هل تتجه الولايات المتحدة إلى إعادة توصيف "الحلفاء" في الشرق الأوسط؟
لم يكن لدى الولايات المتحدة أي التزامات تتعلق بتحالف في الشرق الأوسط، مثل التحالفات متعددة الأطراف كـ"الناتو"، ومعاهدة "أنزوس" مع أستراليا ونيوزيلندا، أو الاتفاقيات الأمنية الثنائية مثل تلك مع اليابان وكوريا الجنوبية.
ويعتبر ذلك شيئا جيدا، بالنظر إلى مزيج التنافسات الإقليمية والصراعات التي تهدد بنشوب الحروب بشكل مستمر، وكان تدخل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط سيئًا بما فيه الكفاية حتى بدون تحالفات تفرض عليها التزامات للوفاء بها.
كان أقرب ما توصلت إليه الولايات المتحدة على الإطلاق لمثل هذا الالتزام هو تشكيل "حلف بغداد" في عام 1955، وكانت الولايات المتحدة المروج الرئيسي لذلك التحالف، بالرغم أنها لم تصبح أبدًا عضوًا فيه لأن معارضة اللوبي الإسرائيلي جعلت التصديق في مجلس الشيوخ أمرًا صعبا، وفقًا لوزير الخارجية الأمريكي آنذاك "جون فوستر دالاس".
وأدى الانقلاب في العراق، وغزو تركيا لقبرص، وثورة إيران إلى انهيار الحلف بحلول نهاية السبعينات.
وبالرغم من عدم وجود التزامات بالتحالف، يشير خطاب السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط بشكل روتيني إلى "الحلفاء" (وأحيانًا المصطلح الأكثر اعتدالًا "الشركاء"). وتستخدم المصطلحات ليس كوصف غير دقيق فحسب ولكن كوصف استراتيجي، مع افتراض أن الولايات المتحدة يجب أن تعطي احترامًا خاصًا أو اعتبارًا لـ"الحلفاء" في المنطقة.
وفي بعض الحالات، يمكن أن يكون هناك "حليف" دون وجود معاهدة أمنية متبادلة، لكن الاستخدام المشروع للمصطلح يجب أن يعكس عدة شروط منها تبادل المصالح والمعاملة بالمثل، بمعنى أن الولايات المتحدة يجب أن تحصل من خلال العلاقة على أكبر قدر ممكن من شريكها في التحالف.
والشيء الآخر هو أن ما يقدمه الشريك تقديراً لعلاقته الخاصة مع الولايات المتحدة يجب أن يكون أعلى وأبعد مما كان سيفعله على أي حال في غياب تلك العلاقة.
لا تعكس معظم العلاقات مع من يشار إليهم بـ"الحلفاء" أو "الشركاء" في الخطاب الأمريكي حول الشرق الأوسط هذه الشروط، و تعكس العديد من الإشارات أن هذه المصطلحات يتم استخدامها بالقصور الذاتي؛ بمعنى أنها إرث الظروف الماضية التي تسببت في السابق في اعتبار بلد ما حليفاً، بالرغم من تغير الظروف في هذه الفترة.
تظهر السعودية أثر هذا الإرث الذي بدأ باجتماع على سفينة حربية في قناة السويس في عام 1945 بين الرئيس "فرانكلين روزفلت" والملك "بن سعود"، عندما كانت الولايات المتحدة قلقة بشأن تأمين إمداداتها النفطية بعد الحرب العالمية الثانية.
لقد غيّرت ثورة التكسير الهيدروليكي وغيرها الكثير من الظروف بشكل كبير في السنوات الـ76 التي تلت ذلك، ولكن استمر الحديث عن السعودية كـ"حليف" أو "شريك".
ومن المفارقات، أن "دونالد ترامب" - بالنظر إلى مدى تشويهه لحلف الناتو وترك العلاقات الأمريكية مع العديد من الحلفاء الحقيقيين في حالة يرثى لها- كان لديه احترام خاص لـ"غير الحلفاء" في الشرق الأوسط.
ولم تكن رحلته الخارجية الأولى كرئيس، كما هو الحال مع العديد من رؤساء الولايات المتحدة الآخرين، إلى جارة وزميلة عضو في الناتو؛ كندا، أو إلى جارة وزميلة في معاهدة ريو؛ المكسيك، بل كان الأمر يتعلق بالسعودية وإسرائيل.
وتبع ذلك إغراق حكومة "بنيامين نتنياهو" بالعديد من الهدايا بدون مقابل (للولايات المتحدة، وليس لـ"ترامب") وبالتدخل لصالح النظام السعودي حتى عندما جرت جريمة قتل مروعة لصحفي مقيم في الولايات المتحدة، في الواقع لم تكن "أمريكا أولاً"، ولكن كان النظامان السعودي والإسرائيلي في المقام الأول.
كان من الواضح أن الرئيس "جو بايدن" سيتخذ نهجًا مختلفًا تجاه السعودية، والتي وصفها خلال الحملة بأنها "منبوذة"، وقد أثار تقرير الاستخبارات الأمريكية عن مقتل "خاشقجي" نقاشاً جديداً حول علاقة السعودية والولايات المتحدة.
لكن حتى سياسة إدارة "بايدن" تجاه الرياض لا تزال تظهر تقاليد قديمة، بالرغم من اختلافها بشكل ملحوظ عن سياسة "ترامب"، فلم تعاقب الإدارة الأمريكية ولي العهد بشكل مباشر لأن "تكلفة انهيار التعاون السعودي في مكافحة الإرهاب وفي مواجهة إيران ستكون باهظة"، بحسب "نيويورك تايمز".
ولكن إذا تم التسامح جزئيًا مع عمل إرهابي دولي مروع مثل مقتل "خاشقجي" بهذه الطريقة، فمن الصعب رؤية ما سيتم تحقيقه في مكافحة الإرهاب.
وإذا كانت "مواجهة إيران" جزءًا من الحسابات، فإن هذا يخلط بين الوسائل والغايات ويخلط بين المصالح الأمريكية وطموحات الدول الإقليمية.
فعند السؤال عن كيف تهدد إيران المصالح الأمريكية من المرجح أن تركز الإجابة على الضرر الذي لحق بـ"حليف" مثل السعودية أو عمليات الانتشار الأمريكية في الخارج لدعم "الشركاء" أو "الحلفاء"، بدلاً من أي تهديد إيراني لمصالح الولايات المتحدة الأساسية.
باختصار، يشكل "الحلفاء" على الأقل سببًا لكون إيران مشكلة سياسية بدلا أن يكونوا حلاً للمشكلة.
وفي حال قرر النظام السعودي أن يتجاوب مع السياسة الأمريكية الجديدة من خلال تخفيف حدة المواجهة والتحرك نحو انفراج عبر الخليج - وهو ما اقترحته إيران نفسها - فمن شأن ذلك أن يجعل منطقة الخليج أقل خطورة.
وسيكون مثل هذا التغيير في مصلحة الولايات المتحدة إلى حد كبير، ما يقلل من احتمالية انجراف الولايات المتحدة إلى المزيد من الحروب في الشرق الأوسط، وينبغي للولايات المتحدة أن تشجع لا أن تمنع أي تطور من هذا القبيل.
وفي هذا السياق، يجري الحفاظ على مكانة إسرائيل كحليف مفترض من خلال السياسات المحلية المعروفة في الولايات المتحدة، وغالبًا ما يتم استدعاء فكرة هذا التحالف والتذرع بها دون مبرر.
وعادة ما تركز المحاولات الأكثر حذرًا لتبريرها على إنجازات إسرائيل المثيرة للإعجاب ونقاط القوة في التكنولوجيا والتنمية الاقتصادية، ولكن بقدر ما تستفيد الولايات المتحدة من ذلك، يمكنها الاستمرار في الاستفادة من خلال علاقة طبيعية وصحية وودية مع إسرائيل.
ولا تحتاج الولايات المتحدة إلى تغذية علاقة غير عادية بمزايا خاصة لا تجلب لها أي فوائد صافية، بالعكس يتم تقديم مليارات الدولارات من الإعانات لبلد غني بالفعل، وكذلك استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لتوفير غطاء دبلوماسي للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
لا يبرر أي من المعايير التي يتم ذكرها بشكل فضفاض التشكيلة المعتادة لـ"الحلفاء" في الشرق الأوسط، فبالنظر إلى معيار الديمقراطية والحقوق السياسية، نجد نظاما سعوديا غير ديمقراطي تمامًا تديره عائلة أصبحت أكثر استبدادًا في ظل حكم "محمد بن سلمان"، كما نجد إسرائيل التي تُعرِّف نفسها بالقانون بمصطلحات عرقية/دينية تتعارض مع مبادئ الديمقراطية الأمريكية وتنكر الحقوق السياسية تمامًا لعدد كبير من السكان المقهورين.
