لهذا يجب على بن سلمان القلق بشأن طالبي اللجوء
ترجمة وتحرير فريق نون بوست
للوهلة الأولى، لا يبدو أن الطلبة في الجامعات السعودية والأمراء الساخطين والإسلاميين والفتيات في سن المراهقة يتشاطرون الكثير من النقاط المشتركة. لكن جميع هذه الفئات بصدد مغادرة المملكة العربية السعودية وطلب اللجوء في كل من الولايات المتحدة وكندا وأوروبا. قد تكون أعدادهم متواضعة مقارنة بأعداد اللاجئين الفارين من أفغانستان والعراق وسوريا خلال العقدين الماضيين، غير أن هذه الفئات تُمثّل مشكلة سياسية بالنسبة للمملكة حيث لم يعد بإمكان ولي العهد الشاب محمد بن سلمان، الذي يفترض أنه ينتهج مسارًا إصلاحيًا، تجاهلها بعد الآن.
وفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، قدّم حوالي 815 مواطنًا سعوديًا طلبات لجوء في سنة 2017، مع تحقيق زيادة بنسبة 318 بالمئة مقارنة بسنة 2012، دون احتساب عدد طالبي اللجوء بصفة غير رسمية بما في ذلك أولئك الذين يعيشون في الخارج في حالة المنفى الاختياري مما يؤخر عودتهم إلى البلاد خوفا من القمع. وقد كان الصحفي المقتول جمال خاشقجي أحدهم.
يطرح هذا الشتات السعودي الجديد والجريء العديد من المشاكل بالنسبة للمملكة. فمن ناحية، تنفق المملكة العربية السعودية ملايين الدولارات على المنح الدراسية من أجل تقليل اعتمادها على اليد العاملة الأجنبية. ولا يمكن لها أن تتحمّل تكاليف التضحية بمواطنيها الشباب الذين تلقوا تعليمًا عاليًا.
خلف كل طالب لجوء، قصة تكشف الظلم والقمع الذي يعاني منه المعارضون، وتقف على طرفيّ النقيض مع الرواية الرسمية التي تروّج لها السعودية، التي تعتبر نفسها دولة حديثة تغمرها الفرص الاقتصادية الجديدة. وإلى جانب العديد من الأسباب الأخرى، يضع طالبو اللجوء علاقات المملكة مع الحكومات المضيفة على المحك، حيث أن جميعها دول حليفة لها وتجمعها علاقات شراكة مع النظام في الرياض.
لقد كانوا يخشون التعرّض للقمع في حال عادوا إلى موطنهم
المعارضون الهاربون
أولى الأمير محمد بن سلمان اهتماما خاصا للشباب السعودي، حيث سخّر موارد ضخمة لتشجيع المبادرات الفنية وريادة الأعمال التي تهدف إلى انفتاح الاقتصاد ومكافأة روح الإبداع وتعزيز المواهب لدى الشباب. وفي هذا الإطار، بعث بن سلمان مؤسسة "مسك" الخيرية لتمكين الشباب من المشاركة في الاقتصاد السعودي. لكن أدى النظام القمعي الذي ينتهجه ولي العهد إلى خلق أعداد كبيرة من الشباب الذين غادروا البلاد طلبا للجوء في الخارج.
من جهة أخرى، انضم هؤلاء المعارضون الجدد الذين يعيشون في المنفى إلى العديد من الطلاب الذين حصلوا على منح حكومية للدراسة في أوروبا والولايات المتحدة في ظل حكم الملك عبد الله الذي امتد بين سنتي 2005 و2015، وفشلوا إثر ذلك في العودة لبناء "مملكة عربية سعودية حديثة". وفي الوقت الذي عزز فيه بن سلمان سلطته وأصبح يمثّل الوجه الجديد للسعودية سنة 2017، اعترى العديد من هؤلاء الطلاب الشك في مدى مصداقية وعود ولي العهد المتعلقة بالإبداع ومنح الفرص والازدهار. لقد كانوا يخشون التعرّض للقمع في حال عادوا إلى موطنهم، لا سيما وأنهم استفادوا من حرية التعبير في الخارج وانتقدوا النظام وفضحوا النقائص الموجودة فيه.
