هل ينجح بن سلمان في "الغسيل الأخضر" لسمعة السعودية النفطية؟
دشنت السعودية جهدا شاقا لإبقاء الوقود الأحفوري محوريا في معادلة الطاقة العالمية لعقود قادمة، بينما بدأت في مدينة جلاسكو بأسكتلندا، الإثنين الماضي، قمة المناخ العالمية، التي تهدف إلى التخلص التدريجي من هذا النوع من الوقود لصالح مصادر الطاقة المتجددة.
فقد أعلن ولي العهد الأمير "محمد بن سلمان"، الحاكم الفعلي للمملكة، في أجواء احتفالية كبيرة، عن "مبادرة الشرق الأوسط الأخضر"، التي تتضمن تعهدا بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري إلى "صافي صفر" بحلول عام 2060. وهذا هو نفس التاريخ المستهدف من قبل الصين وروسيا، لكن متأخر بـ10 سنوات عن الموعد الذي حددته الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وكان "بن سلمان" كشف عن مبادرته للمرة الأولى في مارس/آذار 2021، عبر إعلان قال خلاله إنه "مثلما تمثل دورنا الريادي في استقرار أسواق الطاقة خلال عصر النفط والغاز، فإننا سنعمل من أجل قيادة الحقبة الخضراء القادمة". ومن الواضح أن هدف ولي العهد هو تقديم صورة جديدة عن السعودية إلى العالم باعتبارها المنتج الرئيسي للوقود الأحفوري في العالم و"القائد الأخضر" في الوقت ذاته.
ومن وجهة نظره، تعد مصادر الطاقة المتجددة مكملا، وليست بديلا للنفط والغاز. وسيتم استخدامها لتغطية الكثير من احتياجات الطاقة في السوق المحلية السعودية؛ وبالتالي السماح لها بتصدير المزيد من النفط، في المقام الأول إلى الصين ودول آسيوية أخرى.
ومن بين أهدافه اللافتة للنظر استخدام مصادر الطاقة المتجددة لتوليد 50% من احتياجات الطاقة في المملكة بحلول عام 2030، والقضاء على 130 مليون طن من انبعاثات الكربون. وهناك هدف آخر يتمثل في تحقيق الريادة في استخدام الهيدروجين الخالي من الكربون كمصدر رئيسي جديد للطاقة.
وبعيدا عن التصريحات السعودية "الخضراء" المتزامنة مع انطلاق مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي في جلاسكو، غاب أي ذكر لحقيقة أن المملكة بدأت بالفعل في زيادة قدرتها الإنتاجية من النفط بمقدار مليون برميل يوميا، ارتفاعا من 12 مليون برميل يوميا في الوقت الراهن. وبسبب نظام الحصص المحدد من قبل "منظمة البلدان المصدرة للبترول" (أوبك)، التي تضم 13 دولة، تنتج السعودية حاليا حوالي 9.8 ملايين برميل نفط يوميا (لا ينتج أكبر منها سوى روسيا بمعدل 10.7 ملايين برميل يوميا، والولايات المتحدة بأكثر من 11 مليون برميل).
وفي مقابلة مع التليفزيون السعودي الرسمي في أبريل/نيسان الماضي، قدم "بن سلمان" توضيحات بشأن موقفه المفاجئ تجاه إنهاء إدمان المملكة على النفط منذ فترة طويلة، وكذلك وجهة نظره حول مستقبل المملكة في سوق النفط. وتوقع الانهيار شبه الكامل للولايات المتحدة وروسيا كمنتجين للخام في غضون 20 عاما؛ ما يفسح المجال للمملكة لتبقى المنتج الرئيسي للخام في العالم لعقود قادمة.
وتتضمن الحملة السعودية لإضفاء الشرعية على الوقود الأحفوري: تبني مصادر الطاقة المتجددة، بجانب خطط عدة لعمل "غسيل أخضر" للكميات الهائلة من ثاني أكسيد الكربون التي تنتجها، والتي تساهم في إحباط هدف مجتمع المناخ المتمثل في عدم تجاوز زيادة درجة حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية (2.7 درجة فهرنهايت) فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي.
