هل تكون الديمقراطية الكويتية ضحية التدخل السعودي الإماراتي القادم؟
تكافح الكويت للحفاظ على حيادها وسط منطقة تعاني من الاستقطاب الشديد الذي بلغ ذروته في عام 2017 عندما أعلنت السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصار قطر. وتعرضت الكويت لضغوط كبيرة من أجل المشاركة في الحصار، أو على الأقل إدانة قطر لكنها حاولت أن تلعب دور الوسيط في الأزمة.
وكانت الكويت تدرك تمامًا افتقارها إلى النفوذ اللازم لحل الأزمة وكذلك التهديد الذي يلوح في الأفق لمصالحها الاقتصادية، حيث اتخذت دول الحصار خطوات نشطة لمعاقبة الشركات التي واصلت التعامل مع الكيانات القطرية. ووضع ذلك الكويت أمام موازنة حرجة بين حيادها وتقاليدها شبه الديمقراطية ومصالح سياستها الخارجية.
وبالرغم أن الكويت حافظت على حيادها الرسمي، إلا أنها قبلت بالضغط السعودي والإماراتي والمصري لكبح جماح الكويتيين الذين انتقدوا سياسات الرياض وأبوظبي تجاه الدوحة. وفي عام 2019، سلمت الكويت شخصيات مصرية معارضة إلى النظام المصري، وسجنت مؤقتًا البرلماني الكويتي السابق "ناصر الدويلة"، الذي أغضب الرياض بسبب معارضته الصريحة للحصار والاستهزاء بالسياسة السعودية في اليمن.
وبغض النظر عن حالات الاسترضاء المحددة هذه، فقد حافظت الكويت بإصرار على حيادها الشامل في كافة شؤون المنطقة ورفضت الالتزام بخط الرباعية ضد قطر.
ومع مجيء إدارة "بايدن" ظهرت صحة السياسة الكويتية، حيث طلب ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" تدخل أمير الكويت لتسهيل المصالحة السريعة مع الدوحة. كما جر "بن سلمان" معه حلفاءه المرتبكين في القاهرة وأبوظبي والمنامة، من أجل تهدئة العداء المتوقع من الإدارة الأمريكية الجديدة.
ومع بروز إشارات على احتمالية خفض التصعيد والاستقطاب الإقليمي، اهتزت الكويت بوفاة الأمير "صباح الأحمد الجابر الصباح" في أواخر عام 2020، خاصة مع حالة عدم اليقين بشأن خلافته. ويبلغ الأمير الجديد "نواف الأحمد الجابر الصباح" من العمر 83 عاما. وفي محاولة لإنهاء شائعات عن خلاف عائلي، عيّن "نواف" بسرعة "مشعل الأحمد الصباح" وليًا للعهد في غضون 8 أيام من تتويجه بالرغم أن القانون الكويتي يسمح بعام قبل اتخاذ مثل هذا القرار.
في الواقع، طرح التعيين أسئلة أكثر من الإجابات. يبلغ "مشعل الأحمد" من العمر 81 عامًا، وبالتالي فإن اختياره يشير إلى عدم اليقين بين الأسرة الحاكمة حول كيفية نقل الحكم إلى الجيل القادم. علاوة على ذلك، يُنظر إلى "مشعل الأحمد" على أنه أكثر تعاطفاً مع وجهات نظر الرياض وأبوظبي بشأن القضايا الإقليمية.
وفي هذا السياق، أصبحت الكويت محط اهتمام صانعي السياسات في السعودية والإمارات.
بالنسبة للسعودية والإمارات، تمثل الكويت تهديدًا على المدى الطويل بسبب ترويج المعارضة السعودية والإماراتية لنظام الحكم في الكويت باعتباره نموذجا مناسبا قابلا للتكرار في دولهم. وعلى عكس السعودية والإمارات حيث السلطة المطلقة للملك أو الأمير، يمنح هيكل الحكم في الكويت المؤسسات الديمقراطية سلطة إسقاط السياسات الحكومية، بما في ذلك تلك التي أقرها الأمير نفسه.
على سبيل المثال، تمكن ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" من فرض ضريبة القيمة المضافة بالرغم من معارضة السعوديين، وأقدمت الحكومة الكويتية على نفس الخطوة ولكن البرلمان المنتخب أسقط القرار.
وبالمثل، بالرغم من قدرة "محمد بن زايد" على اتخاذ قرارات أحادية الجانب بشأن الاقتصاد الإماراتي، فإن نموذج الكويت يكرس صلاحيات للمؤسسات المنتخبة لضمان وجود رأي شعبي فعال في عمليات صنع القرار التي تؤثر بشكل مباشر على الناس.
