تقرير بحثي: تراجع الربيع العربي يعيد التنافس بين السعودية والإمارات

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1212
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

قالت منصة "أسباب" البحثية العربية إنه بعد تراجع "التهديدات المشتركة" التي ارتبطت بثورات الربيع العربي وصعود الأحزاب الإسلامية عن سلم الأولويات، يبدو أن العلاقة الوثيقة بين السعودية والإمارات تتراجع، وتعود مجددا لطابعها التنافسي؛ ما سيجعل كل طرف يضع الاعتبارات الوطنية والداخلية أولوية.

وأضافت المنصة، في تقرير لها، أن رغبة الدول الخليجية المعتمدة على النفط في تنويع موارد الاقتصاد يزيد من حدة المنافسة بينها.

لذلك، فإن التنافس الاقتصادي السعودي الإماراتي "من المرجح أن يستمر وربما يتصاعد بين الحين والآخر".

 

ضربات سعودية 

ولفت التقرير إلى أنه، خلال الأشهر القليلة الماضية، "أظهرت السعودية في عدة مناسبات أنها لن تساوم حول حيازة الزعامة الاقتصادية في المنطقة، استنادا إلى الموارد الكبيرة وحجم الاقتصاد والثقل الديموجرافي". 

فقد تبنت الرياض عدة إجراءات في هذا الصدد أبرزها قرار أعلنته في فبراير/شباط الماضي، ونص على حرمان الشركات الدولية من التعاقد مع الحكومة السعودية اعتبارا من عام 2024 ما لم تنقل مقراتها الإقليمية، التي تقع غالبا في دبي، إلى المملكة.

وبالنظر لكون القطاع العام السعودي المملوك للدولة يمثل القاطرة الرئيسية للمشروعات التنموية في البلاد، كما هو الحال في كافة دول الخليج، فإن الحرمان من التعاقدات الحكومية يعني عمليا الخروج من السوق السعودية التي تبلغ نحو ضعف السوق الإماراتية من ناحية الناتج المحلي الإجمالي.

وفي 3 يوليو/تموز 2021، أصدرت الحكومة السعودية قرارا ينص على حرمان المنتجات المصنعة في المناطق الحرة، وتلك التي تتضمن أي مدخلات "إسرائيلية"، من المزايا الجمركية المطبقة بين دول الخليج.

لكنّ هذا القرار، الذي تم الترويج له باعتباره يستهدف دعم توطين الإنتاج الصناعي في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي، يستهدف صراحة صادرات الإمارات، وفق التقرير؛ حيث تمثل المنتجات المصنوعة في المناطق الحرة، ولا سيما "جبل علي" في دبي، نسبة كبيرة منها.

لذلك، ظهرت تداعيات القرار على الفور؛ حيث سجلت الصادرات الإماراتية للسعودية تراجعا بنحو 33% على أساس شهري.

كذلك، يهدف ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" إلى مواجهة عمالقة الطيران في المنطقة، خاصة الشركات الإماراتية.

ففي إعلان صدر في 30 يونيو/حزيران، قال إنه يريد إنشاء شركة طيران جديدة كجزء من استراتيجية وطنية أوسع للنقل والخدمات اللوجستية، تستهدف جعل السعودية من أفضل 5 خطوط نقل جوي عالمية للركاب، وزيادة عدد الوجهات الدولية إلى 250 ومضاعفة سعة الشحن إلى أكثر من 4.5 مليون طن سنويا.

ويعني هذا أن شركة الطيران المزمع إنشاؤها ستكون في منافسة محتدمة مع طيران الإمارات والخطوط الجوية القطرية. 

كذلك، أعلنت المملكة أنها ستوسع مرافق الشحن لتستوعب 40 مليون حاوية، لتقترب من طاقة ميناء دبي البالغة 43.3 مليون حاوية.

 

تحد إماراتي

واعتبر تقرير منصة "أسباب" أنه "رغم جدية إجراءات السعودية، فإن الإمارات ليست بصدد الاستسلام إزاء المساعي السعودية لإزاحتها عن موقعها كمركز رائد للأعمال في منطقة الخليج، ويتوقع أن تبقى كذلك خلال السنوات القليلة القادمة على الأقل".

وأشار التقرير إلى أن "الإمارات تدرك تفوق الاقتصاد السعودي على اقتصادها من حيث الحجم، وفرص النمو المرتبطة بعدد السكان والعامل الجغرافي والموارد الكبيرة المتوفرة للسعودية، وهي ليست بصدد التنافس مع السعودية على حجم الاقتصاد، لكن ستحرص على البقاء كمركز لإدارة الأعمال في المنطقة".

فالإمارات تتفوق على غيرها من دول الخليج في توفير الظروف الملائمة لبيئة الأعمال الجاذبة للشركات الدولية.

فبينما ارتفع ترتيب السعودية في سهولة ممارسة الأعمال التجارية عالميا من المرتبة 92 إلى المرتبة 62 العام الماضي، لكنها ما تزال بعيدة عن تصنيف الإمارات التي تأتي في المرتبة 16 على مستوى العالم. 

كما ستعمل الإمارات، وفق التقرير، على تعزيز استقلالها الاقتصادي عن السعودية، وهو ما يمكن ملاحظته في الدفاع، مؤخرا، عن الحصة السوقية في "منظمة الدول المصدرة للبترول" "أوبك"، والذي ظهر في خلاف علني نادر بين أبوظبي والرياض.

