تغير المعادلات.. إدارة بايدن والتقارب الخليجي مع النظام السوري
مع انطلاق ولاية رابعة لرئيس النظام السوري "بشار الأسد" بعد الانتخابات الصورية التي أجريت هذا الأسبوع، من المتوقع أن تستأنف موسكو مساعيها الدبلوماسية لتطبيع العلاقات مع دمشق وترسيخ المكاسب العسكرية الروسية في الصراع السوري.
وتتجلى هذه الاستراتيجية الروسية في التقارب بين مجلس التعاون الخليجي والنظام السوري، ولكن يبقى السؤال الآن هو: كيف ستستجيب إدارة "بايدن" لإمكانية احتضان دول مجلس التعاون الخليجي لـ "الأسد"؟
التحرك السعودي
لدى هبوطه على متن طائرة خاصة في دمشق يوم 3 مايو/أيار الجاري، التقى رئيس المخابرات العامة السعودية "خالد بن علي الحميدان" بـ"الأسد" ونائبه للشؤون الأمنية العميد "علي مملوك". ولم تكن هناك فرصة لالتقاط الصور أو إصدار بيانات رسمية. وقال مسؤول سعودي لصحيفة "الجارديان" إن "هذا التحول في السياسة كان مخططا له منذ فترة. لقد تغيرت الأحداث إقليميا وهذه هي البداية".
ووصل وزير السياحة السوري "محمد رامي مرتيني" إلى الرياض في 26 مايو/أيار لحضور قمة السياحة السعودية. وهذه هي الزيارة الأولى لمسؤول في النظام السوري إلى السعودية منذ 10 أعوام. وبهذه المناسبة، قالت "بثينة شعبان" مستشارة "الأسد": إن "الجهود تُبذل لتحسين العلاقات بين دمشق والرياض وقد نشهد نتائج في هذا الصدد في الأيام المقبلة". وهناك تكهنات بأن السعودية قد تعيد فتح سفارتها في دمشق قريبا. وكانت الإمارات قد أعادت فتح سفارتها هناك في ديسمبر/كانون الأول 2018، فيما أعادت عُمان تعيين سفير لها في دمشق في أكتوبر/تشرين الأول 2020.
وكشفت تقارير إعلامية أخرى أن هذه المناقشات في دمشق ركزت على "دور سوريا في تهدئة التوترات بين إيران والسعودية". وما تزال الرياض تتواصل مع طهران عبر القنوات العراقية والسورية. ومع ذلك، لا يمكن تفسير هذه الزيارات المتبادلة إلا في سياق كسر العزلة العربية لنظام "الأسد". وقال السفير السوري في لبنان "علي عبدالكريم علي"، في 6 مايو/أيار، إن "سوريا ترحب بأي مبادرة تتضمن إعادة نظر مسؤولة حرصا منها على إخوانها، والسعودية دولة شقيقة عزيزة، وسوريا ترحب بأي خطوة من شأنها تعزيز العلاقات العربية"، مضيفا: "نأمل ألا يستغرق ذلك وقتا طويلا، ونقدر ما سمعناه من كبار المسؤولين في السعودية عبر وسائل الإعلام".
وقال السفير "رائد قرملي"، رئيس التخطيط السياسي في وزارة الخارجية السعودية، إن الأخبار حول زيارة "الحميدان" غير دقيقة، دون أن ينفيها صراحة. وفي الوقت نفسه، أشارت تقارير إلى أنه قال إن السياسة السعودية تجاه سوريا "ظلت قائمة على دعم الشعب السوري والحل السياسي تحت مظلة الأمم المتحدة وفقا لقرارات مجلس الأمن، من أجل وحدة سوريا وهويتها العربية".
ويبدو أن الرياض تختبر رد فعل الولايات المتحدة والمجتمع الدولي على مثل هذا الدفء في العلاقات مع دمشق مع الاستمرار في النأي بنفسها عن المعارضة السورية. وفي يناير/كانون الثاني الماضي، علقت السعودية عمل هيئة التفاوض السورية في الرياض وسط خلافات بين أعضائها، وكان هناك تراجع مطرد في الدعم السعودي للمعارضة السورية منذ 2017.
وبدا التعليق الأمريكي الوحيد على هذا التطور، الذي جاء من خلال مسؤول في وزارة الخارجية، وكأنه يقر بزيارة المسؤول السعودي إلى دمشق، حيث قال لـ قناة "الحرة": "نعتقد أن الاستقرار في سوريا والمنطقة بشكل عام لا يمكن تحقيقه إلا من خلال العملية السياسية التي تمثل إرادة جميع السوريين، ونحن ملتزمون بالعمل مع الحلفاء والأمم المتحدة لضمان بقاء حل سياسي دائم في متناول اليد". ولم تحذر إدارة "بايدن" من مثل هذا التقارب، كما لا توجد مؤشرات على أنها تحاول وقف هذا الجهد.
وأصدر اجتماع وزراء الخارجية والتنمية في "مجموعة الـ 7"، الذي عُقد في لندن في 5 مايو/أيار، رسالة مصاغة بعناية بشأن سوريا، حيث أكد البيان أنه "عندما تكون هناك عملية سياسية ذات مصداقية، سننظر في تقديم المساعدة لإعادة إعمار سوريا".