وتعد الكويت أيضًا فريدة من نوعها باعتبارها البيئة الوحيدة في الخليج التي تستضيف مجتمع فكري من مختلف الميول والاتجاهات السياسية. على سبيل المثال، من المعروف أن المحلل السياسي البارز "عايد المانع" متعاطف مع سياسات الرياض وأبوظبي، ويُنظر إلى المعلق "ناصر الدويلة" على أنه متعاطف بشكل خاص مع تركيا وقطر. على العكس من ذلك، فإن البيئات الفكرية في الرياض وأبوظبي تهيمن عليها بشكل كبير أيديولوجية ونظرة واحدة.
وفي حين شرعت الإمارات والسعودية في حملة علاقات عامة لجعل الرأي العام يتقبل تطبيع العلاقات مع إسرائيل، قامت الكويت بالعكس وأقرت بالإجماع قانونًا يحظر أي شكل من أشكال التطبيع أو الصفقات الثنائية مع الاحتلال الإسرائيلي. وأشاد الرأي العام العربي بموقف الكويت، مما دفع الأكاديمي الإماراتي الشهير "عبدالخالق عبدالله" للقول إن "الإمارات بحاجة إلى نهج أكثر إبداعًا لإقناع الجمهور بفوائد سياساتها".
ولا يعني ذلك أن نظام الحكم في الكويت مثالي حيث أن الكثير من الحريات والحقوق والامتيازات الديمقراطية مقصورة فقط على الكويتيين وليس للمقيمين سواء كانوا من دول عربية أو أجنبية. ومع ذلك، فإن النموذج شبه الديمقراطي للكويت، حيث يمكن للمؤسسات أن تمنع الأمير من ممارسة السلطة المطلقة، هو مصدر قلق للإمارات والسعودية.
ولا يعني ذلك أيضا أن الرياض وأبوظبي تعتقدان أن الكويت تشكل تهديد وشيك أو حتى متوسط المدى. ومع ذلك، فإن قضية الخلافة الكويتية تقدم لهما فرصة جذابة للتواصل مع أصحاب المصلحة المعنيين وتقويض العملية الديمقراطية في الكويت.
ويعتبر ذلك سببا للدهشة بشأن زيارة ولي العهد الكويتي للرياض في الأول من يونيو/حزيران وعودته إلى الوطن سريعا دون زيارة أي عاصمة خليجية أخرى.
وكان لولي العهد الكويتي أسباب مشروعة وملحة لزيارة الرياض. وقد رافقه وزير النفط الذي اقترح استمرار المحادثات بين البلدين حول حقول النفط المشتركة في "المنطقة المحايدة".
وتأتي الزيارة وسط توترات بين أعضاء "أوبك+" بشأن احتمالات فرض المزيد من تخفيضات الإنتاج لفترة أطول مما كان متوقعًا في الأصل. وتعتبر هذه أنباء سيئة للاقتصادات القائمة على النفط في الخليج، والتي تعاني من ضغوط وسط تعثر محاولات التنويع الاقتصادي.
كما يساور الكويت قلق كبير بشأن نهج "بايدن" في مفاوضات الاتفاق النووي مع إيران. وتشارك الكويت الرياض في شعورها بأن واشنطن قد تكون مستعدة للموافقة على صفقة تمنح تنازلات لطهران على حساب دول الخليج.
ومن بين القضايا التي تثير قلق الكويت بشكل خاص الخلاف الحدودي البحري المستمر مع إيران، والذي له تداعيات على الوصول إلى حقل غاز "الدرة". وقد أعلنت وزارة الخارجية الكويتية عقب زيارة ولي العهد للرياض عقد قمة ثلاثية بين الكويت والسعودية وإيران حول الموضوع. ومع ذلك، لم يتم الإعلان عن موعد.
وبالتالي، من الواضح أن السعودية والكويت يقتربان من بعضهما البعض أكثر مما كانا عليه الوضع خلال العقد الماضي. ومع ذلك يجب أن نتتظر لنرى إلى أي مدى سيؤثر ذلك على العملية السياسية داخل الكويت. ومع تحولات خط الصدع الأوسع في المنطقة، لن تكون الكويت محصنة ضد إعادة توجيه الأولويات من قبل جيرانها الأكبر.
المصدر | سامي حمدي - إنسايد أرابيا - ترجمة وتحرير الخليج الجديد