من التردد إلى القيادة.. السعودية توسع أدوارها في تحالفات بحرية تقودها الولايات المتحدة
سلط الباحث المتخصص في الشؤون الأمنية لمنطقة الخليج، ليوناردو جاكوبو ماريا مازوكو، الضوء على ما وصفه بالدور القيادي الجديد الذي ستتولاه المملكة العربية السعودية في التحالفات البحرية التي تقودها الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن بحرية المملكة تصدرت عناوين الأخبار، في 27 أغسطس/آب الماضي، عندما تولت قيادة فرقتي عمل بحريتين في الخليج، وهما: فرقة العمل المشتركة 152 من القوات البحرية المشتركة وفرقة العمل الخاصة بتحالف الأمن البحري الدولي.
وذكر مازوكو، في تحليل نشره موقع "ستيمسون" وترجمه "الخليج الجديد"، أن البحرية السعودية اكتسبت سمعة دامت عقوداً باعتبارها "لاعبا بحريا مترددا"، لكنها تظهر اليوم تحولاً كبيراً في توجهها.
وأوضح أن الحماية الأمريكية، ونقص الأفراد المدربين، والتصور الذي يركز في المقام الأول على التهديدات البرية والجوية، والعبء الفني المرتفع المرتبط ببناء قوة بحرية حديثة وفعالة، كلها عوامل دفعت السعوديين إلى الاستعانة بمصادر خارجية لضمان الأمن البحري، تتصدرها الولايات المتحدة.
وأضاف أن عدم اليقين بشأن استعداد واشنطن على المدى الطويل لتلبية التوقعات الأمنية للقيادة السعودية، والتدهور الحاد في المشهد الأمني البحري، الناتج عن تكاثر التهديدات غير المتكافئة، والرغبة السعودية المتزايدة في تحقيق المصالح الاستراتيجية الوطنية مع قدر أكبر من حرية الحركة، دفعت الرياض إلى إصلاح موقفها البحري.
وتنظر الرياض إلى احتمال نشوب حريق إقليمي نتيجة للحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية باعتباره مصدر قلق للأمن القومي، وتعاونت بشكل مباشر مع طهران لمحاولة نزع فتيل خطر امتداد التوترات بشكل خطير. وفي الوقت نفسه، يحافظ السعوديون على تنسيق دفاعي وثيق مع القوات الأمريكية.
وفي الأسبوع الماضي، تعرضت القوات الأمريكية المتمركزة في سوريا والعراق لإطلاق نار من غارات بطائرات مسيرة، ومع اعتراض المدمرة الصاروخية "يو إس إس كارني" 3 صواريخ كروز للحوثيين وعدة طائرات مسيرة فوق البحر الأحمر، اكتسبت المواجهة أيضًا طابع الحرب البحرية.
وأرسلت واشنطن مجموعة حاملة الطائرات "يو إس إس دوايت دي أيزنهاور" إلى الشرق الأوسط للانضمام إلى مجموعة حاملة الطائرات "يو إس إس جيرالد آر فورد" في شرق البحر الأبيض المتوسط ومجموعة "باتان" البرمائية الجاهزة في أعالي البحر الأحمر.
وفي هذا الصدد، يشير "مازوكو" إلى أن الرياض ستقوم بالتنسيق مع الولايات المتحدة مع الحفاظ على إنجازاتها الدبلوماسية الهشة مع إيران والحوثيين في الوقت ذاته.
ونوه الموقع إلى أن الطموحات البحرية المتنامية للسعودية كانت واضحة منذ أكثر من عقد من الزمن وتدور حول ركيزتين رئيسيتين: تحديث أسطولها وقيادة فرق العمل متعددة الأطراف بقيادة الولايات المتحدة.
ويتألف العمود الفقري للأسطول السعودي من أصول بحرية يعود تاريخها إلى الثمانينيات، وأدى تشغيل 3 فرقاطات في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين إلى تعزيز القوة البحرية للسعودية بفضل قدرات السفن الحربية المضادة للطائرات، لكنه لم يسفر إلا عن تحسن هامشي بالنسبة لمعالجة التهديدات غير المتكافئة المحمولة جواً وبحرًا.
ولذا أطلقت الرياض برنامج التوسع البحري الثاني، للتغلب على النقص في المقاتلات السطحية الحديثة وتحييد مجموعة واسعة من التحديات الأمنية الهجينة.
وتحت هذه المظلة، افتتحت السعودية وشركة صناعة السفن الإسبانية "نافانتيا" مشروع السروات بقيمة 2.46 مليار دولار في عام 2018، وتهدف هذه الشراكة إلى صناعة 5 طرادات من طراز أفانتي 2200.
وتم تسليم 3 طرادات "أفانتي" إلى البحرية السعودية بالفعل، ومن المتوقع أن يتم تشغيل الطرادتين المتبقيتين بحلول فبراير/شباط 2024. ومن المقرر أن تصبح السفن الرئيسية للأسطول الغربي في قاعدة الملك فيصل البحرية بجدة.
ومن الركائز الأخرى لمسيرة تحديث البحرية السعودية صفقة بقيمة 1.96 مليار دولار مع شركتي "لوكهيد مارتن" و"فينكانتيري مارينيت مارين" لصناعة 4 سفن مقاتلة سطحية متعددة المهام، تعمل كمنصات قتالية ساحلية مزودة بأنظمة أسلحة متطورة مضادة للطائرات، ومن المتوقع أن يتم الانتهاء منها بحلول منتصف عام 2026، لتصبح الأصول الأكثر تقدمًا من الناحية التكنولوجية في الأسطول الشرقي السعودي.
ورغم أن السفن الحربية الحديثة باهظة الثمن ضرورية، إلا أنها ليست كافية لنقل البراعة البحرية إلى جيش المملكة، بحسب "مازوكو"، الذي أشار إلى ضرورة إثبات السعودية قدرتها على استخدام مثل هذه السفن.
وسعت المملكة إلى تحويل هذا الحشد من الأصول إلى واقع بحري ملموس من خلال زيادة مساهماتها في تحالفات الأمن البحري التي تقودها الولايات المتحدة والاضطلاع بدور أكثر بروزا في ضمان سلامة الطرق البحرية الإقليمية.
وفي إطار القوات البحرية المشتركة، وهي شراكة تقودها الولايات المتحدة وتدعمها 38 دولة، تبرز السعودية بين أعضاء دول الخليج العربية، حيث قادت الذراع العملياتية للتحالف 7 مرات.
أما فرقة العمل الرئيسية الأخرى، وهي التحالف الدولي للأمن البحري، فهي عبارة عن تحالف من 12 دولة تم تأسيسه في يوليو/تموز 2019 لحماية السفن التجارية وردع أي تهديد لها.
ومنذ إطلاق مساره العسكري في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، لعب ضباط البحرية البريطانية دورًا حاسمًا في وصول التحالف إلى القدرة التشغيلية الكاملة، حيث قادوا 8 جولات من أصل 10.
ويلفت "مازوكو" إلى أن السعودية، التي تتولى مسؤولية حراسة قوة العمل الخاصة بالتحالف لفترة 3 أشهر، هي العضو الإقليمي الوحيد الذي تولى مثل هذه القيادة.
وتمثل هذه القيادة فرصة لا مثيل لها للسعوديين لتعزيز مؤهلاتهم البحرية ومهاراتهم القيادية حتى وهم يسعون إلى الحصول على قدرة أكثر استقلالية.
ويُظهر التطور المتزايد للسفن الحربية السعودية والمساهمات المتزايدة في التحالفات البحرية متعددة الأطراف عزم القيادة السعودية على أن تصبح قوة بحرية متوسطة في المياه الإقليمية.
ورغم الطبيعة العسكرية المتأصلة لحملة التحديث، يشير "مازوكو" إلى ضرورة عدم النظر إلى هذه العملية من منظور التنافس الطويل بين السعودية وإيران.
ففي حين أن التهديدات التي تتعرض لها المنشآت الساحلية السعودية وطرق الشحن التجارية الدولية من قبل إيران ووكلائها لا تزال تمثل أحد المخاوف الأمنية الأكثر إلحاحاً للسعوديين، لا يبدو أن الدافع وراء التعزيز البحري السعودي هو رغبة الرياض في الانخراط في سباق تسلح مع طهران.
وتحتفظ إيران بتفوق عسكري كبير في الحرب البحرية، لدرجة أن اتباع استراتيجية تقوم على تحقيق توازن القوى البحرية مع طهران يتطلب إنفاقا مالياً كبيرا ولن يساعد المملكة بالضرورة على تلبية احتياجاتها الأمنية.
ومن الممكن أن تؤدي مثل هذه الاستراتيجية أيضًا إلى تقويض الاتجاه الأخير لخفض التصعيد في العلاقات السعودية الإيرانية، بحسب "مازوكو".
ويهدف الدفع السعودي للقوة البحرية إلى ردع وتحييد التهديدات التي تواجه المصالح الاستراتيجية للمملكة وتعزيز مناخ جيوسياسي إقليمي يفضي إلى استقرار دائم.
ويلفت "مازوكو"، في هذا الصدد إلى أن معظم مبادرات التنويع الاقتصادي في المملكة تحت راية الرؤية السعودية 2030 لها بعد بحري، ولذا فمن المرجح أن تضع الرياض تطوير القدرات الدفاعية البحرية في مقدمة أجندتها الجيواستراتيجية.
ومع سعي المملكة إلى تحمل حصة أكبر من مسؤوليات الأمن البحري في جوارها المباشر، فإن هذه العملية يمكن أن يكون لها آثار جانبية إيجابية على افتراض إمكانية احتواء حرب غزة، ويمكن أن يقلل ذلك تدريجياً من اعتماد السعودية على الضمانات الأمنية التي تقدمها واشنطن، مما يسهل خفض الوجود العسكري الأمريكي في الخليج.
كما يمكن لدور سعودي أكبر زيادة التفاعلات المهنية اليومية بين القوات البحرية السعودية والإيرانية، ما يدفع بشكل مثالي إلى تحسين قنوات الاتصال، وتطوير آليات منع الحوادث، وتصميم أدوات حل النزاعات.
ومع ذلك، لا تزال الظروف الأمنية في الخليج هشة، وطالما استمرت الغارات الجوية الحوثية عبر الحدود في استهداف السعودية وواصلت إيران مضايقة السفن التجارية التي تعبر المياه الإقليمية، فمن المرجح أن توازن الرياض بعناية بين تعزيز قوتها البحرية والسعي إلى الانفراج في العلاقات مع طهران.
المصدر | الخليج الجديد