كما أن معيار العمل على استقرار المنطقة لا ينطبق على السعودية التي حوّل هجومها الجوي اليمن إلى كارثة إنسانية والتي حاولت إثارة أزمة حكومية في لبنان باحتجاز رئيس وزراء ذلك البلد حتى إعلان استقالته.
ولا ينطبق هذا المعيار أيضا على إسرائيل التي بدأت عمليات عسكرية هجومية ضد 4 دول أخرى على الأقل في المنطقة.
كما أن الأمر نفسه ينطبق على أي معيار قائم على دعم الدبلوماسية الأمريكية عندما يحاول "الحلفاء" المعنيون تخريب أهم المبادرات الدبلوماسية الأمريكية ذات الصلة بالمنطقة.
وبدلاً من أن تبني سياستها تجاه الشرق الأوسط على التفريق بين الأخيار والأشرار، يمكن للولايات المتحدة أن تدعم وتعزز مصالحها بشكل أفضل من خلال التعامل مع كل نظام في المنطقة، من خلال تجنب التسميات التعسفية للحلفاء والخصوم.
ويسمح القيام بذلك بمعالجة مباشرة للخلافات الثنائية الموجودة دائمًا، حتى مع أولئك الذين يطلق عليهم عادة وصف "الحلفاء"، كما يسمح ذلك أيضًا بالعمل على أي مصالح موازية، والتي توجد دائمًا حتى مع الخصوم.
ستستمر جميع الفوائد المتخيلة لـ"التحالفات" المزعومة تقريبًا في حال قررت الولايات المتحدة إقامة علاقات طبيعية واعتماد سياسة مشاركة الجميع، ويرجع ذلك أساسًا إلى ما تفعله الدول الأخرى في أي حال نيابةً عن مصالحها الخاصة.
وتعتبر مكافحة الإرهاب مثالا بارزا هنا، فالتعاون في مجال مكافحة الإرهاب بين الولايات المتحدة ودول أخرى في جميع أنحاء العالم يقع وراء الأبواب المغلقة مع الأجهزة الأمنية ولا يعكس ذلك غالبا درجة دفء العلاقات السياسية العلنية.
لم يكن التعاون المثمر بين الحلفاء (سواء كانوا حقيقيين أو مزعومين) والدول التي لها علاقات محايدة مع الولايات المتحدة فحسب، ولكن أيضًا مع الدول التي توصف عمومًا بأنها أعداء، ولا ينبغي أن يكون هذا مفاجئًا، نظرًا لأن العديد من الجماعات والأفراد "الجهاديين" الذين كانوا مصدر قلق للولايات المتحدة يقلقون أيضًا تلك الدول الأخرى.
إن الفكرة القائلة بأن "الحلفاء" الحاليين بحاجة إلى التدليل خشية أن يصافحوا أذرع الصين أو روسيا غير صحيحة، سوف يتعامل "الحلفاء" مع تلك القوى الأخرى على أي حال عندما يرون أن هذه الأعمال تصب في مصلحتهم - كما فعلت كل من السعودية وإسرائيل - بغض النظر عن الطبيعة الخاصة المفترضة لعلاقتهم مع الولايات المتحدة.
علاوة على ذلك، ستظل جاذبية العمل مع الولايات المتحدة بدون تدليل، كما هو الحال بالنسبة للخيارات السعودية فيما يتعلق بشراء الأسلحة، نظرًا لأن دفاعاتها قد بُنيت إلى حد كبير بالطريقة الأمريكية.
ما يريده "الحلفاء" في الشرق الأوسط من الولايات المتحدة أكبر مما تريده الولايات المتحدة أو تحتاجه أو تحصل عليه منهم.
ويجب على صناع السياسة في الولايات المتحدة أن يضعوا هذا التباين في الاعتبار.
وكلما بدت العلاقة كأنها تتراجع إلى نمط من التحالف الزائف، يجب أن يسألوا نفس الذي سأله "بيل كلينتون" لمساعديه بعد اجتماع مع "بنيامين نتنياهو" بشكل خاص: "من هي القوة العظمى هنا؟"، ثم يجب أن يسألوا الحكومة الأخرى: "ماذا فعلتم للولايات المتحدة مؤخرًا؟".
المصدر | بول بيلار | ريسبونسيبل ستيتكرافت – ترجمة وتحرير الخليج الجديد