لم تُعلن العربيّة السعوديّة، عن تخصيص يوم الاحتفال بما أسمته “يوم التأسيس” لأجل الاحتفال فقط، بل يتضمّن ذلك رسائل سياسيّة وتاريخيّة، سنوردها في هذا التقرير، حيث سيكون هذا اليوم من كُل عام، يوم عطلة، إلى جانب باقة من الاحتفالات التي تُقام في العاصمة تشمل عروضاً موسيقيّة، وألعاباً ناريّة، وباقي محافظات المملكة، واليوم الثلاثاء 22/ شباط/ فبراير، تحتفل المملكة بيوم التأسيس لأوّل مرّة بتاريخها.
اللافت في يوم التأسيس هذا، أن ثمّة قاسم مُشترك، بين مُؤسس الدولة السعوديّة الأولى محمد بن سعود، ومُؤسّس الدولة السعوديّة الرابعة (على اعتبار النقلة النوعيّة الانفتاحيّة) الأمير محمد بن سلمان، أنه حين تولّى بن سعود مقاليد الحُكم في الدرعية، كان عمره آنذاك 30 عاماً، أي أنه كان صغير السن، وهو الأمر الذي يشترك فيه مع ولي العهد الحالي الأمير محمد بن سلمان، وهو الثلاثيني أيضاً، لكن يتعرّض لانتقادات محليّة، وغربيّة، تتّهمه بقلّة الخبرة، والتسرّع، ولصغر سنّه.
وكما أن منصب “خادم الحرمين” لم يسبق أن شغله ملك شاب في مُقتبل العمر، ومُنذ توحيد المملكة على يد الملك عبد العزيز، أو ما يُعرف باسم الدولة السعوديّة الثالثة، أو ما يُحتفل به اليوم المعروف باسم “اليوم الوطني”، يستفيد الأمير بكُل حال من تصدير شخصيّات حكمت بلاده رغم صغر سنها، ونجحت هي الرسالة الأهم توصيلها.
يوم التأسيس سيجري فيه إحياء ذكرى اليوم الذي تولّى فيه “محمد بن سعود”، مؤسس الدولة السعوديّة الأولى إمارة الدرعية، ولم يكن هذا اليوم في العهود السابقة، إلا يوم يعرفه طلاب المدارس، والجامعات في كتب التاريخ، فيما كان رجال الدين أتباع وأحفاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، يُحرّمون الاحتفال بغير أعياد المُسلمين، الفطر، والأضحى، بل ويُركّزون على شرعيّتهم الدينيّة “الوهابيّة” التي كانت الأساس في تدعيم ركائز الدولة السعوديّة الوليدة في حينها.
لم تعد اليوم فيما يبدو الحاجة مُلحّة لتذكير السعوديين بالشراكة التي قامت عليها تأسيس الدولة السعوديّة، بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ومحمد بن سعود، فكُتّاب السعوديّة المُقرّبين من الأمير بن سلمان، ومنهم على سبيل المثال تركي الحمد، قالوا بأن الوهابيّة قد انتهت، وتمّ استغلالها لتدعيم الدولة، وهي أشبه بالحركة التطهيريّة المسيحيّة.
وبالنظر إلى تاريخ يوم التأسيس، وذكرى الاحتفال بها سنويّاً بمرسوم ملكي، فإنها تعود إلى فبراير/ شباط/ من العام 1727، أي قبل 300 عاماً، على يد “المُؤسّس الأوّل” محمد بن سعود، هو ما يُراد منه إعطاء صبغة مدنيّة علمانيّة على تأسيس الدولة بعيدًا عن وجهها الوهابي، مع إغفال أو عدم التطرّق إلى تاريخ التأسيس الحقيقي، وتدعيم حكم آل سعود دينيّاً، حين قام التحالف الديني- السياسي بين بن سعود، وبن عبد الوهاب العام 1744، حيث جرى تدعيم حكم محمد بن سعود، بالاستناد إلى رسالة محمد بن عبد الوهاب، الذي يعتبرها الإسلاميّون دعوة مُجدّدة والعودة لضوابط الإسلام.
بدّل الأمير بن سلمان شكل تحالفه مع أحفاد “الشيخ محمد بن عبد الوهاب” أو المعروفة اليوم بآل الشيخ، عن طريق تعيين تركي آل الشيخ رئيساً للهيئات الترفيهيّة، والأخير معروفٌ بشغفه بالحفلات، والغناء، والرقص، على عكس أجداده المُولعين بالضوابط الدينيّة المُتشدّدة، والتي ما انفك الغرب توجيه اتهاماته للمملكة، بوقوف أفكارها الوهابيّة خلف صُعود حركات الإسلام السياسي المُتشدّد، في حين حرص الأمير بن سلمان، على مُحاربتهم باعتقال رموزهم، من العودة، والقرني، والطريفي، وغيرهم، مُرورًا بتقليص صلاحيّات رجال الهيئة، وانتهاءً بتحويل يوم التأسيس، إلى يوم احتفال بطابع مدني.
وحرصت السلطات السعوديّة، على رفع العلم السعودي المعروف بعلم الدولة السعوديّة الأولى في الأماكن العامّة إلى جانب العلم الرسمي، وهي أوّل راية جرى رفعها العام 1727 في عهد محمد بن سعود، وهي عبارة عن قطعة قماش خضراء اللون، مكتوبٌ عليها “لا إله إلا الله محمد رسول الله” وبدون السيف الشهير بالعلم الحالي، والجزء الذي يلي السارية أبيض اللون، وهذه الراية جرى استخدامها في الدولة السعوديّة الثانية.