هل تنتهي معادلة النفط الخليجي مقابل الحماية الأمريكية؟!
هل تنتهي معادلة النفط الخليجي مقابل الحماية الأمريكية؟!
يبرز تساؤل: هل تقترب معادلة النفط الخليجي مقابل الحماية الأمريكية بالتآكل؟
هل سنشهد نهاية مرحلة الأحادية القطبية الأمريكية. واقتراب حقبة التفرد الأمريكي في الأمن الخليجي من نهايتها؟
سيستمر في المستقبل المنظور توجه دول مجلس التعاون بقيادة السعودية في منطقة الخليج للتعامل مع القوى الكبرى بالتعددية القطبية.
ارتفع منسوب الشك الخليجي بنوايا أمريكا مع "استدارة إدارة أوباما شرقاً" في 2012 لاحتواء وعرقلة صعود الصين ومواجهة تحديات روسيا قبل غزو بوتين أوكرانيا.
تشهد علاقات الخليج بإدارة بايدن مزيدا من التباين مع السعودية حول إنتاج النفط ضمن أوبك+ ورفض زيادة الانتاج كما طالب بايدن، بل تم خفضه في موسم انتخابات الكونغرس!
* * *
تشهد العلاقات الخليجية-الأمريكية حالة شد وجذب وتذبذب منذ سنوات لتكوّن قناعة بتخفيض الإدارات الأمريكية في العقدين الماضيين أهمية ومكانة الشرق الأوسط والخليج العربي. ووصلت أمريكا لحالة "تعب الحروب" الدائمة والعدمية، تُبقيها عالقة في منطقة تتراجع أهميتها الاستراتيجية، وتغيرات أولوية أمريكا لمواجهة العملاق الصيني وتحديات روسيا. وهذا يذكّر بالمعادلة التي قامت عليها العلاقات الأمريكية-الخليجية خلال الثمانية عقود الماضية: "النفط الخليجي مقابل الحماية الأمريكية".
بدأت العلاقة الأمريكية مع السعودية بلقاء الملك عبد العزيز المؤسس مع الرئيس روزفلت على متن المدمرة الأمريكية كوينسي في قناة السويس عام 1945. برغم الحماية البريطانية حينها. واكتسبت العلاقة أهمية بعد اكتشاف الطاقة-نفط وغاز-المحرك الرئيسي لاقتصاد العالم. وطبيعي تعمقت العلاقات الخليجية-الأمريكية بعد انسحاب بريطانيا من الخليج العربي عام 1971.
شهدت العلاقات كثيرا من التفاوت والصعود والهبوط. أبرزها بعد إعلان مبدأ الرئيس كارتر عام 1980-أول رئيس يعترف بأهمية ومحورية منطقة الخليج العربي للأمن والمصالح الأمريكية، والاستعداد لاستخدام القوة العسكرية لحماية مصالحها.
وكانت تلك رسالة واضحة للاتحاد السوفياتي بعد احتلال أفغانستان في ديسمبر 1979. ولكن دول الخليج برغم عدم وجود مجلس التعاون الخليجي حينها، رفضت منح إدارة كارتر قواعد عسكرية لقوات التدخل السريع الأمريكية (RDF).
وتصاعد شك دول مجلس التعاون الخليجي بالتزامات الولايات المتحدة الوقوف مع الحلفاء الخليجيين توفير الحماية مقابل الطاقة في عدة محطات. من التخلي عن دعم شاه إيران وسقوطه عام 1979. والتخلي عن مبارك وزين العابدين في انتفاضات الربيع العربي.
في المقابل بلغت العلاقات الخليجية-الأمريكية أوجها في عهد الرئيس بوش الأب بقيادة تحالف عسكري وسياسي لتحرير دولة الكويت عام 1991-بعد حشد دعم دولي قاد لطرد قوات صدام حسين من الكويت وفرض أقسى العقوبات على العراق.
أعقبه توقيع ترتيبات أمنية غير ملزمة للولايات المتحدة الأمريكية مع الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي عام 1991، تجددت كل 10 سنوات. لكن شهدت العلاقة بين الحلفاء الخليجيين وأمريكا تراجعاً مع حروب بوش الاستباقية في أفغانستان (2001-2021) وإسقاط نظام صدام حسين واحتلال العراق (2003-2011)، ما أحدث خللا في توازن القوى، ساهم بتغير موازين القوى لمصلحة إيران وعدم الاستقرار.
وارتفع منسوب التشكيك بنوايا أمريكا مع "استدارة إدارة أوباما شرقاً" عام 2012- لاحتواء وعرقلة صعود الصين ومواجهة مغامرات وتحديات روسيا-بوتين وذلك قبل حرب بوتين على أوكرانيا عام 2022.
