واشنطن بوست: في التعامل مع إيران هل يتعلم بن سلمان من عمه الملك عبد الله؟
إبراهيم درويش
لندن – “القدس العربي”:
تقول كاثرين هارفي، الجنرال السابق في البحرية الأمريكية والتي عملت في الأسطول الأمريكي الخامس بالخليج، إن الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للسعودية، كان في العام الماضي يحث المسؤولين في البيت الأبيض على ضرب إيران وبقوة، ولكنه اليوم يدعو لضبط النفس بعد وصول المواجهة الأمريكية-الإيرانية درجة خطيرة باتت تهدد السعودية ومنطقة الخليج.
وقالت هارفي التي أعدت درجة الدكتوراه في العلاقات الأمريكية-الإيرانية-السعودية بكينغز كوليج- لندن بمقال نشرته صحيفة “واشنطن بوست” إن التطورات التي شهدتها الأشهر الأخيرة كشفت عن الكيفية التي “تؤذي” فيها الضغوط الأمريكية على إيران السعودية. فنتيجة للعقوبات الاقتصادية التي فرضتها واشنطن على طهران قامت هذه بشن هجمة كبيرة بالطائرات المسيرة والصواريخ ضد المنشآت النفطية السعودية وذلك في أيلول (سبتمبر) 2019.
وأشارت الكاتبة إلى أنه لو أراد محمد بن سلمان المساهمة في نزع فتيل الأزمة يمكنه اتباع مثال عمه الملك عبد الله بن عبد العزيز. ففي عام 1997 عندما كان التوتر في أوجه بين إيران والولايات المتحدة، قام بصفته وليا للعهد في حينه ورغم مواقفه المتشددة من إيران بالمبادرة إلى محاولات تقارب مع إيران ساعدت على تخفيف التوتر في المنطقة.
وتقول هارفي إن التوتر بين المملكة وإيران يعود إلى عام 1979 عندما أسقطت ثورة إسلامية نظام الشاه وما تبع ذلك من الحرب العراقية-الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي. واتهمت السعودية مرشد الثورة آية الله الخميني بمحاولة فرض نموذجه الثوري على المنطقة. وفي الوقت نفسه مقت الخميني السعودية باعتبارها حليفا للعراق وللولايات المتحدة التي أطلق عليها لقب “الشيطان الأكبر”. ومن جانبها دعمت الولايات المتحدة العراق لكنها لم تكن ترغب بانتصاره. وقال وزير الخارجية هنري كيسنجر في حينه مازحا: “من المحزن أن الطرفين لا يمكنهما الخسارة”.
وفي الوقت الذي مات فيه الخميني عام 1989 إلا أن التوتر بين البلدين تواصل في التسعينيات من القرن الماضي. فقد فسرت السعودية أفعال إيران على أنها دليل على رغبات الهيمنة الإيرانية، فيما عارض الإيرانيون موافقة السعوديين على استقبال القوات الأجنبية على أرض الجزيرة العربية بعد حرب الخليج. وخاض البلدان طوال فترة التسعينيات حربا إعلامية، توقعت فيها وسائل الإعلام الإيرانية انهيار العائلة المالكة السعودية فيما شجب الإعلام السعودي تعطش إيران للحرب. ووصل الوضع ذروته في الهجوم الذي نفذ على التراب السعودي واستهدف القوات الأمريكية هناك من خلال انفجار في أبراج الخبر التي تعمل فيها القوات الأمريكية وقتل 19 جنديا منهم.
وقال مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) إن من نفذ الهجوم هي جماعة وكيلة عن إيران اسمها حزب الله الحجاز وبتوجيه من الحرس الثوري الإيراني. وتعرض الرئيس بيل كلينتون بعد الهجوم لضغوط للرد فيما هددت طهران باستهداف حلفاء الولايات المتحدة في الخليج لو استهدفتها أمريكا. وكان الأمير عبد الله من أكثر الأصوات المتشددة في داخل العائلة المالكة وأكثرها معارضة لإيران. وقال دبلوماسي أمريكي التقاه بداية التسعينيات من القرن الماضي إنه “أرغى وأزبد” عند الحديث عن إيران. بل وتساءل عن إمكانية الإطاحة بالنظام الإيراني وتنصيب ابن الشاه المعزول المقيم في واشنطن في الحكم. وكما هو الحال فإن ابن الشاه هو من يدفع اليوم إلى تغيير النظام في طهران.
ومهما يكن فبعد الهجوم على أبراج الخبر، بدأ الأمير عبد الله الذي كان يعي ثمن الحرب خاصة أنه عاش الحرب العراقية-الإيرانية وحرب الخليج، بالبحث عن طرق لنزع فتيل الأزمة بدلا من التصعيد. وبدأ شخصيا بالتحاور مع القادة الإيرانيين. وفي منتصف التسعينيات حاولت إيران التي كانت معزولة من الولايات المتحدة تحسين علاقاتها مع السعودية بدون نجاح. وفي بداية 1997 وخلال قمة الدول الإسلامية التي عقدت في إسلام أباد التقى الأمير عبد الله مع الرئيس الإيراني علي أكبر هاشمي رفسنجاني، وفي لفتة رمزية عبر عن رغبة السعودية بعلاقات جيدة ووجه الدعوة لرفسنجاني لحضور موسم الحج. وبعد عام سافر الأمير عبد الله إلى طهران للمشاركة في القمة الإسلامية التي استضافتها، وهي أول زيارة لمسؤول سعودي منذ الثورة الإسلامية عام 1979. وعرض الأمير عبد الله التوسط بين طهران وواشنطن. ورغم مواقفه الشخصية من إيران إلا أنه دفع باتجاه المصالحة لا المواجهة.
وكان عبد الله منشغلا بقضية أخرى غير المصالحة وهي الصراع على السلطة داخل العائلة المالكة. ففي عام 1995 أصيب الملك فهد بجلطة دماغية ورغم نجاته منها إلا أنه فتح الباب أمام صراع على السلطة بين عبد الله وأشقاء الملك فهد المعروفين بالسديريين. وحسب شخص مطلع على شؤون العائلة المالكة، فقد تعامل الأمير عبد الله مع مبادرته الإيرانية كطريقة لتقوية موقفه الدولي والحصول على ورقة قوة أمام منافسيه في داخل العائلة المالكة. وظل الصراع قائما حتى بعد تفوق عبد الله ووصوله في النهاية للعرش عام 2005. ورغم منفعته الشخصية من المبادرة مع إيران إلا أن مبادرته عقدت الجهود الأمريكية لاحتواء إيران ولم يبد السعوديون استعدادا لمساعدة أف بي آي للتحقيق في تفجير الخبر، من أجل عرقلة الانتقام الأمريكي من إيران.
وأعرب الأمريكيون عن غضبهم مما رأوه عدم ولاء حليف لهم لكن الأمير عبد الله لم يكن راغبا بقطع العلاقات معهم ولم يكن يريد حربا مع إيران. وقادت مبادرة عبد الله لست سنوات من التعاون بين البلدين حتى عام 2003، عندما غزت الولايات المتحدة العراق. ووقع الطرفان عام 2001 اتفاقية للتعاون الأمني.
وترى الكاتبة أن هذه الحادثة في التاريخ السعودي يجب أن تكون درسا مرشدا لولي العهد الحالي. فمنذ وصوله إلى السلطة بدأ سلسلة من المغامرات الفاشلة بهدف وقف التأثير الإيراني وتعزيز الدور السعودي المهيمن بالمنطقة. وقام بحملة عسكرية كارثية في اليمن ضد المتمردين الحوثيين. وقاد حملة لحصار قطر واختطف رئيس الوزراء اللبناني. وزاد من سمعة ولي العهد كمتهور قتل الصحافي جمال خاشقجي الذي توصلت سي آي إيه إلى أن الأمر بالجريمة البشعة صدر من مستويات عليا في السعودية. ومع أن الأمير محمد بن سلمان في وضع آمن أحسن من وضع الأمير عبد الله عام 1997 إلا اندفاعه يمثل خطرا عليه. وذهب السناتور الجمهوري عن ولاية نورث كارولينا المعروف بتعاطفه مع السعودية بعيدا في وصفه لمحمد بن سلمان حيث قال إنه “مجنون” و”خطير”.
بعد اغتيال الجنرال قاسم سليماني، هناك فرصة لأن يقدم بن سلمان نفسه كزعيم ناضج يسعى للسلام بدلا من شخص يفتش عن المشاكل.
وسيجد منافسوه في الداخل عزاء، فكلما كان له كارهون في الخارج ظل صعوده على العرش غير مؤكد. وربما شعر محمد بن سلمان بهذه الخطورة حيث بدأ بعد هجمات أيلول (سبتمبر) نهجا يقوم على تخفيض التوتر وعبر وساطة طرف ثالث. وبعد اغتيال الجنرال قاسم سليماني، هناك فرصة لأن يقدم بن سلمان نفسه كزعيم ناضج يسعى للسلام بدلا من شخص يفتش عن المشاكل. ومثلما فعل عبد الله قبله يجب أن يضاعف من جهوده لنزع التوتر. وربما زاد سعيه هذا من موقعه وأسكت نقاده في أمريكا، ومنع التداعيات حالة فاز الديمقراطيون في انتخابات وإمكانية إحياء الاتفاقية النووية، بالإضافة لتعبيد الطريق أمامه نحو العرش، وسيكون التقارب السعودي-الإيراني مفيدا للمنطقة والعالم.