السعودية والإمارات ومصر.. تداعيات كورونا تضرب مبكرا أكبر الاقتصادات العربية

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1826
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

 جرس إنذار أطلقه مسح مؤشر مديري المشتريات الصادر عن شركة "IHS Markit" في أكبر 3 اقتصادات عربية هي السعودية والإمارت ومصر، خلال شهر أبريل/نيسان الماضي، إذ كشفت البيانات عن انتكاسة غير مسبوقة في نشاط القطاع الخاص غير النفطي جراء أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19).
وانخفض مؤشر مديري المشتريات في دولة الإمارات العربية المتحدة إلى 44.1 نقطة في أبريل/نيسان الماضي مقارنة بـ45.2 نقطة في مارس/آذار الماضي، وفي السعودية حقق المؤشر 44.4 نقاط مقارنة بـ42.4 نقاط في الشهر الماضي، وفي مصر انخفض الرقم إلى 29.7 نقاط، مقارنة بـ44.2 نقاط في مارس/أذار.
ويشير انخفاض قيمة المؤشر عن 50 نقطة إلى تراجع في نشاط القطاع الخاص غير النفطي في الشهر الحالي مقارنة بالشهر السابق.
ويستند المؤشر إلى 5 ركائز رئيسة، هي: الطلبيات الجديدة ومستويات المخزون والإنتاج وحجم تسليم المُوردين، وبيئة التوظيف والعمل، لذا فإن الانخفاض المتواصل في قيمة المؤشر يخبرنا عن بوادر أزمة كبرى في القطاعات غير النفطية في الدول الثلاث. وتعد هذه الأزمة المرتقبة مهمة بشكل خاص لسببين رئيسيين، الأول هو أن القطاع الخاص يعتبر قاطرة الاقتصاد في البلدان الثلاثة، والثاني هي أن النشاط غير النفطي يعد مقياسا لمدى قابلية تحقيق معدلات نمو عالية مستقبلا، في وقت يتجه فيه العالم إلى موارد الطاقة المتجددة والنظيفة، ويقدر موقع "أوبل برايس" دورة النفط الحالية بنحو 20 إلى 30 عاما، ويتوقع أن تنتهي بعدها القيمة التاريخية للنفط كمورد أساسي للطاقة.
وسبق أن حذر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، في دراسة تحليلية نشرها في مارس/آذار الماضي، من أن الصدمة التي يتسبب بها فيروس كورونا سوف تؤدي إلى ركود في اقتصادات العديد من الدول وسوف تخفّض النمو السنوي العالمي هذا العام إلى أقل من 2.5%. وقالت الدراسة إن دول السعودية والإمارات ومصر ستشهد اتساعا مضطردا في عجز الموازنة في وقت يتوقع فيه أن ينخفض الدخل العالمي بقيمة 2 تريليون دولار، منها 220 مليار دولار في الدول النامية وحدها.
ومع استمرار انتشار الوباء لشهور مقبلة، سوف تنخفض ثقة المستهلكين والمستثمرين تدريجيا في الاقتصاد، وهو ما سينعكس بالتبعية على ضعف الطلب الكلي وانخفاض قيمة الأصول، وسيعرض الكثير من الشركات للإفلاس في وقت تتراجع فيه قدرة الحكومات على مساندتها بسبب انخفاض أسعار النفط.

إجراءات مؤلمة في السعودية
في ضوء ذلك، سجلت السعودية تراجعا قياسيا في أحجام الأعمال الجديدة، إضافة إلى عائدات التصدير التي هوت خلال الربع الأول من العام الجاري بنسبة 24% على أساس سنوي نتيجة الانخفاض الكبير في نشاط القطاع الخاص.
ومع هبوط أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها في 17 عاما، أعلنت الرياض أنها ستخفض الإنفاق في موازنتها بنسبة 5% لمواجهة التحديدات الاقتصادية الراهنة، في خطوة مشابهة لما فعلته المملكة أثناء موجة انخفاض أسعار النفط في عامي 2014 و2014، وهو ما انعكس ذلك سلبا حينها على قطاع الإنشاءات في البلاد.
كما اضطرت السعودية منذ ذلك الحين إلى استخدام المزيد من احتياطياتها لمقاومة الانهيار التاريخي لأسواق السلع، لتتراجع أصولها الاحتياطية إلى أدنى مستوى منذ 9 سنوات، بقيمة 473.3 مليارات دولار، وبانخفاض قدره 32 مليار دولار تقريبا، حسبما صرح وزير المالية "محمد الجدعان" لقناة العربية.
يأتي ذلك على الرغم من على من تخفيض المملكة للنفقات ومحاولات الاعتماد بشكل أكبر على القروض، حيث اقترضت مرتين من أسواق السندات الدولية هذا العام، بما مجموعه 19 مليار دولار.
وطرحت الحكومة السعودية مؤخرا، وللمرة السابعة خلال العامين الأخيرين، سندات سيادية بقيمة 7 مليارات دولار لتعويض خسائر الإيرادات الناجمة عن تداعيات فيروس كورونا وتزامنها مع تهاوي أسعار النفط.
وإزاء ذلك، خفضت وكالة موديز للتصنيف الائتماني العالمية النظرة المستقبلية للسعودية من "مستقرة" إلى "سلبية"، بسبب عدم اليقين حول مستقبل الاقتصاد السعودي في ظل تفشي كورونا وانخفاض أسعار النفط.

تدهور في دبي وأبوظبي
وفي الإمارات، تشير أرقام مديري المشتريات أن شهر أبريل/نيسان الماضي شهد انخفاضا حادا في أعمال التصدير بشكل لم يسبق له مثيل منذ أغسطس/آب 2009.
وينعكس أثر ذلك على نشاطات القطاع الخاص في دبي حسبما أوردت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، مشيرة إلى أن الشركات في الإمارة بدأت في تقليص عدد موظفيها وتخفيض ساعات العمل للموظفين المتبقين.
وتسبب وباء كورونا في تأجيل معرض "إكسبو 2020" الدولي، وهو الذي كانت تعول عليه الإمارة بشكل كبير في إنعاش قطاعات حيوية وإخراج أخرى من عثرتها المستمرة منذ بضع سنوات، مع خطة لجذب نحو 25 مليون زائر إلى الحدث، الذي كان مقررا في السابق أن يبدأ في 20 أكتوبر/تشرين الأول المقبل ويستمر لمدة 6 أشهر.
وبحسب تقرير لوكالة ستاندرد آند بورز للتصنيفات الائتمانية، في فبراير/شباط الماضي، فإن قطاع الضيافة في دبي هو الأكثر تعرّضا لمخاطر كورونا في منطقة الخليج، يليه القطاع العقاري، الذي تفاقمت أزمته مع تضرر حركة الطيران والسياحة وركود حركة التسوق.
وسبق أن استبعدت الوكالة العالمية في تقرير نشرته في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أن يُحسن معرض إكسبو 2020 الظروف "القاسية" التي يمرّ بها سوق العقارات في دبي، فيما توقعت وكالة "موديز" أن توثر جائحة كورونا سلبا على القطاعات الرئيسية غير النفطية في الإمارات ككل، خاصة السياحة والنقل والتجارة والعقارات، وهو ما قد يسبب صدمة اقتصادية في البلاد ستعاني منها بشكل خاص الشركات الصغيرة والمتوسطة.
ولن يكون إنهاء إجراءات الإغلاق الاقتصادي كافيا لعودة النشاط إلى الاقتصاد الراكد حسبما يؤكد الخبيران الاقتصاديان في بنك الإمارات دبي الوطني "خديجة حق" و"دانييل مارك ريتشاردز"؛ حيث يؤكدان أن الطلبيات الجديدة وطلبات التصدير الجديدة ستظل منخفضة حتى بعد قرار عودة نشاط الأعمال، ما يعني أن الانتعاش الاقتصادي سيكون بطيئا.
وقد دفعت هذه الحقائق إمارة أبوظبي لاقتراض 7 مليارات دولار من السوق الدولية، في شكل إصدار سندات سيادية (أدوات دين) على 3 شرائح، الأولى بقيمة ملياري دولار لمدة 5 سنوات، والثانية بقيمة مماثلة لمدة 10 سنوات، والثالثة بـ3 مليارات دولار لمدة 30 عاما.
ويأتي التحاق أبوظبي بنادي المقترضين من السوق الدولي، ليثير الكثير من الشكوك حول قدرة الإمارة الغنية بالنفط على التدخل مجددا لإنقاذ إمارة دبي المدينة بالشكل الذي فعلته سابقا إبان الأزمة المالية عام 2009.

قروض ورسوم في مصر
لم تكن الأمور أفضل حالا في مصر التي شهدت انخفاضا في حجم الصادرات بمعدل غير مسبوق منذ 7 سنوات، تزامنا مع انخفاض التوظيف في القطاع غير النفطي للشهر الخامس على التوالي وتسجيله أكبر انكماش له منذ أكثر من 3 سنوات.
ودفع انتشار فيروس كورونا الشركات المصرية إلى تطبيق إجراءات واسعة لخفض التكاليف، بما في ذلك تقليص العمالة، فيما قررت بعض الشركات إغلاق أبوابها كليا، حسب تقرير مؤشر مديري المشتريات.
بخلاف ذلك، تسبب تفشي فيروس كورونا في إغلاق تام في قطاع السياحة، الذي يدر 12% من الناتج المحلي الإجمالي تزامنا مع تراجع عائدات قناة السويس وانخفاض تحويلات المصريين في الخارج؛ وهو ما وضع القاهرة على شفا أزمة في احتياطات النقد الأجنبي التي شهدت انخفاضا إلى 40.1 مليار دولار في نهاية مارس/آذار، مقابل 45.5 مليار دولار في نهاية فبراير/شباط.
يأتي ذلك تزامنا مع بيانات صادرة عن البنك الدولي كشفت ارتفاع حجم الديون الخارجية لمصر إلى 112.67 مليار دولار بنهاية 2019، مقابل 96.6 مليارات دولار بنهاية 2018، بزيادة 16.6%، وهو رقم بات مرشحا للارتفاع بعد إعلان القاهرة، في أبريل/نيسان الماضي، عن محادثات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد وفق آلية التمويل السريع.
وإزاء ذلك، بدأت الحكومة المصرية في البحث عن آليات جديدة وسريعة للتمويل. وفي 4 مايو/أيار الجاري، وافق مجلس النواب المصري على مشروع قانون بفرض رسوم على البنزين والسولار، وفرض ضرائب جديدة على الهواتف المحمولة والفعاليات والحفلات الترفيهية وكذلك على التبغ والدخان، كذلك أعلنت الحكومة فرض ضريبة جديدة على عقود بيع وإعارة الرياضيين والأجهزة الفنية والإدارية.
ومن المتوقع أن تزيد هذه الضرائب الجديدة من معاناة المصريين، الذين يكابدون بالفعل تحت وطأة معدلات فقر غير مسبوقة تشمل ثلث سكان البلاد على الأقل، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (حكومي).
وفيما تقديرات صندوق النقد الدولي تشير إلى تفاوت نسبي في قدرة أكبر 3 اقتصادات عربية على "إدارة الخسائر" خلال أزمة كورونا، لكن المؤكد أنها جميعا تواجه معضلة تاريخية، وأن شكل اقتصادات هذه الدول بعد الأزمة سوف يكون مختلفا تماما عن شكلها خلال الأوقات السابقة.


المصدر | الخليج الجديد