كما أطلقت الإمارات أيضا عدة مبادرات اقتصادية؛ إذ بدأت السماح للأجانب بالتملك الكامل في الأنشطة الاقتصادية ابتداء من بداية شهر يونيو/حزيران، بهدف "تعزيز مرونة الاقتصاد ودعمه، ورفع جاذبية البيئة الاستثمارية في الدولة".

كما أعلنت السلطات الإماراتية في أوائل سبتمبر/أيلول المنصرم أنها تخطط لإطلاق 50 مبادرة اقتصادية جديدة. وأعلنت عن أول 13 مبادرة في 5 سبتمبر/أيلول، وتضمنت تخصيص 1.36 مليار دولار لدعم القطاعات ذات الأولوية وتحفيز الصناعة والمساهمة في التنويع الاقتصادي. 

 

سباق على القوة الناعمة

ولا يقتصر التنافس السعودي الإماراتي على الزعامة الاقتصادية، بحسب تقرير منصة "أسباب". 

ففي أوائل سبتمبر/أيلول، أبلغت إدارة قناتي "العربية" و"الحدث"، المملوكتين للدولة السعودية، العاملين ببدء الانتقال للبث من الرياض؛ بحيث من المخطط أن تبلغ ساعات البث من الرياض 12 ساعة يوميا اعتبارا من يناير/كانون الثاني 2022، على أن تكتمل عملية النقل تماما خلال نحو عامين.

كذلك، فإن كلا من مجموعة "إم بي سي" (MBC)، أكبر شركة إعلامية في الشرق الأوسط والتي تمتلك فيها الحكومة السعودية حصة أغلبية، و"الشرق للأخبار"، وهي قناة إخبارية تلفزيونية حديثة الإنشاء، ناقشتا داخليا أيضا خطط لبدء الانتقال إلى الرياض.

وبينما تتصاعد أجواء التنافس الاقتصادي السعودي الإماراتي، تقترب قطر وعُمان من قيادة سعودية حريصة فيما يبدو على تطوير سمعة دولية أفضل؛ ما يفتح الباب لتحول جيوسياسي أوسع من مجرد التعاون الاقتصادي.

ويبدو أن زيارة السلطان "هيثم بن طارق آل سعيد" إلى السعودية، مؤخرا، تضع مسقط بقوة في المعسكر السعودي لأسباب ليس أقلها الفوائد المحتملة التي قد تتدفق على الاقتصاد العُماني الذي يعاني.

فيما أقامت الدوحة علاقة أقوى مع الرياض، كما يتضح من زيارات أمير قطر الشيخ "تميم بن حمد" المتكررة إلى السعودية.

وبينما تنظر الإمارات بقلق لهذه الديناميكية السعودية العُمانية الجديدة، يُرجح أن تظل الكويت بمعزل عن إعادة ترتيب التحالفات داخل مجلس التعاون؛ نتيجة لقوتها المالية النسبية، مقارنة بالبحرين وسلطنة عُمان.

 

استشراف المآل

وعلى الرغم من أن الخلاف حقيقي وربما خطير، فإن السعودية والإمارات، وفق تقرير منصة "أسباب"، ما تزالان في إطار تعاون استراتيجي على المستويين الإقليمي والدولي لأنهما يواصلان تشارك مصالح تجعلهما شريكين في كثير من الأحيان رغم التنافس الثنائي.

إذ يرى الجانبان التهديدات بشكل مختلف إلى حد ما، بيد أن كليهما لديه نفس المخاوف الرئيسية: إيران وشبكة وكلائها الإقليميين خاصة مع احتمالات التوصل لاتفاق نووي، وتركيا ونفوذها الإقليمي الناشئ، والتهديد المستمر لبعض الجماعات، وبالتأكيد أي دور محتمل للأحزاب الإسلامية في المنطقة العربية.

ومن ثم، فإن العلاقات الثنائية من المتوقع أن تستمر رغم الخلافات، كما حدث عندما اختلف الطرفان حول قضايا مثل اليمن وقطر وإسرائيل وتركيا؛ لأن الفوائد من هذه العلاقة مازالت تفوق التكاليف.

لكن هناك مؤشرات يمكن مراقبتها للمساعدة في تحديد الاتجاه الذي قد تسير فيه العلاقات، أولها إلى أي مدى ستتحدى الإمارات السعودية، كما فعلت في مواجهة "أوبك+"، دون التشكيك أو تقويض الدور القيادي الأكبر للسعودية؟

كما يحدد اتجاه العلاقة استمرار القدرة على التنسيق السياسي إقليميا رغم المنافسة الاقتصادية؛ أي قدرة كلا البلدين على تجزئة الخلافات في فترات الخلاف، دون السماح لعلاقاتهما بالتحول إلى التوتر.

ويفيد في هذا الصدد مراقبة أي تحول "حقيقي" في مواقف الحليفين تجاه تركيا وإيران وإسرائيل. فقيام أي من الطرفين بخطوة استراتيجية تجاه أي من هذه القوى تضر بمصالح الطرف الآخر، ولا شك ستعكس تحولا حقيقيا أوسع من مجرد التنافس الاقتصادي بين الحلفاء.

وتعد منصة "أسباب" منصة معنية بتحليل أبعاد ومآلات التطورات الإقليمية والدولية من منظور جيوسياسي وبمنهجية تحليل المخاطر، وذلك لتمكين صناع القرار والمهتمين من تشكيل رؤية أشمل للأحداث والفاعلين بها.

 

المصدر | الخليج الجديد