المنتدى العالمي لمؤسسة "مسك" بالرياض، المملكة العربية السعودية، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018.
كانت المخاوف التي تعتريهم راسخة، حيث أنه لم يكن من الصعب إثارة سخط النظام السعودي، الذي يعتبر نشر تغريدة أو كتابة رسالة على تطبيق واتس آب، أو المشاركة في حدث أكاديمي أو سياسي من الممارسات المعادية للنظام وكفيلة بوضعهم في قائمة المشتبه بهم. يمسك النظام السعودي بزمام الأمور ويفرض رقابة مشدّدة على السعوديين في الخارج، حيث يراقب ويتعقّب كل تحركات معارضيه باستخدام تكنولوجيا المراقبة المتقدمة. وعلى إثر اغتيال جمال خاشقجي، وقع الكشف عن فضائح مراقبة المعارضين في الخارج، حيث بات من المعروف للجميع أن النظام قد اخترق هاتف ناشط شاب يدعى عمر الزهراني في كندا وسجل الاتصالات التي جمعته بالصحفي جمال خاشقجي.
يقوّض طالبو اللجوء الشباب المتعلمون الدعاية السعودية حول الفرص الجديدة المعروضة في المملكة. وقد طعن الأمراء الذين يعيشون في المنفى الصورة المثالية لتضامن وتماسك العائلة المالكة التي تحاول الترويج لها. وقد انهارت هذه الصورة في نهاية المطاف منذ عملية التطهير التي نظمها في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، عندما احتجز محمد بن سلمان أمراء رفيعي المستوى على غرار الوليد بن طلال ومتعب بن عبد الله في فندق ريتز كارلتون في الرياض. ويؤكد هروب عدد من الأمراء واستقرارهم في الدول الأوروبية أنه في عهد ولي العهد الجديد، غيّر النظام استراتيجيته حيث كان يشتري ذمم الأمراء الذين يشكّلون تهديدا بالنسبة إليه إلى تهديدهم بالاحتجاز المهين.
وفي بعض الحالات، يصل الأمر إلى حد الاعتداء الجسدي والجنسي الذي يفرضه أولياء الأمور عليهن. وتنطوي الرحلات الصعبة هربا من موطنهنّ
يعتبر الأمير خالد بن فرحان آل سعود من بين الأمراء المعارضين الذين قوّضوا قوة النظام من بعيد. ففي منفاه في ألمانيا، أعلن الأمير خالد عن معارضته للنظام سنة 2013، وشنّ حملة إعلامية ضد محمد بن سلمان. وخلال مقابلات أجراها مع البي بي سي وغيرها من المؤسسات الإخبارية العالمية التي يعتبرها النظام معادية له، اتهم الأمير خالد العائلة المالكة بالنفاق، حيث أكّد أنها تعطي الحق لأفرادها للتمتع بالملذات المحظورة على غرار استهلاك المشروبات الكحولية أثناء إقامة الحفلات، في حين أنها تنكر هذا الحق على المواطنين العاديين. كما وصف هذا الأمير الملك سلمان بأنه "ملك مكيافيلي". وإثر مقتل خاشقجي، أكّد الأمير خالد أنه نجا من محاولة اختطاف في ألمانيا، التي يدّعي أنها كانت بأوامر من ولي العهد.
لا ينتمي الأمراء الذين وقع نفيهم إلى سلالة آل سعود التي حكمت المملكة منذ سنة 1933. لكن في الأسرة الحاكمة التي من المفترض أن يكون فيها الملكأول النظراء، يؤدي انشقاق أمير قاصر إلى زعزعة حكم الأسرة المالكة بأكمله. والآن بعد أن أصبح من الواضح أن الأمير محمد بن سلمان مستعد تمام الاستعداد لمعاقبة واختطاف وإذلال المنشقّين، لم يتبق أمام الأمراء الساخطين خيار سوى العيش في المنفى. وقد كان الأمير خالد محظوظا، في حين أن أمراء آخرين على غرار سيف الإسلام آل سعود وسلطان بن تركي آل سعود تعرّضوا للاختطاف من أوروبا وأُعيدوا إلى المملكة ولم يُسمع عنهم أي خبر منذ ذلك الحين.
