5 دلالات فارقة.. خفض إنتاج أوبك+ يكشف الطموحات الجيوسياسية السعودية
"سيكون لخفض إنتاج النفط المفاجئ من جانب أوبك وحلفائها تداعيات كبيرة على أسعار البنزين، ما سيؤثر على جهود مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي المستمرة للسيطرة على التضخم".. هكذا سلط خبيرا أسواق الطاقة جيسون بوردوف وكارين يونج، الضوء على تداعيات قرار الرياض المفاجئ بشأن مستوى إنتاج النفط، واعتبراه مؤشرا على الخلاف السياسي المتزايد بين الولايات المتحدة والسعودية.
وذكر الخبيران، في تحليل نشره موقع مجلة "فورين بوليسي" وترجمه "الخليج الجديد"، أن السعودية تسعى لاستعادة موقعها كقوة مهيمنة في تشكيل أسعار النفط العالمية، وأعاد قرارها الأخير بخفض الإنتاج ه أسعار النفط إلى تلمس 100 دولار للبرميل، ما عزز وجهة النظر القائلة بأن السعودية، بمساعدة من روسيا وشركائها الآخرين في أوبك، تسعى جاهدة لاستعادة مكانتها باعتبارها القوة المهيمنة التي تشكل أسعار النفط.
وفي الثاني من أبريل/نيسان الجاري، أعلن تكتل منظمة الدول المصدرة للبترول وحلفائها "أوبك+" أنه سيخفض إنتاج النفط بمقدار 1.66 مليون برميل يوميًا، ويشمل ذلك خفضًا أعلنته روسيا سابقًا بمقدار 500 ألف برميل يوميًا التي من المرجح أن يتسرب بعضها من السوق بسبب العقوبات الغربية.
ونظرًا لاضطراب الإمدادات في العراق وأماكن أخرى، فإن الخفض الفعلي للإنتاج العالمي سيكون أقل قليلاً من مليون برميل يوميًا.
واستهدفت السعودية من الإعلان في هذا التوقيت مفاجأة تجار النفط ومحللي السوق، إذ سبق لمسؤولين بارزين في "أوبك+"، بمن فيهم وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان، أن أعلنوا أن التكتل يعتزم ترك الإنتاج دون تغيير لبقية العام.
وإزاء التخفيض غير المتوقع للإنتاج، ارتفعت أسعار النفط بشكل متوقع، إلى حوالي 85 دولارًا للبرميل.
وبدا أن المسؤولين في العاصمة السعودية الرياض انزعجوا بشدة من إعلان وزيرة الطاقة الأمريكية، جينيفر جرانهولم، مؤخرًا أنه سيكون "من الصعب" على الولايات المتحدة إعادة ملء احتياطي البترول الإستراتيجي هذا العام، بعد أن أشارت إدارة بايدن سابقًا إلى أنها ستفعل ذلك عندما ينخفض النفط إلى أقل من 70 دولارًا للبرميل، كما حدث لفترة وجيزة بعد انهيار بنك وادي السيليكون.
ومع ذلك، من غير المرجح أن يكون قرار "أوبك+" ناتجًا عن القلق بشأن استقرار السوق، فعلى الرغم من انخفاض أسعار النفط عن مستوياتها المرتفعة الأخيرة بسبب ارتفاع المخزونات ومخاوف الركود وأزمة القطاع المصرفي، لكن معظم التوقعات لا تزال ترى تراجعًا في معروض النفط في وقت لاحق من هذا العام والعام المقبل، ويرجع ذلك أساسًا إلى تعافي الصين وسنوات عديدة من تراجع الاستثمار في الإمدادات الجديدة.
ويعني التخفيض الأخير في الإنتاج أن السوق النفطية تتسم بقلة المعروض وأسعار نفط أعلى، وإذا ارتفعت الأسعار كما يتوقع العديد من المحللين، فإن ذلك سيعوض انخفاض المبيعات، ما يعزز من إيرادات الدول المصدرة للبترول، وعلى رأسها السعودية.
لكن أهمية خفض إنتاج النفط تتعدى الأسعار المرتفعة، حسبما يرى جيسون بوردوف وكارين يونج، وفق ما يأتي:
أولاً: يكشف خفض الإنتاج والاتجاه لرفع الأسعار حاجة السعودية لعائدات كبيرة لتمويل إصلاحها الاقتصادي المحلي الطموح، المسمى "رؤية 2030"، والذي يخطط لاستثمار 3.2 تريليون دولار في تنويع مصادر الإيرادات بحلول عام 2030.
