القطيف تحت مِعول ابن سلمان: «تحسين جودة الحـياة»... بتهشيمها!

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 925
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

على غرار ما جرى في مناطق كثيرة في شمال السعودية وجنوبها وشرقها، وفي إطار إعادة ترتيب الحيّز المكاني في المملكة على النحو الذي تقتضيه «رؤية 2030»، تشهد منطقة القطيف منذ ما يزيد على شهرَين، فصلاً جديداً من فصول التجريف العمراني والتعرية الثقافية، تحت شعار «تحسين جودة الحياة». جودةٌ يكاد أهالي المناطق المستهدَفة لا يلمسونها، وهم الذين يَجري نفَيهم إلى خارج «الحيّز» الجاري ترتيبه للأجانب، من دون حصولهم حتى على تعويضات تَقيهم شرّ التشرّد

«انتقاص من مكانتنا وحضارتنا وتاريخنا... الحكومة كلّ يوم تجي بمشاريع تحت عنوان التجديد والتطوير، بس احنا ما نشوف غير الإعلانات على الشاشات، والهدم والتهجير من أرضنا بالقوة، ممنوع علينا الرفض...». بهذه الكلمات، تصف إحدى سيّدات القطيف ما يَجري لها ولأبناء المنطقة الذين يتعرّضون منذ أشهر لعملية تهشيم لتراثهم وثقافتهم، من دون أن يكون لهم الحقّ حتى في إبداء اعتراضهم على ذلك التجريف الممنهج. في تشرين الأوّل 2022، بدأت «أمانة المنطقة الشرقية» تنفيذ فصل جديد من «مشروع تطوير شارع الملك عبد العزيز»، مستهدِفةً هذه المرّة «شارع الثورة» الذي انطلقت منه انتفاضة عام 2011 بقيادة الشيخ الشهيد نمر باقر النمر (أُعدم في كانون الثاني 2016)، والذي يحتضن 28 معلماً أثرياً وعدداً من المساجد والأوقاف الشرعية، وفق ما يفيد به مصدر محلّي «الأخبار». وتحت شعار «تحسين جودة الحياة وفكّ الاختناقات المرورية»، شرعت الجرافات وآليّات الهدم في نسْف معالم الشارع، بعدما كانت السلطات انتزعت عنوةً صكوك ما لا يقلّ عن 984 عقاراً في «الثورة» والأحياء المجاورة له، والتي لا تقلّ عن 14 حيّاً من بينها ميّاس والبحر والدبيبية والشريعة والكويكب، بحسب المصدر نفسه. كذلك، يستهدف المشروع ما تبقّى من قلعة القطيف الأثرية، التي يعود تاريخ بنائها إلى القرن الثالث الميلادي على يد الساسانيين، وكانت تحوي 11 مسجداً، إلّا أنه على مرّ سني الحُكم السعودي، تعرّضت القلعة للإهمال والتعرية، خصوصاً مع اتّخاذ العديد من أهالي المنطقة من معالمها منازل لسكنهم، وسط الأزمة العمرانية التي لا تجد لها حلّاً جذرياً.
يرى أحد أبناء القطيف المتضرّرين من ذلك المشروع، في حديث إلى «الأخبار»، أن واحداً من أهداف «تجريف شارع الثورة، إنّما يتمثّل في استئصال الروح الثورية الرافضة للقمع والحرمان والتهميش». ويلفت إلى أن «الحملة على هذا الشارع تزامنت مع حملات مماثلة على جدة وتبوك ومكة والمدينة، وكلّها جاءت بذريعة التطوير والعمران وتنظيم الأحياء وإزالة التشوّهات البصرية وتحسين جودة الحياة وفكّ الاختناقات المرورية وتسهيل وصول السكّان إلى جميع الخدمات الضرورية»، مضيفاً أن «الحكومة دائماً ما تطرح هذه العناوين، إلّا أن الأهالي لا يرون شيئاً منها». وبرأيه، فإن «ما تفعله الحكومة لا يصبّ إلّا في خانة استهداف هويّتنا وعَراقتنا وتاريخنا وثقافتنا، ويبتغي تهجيرنا قسراً من أرضنا، وارتكاب جرائم إبادة جماعية بحقّنا، نحن أصحاب الأرض الأصليين هنا». ويندرج ما يحدث في القطيف في سياق «هجمة» شاملة، تستهدف تعبيد الطريق أمام مشاريع «رؤية 2030»، جارفةً في طريقها ممتلكات المُواطنين البسطاء الذين لا يحصلون في المقابل إلّا على تعويضات ضئيلة، فيما البعض منهم لا يحصل على أيّ تعويض.

وفي هذا السياق أيضاً، يأتي إعلان أمير المنطقة الشرقية، سعود بن نايف، تقسيم القطيف إلى شرقية وغربية، مطلِقاً على الجزء الغربي منها اسم «المحافظة البيضاء»، بينما بقِي القسم الشرقي محتفِظاً باسم «محافظة القطيف»، علماً أن المنطقة اكتسبت تسميتها الأولى (أي الشرقية) من خلال إجراء «سلطوي» جبّ تسميتها الأصلية، أي القطيف والأحساء. ويرى مصدر أهلي، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الغرض من تقسيم القطيف، تحجيم هذه المنطقة التي تعاني الإهمال والحرمان منذ عقود من الزمن، وتؤخذ ثروات أرضها لصالح الحكومة من دون أن يستفيد منها أهلها»، مضيفاً أن «هذا الإجراء سينعكس على الموازنة الهشّة أصلاً المخصَّصة لها، ما يعني أن الخدمات ستشحّ أكثر مما هي عليه». ويجيء ذلك في وقت بدأت فيه شركة «أرامكو» النفطية مباحثات مع بلدية القطيف، من أجل استكشاف إمكانية اقتطاع 26% من مساحة المنطقة لصالح الشركة بدعوى «مشاريع التنمية والتطوير»، وهو ما لا يَستبعد المصدر تَحقّقه، مشيراً إلى أن «البلدية، بأمر من الحكومة، تمنح أرامكو كلّ الصلاحيات، على رغم ما تتسبّب به مشاريعها من انعكاسات سلبية على الأهالي، خصوصاً لناحية تعميق الأزمة السكنية عبر منْع التوسّع العمراني».

هذا «التغوّل» لم تسلم منه أيضاً جزيرة تاروت التاريخية، التي أُعلن عن ولادة مؤسّسة جديدة لـ«تنميتها» باسم «مؤسّسة تطوير دارين وتاروت»، مع تخصيص ميزانية تقديرية لهذه الأخيرة بقيمة مليارين و644 مليون ريال. ويعود عمر تلك الجزيرة، الممتدّة على مساحة 32 كلم مربعاً، إلى أكثر من 5 آلاف عام قبل الميلاد، وهي تضمّ أكثر من 11 موقعاً تراثياً، أبرزها قلعة تاروت التي مرّ عليها الفينيقيون والساسانيون والبرتغاليون والعيونيون وغيرهم، كما أن اسمها مشتقّ من «عشتار»، إلهة الحبّ عند الفينيقيين. وُوضعت للمؤسّسة الوليدة جملة أهداف من بينها إقامة عدّة مهرجانات ثقافية وتراثية، وإنشاء عدد من الفنادق والنُّزُل البيئية في المناطق الطبيعية، والارتقاء بجودة الحياة عن طريق إنشاء الطُّرق والبنى التحتية والحدائق العامة، فضلاً عن إنشاء أكبر غابة مانجروف على ضفاف الخليج، علماً أن «تاروت» تكتنز غابات شاسعة من الفواكه المذكورة. وفي أولى الخطوات العملية، قرّر نائب أمير المنطقة الشرقية، أحمد بن فهد، نقْل الأنشطة الصناعية إلى خارج الجزيرة، من دون الاكتراث بالأضرار التي ستَلحق بأصحاب المصانع هناك، أو السعي للتعويض عليهم أو إيجاد مكان عمل بديل لهم. وأثار البدء بتجريف «تاروت» غضباً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، باعتباره مخطَّطاً لطمس تاريخ الجزيرة، وطرْد أهلها منها، وتمليكها لمستثمرين أجانب لا صِلة لهم بماضيها وحاضرها.