إسرائيل تلقي باللوم إلى حد كبير على الحكومة الحالية.

وعلى هذه الخلفية، من غير الواضح ما إذا كانت حكومة نتنياهو الحالية، في المشهد السياسي بعد الحرب، قادرة على الجمع بين أعضاء اليمين المتطرف ويمين الوسط في ائتلافها.

وإذا انهارت الحكومة الإسرائيلية الحالية وأدى ذلك إلى انتخابات مبكرة أخرى، تشير استطلاعات الرأي المبكرة إلى أن أحزاب الوسط ويسار الوسط قد تكون قادرة على الفوز بمقاعد كافية لتشكيل ائتلاف حاكم بدون أحزاب اليمين، وهو ما سيكون الأول في إسرائيل منذ عقود.

ومن وجهة نظر سياسية، فإن مثل هذه الحكومة الائتلافية ستكون في وضع أفضل بكثير لتقديم تنازلات للفلسطينيين، حيث لا تزال الأحزاب اليسارية في إسرائيل تدعم حل الدولتين وتدعو منذ فترة طويلة إلى حل سلمي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

وإذا أُجريت انتخابات جديدة في إسرائيل، فإن استطلاع أجرته صحيفة معاريف في 20 أكتوبر/تشرين الأول يظهر أن الأحزاب في الائتلاف الحاكم الذي تزعمه نتنياهو قبل الحرب ستحصد 43 مقعداً فقط في الكنيست المؤلف من 120 مقعداً، مع احتمال أن يحصد ائتلاف من الوسط ويسار وسط 61 مقعدا.

وبينما رفضت أحزاب اليمين في إسرائيل حل الدولتين، ظلت أحزاب يسار الوسط واليسار ملتزمة به من حيث المبدأ. لكن الأحزاب اليسارية الإسرائيلية فشلت في تفعيل هذه السياسة، حيث تم استبعادها من السلطة أو اضطرت إلى الحكم إلى جانب شركاء الائتلاف اليميني منذ عام 2001.

وحتى لو قدمت إسرائيل تنازلات في نهاية المطاف، فمن المرجح أن يستمر المواطنون السعوديون في معارضة التطبيع؛ وقد يصبح بعض السعوديين أيضاً من أشد المنتقدين للعائلة المالكة في أعقاب الحرب في غزة، في حين قد يصبح آخرون متطرفين بسبب الجماعات الجهادية، بحسب تقدير "ستراتفور".

وحتى التنازلات الأبعد أثراً على الطاولة، مثل استئناف مفاوضات السلام وتقديم القدس الشرقية للفلسطينيين، لا تعالج المحركات الأساسية للصراع، لافتقار الفلسطينيين إلى الوضع السياسي النهائي في المنطقة، ولن يشعر الكثير من السعوديين بالرضا إلا بعد إقامة الدولة الفلسطينية.

ونظرًا لكون هذا احتمالًا بطيئًا، فإن العديد من السعوديين سيستمرون في معارضة التطبيع، ومن المرجح أن يصبح بعضهم متطرفًا بسبب الجماعات الجهادية التي تستغل الصراع بشكل نشط، وفق تقدير "ستراتفور".

وقد يؤدي هذا إلى تجدد النشاط المسلح في السعودية، وخاصة الهجمات الفردية، ليس فقط ضد أهداف حكومية ولكن أيضًا ضد المصالح الغربية والمرتبطة بإسرائيل، والتي ظهرت أحيانًا ردًا على التغيرات الاجتماعية السريعة التي أحدثتها الحكومة السعودية في السنوات الأخيرة.

وقد يصبح سعوديون آخرون أكثر انتقادًا للسياسات الخارجية السعودية، وخاصة ولي العهد الأمير، محمد بن سلمان، خاصة في المنتديات عبر الإنترنت وفي الحركات المنشقة السرية.

خنق المعارضة

 ومن شأن ذلك أن يدفع الحكومة السعودية إلى تعزيز استراتيجياتها الحالية لخنق المعارضة، وذلك باستخدام الإعانات السخية للحفاظ على ولاء المواطنين أثناء تنفيذ حملات الشرطة وعمليات الإعدام المسيسة.

ووفقًا لمنظمة العفو الدولية، فقد أعدمت السعودية حتى الآن 100 شخص هذا العام بعد تنفيذ 196 عملية إعدام في عام 2022، وهو أعلى عدد من عمليات الإعدام السنوية المسجلة في البلاد منذ 30 عامًا.

وتم إعدام بعض المعارضين السعوديين بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تنتقد سياسات الحكومة، حيث تراقب الرياض بقوة الفضاء الإلكتروني.

ولم تشهد السعودية تحديًا متطرفا منظمًا منذ عمليات تنظيم القاعدة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، والتي أسفرت عن حملة أمنية وبرنامج للقضاء على التطرف بقيادة الدولة.

ومع ذلك، لا تزال الحوادث الفردية تحدث، مثل حادث الطعن الذي وقع في عرض مسرحي في الرياض عام 2019، والذي وقع بعد وقت قصير من تطبيع الحكومة للعروض العامة لأول مرة منذ عقود.

ولطالما انتقدت الجماعات الشيعية السعودية في المنطقة الشرقية، الغنية بالنفط، الحكومة ونظمت احتجاجات حاشدة بعد الربيع العربي لمحاولة الحصول على تنازلات سياسية من العائلة المالكة السنية.

وكانت المملكة قادرة على قمع الاضطرابات إلى حد كبير من خلال نشر القوة العسكرية، لكن المشاعر المعادية للملكية لا تزال قائمة بين الشيعة السعوديين وغالباً ما تشتعل بسبب وسائل الإعلام الإيرانية التي تحاول زعزعة استقرار الحكومة في الرياض.

 

المصدر | ستراتفور/ترجمة وتحرير الخليج الجديد