فقد بلغ الإنفاق السعودي على البنية التحتية المحلية للمواصلات والإنشاءات، العام الماضي، أكثر من ضعف متوسط الأعوام من 2016 إلى 2020 ومن المتوقع أن تزداد العقود الممنوحة لهذا الإنشاءات هذا العام.
وقد يؤدي تفضيل السعودية الواضح لأسعار النفط فوق 90 دولارًا للبرميل إلى المخاطرة بإعاقة التعافي الاقتصادي العالمي.
ثانيًا: الأهمية السياسية لقطع النفط تعزز وجهة النظر القائلة بأن السعودية تنتهج إستراتيجية "دبلوماسية عدم الانحياز".
فعلى الرغم من أن العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية لا تزال حيوية لأسباب تتعلق بالأمن والاقتصاد، لكنه من الواضح أن المملكة تسعى إلى استقلال أكبر عن الولايات المتحدة وتعميق علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية عبر الصين وروسيا وجيرانها في الخليج العربي.
وفي الآونة الأخيرة، عكس انفراج العلاقات بين الرياض وطهران بوساطة صينية هذا التحول، وسلط الضوء على القلق المتزايد بين دول الخليج من عدم قدرة الولايات المتحدة تقديم مظلة واقية لضمان الاستقرار الإقليمي.
وفي ظل مواقف الخطر المتصاعدة بين روسيا والغرب والصين والولايات المتحدة أو إيران وإسرائيل، تدرك الدول في الخليج الحاجة إلى الاهتمام بضمان الاستقرار الإقليمي.
ثالثًا: يؤكد خفض الإمدادات أن صفقة النفط مقابل الأمن بين واشنطن والرياض أصبحت من التاريخ، فالولايات المتحدة تستورد الآن من النفط السعودي أقل بكثير مما كانت عليه في السابق، ومضيها قدمًا في إجراءات، مثل السعي وراء صفقة نووية مع إيران أو تقاعسها عن الرد على هجوم إيران على منشأة نفطية مهمة في السعودية أدى إلى تآكل التصورات السعودية لواشنطن كضامن موثوق للأمن.
ويخلص الخبيران إلى أن موقف الرياض الآن يمثله شعار "السعودية أولاً"، الذي يعطي الأولوية للسياسة المالية المحلية، إلى جانب التواصل الدبلوماسي خارج المظلة الأمنية للولايات المتحدة.
رابعا: يقوي خفض الإنتاج الحالي "اليد الجيوسياسية للسعودية" من خلال زيادة طاقتها الاحتياطية المتاحة، ما يمنح المملكة قدرة فريدة على التهدئة من ارتفاع أسعار النفط في المستقبل عبر زيادة الإمدادات.
ومع ارتفاع أسعار النفط والبنزين المرجح في وقت لاحق من هذا العام، وفي الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، ستكون أسعار البنزين المرتفعة قضية سياسية رئيسية، وستكون قدرة السعودية على كبح الأسعار من خلال زيادة المعروض في السوق ورقة نفوذ على واشنطن.
ويعزز ذلك أن الولايات المتحدة استنفدت بالفعل جزءًا كبيرًا من احتياطي البترول الاستراتيجي لديها، ولم يتبق أمامها سوى القليل من الخيارات لترويض أسعار النفط، بخلاف الاتصال بالرياض.
خامسا وأخيرًا: يدعم خفض إنتاج النفط روسيا في وقت تحاول فيه الدول الغربية فرض صعوبات اقتصادية على موسكو من خلال العقوبات التي تقيد عائدات النفط والغاز.
ففي سوق أكثر صرامة، من المرجح أن يتقلص الخصم الذي يجب أن تبيع به روسيا نفطها الخام، ما يعطي دفعة مضاعفة لعائدات النفط الروسية.
ولذا يُظهر قرار خفض إنتاج "أوبك+" أن الشراكة بين السعودية وروسيا بشأن استراتيجية أسعار النفط لا تزال قوية، حتى لو كانت تعكس التوافق الحالي للمصالح وليس تحالفا استراتيجيا دائما.
المصدر | فورين بوليسي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد