هل يستطيع الأمير محمد بن سلمان المناورة عالميا مثل جده عبدالعزيز آل سعود؟
"هل تستطيع السعودية الاستمرار في المناورة الاستراتيجية في مواجهة التحديات الدولية المتلاحقة؟".. سؤال طرحه مقال نشره "معهد دراسات السلام والصراع" (IPCS)، في إطار ملامح الانسحاب الأمريكي من المنطقة وفراغ القوة الناتج عنه، وتطلع دول مثل الصين وروسيا إلى محاولة ملئه.
ووفقا للمقال، الذي كتبه نائب الأدميرال الهندي المتقاعد فيجاي شانكر، فإن هذه التطورات تعيد إلى الأذهان الأجواء التي تم خلالها إبرام "اتفاق كوينسي" التاريخي، في إشارة إلى اللقاء الشهير بين مؤسس السعودية، الملك عبدالعزيز بن سعود، والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت على متن المدمرة الأمريكية "يو إس إس كوينسي"، وهو الاتفاق الذي ضمن مظلة أمنية أمريكية للمملكة مقابل تدفق النفط، فيما عرف بنظام "البترودولار".
واعتبر المقال، الذي ترجمه "الخليج الجديد"، أن السعودية تواجه الآن تحديات قد تتشابه في بعض ملامحها مع تلك التي واجهها مؤسس دولتها الحديثة الملك عبدالعزيز آل سعود، والذي قام بمناورات سياسية صعبة في زمن صعب مع القوى الإمبريالبة المتواجدة في هذا الوقت، وأهمها بريطانيا وألمانيا والدولة العثمانية، ثم الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي ليضمن إنشاء دولته واستقرارها.
بدايات التحالف
وبدأ آل سعود التحالف مع الحكومة البريطانية ضد مشروع سكك حديد بغداد-برلين، الذي كان مشروعا واعدا للدولة العثمانية، وأيضا أنشأ تحالفا وثيقا مع الحركة الوهابية لتوطيد أركان حكمه وشرع في استعادة الأراضي، وخضعت له الرياض ونجد.
ومع الانتقال من الفحم إلى النفط واعتماد الأسطول البريطاني البحري عليه، توطدت العلاقات أكثر بين بريطانيا وآل سعود، من خلال معاهدة دارين (1915)، وأصبح ذلك الاتفاق حجر الزاوية في السياسة الإمبريالية التي جعلت المملكة العربية السعودية حليفًا في الحرب والسلام ومحمية من قبل التاج البريطاني.
وبحلول عام 1932، بدأ التودد إلى السعودية من قبل حكومات عالمية بسبب النفط أيضا.
وخلال الحرب العالمية الثانية، قدمت بريطانيا والولايات المتحدة الدعم المالي للسعودية، التي أعلنت بدورها الحرب على ألمانيا واليابان في عام 1945 دون أي عمل عسكري ناتج عن ذلك. وسمح هذا للمملكة بأن تصبح عضوًا مؤسسًا للأمم المتحدة.
وبعد الحرب العالمية الثانية، قلل إرهاق أوروبا من نفوذها في غرب آسيا وأعطى قوة دفع لنظام عالمي يهيمن عليه الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة.
وخلال الحرب الباردة، واستشعارًا للفراغ الناشئ في المنطقة، رحب السعوديون بالولايات المتحدة للعب دور أكثر أهمية.
وفي محاولتها لإحباط محاولة الاتحاد السوفييتي لزيادة قوته في منطقة الخليج، قدمت الولايات المتحدة رأس المال والحماية للسعودية مقابل السيطرة على احتياطياتها النفطية.
وضمنت مذكرة "يو إس إس كوينسي" أن العائلة المالكة السعودية ستستمر في الحكم لأجيال قادمة، بفضل ثروتها وتأثيرها على منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك"، وعلاقاتها بالجماعة الدينية الوهابية، والدعم الأمريكي.
ومع ذلك، حدث تراجع في هذه المعادلة، احتجاجًا على المساعدة العسكرية الأمريكية لإسرائيل في حرب عام 1973 مع مصر وسوريا، حيث توقف منتجو النفط العرب بقيادة الملك فيصل ملك السعودية عن التصدير إلى الولايات المتحدة، وأدى ذلك إلى ارتفاع حاد في أسعار البنزين وأزمة اقتصادية كبيرة في أمريكا.
وأدى الحظر إلى تطورين هامين: بدأت الولايات المتحدة في تقليل اعتمادها على نفط الشرق الأوسط، ما ساهم بدوره في تركيز واشنطن على عدم الاستقرار الإقليمي، ونتيجة لذلك، بدأت الانخراط في العديد من الحروب والتدخلات العسكرية.
ومنذ ذلك الحين، نجح السعوديون في تسوية هذه الرقعة الصعبة في العلاقة من خلال دعم هذه التدخلات.
تكرار التحديات
يقول المقال إن استمرارية هذه المناورة السياسية السعودية مع القوى العالمية، والتي كانت ناجحة تاريخيا، تواجه تحديات الآن مع تطورات متلاحقة إقليمية ودولية.
وأطلق الأمير محمد بن سلمان، نجل الملك سلمان، بصفته وليًا للعهد إصلاحات شاملة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والسياسة الخارجية، تهدف إلى التكيف مع النظام العالمي المتغير.
ومع ذلك، وبالنظر إلى هيكل السلطة المعقد، فإن نجاح هذه الإصلاحات يواجع عقبات كبيرة.
وبشكل حاسم، يقول المقال إن هناك عدة تحديات تواجه الأمير محمد بن سلمان في هذا الصدد، أولها أن تحقيق رؤيته يتطلب تغيير النظام السياسي والقانوني والاجتماعي بأكمله، والذي قام على التحالف مع الحركة الوهابية، وثانيها أن هذه الرؤية تتطلب أن يكون ولي العهد قادرا على استلهام الدروس من جده وسلفه اللامع الملك عبدالعزيز آل سعود.
ويبقى هناك تحد إضافي، وهو أنه رغم تعهد الولايات المتحدة بعدم ترك الساحة لروسيا والصين، فإن مذكرة "يو إس إس كوينسي" ونظام "البترودولار"، الذي يقضي بتدفق النفط وبيعه عالميا بالدولار مقابل الحماية الأمنية الأمريكية للسعودية، يبدو أن الزمن قد تجاوزه.
وختاما، يخلص المقال إلى أن هناك 3 أسئلة مهمة للأمير محمد بن سلمان الآن، وهي: هل تستطيع المملكة العربية السعودية أن تنأى بنفسها عن ترف البترودولار؟ وهل يمكن للمملكة أن تتحمل رفع المظلة الأمنية الأميركية؟ وأخيرا، ما مدى قدرة العائلة الحاكمة السعودية على المضي قدما بدون الدعم الوهابي الذي منحها الشرعية في المقام الأول؟
المصدر | فيجاي شانكاي/ معهد دراسات السلام والصراع - ترجمة وتحرير الخليج الجديد