رشيد الخالدي: طوفان الأقصى فشل أميركي

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 661
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

رشيد الخالدي: طوفان الأقصى فشل أميركي

المعركة الحالية عرقلت التطبيع السعودي الإسرائيلي وأجّلته، وربّما دفنته.

تورُّط بايدن في حرب المنطقة سيخسّره انتخابات 2024 والأميركيون يزيدون من تواجدهم العسكري في سوريا والعراق وأماكن أخرى بدل تخفيضها.

ثمة مراجعة دقيقة لمشروع التطبيع ليس في الرياض فقط، بل في أبو ظبي والرباط والمنامة. واتّضح للجميع أن إسرائيل ليست العملاق الذي لا يُهزم كما اعتقدوا.

إدارة بايدن منحت الحكومة الصهيونية ضوءاً أخضرَ لشنّ عدوان طويل واسع النطاق ضد قطاع غزة للقضاء على «حماس» والمقاومة وتهجير أهله وتدمير القسم الأعظم منه.

إدارة بايدن شريك كامل في العدوان، لأنها تؤمّن تغطية سياسية كاملة ودعما عسكريا للجيش الصهيوني وترسل حاملات طائرات وتهدّد أطراف محور المقاومة إذا تدخلوا عسكرياً بالمعركة الجارية.

التلويح بالحرب شأنٌ، وخوضها فعلياً شأنٌ آخر، بالنسبة لإدارة تعرف مدى معارضة الرأي العام لمثل هذا الخيار، وما يترتّب عليه من نتائج سياسية داخلية وانتخابية.

اتّضح خواء شعارات من نوع «تخفيض التوتر» و«التخفّف من أعباء الشرق الأوسط» للتركيز على شرق آسيا وأوكرانيا، رفعتها الإدارة الأميركية مؤخرا، وبمجرّد أن استغاث «الوكيل» الإسرائيلي، هرع «الأصيل» الأميركي لنجدته، ونسي أولوياته المذكورة.

* * *

عن خلفيات المواقف لإدارة جو بايدن الأخيرة وتداعياتها المحتملة، وعن مدى اتساقها مع إستراتيجيتها العامة المعلنة، وعن قضايا أخرى ذات صلة، أجرينا مقابلة مع المؤرّخ والمفكّر الفلسطيني، رشيد الخالدي، أحد أبرز المتخصّصين في شؤون السياسة الخارجية الأميركية، الحائز على «كرسي إدوارد سعيد» في جامعة كولومبيا، ومحرر «مجلة الدراسات الفلسطينية» في الولايات المتحدة.

والخالدي له مجموعةٌ من الكتب المرجعية عن قضية فلسطين والسياسة الأميركية، آخرها «حرب المئة عام على فلسطين - الاستعمار الاستيطاني والمقاومة».

ما مدى جدية التلويح الأميركي بإمكانية دخول حرب بجانب إسرائيل، بعد إرسال حاملة الطائرات «جيرالد فورد» شرق المتوسط، وتوجّه أخرى، هي «دوايت أيزنهاور»، نحو المنطقة؟

الجواب على هذا السؤال صعب، لأنه ليست لدينا مصادر معلومات في داخل هذه الإدارة، ولا نستطيع الاستناد إلى تصريحات مسؤوليها. هناك التسريبات من الطرف الإسرائيلي أيضاً، والتي قد تعطي بعض التلميحات عمّا يجري الإعداد له فعلاً، إضافة إلى احتمال ترويجها لشائعات وأكاذيب.

إذا استمعنا إلى كلام وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستين، يَظهر من الواضح أن هاجسه والإدارة هو توسّع الحرب نحو الساحة اللبنانية، وربما ساحات أخرى في المنطقة قد تشمل إيران. و

يبدو لي أنهم يستعدّون لمثل هذا الاحتمال أو لمنع حدوثه، أي لردع مثل هذه الإمكانية. بكلام آخر، نحن أمام تهديد أميركي لحزب الله وبقية قوى المقاومة، بأن تدخلها في المعركة الدائرة سيقود إلى تدخل مضاد من واشنطن.

هذا ما يمكن فهمه من تلميحات الطرف الإسرائيلي، كمقالة آموس هاريل في «هآرتس»، إذ يقول إن إسرائيل بحاجة إلى إمدادات أميركية لمواجهة المقاومة في غزة، ولكن امتداد رقعة الحرب سيتطلّب تدخلاً أميركياً مباشراً في الحرب إلى جانبها، وهذا هدف إرسال حاملتَي الطائرات الى المنطقة.

التهديد، كما ذكرت، ليس موجّهاً إلى المقاومة في غزة، بل إلى إيران وقوى المقاومة في لبنان، وهو محاولة لردعهما عن التدخل في مسار المعركة. لكن اللافت أيضاً هو أن الأميركيين يسرّبون أن القيادة الإيرانية لم تكن على علم بالعملية التي حدثت من غزة.