ومؤخرا، دعا "أمين ناصر"، الرئيس التنفيذي لشركة "أرامكو" السعودية، أكبر شركة نفط حكومية في العالم والأكثر ربحية إلى حد كبير، إلى "سياسة شاملة" تجاه الوقود الأحفوري؛ نظرا لأن "الهيدروكربون سيظل جزءا من مزيج الطاقة لعقود قادمة". لكنه سعى أيضا إلى طمأنة منتقدي الصناعة النفطية بأن التقنيات الحديثة المستخدمة ستساعد على "تقليل الانبعاثات الناجمة عن النفط والغاز بشكل كبير".
من جهته، أشار وزير المالية السعودي "محمد الجدعان"، في تصريحات له مؤخرا، إلى النقص الحالي في إمدادات الغاز والبنزين بأوروبا والولايات المتحدة كمؤشر لما يخبئه الاندفاع نحو استبدال الوقود الأحفوري بمصادر متجددة، "محذرا من الأسوأ في المستقبل". لكنه لم يُذكر حقيقة أن السعودية وحدها يمكنها إنهاء ما أسماه "أزمة" الطاقة الحالية إذا اختارت الاستفادة من طاقتها الإنتاجية الفائضة التي تزيد على مليوني برميل يوميا.
وبدلا من ذلك، اختارت المملكة، إلى جانب روسيا و"أوبك"، استغلال النقص للحفاظ على سعر نفط أعلى بكثير من 80 دولارا للبرميل بعد أن رأته ينخفض إلى 18 دولارا في مايو/أيار 2020، بل حتى سالب 37 دولارا في وقت ما من هذا الشهر، تحت تأثير الركود الناجم عن فيروس "كورونا". وتتوقع الحكومة السعودية جني 150 مليار دولار من دخل النفط هذا العام، بزيادة 40 مليار دولار عن عام 2020.
وبعد الكشف عن مبادرة الشرق الأوسط الأخضر في الربيع الماضي، أطلقها ولي العهد السعودي خلال منتدى دولي للمناخ عُقد في الرياض يومي 24 و25 أكتوبر/تشرين الأول؛ حيث دعا جميع دول الشرق الأوسط إلى تنسيق الجهود "لحماية البيئة ومواجهة التغير المناخي ولوضع خارطة طريق لتقليل الانبعاثات الكربونية في المنطقة بأكثر من (10%) من الإسهامات العالمية".
وتتضمن خارطة الطريق تلك الدعوة إلى زراعة 50 مليار شجرة في منطقة الشرق الأوسط، تشمل 10 مليارات شجرة في السعودية وحدها. وتتضمن الحصة السعودية استصلاح 40 مليون هكتار من الأراضي الصحراوية بأشجار تمتص الكربون. ولم يذكر "بن سلمان" كيف يمكن إنجاز مثل هذا المشروع العملاق، سواء في المملكة أو في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ومع ذلك، بدأت المملكة في تجربة استخدام الطائرات بدون طيار لإسقاط البذور.
ومن المشاريع الخضراء الأخرى لولي العهد إنشاء مركز إقليمي في المملكة لتصميم "اقتصاد الكربون الدائري"، الذي يهدف إلى التقاط الكربون وتخزينه تحت الأرض. ومثل هذه التكنولوجيا لا تزال في مرحلتها التجريبية. ومع ذلك، فإن مشروعا آخر من هذا القبيل يعد رائدا، ويتمثل ذلك في إنتاج كل من الهيدروجين "الأزرق" و "الأخضر".
ويعتمد تصنيع الهيدروجين "الأزرق" على غاز الكربون الخفيف لإنتاج الطاقة اللازمة في العملية، بينما يعتمد تصنيع الهيدروجين "الأخضر" على طاقة الرياح والطاقة الشمسية الخالية من الكربون. وكشف وزير الطاقة السعودي، الأمير "عبدالعزيز بن سلمان"، في تصريحات صحفية مؤخرا، أن المملكة تستثمر 110 مليارات دولار في تطوير حقل غاز ضخم جديد تفاخر بأنه سيجعل السعوديين "أكبر المغامرين عندما يتعلق الأمر بالهيدروجين الأزرق".
ولم يتضح بعد ما إذا كانت حملة العلاقات العامة السعودية الهادفة إلى إبراز اسم المملكة "كزعيم أخضر" ستقنع العالم أم لا. لكن تبدو تلك الحملة في الأفق كعملية ترويج صعبة في ضوء نية "بن سلمان" الحفاظ على الوقود الأحفوري كمصدر رئيسي للدخل والصادرات في المملكة في المستقبل المنظور.
المصدر | مركز وودرو ولسون الدولي للعلماء | ديفيد أوتاواي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد