عام على اتفاقيات التطبيع.. السعودية تبقي خياراتها مفتوحة
في أغسطس/آب 2020، حققت كل من إسرائيل والولايات المتحدة طفرة دبلوماسية كبيرة مع الإعلان عن "اتفاقيات إبراهيم" التي دشنت تطبيعا دبلوماسيا بين إسرائيل والإمارات والبحرين، فيما انضم السودان والمغرب إلى الاتفاقية في وقت لاحق. وبالرغم من مرور عام، فإن الاتفاقية لم تستطع حصد غنيمتها الكبرى المتمثلة في السعودية التي ما تزال متأرجحة بين الانضمام إلى الاتفاقات أو النأي عنها باعتبار أن فوائدها لا تستحق المخاطرة.
هناك العديد من العوامل التي تدفع الرياض للشروع في عملية تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وفي الوقت نفسه هناك عوامل أخرى مكافئة تثنيها عن ذلك. وفي الوقت الحالي، يبدو أن القيادة السعودية تفضل إبقاء خياراتها مفتوحة دون أن تتخذ قرارا نهائيا بالتحرك في أي من الاتجاهين.
دوافع عربية مختلفة
كانت تحركات الدول التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل العام الماضي مدفوعة بأجندات مختلفة. فقد سعت الإمارات لبناء شراكة واسعة مع إسرائيل لمكافحة الهيمنة الإقليمية لإيران وتركيا؛ وتطوير الروابط التجارية والعلمية (خاصة في مجال التكنولوجيا)؛ وزيادة التعاون الدفاعي، لا سيما في مجالات مثل الدفاع الصاروخي وكذلك الحرب السيبرانية والإلكترونية؛ والحصول على أنظمة السلاح المأمولة من واشنطن، ولا سيما طائرات "F-35" المقاتلة من الجيل الخامس، بالإضافة إلى إصلاح العلاقات مع الديمقراطيين في إدارة الرئيس "جو بايدن".
أما البحرين فقد كانت مدفوعة بالأساس بالتفوق العسكري الإسرائيلي أمام شبكة وكلاء إيران الإقليمية في سوريا والعراق ولبنان، فيما سعى السودان للحصول على مساعدات وإزالته من قائمة الولايات المتحدة لرعاة بالإرهاب. وكان المغرب يريد اعترافا بسيادته على الصحراء الغربية، وقد حصل عليه بالفعل من إدارة الرئيس السابق "دونالد ترامب"، لكن التقارير أوردت أن إدارة "بايدن" تخطط للتراجع عن هذا الموقف.
أما السعودية فهي تتطلع لانفتاح مع إسرائيل لا يكون واسعا مثل علاقة الإمارات العميقة متعددة الأهداف ولا ضيقًا مثل تركيز البحرين الوحيد على إيران.
وتتطلع السعودية بالتأكيد إلى تعزيز تحالف إقليمي ضد المساعي الإيرانية للهيمنة في الشرق الأوسط. وبالرغم من رغبة الرياض في عرقلة الطموحات التركية المحتملة، لكنها تبدو أقل قلقا بشأن ذلك من الإمارات وإسرائيل.
ورقة رابحة لـ"محمد بن سلمان"
ولكن هناك ما يتجاوز الاعتبارات الاستراتيجية الإقليمية، لا سيما في عهد حاكم السعودية الفعلي "محمد بن سلمان"، وهو إصلاح العلاقات المتوترة مع واشنطن. فقد توترت علاقات الولايات المتحدة مع السعودية و"بن سلمان" خلال فترة إدارة "ترامب"، باستثناء الرئيس شخصيا، حتى إنها وصلت لمستوى منخفض غير مسبوق.
وغضب الديمقراطيون بسبب الود المفرط تجاه السعودية والذي أظهرته الإدارة الأمريكية الجديدة آنذاك خلال أول رحلة لـ"ترامب" في الخارج، وانزعجوا أكثر بسبب زيادة ضحايا الحرب في اليمن، وهو ما أزعج أيضًا العديد من الجمهوريين في مجلس الشيوخ.
لكن أكبر ضربة للسمعة السعودية و"بن سلمان"، جاءت بعد مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" في القنصلية السعودية في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018، فقد كان معروفًا ومحبوبًا في واشنطن، حتى من قبل أولئك الذين اختلفوا مع العديد من آرائه. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الظروف الوحشية التي صاحبت قتله، ووقوع ذلك في قنصلية دبلوماسية في الخارج، تسببت في مستوى غير مسبوق من الصدمة والغضب في الولايات المتحدة لدى كل من الديمقراطيين والجمهوريين.
وانضم قتل "خاشقجي" للحرب اليمنية وانتهاكات حقوق الإنسان داخل السعودية، ليجعل الأمير السعودي محاطًا بالجدل في الولايات المتحدة.
وبالرغم أنه جرى إصلاح بعض أبعاد هذه العلاقات منذ تولي "بايدن" الرئاسة، لكن جريمة اغتيال "خاشقجي" تجعل من المستحيل تخيل الترحيب بـ"بن سلمان" في الولايات المتحدة في الظروف الراهنة، سواء كولي للعهد أو كملك.
ويمثل ذلك معضلة معقدة للسعودية. وتشير الأوضاع السياسية المحلية إلى أن "بن سلمان" متأكد أنه سيصبح ملكا، لكن لا يمكن أن يكون الملك السعودي غير مرحب به في عاصمة الحليف الأساسي للرياض والضامن لأمنها، فالمملكة ليست مستعدة للوقوف وحدها للدفاع عن مصالحها الوطنية، وليس لديها شريك بديل، أو مجموعة من الشركاء الذين يمكنهم استبدال الولايات المتحدة.
وفي النهاية، يمكن أن يصبح تطبيع العلاقات مع إسرائيل البطاقة الرابحة لـ"بن سلمان" لإعادة تأهيل نفسه في أعين معظم الأمريكيين، بما في ذلك معظم الجمهوريين والعديد من كبار الوسطيين الديمقراطيين.
ويمكن أن يجتمع ذلك مع الاعتبارات الأخرى، مثل الفوائد الاستراتيجية المحتملة فيما يتعلق بإيران وتركيا، لدفع المملكة لاتخاذ خطوة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل بعد تولي "بن سلمان" للعرش.
مخاطرة السعودية أكبر
ومع ذلك، فإن القرار لن يكون سهلا كما كان بالنسبة للبلدان الأخرى التي خاطرت قليلا بتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل.
ويعود ذلك لسكان السعودية الأكبر بكثير والأكثر تنوعا بالإضافة إلى هشاشة المعادلة السياسية المحلية مقارنة بجيرانها الأصغر. كما أن المملكة ملتزمة بتولي دور قيادي عربي بالنظر إلى الفراغ الذي تركته المراكز التقليدية للنفوذ، وكذلك عليها التزامات تتعلق بدور قيادي إسلامي عالمي حاربت لأجل الحفاظ عليه منذ فترة طويلة.
كما يمكن أن يؤدي تطبيع العلاقات مع إسرائيل إلى جعل السعودية محورا لتركيز الجماعات الجهادية، وزيادة المعارضة الدينية والقومية المحلية لحكم "بن سلمان"، واستغلال إيران وحلفائها لذلك من أجل انتقاد السعودية.
ويعد تجاهل مبادئ مبادرة السلام العربية محرجًا بشكل خاص للسعودية -باعتبارها راعيتها الرئيسية- في حال تطبيع العلاقات مع إسرائيل مع استمرار احتلال الأراضي الفلسطينية.
ويجعل ذلك السعودية بصدد سيناريو عالي المخاطر لكنه عالي المكتسبات في الوقت ذاته، خاصة بعد تولي "بن سلمان" للعرش.
وقد أدت الانتهاكات الإسرائيلية في القدس والمسجد الأقصى وحي الشيخ جراح في مايو/أيار، لإحراج شديد للإمارات والبحرين. وكان ذلك تذكيرًا في الوقت المناسب بنوع الصعوبة التي قد تواجه المملكة إذا انفتحت على العلاقات مع إسرائيل.
إبقاء الباب مواربًا
ومع ذلك، حرصت السعودية على إبقاء هذا الخيار مفتوحًا، وقد أشارت إلى دعم ضمني للتحركات الإماراتية والبحرينية، ومن المؤكد أن البحرين تحركت بضوء أخضر من الرياض.
وسمحت المملكة بوصول الطائرات التجارية الإسرائيلية إلى المجال الجوي السعودي، وكانت هناك تقارير حول العديد من الاجتماعات الرفيعة المستوى، بما في ذلك بين "بن سلمان" ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "بنيامين نتنياهو".
ومع ذلك، أوضح وزير خارجية السعودية في أغسطس/آب، أن بلاده ليس لديها نية في الانضمام إلى "اتفاقيات إبراهيم" في أي وقت قريب، وأعاد التأكيد على دعم الرياض القوي للحقوق والدولة الفلسطينية.
ومع أن التصريحات الدبلوماسية السعودية، لا سيما المعلنة منها، يجب ألا تؤخذ كأمر يقيني، لكن معظم الأدلة تشير إلى أن هذا يتماشى مع التقييم الحالي للمملكة بشأن الانفتاح الدبلوماسي مع إسرائيل. ومع أن المملكة تحتفظ بخياراتها مفتوحة، لكن قرار التطبيع لا يبدو قريبا.
المصدر | أودي ايفنتال/ معهد دول الخليج في واشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد