السعودية ودول البلطيق.. هل تستطيع بولندا كسر اعتمادها على النفط الروسي؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1234
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

تميزت الفترة بين أواخر عام 2021 وأوائل عام 2022 بتطورين حاسمين ربما يسببان معا انخفاضا سريعا وحادا في اعتماد بولندا على روسيا  للحصول على الطاقة. وبصرف النظر عن المكاسب العديدة التي حققتها بولندا نفسها، يمكن أن تحاكي دول وسط وشرق أوروبا الأخرى التي يشكل اعتمادها على مصادر الطاقة الروسية تحديا اقتصاديا وأمنيا خطيرا هذه النتيجة مستقبلا.

وكان التطور الأول، في 12 يناير/كانون الثاني، حين وقعت شركة "PKN Orlen" البولندية صفقة كبيرة مع شركة "أرامكو" السعودية للنفط. ووفقا لهذا الترتيب، يتعهد الجانب السعودي بتزويد بولندا بما يصل إلى 337 ألف برميل من النفط الخام يوميا سيتم نقلها عبر الناقلات.

أما التطور الثاني، فهو صفقة تتيح للسعوديين فرصة شراء 30% من مصفاة النفط البولندية "Gdańsk"، بقدرة يومية تبلغ 210 ألف برميل يوميا، في المرتبة الثانية في البلاد، مقابل 250 مليون دولار.

ووفقا لمصادر مختلفة، ستسمح هاتان الصفقتان للمملكة بأن تصبح المورد الرئيسي للنفط الخام لبولندا، ما يقلل بشكل حاسم من اعتماد بولندا على روسيا. ومع ذلك، في الوقت نفسه، تسعى وارسو إلى وقف استيراد أنواع أخرى من المصادر غير المتجددة من روسيا، مثل الغاز الطبيعي والفحم، وهي الخطوة التي، إذا تم إنجازها كما هو مخطط لها، ستقلل بشكل كبير من مكانة روسيا في شبكة الطاقة الشاملة في بولندا.

وفيما يتعلق بالنفط الخام، من المرجح أن يؤثر التوسع السعودي المحتمل في السوق البولندية على حصة الموردين الروس، وعلى وجه الخصوص شركة "روسنفت" المملوكة للدولة.

وفي عام 2019، استوردت بولندا 97% من النفط المعالج، 61% منها من روسيا. لكن هذه النسبة كانت تنخفض لأعوام. وكانت شريحة "روسنفت" في سوق البترول البولندي، على وجه التحديد، قد بدأت في التقلص بالفعل في عام 2015.

واتهمت قيادة "روسنفت" في ذلك الوقت بغضب السعوديين باستخدام تكتيكات "الإغراق" ضد روسيا. وبشكل عام، استنادا إلى الحسابات الأولية، قد تتمكن السعودية قريبا من إمداد بولندا بما يتراوح بين 10 ملايين و17 مليون طن من النفط سنويا، ما يغطي جزءا كبيرا من استهلاك النفط المحلي في بولندا، الذي بلغ 31 مليون طن في عام 2019.

ومع ذلك، لن تبدأ هذه الأحجام في الظهور حتى وقت لاحق من هذا العام. وفي الوقت الحالي، تظل السعودية وروسيا شريكين كجزء من اتفاق "أوبك +" لتقييد الإنتاج. لكن "أوبك+" من المقرر أن تنتهي في عام 2022، ما يعني فتح آفاق جديدة للسعودية في بولندا.

وتعليقا على هذه التطورات، أشار الخبراء الروس إلى شكوك في قدرة بولندا على إبعاد نفسها عن إمدادات النفط الروسية. وكما ذكر أحد الخبراء الرئيسيين في الوكالة الدولية "أرجوس"، "فلاديسلاف سينكيفيتش"، قد تحاول "Orlen" قطع مشتريات النفط الروسي المنقولة عن طريق البحر، لكن من غير المرجح أن تقلل الاستهلاك عبر خط أنابيب "Druzhba". وبينما اعترف بأن عدد شركات النفط الروسية في السوق البولندية قد تضاءل، فمن المرجح أن تظل روسيا أكبر مورد لبولندا في المستقبل المنظور.