وكررت وثائق ودراسات مجتمع الاستخبارات الأمريكية منذ عقد، المرفوعة عنها السرية أن الصين وروسيا تحتلان الأولوية في اهتمامات الولايات المتحدة-مع تراجع أولوية وأهمية منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، لمصلحة مواجهة القوى الكبرى في النظام العالمي.
ساهم سجل إدارة ترامب المرتبك بنزواته في تعميق حجم الشكوك الخليجية من نوايا ومواقف الإدارة الأمريكية. تمثل ذلك بعدم توفير ترامب الحماية المطلوبة والمتوقعة ودوره في عدم وضع حد للأزمة الخليجية وانحيازه في بداية الأزمة لطرف، قبل تدخل الدولة العميقة وتصحيح الموقف الأمريكي تجاه الأزمة الخليجية.
أعقب ذلك انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي-ما سمح لإيران بزيادة تخصيب اليورانيوم وأجهزة الطرد المركزي وإضافة أجهزة متطورة ورفع نسبة تخصيب اليورانيوم لـ60%-ما يقرّب إيران أكثر من امتلاك السلاح النووي، كما حذرت أجهزة الاستخبارات الأمريكية ورئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية مارك ميلي في مارس الماضي!
كما لم تحرك إدارة الرئيس ترامب ساكناً عند قصف منشآت أرامكو النفطية في ابقيق وخريص في سبتمبر 2019.
واستمر هامش التشكيك بدور ونوايا الولايات المتحدة في إدارة بايدن، بعد أطول حرب بتاريخ أمريكا، وانسحابها العسكري من أفغانستان في أغسطس 2021 دامت عشرين عاماً! لم تحقق إدارات بوش الابن وأوباما وترامب وبايدن أهدافها، بل عادت طالبان أقوى لتسيطر على كامل أفغانستان.
ولولا مساهمة الحلفاء الخليجيين وخاصة دولة قطر في إجلاء 70 ألف مواطن أمريكي ومزدوجي الجنسية والأفغان المتعاونين ورعايا دول أجنبية من أفغانستان، وتمثل مصالح أمريكا في أفغانستان، لكان وضع أمريكا وسمعة الرئيس بايدن أسوأ. لذلك استحقت قطر ترقية إدارة بايدن العلاقات الاستراتيجية معها لحليف رئيسي من خارج حلف الناتو في يناير 2022.
تشهد العلاقات الخليجية اليوم مع إدارة بايدن مزيدا من التباين والمواجهات مع السعودية حول انتاج النفط ضمن مجموعة أوبك+ ورفض رفع انتاج النفط كما طالب الرئيس بايدن، بل تخفيض الإنتاج في موسم انتخابات الكونغرس في نوفمبر الماضي. وهدد بايدن علناً بإعادة تقييم العلاقات مع السعودية. لكنه لم يفعل ذلك.
وكشفت معلومات استخباراتية مسربة عن تحذير السعودية برد اقتصادي مكلف على أمريكا إذا فعل. كما استجابت السعودية وإيران لوساطة الصين في مارس الماضي. وأعادت العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء قبل موسم الحج في انتصار للدبلوماسية الصينية في عقر النفوذ الأمريكي في الخليج العربي!
وانسحبت الإمارات من التنسيق البحري الأمني لـ 38 دولة بقيادة أمريكا لحماية ممرات الخليج والبحر الأحمر وبحر العرب أمنياً ومن القرصنة والمخدرات. كما تخطط السعودية والإمارات وعمان مع إيران لتأسيس قوة بحرية مشتركة!
ويبرز تساؤل هل تقترب معادلة النفط الخليجي مقابل الحماية الأمريكية بالتآكل؟ وتلجأ دولنا الخليجية لبدائل، ليست آنية لعدم قدرة الصين وروسيا في المستقبل المنظور تشكيل بديل عن الحليف الموجود على الأرض في قواعد عسكرية من الكويت إلى مسقط بـ 35 ألف عسكري وعشرات القواعد العسكرية. والتسلح الخليجي بأغلبيته أمريكي.
وبالتالي، سيستمر هذا الواقع للمستقبل المنظور، بتوجه دول مجلس التعاون بقيادة السعودية في منطقة الخليج للتعامل مع القوى الكبرى بالتعددية القطبية. وبالتالي سنشهد نهاية مرحلة الأحادية القطبية الأمريكية. واقتراب حقبة التفرد الأمريكي في الأمن الخليجي من نهايتها؟ أناقش في مقالي القادم المطلوب أمريكياً.
*د. عبد الله خليفة الشايجي أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت
المصدر | الشرق