مؤخرًا، ظهرت فئة جديدة من المعارضين السعوديين تسمى "الفتيات الهاربات"، حيث فرّت أكثر من ألف فتاة تتراوح أعمارهن بين 18 و25 سنة من البلاد في ظلّ حكم الأمير بن سلمان هربا من الرقابة الشديدة. وفي بعض الحالات، يصل الأمر إلى حد الاعتداء الجسدي والجنسي الذي يفرضه أولياء الأمور عليهن. وتنطوي الرحلات الصعبة هربا من موطنهنّ على مخاطر جمّة، إذ يزيد احتمال فرض المزيد من القيود والعقوبات عليهن في حال أُجبرن على العودة إلى السعودية.
في الآونة الأخيرة، جذبت قضية هروب فتاة سعودية انتباه الرأي العام الدولي. ففي الخامس من كانون الثاني/ يناير 2019، تعرضت رهف محمد القنون البالغة من العمر 18 سنة إلى الاحتجاز في مطار بانكوك بينما كانت في طريقها لطلب اللجوء في أستراليا. وقضت القنون عدة أيام في غرفة فندق في المطار قبل أن تمنحها كندا حق اللجوء. ولولا دعم العديد من الناشطين السعوديين وغير السعوديين لها، كانت ستلقى المصير ذاته الذي لقيته العديد من الفتيات الأخريات اللاتي لم يحالفهن الحظ، وأُرغِمن على العودة إلى السعودية.
إنهم يعارضون القيود المفروضة على حرية التعبير، وتفشي الفساد، وتهميش النساء والأقليات في المجتمع.
في الوقت الراهن، يقر النظام السعودي بوجود مشكلة إلى درجة أنه سمح ببث النقاشات المتعلقة بهذه القضية في وسائل الإعلام التي ترعاها الدولة بعد فرار القنون من البلاد. ويعني تناول هذه القضية إعلاميًا أن الحكومة بدأت تأخذ الأمور على محمل الجد، وربما يكون ذلك طريقة تعتمدها لصرف الانتباه عن الأزمة وإلقاء اللوم على الآباء أو أولياء الأمور.
جبهة متحدة
يتبنى السعوديون الذين يعيشون في المنفى الاختياري توجهات سياسيات متنوعة للغاية. ولكنهم في المقابل، متّحدون فيما يتعلق بتحفّظاتهم الشديدة بشأن النظام السعودي بقيادة محمد بن سلمان، حيث أنهم يعارضون القيود المفروضة على حرية التعبير، وتفشي الفساد، وتهميش النساء والأقليات في المجتمع، وانتهاك حقوق الإنسان. وخلال المؤتمر الأخير للمعارضة الذي نظمه المنتدى الجديد "ديوان لندن" في كانون الأول/ ديسمبر 2018، كان النقاش حول القضايا المتعلقة بانتهاك حقوق الإنسان في السعودية محورًا أساسيًا في المؤتمر.
كان بين المشاركين في هذا المؤتمر الناشطة هالة الدوسري المقيمة في واشنطن، التي أصبحت تكتب مقالات في صحيفة واشنطن بوست على غرار جمال خاشقجي، والناشطات النسويات مثل أماني الأحمدي وأماني العيسى، بالإضافة إلى الإسلاميين الذين يعيشون حديثا في المنفى على غرار المعارضين سلطان العبدلي ومحمد العمري وأحمد بن راشد بن سعيّد ومحمد القحطاني والناشط الشيعي فؤاد إبراهيم. كما شارك في هذا المؤتمر المعارضون الذين فروا من المملكة في تسعينيات القرن الماضي، على غرار محمد المسعري الحاصل على شهادة الدكتوراه في الفيزياء النووية. وقدم كل المشاركين تصوراتهم حول نظام مختلف يحكم السعودية، حيث دعا البعض إلى اتخاذ تدابير عملية لوقف عمليات القمع والاحتجاز، بينما دعا آخرون إلى الإطاحة بالنظام.
حتى الآن، لم تعتبر السعودية ولا الحكومات المضيفة طالبي اللجوء قوة سياسية. وفي ظلّ تزايد أعدادهم، أصبحوا يشكّلون جبهة موحدة، ما يعني أن المعارضين الذين يعيشون في المنفى باتوا يمثلون مصدر حرج متزايد بالنسبة للنظام وحلفائه، لا سيما وأن الكثيرين منهم ينشطون بشكل منتظم في وسائل الإعلام العالمية ويقومون بتحليل الشؤون السعودية ما سيساهم في تأليب الرأي العام ضد النظام.
فعلى سبيل المثال، لدى الناشطة السعودية المعتقلة لجين الهذلول شقيقان يعيشان خارج المملكة؛ وليد يعيش في الولايات المتحدة، وعلياء في بلجيكا، وكلاهما يقودان حملة واسعة النطاق لإطلاق سراح شقيقتهما ونقل الانتهاكات والتعذيب الذي تتعرض إليه في السجون السعودية إلى وسائل الإعلام العالمية. كما أن التقارير الشاملة التي تقدمها منظمات حقوق الإنسان والوكالات التابعة لمنظمة الأمم المتحدة ووسائل الإعلام العالمية تجعل من الصعب على الدول المضيفة حرمان هؤلاء السعوديين من حقهم في اللجوء.
يحاول النظام السعودي الحد من موجات الهجرة، مثلا، من خلال حظر النشطاء والمعارضين من السفر؛ وهي استراتيجية لجعل أصدقائه قريبين وأعدائه أقرب.
في الماضي، اعتمدت المملكة العربية السعودية على حلفائها لترحيل المعارضين الذين يعيشون في المنفى الاختياري، إذ كانت تعتبر منحهم حق اللجوء بمثابة خيانة للنظام. وقد شهدت العلاقات الديبلوماسية بين كل من كندا والسعودية توترا بسبب انتقاد الحكومة الكندية لانتهاكات حقوق الإنسان في المملكة، إلى جانب استضافتها للمعارضين، على غرار إنصاف حيدر، زوجة الكاتب والناشط رائف بدوي الذي حُكم عليه بالجلد ألف جلدة وعدة سنوات في السجن بسبب تأسيسه موقع إلكتروني أطلق عليه اسم "الليبراليون السعوديون". فضلا عن ذلك، يعيش الزهراني في كندا صحبة حوالي مائتي طالب لجوء شاب آخرين.
يخشى النظام أن يساهم حصول المعارضين الذين يعيشون في المنفى على حق اللجوء في تشجيع السعوديين على الفرار من البلاد. فتحركات أعداد كبيرة من المعارضين الذين يعيشون في الخارج تمثل أسوأ كابوس بالنسبة للنظام السعودي، لا سيما الشخصيات البارزة والمؤثرة. ويعتبر اغتيال خاشقجي دليلا واضحا على سياسة عدم التسامح مع هذه الأصوات الناقدة في الخارج؛ فهي لا تعتبر مصدر إزعاج فحسب وإنما تهديدا للأمن القومي أيضا. فكلما وصل المعارضون إلى أراضي حلفاء ولي العهد وأنصاره، ضغطت الرياض على الحكومات المضيفة للتقليل من أعدادهم وحرمانهم من حق اللجوء.
حتى بعد الغضب الذي اجتاح الرأي العام الدولي إثر مقتل خاشقجي، لم يتراجع النظام السعودي عن قمعه الشديد لمعارضيه، ومازال محمد بن سلمان مصرّا على خلق أعداء له. ولكنه لن يكون قادرا على شراء ذممهم أو ترهيبهم أو القضاء عليها جميعا، وسيستمر الشتات السعودي في النمو. في المقابل، قد يحاول النظام السعودي الحد من موجات الهجرة، مثلا، من خلال حظر النشطاء والمعارضين من السفر؛ وهي استراتيجية لجعل أصدقائه قريبين وأعدائه أقرب.
المصدر: مجلة فورين افيرز