وأعرب خبير آخر، وهو "إيجور يوشكوف"، المحلل البارز في مؤسسة أمن الطاقة الوطنية، عن ثقته في قدرة روسيا على الحفاظ على دورها الريادي في سوق البترول البولندي. وافترض أن بولندا لا يمكنها التنويع بعيدا عن النفط المنتج في روسيا، لأن غالبية المصافي البولندية متوافقة فقط مع النفط الروسي، وستكون العمليات المطلوبة للتحول إلى أنواع أخرى من النفط مكلفة للغاية.

وقد اتهم وارسو فعليا بشن حملة تضليل حول هذا الموضوع. وفي رأيه، لن يخرج التنويع عن "خلط بولندا أنواع مختلفة من النفط مع النفط الروسي. ويسمح هذا لبولندا بتجنب تحديث وإعادة هيكلة مصافي النفط الخاصة بها بينما يمكنها، في الوقت نفسه، الادعاء بأنها تقلل من الاعتماد على إمدادات النفط الروسية".

وقال "يوشكوف" إنه حتى إذا خفضت بولندا كمية الخام المشتراة من روسيا، فلن تواجه الأخيرة مشكلة في بيع هذه الكميات إلى مستهلكين أجانب آخرين، لا سيما بسبب ارتفاع مستوى الاهتمام في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بالنفط الروسي.

ونجحت بولندا بالفعل في تقليل مشترياتها من النفط الروسي خلال العقد الماضي بعدة ملايين من الأطنان، وهو أمر من المرجح أن يكون اتجاه طويل الأمد. وثانيا، في حين أن مصافي النفط البولندية متوافقة بالفعل بشكل أساسي مع نفط "الأورال" الروسي، فإن "النفط العربي الخفيف"، الاسم التجاري للنفط السعودي، لديه العديد من أوجه التشابه مع "الأورال" من حيث الخصائص الرئيسية للنفط، التي قد تسهل انتقالا أكثر سلاسة نحو استخدام أكبر للنفط السعودي.

وبالإضافة إلى البترول، أبدت بولندا أيضا تصميما قويا على تقليص حصة روسيا في أجزاء أخرى من مزيج الطاقة لديها. على وجه التحديد، فيما يتعلق بإمدادات الغاز الطبيعي، حيث تقود وارسو بناء أنبوب البلطيق البالغ طوله 275 كيلومترا، الذي سيربط بولندا بالنرويج عبر المياه الإقليمية للدنمارك والسويد.

وسيؤمن خط الأنابيب هذا، المتوقع أن يعمل بكامل طاقته في 1 أكتوبر/تشرين الأول 2022، تسليم ما يصل إلى 10 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا، وهو ما يساوي الكمية التي تشتريها بولندا سنويا من روسيا.

وقد اندهشت موسكو لقرار وارسو متابعة وإكمال المشروع بغض النظر عن تكلفته الإجمالية المقدرة بـ1.7 مليارات دولار وأزمة الطاقة المستمرة في الاتحاد الأوروبي الأوسع.

علاوة على ذلك، أوقفت بولندا استيراد الفحم الروسي، بناء على قرار حكومي تم اتخاذه في عام 2020. ومن بين 18 إلى 19 مليون طن من الفحم استوردتها بولندا في عام 2019، جاء ما يقرب من 70% منها من روسيا.

ويجادل منتجو الفحم الروس بتحدٍ بأن إمداداتهم المخصصة حتى الآن لبولندا يمكن بسهولة إعادة توجيهها إلى أسواق آسيا والمحيط الهادئ، أي كوريا الجنوبية واليابان والصين وتايوان.

ومع ذلك، يهدف هؤلاء المستهلكون المحتملون جميعا إلى تقليل استخدامهم للفحم ثقيل الكربون في العقد القادم.

وبالرغم من خطاب روسيا المتحدي أو الرافض، فإن احتمال خسارة سوق الطاقة البولندية بشكل كبير يمكن أن يصبح تحديا جديرا بالملاحظة لمنتجي النفط والغاز الروس.

وفيما يتعلق بالنفط وحده، تشتري بولندا سنويا 7% من إجمالي الصادرات الروسية. وفي الوقت نفسه، يمكن للمثال البولندي، الذي يظل بحاجة إلى اختبار كامل من حيث الممارسة، أن يصبح نموذجا لبلدان أوروبا الوسطى والشرقية الأخرى التي تتطلع إلى تحسين آفاق أمنها القومي من خلال القضاء على اعتمادها الاستراتيجي على إمدادات الطاقة الروسية.

 

المصدر | سيرجي سوخانكين - مؤسسة جيمس تاون - ترجمة وتحرير الخليج الجديد