بالنسبة لإسرائيل، تُعتبر السعودية بمثابة “جوهرة” أوْ “دُرّة تاج التطبيع” مع الوطن العربيّ، وكشفت مصادر رفيعة في تل أبيب النقاب عن أنّ رئيس الوزراء الإسرائيليّ نفتالي بينيت ووزير خارجيته يائير لبيد يبذلان جهودًا حثيثةً لكسر الجمود الذي نشأ بين السعوديين ورئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، الذي أثار غضب الرياض عندما سرّب مقربون منه اجتماعه السريّ في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 2020 مع ولي العهد محمد بن سلمان.
لكن، بالمُقابِل، إذابة الجليد مع السعوديين وإخراج علاقة إسرائيل السرية معهم إلى العلن تقتضي تدخل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، التي لا تتعامل مع الرياض بالدرجة نفسها من الارتياح التي كانت عليها إدارة ترامب، كما قال موقع (المونيتور)، نقلاً عن مصادر وازِنةٍ بالكيان.
إلى ذلك، ومع تزايد التحدّيات الأمنيّة التي تُواجِه إسرائيل، داخليًا وخارجيًا، لاسيما في مواجهة النفوذ الإيرانيّ المتزايد في الشرق الأوسط، وإمكانية التوقيع على اتفاقٍ نوويٍّ، فإنّها تسعى لتمهيد الطريق لاتفاقية جديدة أخرى من شأنها أنْ تؤدّي إلى تغيير المنطقة برمّتها، وذلك من خلال الاستمرار في توقيع اتفاقيات التطبيع مع المزيد من الدول العربيّة والإسلاميّة.
وفي هذا السياق، ذكر الجنرال احتياط عاموس يادلين الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، ذكر في مقال بموقع “القناة الـ12” بالتلفزيون العبريّ، أنّ “الاتفاقات التي بموجبها ستمتد دائرة التطبيع إلى دولة عربية مهمة أخرى ستحسن قدرة إسرائيل على التصدي لإيران، وستعيد إسرائيل للمسار الصحيح كونها دولة يهودية آمنة، رغم أنّ التوقيت لا يبدو مناسبًا، في ظلّ العمليات المسلحة في قلب المدن الإسرائيلية، والحكومة بدون أغلبية في الكنيست، واهتمام العالم يتركز على الحرب في أوروبا الشرقية”.
وأضاف أنّه “في ظل هذه الأيام الصعبة، فإنّه من المهم النظر للأفق الاستراتيجيّ، لأنّ أزمة روسيا وأوكرانيا تذكر إسرائيل بأهوال الحرب، والأمن الاقتصادي آخذ في التدهور، وأسعار الطاقة والمواد الغذائية آخذة في الارتفاع، والاتفاق النوويّ شبه الكامل مع إيران يهدد بتعزيز استقرار المنطقة، وتتساءل دولها عمّا إذا كانت الولايات المتحدة حليفًا موثوقًا به، ورغم ذلك فإنّه ضمن هذه التحديات بالتحديد، لدى إسرائيل فرصة لتصعيد الأمن والتطبيع في الشرق الأوسط”.
وكان مركز أبحاث الأمن القوميّ، التابِع لجامعة تل أبيب، قد نشر دراسةً عن العلاقات السريّة بين إسرائيل والسعوديّة، لفت فيها إلى أنّ الإطلاع على وثائق (ويكيليكس) تؤكّد لكلّ مَنْ في رأسه عينان على أنّه بين الرياض وتل أبيب جرى حوار سريّ ومتواصِل في القضية الإيرانيّة، وأنّ هذا الحوار ما زال مُستمِّرًا.
وأضافت إنّ الوثائق أثبتت أنّ العديد من الشركات الإسرائيليّة تقوم بمساعدة الدول الخليجيّة في الاستشارة الأمنيّة، وفي تدريب القوات الخاصّة وتزويدها بمنظوماتٍ تكنولوجيّةٍ متقدّمةٍ، علاوة على لقاءاتٍ سريّةٍ ومستمرة بين مسؤولين كبار من الطرفين.
كما تبينّ، بحسب الدراسة، أنّ إسرائيل قامت بتليين سياسة تصدير الأسلحة إلى دول الخليج، بالإضافة إلى تخفيف معارضتها لتزويد واشنطن بالسلاح لدول الخليج، وذلك في رسالةٍ واضحةٍ لهذه الدول أنّه بالإمكان التعاون عوضًا عن التهديد، كما أنّ تل أبيب تتمتّع بحريّةٍ في بيع منتجاتها في دول الخليج، كما أكّدت الدراسة الإسرائيليّة.
وأكّد أنه “قبل شهر من الآن، وبعد تعزيز وتعميق التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، عقدت قمة غير مسبوقة في النقب، حيث يدفن دافيد بن غوريون، بمشاركة وزراء خارجية إسرائيل ومصر والإمارات والمغرب والبحرين والولايات المتحدة، فيما غابت الأردن، وافتقرت القمة إلى دولة عربية مهمة وهي السعودية، رغم أنه كان صعبًا إحضارها للقمة، بالتزامن مع علاقاتها المهتزّة مع الولايات المتحدة، بجانب مطالبها بشأن القضية الفلسطينية، أمّا السلطة الفلسطينية فمنقسمة ومشلولة”.
جديرٌ بالذكر أنّه على الصعيد الأمريكيّ، يدعي الإسرائيليون أنّ “للرئيس بايدن فرصة نادرة ليثبت لحلفاء الولايات المتحدة أنّه شريك موثوق به، ويعمل على إصلاح علاقات واشنطن مع دول الخليج التي تشعر بخيبة أمل من سلبيتها في مواجهة الملف الإيرانيّ، وتقوية قدراتها الدفاعيّة، وتعزيز بنية دفاع جويّ إقليميّ ضدّ الصواريخ والطائرات المُسيّرة التي ترعاها إيران، وتقديم ضمانات أمنية بمنعها من حيازة أسلحةٍ نوويّةٍ بأيّ شكلٍ”، وفق المصادر السياسيّة والأمنيّة الرفيعة في تل أبيب.
عُلاوةً على ما ذُكر آنفًا، تتحدث الأوساط الإسرائيليّة عمّا تسميه “اختبار البقاء”، وبموجبه توجد فرصة للتوصل إلى اتفاقية تطبيع مع دولةٍ عربيّةٍ كبيرةٍ مثل السعودية، لأنّ مثل هذا الاتفاق سيرسخ مكانة إسرائيل في المنطقة، وسيُعزز التزام الولايات المتحدة بالتعامل بشكلٍ أكثرٍ فاعليّةٍ مع إيران، وبرنامجها النوويّ، ونفوذها الإقليميّ، من خلال مساهمتها الاستخباراتية والأمن السيبراني والتصوير الجويّ والتدريب وأنظمة اعتراض متقدمة للدول العربيّة التي طبّعت مع الدولة العبريّة.