مركز أبحاث الأمن القوميّ: قتل خاشقجي سيدفع السعوديّة لزيادة تأثيرها واستثماراتها بالـ”حرب” ضدّ إيران ووضع وليّ العهد غيرُ مُستقّرٍ ومصالِح إسرائيل في خطرٍ
الناصرة – “رأي اليوم”- من زهير أندراوس:
ما زالت ارتدادات جريمة قتل الإعلاميّ السعوديّ، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده بإسطنبول في تُركيّا، تُلقي بظلالها على الأجندة الإسرائيليّة، حيثُ تُسلّط مراكز الأبحاث والعديد من المُستشرِقين الضوء على تداعيات القضية وبشكلٍ خاصٍّ على مصير وليّ العهد محمد بن سلمان، الذي يُعتبر صديقًا حميمًا لدولة الاحتلال، ورأس الحربة في المساعي الحثيثة لما يُسّمى في تل أبيب وقف التمدّد الإيرانيّ في منطقة الشرق الأوسط، وعدم السماح لطهران بمُواصلة تطوير برنامجها النوويّ، علمًا أنّ التقدير الإستراتيجيّ في الدولة العبريّة أكّد على أنّ إيران، هي العدوّ الثاني من حيث الخطورة على إسرائيل، بعد حزب الله، وقبل حماس.
بناءً على ما تقدّم، لم يكُن مفاجئًا بالمرّة أنّ مركز أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ، التابِع لجامعة تل أبيب، أكّد في دراسته الأخيرة بدون لفٍ أوْ دورانٍ، على أنّ مصلحة إسرائيل والولايات المُتحدّة الأمريكيّة تكمن في المُحافظة على استقرار المملكة السعوديّة، وبالتالي، يقول الباحِث يوئيل غوجانسكي، إنّ هذا الأمر يدفع الرياض إلى عرض نفسِها أكثر فأكثر كقائدة الحرب ضدّ إيران، في مسعىً منها لإبعاد التداعيات السلبيّة لقتل خاشقجي من وليّ العهد السعوديّ، محمد بن سلمان، وأنْ تعمل السعوديّة بشكلٍ كثيفٍ على إقناع واشنطن بأنّ لا بديل عنها في الحرب ضدّ إيران، على حدّ تعبير الباحِث الإسرائيليّ.
ولفت غوجانسكي إلى أنّه يتحتّم على السعوديّة إجراء إصلاحاتٍ داخليّةٍ على الرغم من أنّ الاقتصاد في المملكة تراجع سلبًا منذ تعيين بن سلمان وليًا للعهد، إذْ أنّ الاستثمارات وصلت إلى الحضيض في العام 2017، أيْ 1.4 مليار دولار، وذلك بسبب خشية المُستثمرين الأجانب، وأيضًا أصحاب رؤوس الأموال في السعوديّة من وضع أموالهم في المملكة، في خطوةٍ تُعتبر سابقة خطيرة على الرياض، بحسب تعبيره.
وساقت الدراسة الإسرائيليّة قائلةً إنّه على هذه الخلفية برزت في واشنطن الخشية من تردّي العلاقات الأمريكيّة-السعوديّة، مُشدّدّةً على أنّ مُواصلة تردّي العلاقات الثنائيّة بينهما ستؤكّد على أنّ رهان الرئيس دونالد ترامب على القيادة السعوديّة لتكون العمود الفقريّ في الحرب على إيران كان خاطئًا، وعمليًا، عندما يتنامى الخطر على الاستقرار الداخليّ للمملكة عشية دخول العقوبات الأمريكيّة الجديدة ضدّ طهران في الشهر القادِم، فإنّ علامات السؤال حول الإستراتيجيّة الأمريكيّة، أيْ الاعتماد على السعوديّة، ستزداد حدّتها، وتؤكّد بشكلٍ غيرُ قابلٍ للتأويل بأنّ الإستراتيجيّة لم تكُن صحيحةً، وبالتالي فإنّ ذلك سيعود سلبًا على المساعي الأمريكيّة وإسرائيل لزيادة الحصار على إيران بهدف إضعافها، كما أكّد الباحِث الإسرائيليّ.
وشدّدّت الدراسة على أنّ الكثيرين في الغرب بشكلٍ عامٍّ، وفي إسرائيل بشكلً خاصٍّ، عوّلوا على وليّ العهد بن سلمان، على الرغم من علامات الاستفهام حوله، وعلى الرغم من أضواء التحذير التي ملأت العالم، مُضيفةً إنّه في أعقاب جريمة خاشقجي سيزداد الوضع الداخليّ في المملكة سوءًا، وسيصِل إلى الذروة في حال تقرّر تعيين بن سلمان ملكًا للسعوديّة، إذْ أنّ بن سلمان “استطاع” إيجاد الأعداء له، وحتى اللحظة لم يتمكّن من أنْ يصل إلى وضعٍ يكون فيه مُستقّرًا وحاضرًا لتولّي دفة الأمور في المملكة، قالت الدراسة.
وبطبيعة الحال، تطرّق الباحِث غوجانسكي إلى الزاوية الإسرائيليّة، حيث رأى أنّ فترة عدم الاستقرار في المملكة، بالإضافة إلى خلافاتٍ بين واشنطن والرياض، من المؤكّد أنّهما سيُلقيان بضوئهما السلبيّ مُباشرةً على مصالح الدولة العبريّة، والمسّ بشكلٍ كبيرٍ بها، كما أنّ ذلك، سيؤدّي إلى إعادة النظر في إسرائيل حول علاقاتها مع السعوديّة، والتعويل على القيام بخططٍ ومشاريع مُشتركةٍ معها، أوْ بكلماتٍ أخرى، قال الباحِث، لا يُمكِن لتل أبيب أنْ ترى على ضوء التطورّات الأخيرة وعدم استقرار الوضع في المملكة، لا يُمكِن أنْ ترى في السعوديّة شريكةً، على حدّ قوله.
إلى ذلك، رأى المُستشرِق د. تسفي بارئيل في (هآرتس) أنّه من الصعب إيجاد تفسيرٍ معقولٍ لمسألة لماذا قتل الخاشقجي بالذات هو ما أثار المجتمع التجاريّ، وليس حملة مطاردة أردوغان للصحافيين، أوْ قتل الصحافيين في روسيا أوْ اعتقال صحافيين في الصين، لافتًا إلى أنّه ربمّا أنّ الانتقاد الطويل ضدّ النظام العالميّ الجديد، الذي ينتقد الشركات الضخمة بسحق القيّم وحقوق الإنسان من خلال الاستغلال والجشع والتنكر للأخلاق العالمية، هو الذي أوجد الانعطافة.
وتابع: ربمّا يكون الفهم بأنّ التعاون مع دولةٍ قاتلةٍ ليس جيدًا للأعمال هو الذي شجّع رجال الأعمال على عدم المشاركة في مؤتمر (دافوس الصحراء)، وربمّا العكس صحيح، مُضيفًا أنّه ليست كثيرةً تلك الدول في العالم التي تستطيع مثل السعودية الدفع نقدًا مقابل تنفيذ الأعمال، وتاريخ ائتمانها جيّد مثل تاريخ المملكة.
واختتم بارئيل قائلاً: المنافسة على الجيوب السعوديّة كبيرة، وكانت تكفي رؤية البعثات اليابانية والروسية الكبيرة التي وصلت إلى الرياض من أجل الفهم أنّ التضامن الأخلاقيّ لن يُعيق المنافسة التجاريّة، بحسب تعبيره.