ما هو تفسير هذه التسريبات؟

هذه الإدارة لا تريد حرباً مع إيران ستؤدي إلى خسارة الديموقراطيين الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني 2024. طبعاً، الإسرائيليون يتمنّون مثل هذه الحرب، وبعد الهزيمة التي منيوا بها في غزة، من العاقل الذي يعتقد أن في إمكانهم وحدهم مهاجمة إيران؟ ذلك سيعني حرباً مع لبنان وسوريا والعراق والمنطقة برمتها.

الجيش الإسرائيلي الذي عجز عن الدفاع عن مقرّ قيادة «فرقة غزة» لن يكون قادراً على مجابهة إيران. أين كانت قدراته الاستخبارية، وتفوقه التكنولوجي والعسكري؟ بتقديري، وقد أكون مخطئاً، نحن أمام تهديدات أميركية تبغي منع اتّساع رقعة الحرب.

ما هو التقييم الأميركي الأولي للهزيمة الإسرائيلية وأسبابها؟

الحسابات السائدة لدى النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة هي سياسية داخلية قبل أن تكون إستراتجية. الرئيس الحالي بحاجة إلى كلّ صوت وكلّ دولار استعداداً لانتخابات تشرين الثاني 2024.

بعض المتبرّعين أوضحوا له بصراحة، كحاييم صابان مثلاً، وغيره، أنه في حال عدم تقديمه دعماً كاملاً وغير مشروط لإسرائيل، فإننا سندعم دونالد ترامب. الموقف الحالي محكوم أساساً بالاعتبارات الانتخابية قبل الاعتبارات الإستراتجية.

طبعاً هناك إعادة نظر في تقييم الولايات المتحدة لقدرات إسرائيل العسكرية والاستخبارية في عدد من عواصم العالم كموسكو وبكين ونيودلهي، فضلاً عن واشنطن، وفي الدول التي اشترت التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية التي فشلت فشلاً ذريعاً يوم السبت الماضي. عملية التقييم في بدايتها.

لكن الفشل الاستخباري ليس محصوراً بالطرف الإسرائيلي، بل يشمل الطرف الأميركي أيضاً لأنه صدّق مزاعم الأول عن نفسه. الصحافة الإسرائيلية لا تتردّد في الحديث عن «نكبة» أو «كارثة» لوصف ما حدث، وعدّها هزيمة أسوأ من تلك التي حدثت سنة 1973. الأميركيون لم يتوصّلوا إلى التقييم نفسه حتى الآن، ولكنهم يوقنون بأن إسرائيل مُنيت بهزيمة مدوية.

الولايات المتحدة تخوض حرباً بالوكالة مع روسيا في أوكرانيا ومواجهة شاملة ومتصاعدة مع الصين، وكانت تعلن أنها ستعتمد سياسة «تخفيض توتر» في الإقليم للتفرغ لهاتين الأولويّتين. لكنها، وبفعل التطورات في فلسطين، تعود إلى التورط في نزاعات المنطقة، وصولاً ربما إلى الدخول في صدام مباشر مع قوى المقاومة فيها. ألا يتناقض هذا الأمر مع إستراتيجيتها المعلنة، وقد يفضي إلى الحؤول دون تحقيق غاياتها؟

هناك كثير من التناقضات في السياسة الأميركية. كان بايدن يعتقد أن في إمكان أوكرانيا أن تنتصر على روسيا. أثبت الهجوم المضاد الذي شنه الجيش الأوكراني على عدوه الروسي أن هذا التقدير غير صحيح. هو لم يحرز أي تقدّم جدي، وهناك اعتراف بذلك في أوساط الخبراء العسكريين والإستراتيجيين الأميركيين.

تصوّر بايدن نتيجة لاعتقاده المذكور، أنه سينجح في إضعاف روسيا وتعزيز النفوذ الأميركي على الصعيد العالمي، وكسب أصوات الناخبين الأميركيين بفضل ذلك. لكن هذا الرهان لم يكُن صائباً.

إضافة إلى ما تَقدّم، إن الأميركيين يزيدون من تواجدهم العسكري في سوريا والعراق وأماكن أخرى بدلاً من تخفيض عديد جنودهم المنتشرين في المنطقة، وإرسال حاملتَي الطائرات أيضاً يندرج في إطار ذلك. هذه القرارات والإجراءات لا تنسجم أبداً مع توجهات غالبية وازنة من الأميركيين أصبحت تعارض الحروب والتدخلات الخارجية.

إذا تورطت الإدارة الحالية في حرب جديدة، فإنها ستخسر الانتخابات القادمة. ترامب من جهته، مثلاً، يعارض في الواقع سياسة دعم أوكرانيا، والإبقاء على تواجد القوات الأميركية في أكثر من بقعة في العالم، وهذا سيكسبه أصواتاً إضافية في حال مشاركته في الانتخابات الرئاسية القادمة بكل تأكيد.

شهدنا في معركة «سيف القدس» في 2021 تحولاً إيجابياً كبيراً لمصلحة قضية فلسطين في أوساط الرأي العام الأميركي، وتأييداً للمقاومة بأشكالها جميعها، بما فيها تلك العسكرية. كيف تتفاعل اليوم قطاعات هذا الرأي العام المختلفة، وكذلك القوى السياسية، مع ما يحدث في فلسطين؟

التفاعل راهناً، على المستويات السياسية والشعبية والإعلامية، سلبي جداً. الوضع الراهن يتناقض مع المناخات التي سادت في السنوات العشر الأخيرة، والتي اتسمت باتساع رقعة التأييد لحقوق الشعب الفلسطيني السياسية ومعارضة حاسمة لسياسات إسرائيل.

لا نتحدّث طبعاً عن الأميركيين جميعهم، ولكن عن جزء معتبر منهم. نتعرض اليوم لحملة خبيثة وشرسة من الإعلام الصهيوني، ومن منظمات اللوبي الإسرائيلي المختلفة، التي تضغط على المؤسسات السياسية والإعلامية والتعليمية، وتحديداً الجامعات، لحملها على دعم إسرائيل، مستغِلةً مقتل مدنيين إسرائيليين في عملية «طوفان الأقصى».

لو اقتصرت خسائر الطرف الإسرائيلي على 234 جندياً وشرطياً فقط، ما كانت الحملة الراهنة ستلاقي أصداء في المجتمع الأميركي شبيهة بتلك التي تلاقيها الآن. أنا قضيت أكثر من نصف حياتي في الولايات المتحدة، وفي نيويورك تحديداً، ولم أرَ طوفاناً من الكذب والدعاية البدائية كما يحدث حالياً، كان له تأثيرٌ فعلي.

علينا أن ندرك بوصفنا حركة تحرّر أن ساحة المعركة ليست بلادنا الخاضعة للاستعمار فقط، حيث نصمد ونقاتل، ولكنها أيضاً تمتدّ لتشمل المركز الاستعماري، المتروبول.

القادة الأميركيون لم يهزموا في حرب فيتنام عسكرياً على الأرض فقط، بل خسروا المعركة السياسية في داخل بلادهم، وكان لذلك تأثيرٌ حاسمٌ على مآلات هذه الحرب.

لم تلحق جبهة التحرير الجزائرية هزيمة عسكرية ساحقة بالفرنسيين في الجزائر، ولكنها نجحت في تحقيق انتصارات سياسية مهمة في داخل فرنسا، أي في المركز الاستعماري.

الأمر نفسه ينطبق على بقية حركات التحرر في إيرلندا وجنوب أفريقيا وبقاع أخرى. المعركة في المتروبول لا تقلّ خطورة عن تلك التي تُخاض في الميدان. إسرائيل بوصفها كياناً استيطانيّاً استعماريّاً يرتبط عضوياً بالمتروبول الأميركي، ويجب أخذ مقتضيات المعركة في قلبه في الحسبان.

أيّ مستقبل لمشروع التطبيع السعودي - الإسرائيلي المرعيّ أميركياً بعد المعركة الدائرة حالياً؟

المعركة الحالية عرقلت التطبيع السعودي الإسرائيلي وأجّلته، وربّما دفنته. أظن بالإضافة إلى ذلك أن هناك مراجعة دقيقة لمشروع التطبيع ليس في الرياض فقط، ولكن في أبو ظبي والرباط والمنامة أيضاً. لقد اتّضح للجميع أن إسرائيل ليست العملاق الجبار الذي لا يُهزم كما اعتقدوا.

الرأي العام العربي، وهذا عامل مهم، ما زال متمسكاً بقوة بقضية فلسطين في معظم بلدان المنطقة. هناك أسباب كثيرة دفعت بعض الأنظمة إلى التطبيع، أو للسعي إلى التطبيع، مع إسرائيل، أولها الرغبة في كسب رضا الولايات المتحدة.

هم ما زالوا مقتنعين أن الشمس تشرق وتغيب في واشنطن. لكننا نلحظ في المدة الأخيرة بعض التردّد حيال صوابية هذا الخيار عند الذين أخذوا به، وتجميداً له على الأقلّ عند الذين لم يأخذوا به رسمياً بعد.

*د. رشيد الخالدي المؤرّخ والمفكر الفلسطيني

 

المصدر | الأخبار