استثمارات مهدرة.. بماذا تخبرنا صفقة نيوكاسل حول سياسات بن سلمان الاقتصادية؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1777
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

"حقوق البث هي شريان الحياة الذي تعيش عليه، ليس أندية النخبة فحسب، وإنما العملية الرياضية برمتها. وتأتي مع طموحاتنا الرياضية مسؤوليتنا في المساعدة على مكافحة القرصنة، وقد وضعنا كأمة إطارا قانونيا صارما لتحقيق ذلك".. بهذه الكلمات راسل الاتحاد السعودي لكرة القدم العديد من الهيئات الدولية، بتاريخ 22 يونيو/حزيران، في محاولة للتخفيف من الاتهامات الموجهة للمملكة بشأن انتهاك حقوق الملكية الفكرية بسبب القرصنة التي قامت بها قناة "بي آوت كيو" لمحتوى قنوات "بي إن" سبورت القطرية، وإزالة العراقيل التي تعطل شراء صندوق الاستثمارات العامة السعودي لنادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي.
وقدم التحرك السعودي مؤشرا على حرص الرياض على الصفقة، خاصة بعد صدور تقرير من منظمة التجارة العالمية، قبل أسبوع، يتهم الرياض ببث منافسات رياضية بطريقة غير قانونية في منطقة الشرق الأوسط، بما فيها مباريات الدوري الإنجليزي الممتاز؛ ما أثار تساؤلات المراقبين حول الإصرار السعودي هذه المرة، رغم تخلي السعودية سابقا عن محاولة شبيهة لتملك نادي مانشستر يونايتد.
وتدور أغلب التحليلات حول ما تمثله صفقة نيوكاسل من أهمية، ليس فقط على الصعيد السياسي، ولكن أيضا على المستوى الاقتصادي، في ظل معاناة غير مسبوقة تواجه اقتصاد المملكة على إثر استمرار أزمتي انهيار أسعار النفط وتفشي فيروس "كورونا".
فاستثمارات الصندوق السيادي السعودي باتت الملاذ الوحيد تقريبا لإنقاذ رؤية ولي عهد المملكة "محمد بن سلمان" الاقتصادية، المعروفة باسم "السعودية 2030"، التي تقوم بالأساس على تنويع مصادر الدخل بعيدا عن الاعتماد الأحادي تاريخيا على مورد النفط.
ومع تفاقم أزمة أسعار النفط والمؤشرات على استمرارها حتى نهاية العام الجاري، والتداعيات الكارثية لأزمة "كورونا"، أصبحت استثمارات الصندوق السعودي مسألة مصيرية بالنسبة لاقتصاد المملكة، خاصة في ظل النتائج الكارثية لسياسات 3 سنوات من حكم ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" منذ صعوده إلى منصبه الحالي منتصف عام 2017 ليصبح منذ ذلك الحين الحاكم الفعلي للمملكة.
وتستهدف رؤية "بن سلمان" رفع قيمة أصول صندوق الاستثمارات العامة (سيادي، تأسس عام 2008) من 600 مليار ريال سعودي (160 مليار دولار) إلى 7 تريليونات ريال سعودي (2.5 تريليون دولار)، وكان من المفترض أن تبلغ حجم أصول الصندوق هذا العام ما بين 600 و700 مليار دولار، لكن تم تقديرها عند 360 مليار دولار في مايو/أيار الماضي، بما يوازي نصف الرقم المستهدف فقط.
وحتى تلك القيمة للأصول السعودية لا تعبر عن الواقع الحقيقي، في ظل محاولات المملكة المستمرة لتضخيم حجم الصندوق السيادي بشكل خادع، عبر تحويل جزء من الاحتياطات النقدية إليه.
فخلال شهري مارس/آذار وأبريل/نيسان، حولت الحكومة السعودية 40 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية لدى مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) بشكل استثنائي إلى الصندوق السيادي، حسبما صرح وزير المالية "محمد الجدعان"؛ ما يعني أن حجم أصول الصندوق لا تعبر عن إيرادات استثمارية حقيقية.

تقديرات خاطئة
ويعود هذا الإخفاق بالأساس إلى خطأ الكثير من تقديرات "بن سلمان" حول الجدوى الاقتصادية لبعض المشروعات الاستثمارية، وعدم وضع المتغيرات المتوقعة مثل هبوط أسعار النفط في الحسبان، فضلا عن تأثير أزمة كورونا.
ونتيجة لذلك، فإن الكثير من الاستثمارات الخارجية التي انخرط فيها الصندوق السيادي السعودي منيت بخسائر كبيرة، أبرزها استثماراته في صندوق "رؤية" التابع لمجموعة "سوفت بنك اليابانية"، الذي خسر 18 مليار دولار بنهاية مارس/آذار الماضي.
وإزاء ذلك، انهارت احتياطيات البنك المركزي السعودي الخارجية في مارس/آذار الماضي، بأسرع معدل لها في 20 عاما على الأقل، وصولا إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2011، وشهدت ميزانية المملكة عجزا بقيمة 9 مليارات دولار، في الربع الأول من العام؛ ما دفع وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني للتحذير من أن العجز المالي للمملكة قد يتسع إلى أكثر من 12% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الجاري، وأكثر من 8% في عام 2021، مقارنة بنسبة 4.5% في عام 2019.
بالمثل، تتوقع وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني انكماش نمو القطاع السعودي غير النفطي بنسبة 4%، بسبب ركود 3 قطاعات رئيسية هي التجزئة والنقل والإنشاءات، التي تشكل نسبة 60% من نشاط القطاع الخاص في المملكة.
ولمواجهة العجز المتفاقم في الموازنة، شهدت معدلات الدين السعودي الخارجي قفزات كبيرة خلال السنوات الثلاث الماضية، وارتفعت إلى نحو 375% بنهاية عام 2019، وفي حال نفذت السعودية خططها لاقتراض 85 مليار دولار جديدة، فإن ذلك يعني أن المديونية الخارجية للمملكة ستصل إلى 268.7 مليار دولار بنهاية 2020.
ولجأت السعودية إلى زيادة وتيرة الاستدانة إخفاق جهود جذب الاستثمارات الأجنبية إلى المملكة خلال السنوات الثلاث الماضية، حسبما نقل موقع "ميدل إيست آي" البريطاني عن الخبير الإقتصادي في شؤون الشرق الأوسط "غبريس إراديان".

مؤشرات خطيرة
في السياق ذاته، تتوقع "موديز" أن يرتفع الدين الحكومي السعودي إلى نحو 45% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية عام 2021، وهبوط الإيرادات بحوالي 33% عام 2020 مقارنة بعام 2019.
ويعني استمرار هذه الدائرة المفرغة من العجز والاستدانة أن "جيوب المملكة ستصبح خاوية من المال خلال ما بين 3 إلى 5 أعوام؛ ما سيضطرها إلى تحمل مزيد من الدين"، حسب تقدير الباحثة بـ"معهد دول الخليج العربي" في واشنطن "كارين يونج".
ويعزز من ترجيح استمرار هذه الأزمة قرار "بن سلمان" غير المدروس بخوض حرب أسعار النفط في وقت سابق من العام الحالي؛ بهدف إلحاق الضرر بخصوم السعودية اقتصاديا، لكنه أضر في الحقيقة باقتصاد المملكة، التي تجني الآن ثمار إغراق سوق النفط العالمية، حسب تقدير نشرته صحيفة "فزجلياد" الروسية.
فتراجع صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة وانهيار قدرتها على التصدير لا يعني عودة الصادرات السعودية إلى السوق الأمريكي لمعدلاتها السابقة، وهو ما كشفته بيانات أبريل/نيسان الماضي؛ حيث صدرت السعودية نحو 1.3 مليون برميل نفط يوميا للولايات المتحدة، قبل أن ينخفض هذا الرقم خلال النصف في الأول من يونيو/حزيران الجاري، إلى حوالي 133 ألف برميل فقط؛ بسبب الإغلاق الاقتصادي، ناهيك القيود التي فرضتها واشنطن على استيراد النفط السعودي لتعزيز الصناعة المحلية.
ولن تقف مشاكل الاقتصاد السعودي عند هذا الحد، خاصة بعد أن أعلنت الحكومة قصر موسم الحج على المقيمين داخل المملكة، والتوقعات بشأن تخفيض العمالة الأجنبية في المملكة إلى النصف خلال الأشهر المقبلة.

المصدر | الخليج الجديد