اهتمام السعودية المفاجئ بالسودان سببه الخوف لا الصداقة

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2245
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

نسرين مالك

ترجمة حفصة جودة

 في الأيام التي تلت حرب أكتوبر بعد أن أعلن الرئيس المصري أنور السادات موافقته على وقف إطلاق النار وتوقيع معاهدة سلام مع "إسرائيل"، واجه أسئلة كثيرة عن تنازله، وعند مواجهته بهذا الاستسلام قال إنه مستعد للحرب مع "إسرائيل" وليس مع أمريكا.

وفي اليوم الثالث من الحرب وافق الرئيس الأمريكي نيكسون على "عملية عشب النيكل" وهي عبارة عن خط جوي أمريكي بهدف سد النقص في الخسائر العسكرية الإسرائيلية، وفي نوفمبر 1973 قالت صحيفة نيويورك تايمز إن السفراء الغربيين في القاهرة يؤكدون الاتهامات المصرية بأن الطيران الأمريكي الحربي يُنزل معدات حربية في سيناء.

ظهر بعض من واقعية السادات في الأسابيع الماضية عندما أظهرت المملكة العربية السعودية نيتها بعدم السماح للثورة السودانية بتحقيق مطلبها وإزاحة السلطة العسكرية عن الحكم وتعيين حكومة مدنية، في الفترة التي كانت تسبق الثورة لم يكن هناك أي اهتمام سعودي بالسودان، فهو بالنسبة لها ليس سوى بلد يقدم لها الجنود الذين تستخدمهم في حربها باليمن.

وعندما بدأ البشير يخاف على زوال حكمه وسافر إلى حلفائه في المنطقة للحصول على الدعم، اعترضت السعودية وترددت في دعمه، لكن هذا التردد زال سريعًا في اللحظة التي أصبح فيها واضحًا أن هناك قوة حقيقية في شوارع السودان وعزل البشير.

أصبحت السعودية الآن تقوم بدور مدروس وهو إحباط أي محاولة تغيير سياسي قدر الإمكان

لقد ولّت الأيام التي كانت فيها الولايات المتحدة الوسيط الرئيسي في المنطقة واحتلت تلك المكانة المملكة العربية السعودية وأصبحت القوة الرئيسية في المنطقة في الوقت الراهن، كما ولّت الأيام التي كانت فكرة السعودية فيها عن بسط نفوذها عبارة عن ضخ الأموال للمدارس الدينية والجماعات في العالم العربي وجنوب آسيا، وأصبحت البلاد الآن تقوم بدور مدروس وهو إحباط أي محاولة تغيير سياسي قدر الإمكان.

خلال أيام من إزاحة البشير ظهرت الأموال السعودية وأعلنت مع الإمارات تقديمهما نحو 3 مليارات دولار لدعم الاقتصاد السوداني والحكومة العسكرية الانتقالية، صاحب هذا العرض ظاهرة مقلقة وغير مسبوقة، وهي حملة دعائية في وسائل الإعلام السعودية أو المتعاطفة مع السعودية.

فقد عرضت "جولف نيوز" صورة للرئيس الحاليّ للمجلس العكسري الانتقالي وقالت إنه خدم في أثناء حرب جنوب السودان ودارفور في مواقع مهمة بسبب أخلاقه المدنية وسلوكه المهني، لكن "مدنية" و"مهنية" ليست الكلمات التي قد يستخدمها الكثيرون لوصف الحرب في دارفور وجنوب السودان.

بدأت الصحيفة افتتاحيتها بتكريم مذهل للسودان ووصفته بأنه "أحد أهم الدول الإستراتيجية في العالم العربي والإفريقي"، كما لو أن السعوديين أدركوا الآن فقط حقيقة أن السودان ليس البلد الضعيف المتأخر مثلما كانوا يأملون.

 

أفراد العائلة المالكة وكبار الشخصيات السعودية

حاول أحد كبار الوزراء في الإمارات العربية المتحدة تبرير هذا الاهتمام المفاجئ وهذا الكرم تجاه السودان بوصفه تدبيرًا وقائيًا حكيمًا بعد اضطرابات الربيع العربي حيث قال: "لقد شهدنا فوضى شاملة في المنطقة ولا نريد المزيد منها".

لكن هذه المودة الحديثة تجاه ما سموه "السودان الإستراتيجي" والقادة العسكريين ذوي الأخلاق "المدنية" مرتبطة أكثر بانعدام الأمان المتزايد لدى العائلة السعودية المالكة بشأن مصيرها أكثر من كونه مرتبطًا بالحفاظ على الاستقرار.

فخطر الثورة السودانية يكمن في بصيرتها والاحتمالية التي تطرحها، وإذا كانت السعودية قد اعتادت توسيع قوتها الناعمة في العالم من أجل دعوة حلفائها لمواجهة أعدائها الإقليمين مثل قطر وإيران، فإن سياستها الخارجية العدائية الآن يمكن رؤيتها في ضوء خوفها الشامل من تغير النظام.

رغم مشاكلها الاقتصادية في الداخل، ما زالت السعودية ترى أن ثروتها السيادية هي صندوق حرب ضخم تستدين منه للحفاظ على وجودها، ورغم أن الأسرة الحاكمة السعودية لديها سيطرة كاملة على السلطة فهي تعدم المعارضين داخل أراضيها وخارجها، إلا أن السودان أظهر أن تغيير النظام لا يتعلق بالتقنيات، ولا يتعلق بالقوة النارية التي قد تستخدمها المعارضة ضد الحاكم، بل يتعلق بالإرادة الشعبية، فليس بإمكانك إعدام الجميع.

لقد كانت بعض إخفاقات الربيع العربي سببًا في توطيد حكم بعض الأنظمة في الشرق الأوسط، لكن الحكمة التقليدية القديمة تقول "التغيير لا يأتي بخير"، ويبدو أن السودان يعبث بهذه الحكمة، يجب أن تحكم الأسرة المالكة أو المؤسسة العسكرية فقط، فالمنطق يقول: عندما يدخل المدنيون الحكم فإنهم يجلبون الهفوات الأمنية والإرهاب والعجز، لكن الحكومات المدنية أيضًا تهدد ببعض المضايقات مثل: الديموقراطية الحقيقية والمساءلة وحرية التعبير، والسعودية تسعى لمنع ذلك تحت دعوى السعي نحو الاستقرار مع غياب الولايات المتحدة لكن في الوقت نفسه تأييدها الضمني لذلك.

لذا بإمكان المتظاهرين السودانيين - الذين ما زالوا يواجهون الحكومة الانتقالية ويطالبون بالحكم المدني - شنّ الحرب ضد البشير وبقايا نظامه الذين ما زالوا في الحكم، لكن كيف يمكنهم مواجهة المملكة العربية السعودية وحلفائها الأقوياء في المنطقة الذين يقدمون الدعم للحكومة؟ لقد أصبح العبء أثقل على الثورة السودانية، لكن نجاحها سيهز عروش جميع المستبدين في الشرق الأوسط.

المصدر: الغارديان