تحركات غير مسبوقة.. إعادة انتشار أم بداية النهاية للتحالف السعودي باليمن؟
كان نوفمبر/تشرين الثاني شهرا مزدحما بالنسبة للتحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين في اليمن. ورغم أن قدرا كبيرا من الاهتمام الدولي تركز على القتال في مأرب والهجوم الحوثي المستمر للسيطرة على هذه المحافظة وحقول النفط والغاز المهمة فيها، إلا أن ما حدث بعيدا عن الخطوط الأمامية في مأرب قد يشكل المستقبل القريب للحرب.
فعلى مدار 4 أسابيع منذ أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2021، بدأت الإمارات والسعودية والقوات المحلية التابعة لهما في الانسحاب من مواقع في جنوب وغرب اليمن، وتم تصوير العديد من هذه التحركات على أنها "إعادة انتشار"، وهو ما قد يكون صحيحا إذا نُظر إليها بمعزل عن غيرها. لكن عند النظر إلى هذه التحركات مجتمعة، فإنها تشير إلى أن التحالف يبحث الآن بشكل جدي عن استراتيجية خروج من اليمن.
انسحابات إماراتية وسعودية
في 26 أكتوبر/تشرين الأول، سلمت القوات الإماراتية المتمركزة في "قاعدة العلم العسكرية" وسط محافظة شبوة أماكنها لقوات النخبة الشبوانية المتحالفة معها وغادرت إلى السعودية. وبعد أيام قليلة في شرق اليمن، بدأت التقارير تتدفق عن انسحاب الجنود السعوديين من المواقع البعيدة في المهرة وإعادة انتشارهم في قاعدتهم الرئيسية في مدينة الغيضة.
ولطالما كان هناك خلاف سعودي عُماني بسبب البصمة العسكرية الموسعة للسعودية في المهرة على الحدود العمانية حيث تضم عُمان عددا كبيرا من السكان الناطقين بالمهرية، وتنظر إلى المهرة كجزء من مجال نفوذها.
كما شرعت السعودية وسلطنة عُمان في حرب سرية في السنوات الأخيرة من أجل النفوذ في المحافظة؛ حيث دعمت واحدة منهما فصائل محلية مختلفة، وأنشأت الرياض مجموعة من التمركزات العسكرية في المهرة.
وأشار أحد المحللين إلى أن انسحاب السعودية في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني أسفر عن فوائد فورية في علاقاتها مع عُمان. فبعد وقت قصير من انسحاب القوات السعودية إلى الغيضة، طرح وزير الاقتصاد العُماني "سعيد بن محمد الصقري" فكرة خط أنابيب نفط يربط حقول النفط السعودية بمحطة تصدير في عُمان. وستسمح مثل هذه الخطوة (تم اقتراحها للمرة الأولى في السبعينيات من القرن الماضي) للسعودية بتجاوز نقطة الاختناق في مضيق هرمز.
وفي نفس الوقت تقريبا كانت السعودية تتراجع في المهرة، وسحبت أيضا فرقة من الجنود كانت تتمركز في مطار عتق، عاصمة محافظة شبوة. وفي 10 نوفمبر، سحبت السعودية المزيد من جنودها ومعداتها من قاعدتها في منطقة البريقة في عدن.
في ذلك الوقت، رفض متحدث سعودي التقارير التي تفيد بانسحاب المملكة بالكامل من عدن، واصفا إياها بأنها "لا أساس لها من الصحة". وبدلا من ذلك، قال إن المملكة ببساطة تعيد نشر قواتها بما يتماشى مع استراتيجيتها العسكرية.
لكن الخطوة الأكثر إثارة للاهتمام جاءت في اليوم التالي عندما انسحبت القوات المشتركة المدعومة من الإمارات، والتي يرأسها "طارق صالح"، من عدة مواقع رئيسية حول الحديدة وعلى طول ساحل البحر الأحمر؛ مما سمح لقوات الحوثيين بالسيطرة على المناطق التي تم إخلاؤها.
ومثل السعودية، كان لدى الإمارات تفسير جاهز للانسحاب؛ حيث وصفت الخطوة بأنها إعادة انتشار للقوات تماشيا مع اتفاقية ستوكهولم، لكن الاتفاقية الأخيرة مر عليها ما يقرب من 3 سنوات، ولم يتم إبلاغ بعثة الأمم المتحدة ولا الحكومة اليمنية بهذه الخطوة مسبقا.
ولا يبدو أن هناك أي سبب عسكري أو استراتيجي ملح لانسحاب القوات المشتركة من تلك المواقع في منتصف نوفمبر، لكن يبدو أن السبب كان سياسيا. وفي الواقع، فإن ما يجعل كل هذه التحركات العسكرية مثيرة للاهتمام للغاية هو توقيتها.
استعداد للخروج من اليمن
جاء الانسحاب السعودي في شبوة والمهرة وعدن في أعقاب إعلان وزير الخارجية السعودي "فيصل بن فرحان"، في 3 أكتوبر، أن المملكة أجرت جولتها الأولى من المحادثات المباشرة مع الحكومة الإيرانية الجديدة. وكانت المحادثات التي عقدت في 21 سبتمبر/أيلول جزءا من عملية بدأت في أبريل/نيسان وما زالت مستمرة.
وبالمثل في أعقاب أوامر الإمارات بالانسحاب من مناطق جنوب الحديدة، أعلنت الإمارات وإيران أن البلدين "سيفتحان صفحة جديدة" في علاقتهما خلال زيارة قام بها نائب وزير الخارجية الإيراني إلى دبي.
وكان "أنور قرقاش"، المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات، صرح في وقت سابق بأن "الإمارات تتخذ خطوات لتهدئة التوتر مع إيران كجزء من خيار سياسي يدعم الدبلوماسية ويتجنب المواجهة".
ولا يجب النظر إلى الانسحابات والتراجعات العسكرية في اليمن على أنها متبادلة بقدر ما هي تدابير لبناء الثقة؛ إذ أنه من المرجح أن تكون هذه تحركات تمهيدية من قبل السعودية والإمارات في وقت تستعدان فيه للخروج من اليمن بالكامل.
ويسعى كلا البلدين لمغادرة اليمن منذ فترة، لكن كلاهما بحاجة أيضا إلى الاطمئنان قبل أن يفعلا ذلك. ولم تتمكن الولايات المتحدة ولا الأمم المتحدة من التوسط في أي اتفاقية شاملة للسلام في اليمن، ولا يبدو أن ذلك سيحدث في المستقبل القريب؛ لذلك تتخذ السعودية والإمارات خطوات أولى نحو صفقة خاصة بهم.
وبالنسبة للسعودية، فإن ذلك يعني أيضا ضرورة إصلاح العلاقات المتوترة داخل مجلس التعاون الخليجي مع دول مثل عُمان وقطر؛ لأنه إذا كانت المملكة ستنخرط مباشرة مع إيران فيجب أن تضمن تأمين خاصرتها، مما يفسر غصن الزيتون الذي قدمته السعودية لسلطنة عُمان في المهرة، إضافة إلى الانفتاح الأخير لولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" تجاه أمير قطر.
ورغم أن الانسحاب العسكري السعودي والإماراتي الكامل ما يزال بعيد المنال إلا أن البلدان أظهرا في الشهر الماضي أنهما يستعدان لمغادرة اليمن.
المصدر | جريجوري جونسون/ معهد دول الخليج العربي واشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد