بلومبرغ: ماذا تعني إقالة خالد الفالح بالنسبة لاكتتاب أرامكو؟
يبدو لي أن "خالد الفالح"، الذي خسر للتو منصبه كوزير للطاقة في المملكة العربية السعودية أصبح أفضل حالا الآن. فتخيل أن تستيقظ كل صباح لتتساءل كيف ستقضي هذا اليوم في تهدئة سيدين، أحدهما رجل مستبد قوي متقلب قادر على فعل كل شيء يغذي عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، والآخر هو سوق النفط الذي لا يمكن التنبؤ به.
ويمكن لـ"الفالح" أن يرتاح الآن، أما بالنسبة للمراقبين، فإن هذه هي المملكة العربية السعودية التي يعرفونها والتي لا تخلو من مؤامرات القصور بطبيعة الحال، خاصة في ظل الحكم الحالي للملك "سلمان" وابنه ولي العهد الأمير "محمد"، وربما يكون التفسير الأكثر وضوحا للتغييرات الأخيرة هو أن الاكتتاب العام الأولي الذي طال انتظاره لشركة "أرامكو" قد استدعى وجود دماء جديدة.
أما عن أصحاب هذه الدماء الجديدة فلا يمكن ادعاء أن هناك الكثير من المفاجآت، حيث تم وضع وزارة النفط في يد "عبدالعزيز بن سلمان" الأخ الأكبر غير الشقيق لولي العهد السعودي وهو أول فرد من العائلة المالكة يتولى هذا المنصب في تاريخ البلاد، أما رئاسة مجلس إدارة "أرامكو" فقد ذهبت إلى"ياسر الرميان"، المستشار المقرب من "بن سلمان"، والمسؤول عن صندوق الثروة السيادية السعودي الذي من المقرر أن تنتعش خزائنه بشده بعد تلقي عوائد الاكتتاب العام الأكبر في العالم.
إحياء الاكتتاب
ويعد الاكتتاب العام الأولي لشركة "أرامكو"، الذي قد يحدث أخيرا في نهاية المطاف، تعبيرا عن إدراك أن نظام الرعاية الممول من العوائد النفطية القادم من القرن العشرين لم يعد متماشيا مع النموذج الاقتصادي الحالي. وكان "علي النعيمي"، سلف "الفالح" كوزير للطاقة، قد استمر في منصبه لمدة 21 عاما. أما الآن، فقد أجرت المملكة تعديلا وزاريا في وزارة النفط مرتين في غضون 3 أعوام، ما يشير إلى تغيير كبير في تقاليد كان يُظن أنها دائمة. ويجب أن نذكر هنا أن "بن سلمان" يعتبر فكرة بيع قطعة من جوهرة التاج في البلاد جزء لا يتجزأ من هدفه الأوسع المتمثل في الترويج لفكرة الإصلاح الاقتصادي. وكان "بن سلمان" قد طرح تقييما بقيمة 2 تريليون دولار للشركة، ويبدو أنه لم يكن أبدا واقعيا في هذا التقييم.
وتجري تكهنات بأن فرصة "الفالح" المفاجئة لقضاء المزيد من الوقت مع عائلته تعكس عدم رضا "بن سلمان" والطبقة الحاكمة عن أسعار النفط. ولا تزال أسعار النفط تدور حول 60 دولارا، على الرغم من تصاعد التوتر مع إيران، وعلى الرغم من اتفاق "أوبك+" الذي يحجم إمدادات النفط. لكن هذا يؤكد الصعوبة التي يواجهها "الفالح"، وسوف يواجهها أي شخص آخر، في محاولة دفع أسعار النفط إلى الأعلى.
وفي هذا الصدد، توفر حالات الإفلاس المتزايدة لشركات النفط الصخري الأمريكية، المزيد من الأمل لثيران النفط السعودي، ولكن ذلك لن يكون كافيا فيما يبدو بسبب وجود فجوة مزمنة بين الغرض والطلب. وقد أثبتت استراتيجية "النعيمي" السابقة، المتمثلة في محاولة سحق النفط الصخري عبر خفض الأسعار إلى أقصى درجة، أنها كانت مؤلمة للغاية لبلاده، وربما الأهم من ذلك أنها كانت مؤلمة لرؤسائه.
وكما هو الحال، ما لم ترتفع أسعار النفط إلى ما يقرب من 100 دولار للبرميل وتسقر حول هذا الرقم، فإن المستثمرين وأصحاب الأموال في العالم لن يقيموا "أرامكو" برقم قريب من 2 تريليون دولار التي يأملها "بن سلمان". وعلى الرغم من أن 100 دولار للبرميل تمثل "اليوتوبيا" بالنسبة للمملكة والدول المنتجة للنفط، إلا أنها تعني كارثة اقتصادية في كل مكان آخر تقريبا، ما يجعل هذا الرقم الآن محض خيال.
لذلك، من الصعب توقع أن بديل "الفالح" يمكن أن يحدث اختلافا كبيرا في السياسات النفطية مقارنة بالمسار الحالي. وفي ضوء ذلك، يبدو أن القرارات الأخيرة كانت - في المقام الأول - جزءا من تحركات "بن سلمان" لترسيخ مركزية الحكم في بلاده,
تركيز السلطة
ولدى هذه المركزية في السلطة تأثيرها على مشروع الاكتتاب على ما يبدو. فقد وضع "بن سلمان" الحلفاء المقربين منه وأفراد الأسرة في مناصب رئيسية في "أرامكو" ووزارة الطاقة، وهو ما يشير إلى أننا دخلنا المرحلة التي يريد "بن سلمان" فيها القيام بالاكتتاب العام بأي ثمن ودون طرح أسئلة.
وتلقي هذه الحقيقة الضوء مرة أخرى على الازدواجية الحاضرة في "أرامكو"، ففي حين كان فصل وزارة النفط عن عن رئاسة الشركة يعد خطوة جيدة لتعزيز استقلالية أرامكو وهويتها التجارية، فإن هذه الأهداف تم تقويضها بسبب الأسماء الجديدة التي تم تعيينها. ويعزز تعيين واحد من أخوة ولي العهد على رأس وزارة الطاقة، بخلاف التقاليد السابقة، يعزيز الإحساس بأن مشروع الإصلاح السعودي هو مجرد ممارسة مبتكرة مصممة لتعزيز السلطة.
ومن شأن ذلك كله أن يرفع من مخاطر الاستثمار في "أرامكو" التي ستكون أسعار النفط هي أكبر محدد لتقدير قيمتها. لذا فإنه، وعلى الرغم من تنافس البورصات العالمية على الإدراج الدولي لأرامكو، يعد طرح الشركة للاكتتاب المحلي في البورصة السعودية هو السيناريو الأقرب، وهو يوفر وسيلة لحفظ ماء وجه "بن سلمان" إلى حد ما دون تكبد الكثير من المخاطر. وفي حالة إدراج الشركة محليا، يمكن لـ"بن سلمان" أن تستفيد من البنوك المحلية والأثرياء السعوديين لشراء جزء صغير من "أرامكو" بمستوى سعر مناسب قد لا يحصله في المنافسات العالمية. ويعني ذلك أن الاكتتاب العام، وبدلا من أن يكون علامة على خطط السعودية للإصلاح الاقتصادي، فإنه قد يصبح دلالة على أن المملكة قررت العمل مجددا بطريقتها التقليدية.
السعودية تتواصل مع أثرياء المملكة لشراء حصص بأرامكو
المصدر | ليام دينينج - بلومبرغ