وذكرت صحيفة "الشرق الأوسط" أن المسؤولين الفرنسيين رفضوا أن يتضمن البيان أن "الانتخابات السورية يجب أن لا تؤدي إلى أي تطبيع دولي مع النظام السوري"، وبالتالي تم حذف هذا البند في النهاية. وقد يشير ذلك إلى أن الولايات المتحدة يمكن أن تغض الطرف عن المصالحة السعودية مع دمشق إذا ظلت محدودة النطاق.
التنسيق السعودي الروسي والانتخابات السورية
وتعد الانتخابات السورية مهمة لكل من روسيا والنظام السوري للادعاء بأن "الأسد" قد أُعيد انتخابه بشكل شرعي لولاية مدتها 7 أعوام جديدة، وبالتالي تعزيز هذا الوضع الراهن قبل أي عملية سياسية لحل الصراع السوري.
وشكك المجتمع الدولي في مصداقية الانتخابات بالفعل، لكن لا يوجد الكثير مما يمكنه فعله لتغيير الديناميكيات في سوريا. وتركز موسكو الآن على بدء عملية إعادة الإعمار، وإعادة بعض اللاجئين السوريين على الأقل إلى وطنهم، وتطبيع العلاقات الخارجية للنظام السوري. وستستخدم موسكو الانتخابات في المضي قدما لتحقيق هذه الأهداف.
وأصبح للتقارب الخليجي مع نظام "الأسد" والذي بدأ في عام 2018 مجموعة دوافع خاصة. أولا، بدافع من الحسابات المحلية، يعمل ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" على إصلاح العلاقات مع خصومه الإقليميين، بما في ذلك إيران وتركيا. وقال "بن سلمان"، في 28 أبريل/نيسان إن "إيران دولة مجاورة، وكل ما نطمح إليه هو علاقة جيدة ومميزة مع إيران". وبالرغم من عدم توقع حدوث انفراجة في هذه المحادثات الإقليمية، إلا أنها تعزز ما يبدو أنه تطبيع حتمي للعلاقات السعودية مع دمشق.
ثانيا، تعتقد الرياض أن لديها مصالح مشتركة مع روسيا ونظام "الأسد" في مواجهة النفوذ التركي والإيراني في سوريا وخارجها. ثالثا، كان لتوتر العلاقات السعودية الأمريكية في ظل إدارة "بايدن" تأثير على الحسابات السعودية لاستعادة العلاقات مع دمشق. ومع تسارع التقارب بين الرياض وموسكو وعدم وجود الرئيس السابق "دونالد ترامب" في البيت الأبيض، فإن القيادة السعودية أقل ميلا لاسترضاء "جو بايدن".
رابعا، قد تحتاج السعودية إلى مساعدة "الأسد" في لبنان؛ لأن الحوار بين الرياض وطهران قد لا يكون كافيا لتغيير الديناميكيات السياسية للحفاظ على المصالح السعودية في بيروت، حيث يواصل رئيس الوزراء المكلف "سعد الحريري" الكفاح من أجل تشكيل حكومة لبنانية.
وخلال زيارة وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" إلى أبوظبي في مارس/آذار، قال نظيره الإماراتي "عبد الله بن زايد" إن "التحدي الأكبر الذي يواجه التنسيق والعمل مع سوريا اليوم هو قانون قيصر"، مضيفا أن "القانون الأمريكي يجعل هذا المسار صعبا للغاية، ليس فقط بالنسبة لنا كدولة، ولكن أيضا للقطاع الخاص.. ويجب أن تكون هذه المسألة جزءا من الحوار الذي نتناوله بوضوح مع أصدقائنا في الولايات المتحدة".
وسمحت الإمارات وسلطنة عمان والبحرين والكويت للسوريين في بلدانهم بالمشاركة في التصويت المبكر في الانتخابات الرئاسية التي نظمتها دمشق هذا الأسبوع، ما يظهر مرونة خليجية متزايدة في التعامل مع نظام "الأسد".
وزار وزير الخارجية السوري "فيصل المقداد" عُمان في 20 مارس/آذار لمناقشة العلاقات الثنائية. ويوجد جهد خليجي متدرج لإشراك النظام السوري واستعادة عضويته في جامعة الدول العربية والتي تم تعليقها في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، لكن هذه العملية قد لا تكون فعالة بالكامل ما لم يكن هناك ضوء أخضر من واشنطن.
سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا
وجاء أول مؤشر على سياسة إدارة "بايدن" تجاه سوريا مع تمديد حالة الطوارئ الوطنية الأمريكية فيما يتعلق بسوريا في 6 مايو/أيار. وبينما تضمن هذا الإشعار الإداري الروتيني انتقادات حادة لنظام "الأسد"، فإنه لا يعني بالضرورة أن إدارة "بايدن" لديها موقف واضح في سوريا، ولا أنها تعتبر سوريا أولوية قصوى.
وتركت الإدارة الباب مفتوحا لرفع العقوبات في حال حدوث تغيير كبير في سلوك النظام السوري. وخلص الإشعار إلى أن "الولايات المتحدة ستدرس التغييرات في سياسات وإجراءات الحكومة السورية لتحديد ما إذا كانت ستستمر أو تنهي حالة الطوارئ الوطنية هذه في المستقبل".
ويبدو أن إدارة "بايدن" لا تشجع ولا تعارض هذا التقارب من قبل دول الخليج مع نظام "الأسد". ولم تعارض واشنطن علنا جولة "لافروف" الخليجية، ولم تصر على إدراج هذا الأمر في بيان "مجموعة الـ 7". وإذا تمكنت الولايات المتحدة وروسيا من نزع فتيل التوترات في علاقاتهما الثنائية، فمن المحتمل أن تستأنف إدارة "بايدن" الجهود الدبلوماسية لحل الصراع السوري.
وقد يمنح ذلك "بايدن" نفوذا لإقناع الرياض بأن على نظام "الأسد" إظهار بعض الاستعداد لتقديم تنازلات قبل السماح بمواصلة التطبيع. وتعتمد العملية التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف بشكل أساسي على هذه العلاقة المعقدة بين الولايات المتحدة وروسيا.
وهناك مؤشرات من واشنطن وموسكو على احتمال استئناف هذه المحادثات هذا العام، لكن ليس من الواضح ما إذا كانت ستصل إلى نتيجة، بالنظر إلى الانقسام الكبير بين الأطراف المتحاربة.
وفيما يتعلق بسياسة الولايات المتحدة تجاه نظام "الأسد"، هناك أيضا تركيز على البعد الإنساني، والذي قد يكون على رأس جدول الأعمال الأمريكي الروسي في الأسابيع المقبلة. وفي يوليو/تموز، سينتهي تمديد مجلس الأمن الدولي لإيصال المساعدات عبر الحدود إلى إدلب عبر معبر باب الهوى لمدة عام، وتخطط روسيا لاستخدام ذلك كوسيلة ضغط لفرض تنازلات من كل من الولايات المتحدة وتركيا.
وتستخدم الأمم المتحدة هذا المعبر لإرسال نحو 1000 شاحنة محملة بالمساعدات إلى إدلب كل شهر. علاوة على ذلك، قد تكون قضية المختطفين الأمريكيين في سوريا عاملا مؤثرا في تشكيل السياسة الأمريكية. وأشارت إدارة "بايدن" إلى أنه يأتي على رأس أولوياتها إطلاق سراح الصحفي الأمريكي "أوستن تايس"، الذي اختُطف في إحدى ضواحي دمشق عام 2012، وهو أحد أقدم الرهائن الأمريكيين المحتجزين في الخارج. ويتطلب تأمين إطلاق سراحه شكلا من أشكال الاتصال بنظام "الأسد".
وزار "كاش باتيل"، نائب مساعد الرئيس السابق "ترامب" والمسؤول البارز في مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض، دمشق العام الماضي في محاولة لتأمين إطلاق سراح أمريكيين اثنين على الأقل يعتقد أنهما محتجزان لدى النظام السوري.
كما تواصل مسؤولو إدارة "ترامب" مرتين مع "علي مملوك"، المستشار الأمني لـ"الأسد"، بشأن "تايس"، عبر مكالمة هاتفية من مدير وكالة الاستخبارات المركزية آنذاك "مايك بومبيو" في فبراير/شباط 2017، وزيارة إلى دمشق من قبل مسؤول كبير في وكالة الاستخبارات المركزية في أغسطس/آب 2018.
ولم يؤكد "مملوك" أو ينفي ما إذا كان "تايس" محتجزا لدى النظام السوري، وأبلغ المسؤولين الأمريكيين أنه يجب على واشنطن سحب قواتها من سوريا وتطبيع العلاقات مع دمشق قبل أن تسمح سوريا بأي تقدم في هذه القضية.
وأشارت إدارة "بايدن" إلى استعدادها لإعادة النظر في وجهات نظرها تجاه "الأسد" إذا كانت هناك تنازلات. ومع ذلك، لم يتضح بعد ما هي المعايير التي ستقبلها واشنطن. وسيكون من الصعب على "الأسد" استعادة وضعه السابق لعام 2011 وقد لا تكون روسيا مستعدة للتخلي عنه دون مكاسب كبيرة في المقابل.
ويبدو أن بعض دول الخليج مستعدة لتطبيع العلاقات مع نظام "الأسد" والنظر في الاستثمارات المحتملة في دمشق، وسيكون ذلك مؤشرا على طريقة تفكير إدارة "بايدن". وقد تحتل القضية السورية مكانة أعلى على جدول الأعمال في المحادثات المقبلة بين الولايات المتحدة والحلفاء الرئيسيين في منطقة الخليج، بمجرد أن تعلن إدارة "بايدن" سياسة واضحة تجاه سوريا.
وفي حين أننا قد نرى تقاربا عربيا محدودا تجاه سوريا، فمن غير المرجح حدوث تحول في هذه القضية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في أي وقت قريب.
المصدر | جوي ماكارون | المركز العربي واشنطن دي سي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد