«السلام» السعودي في 2018: من «مبادرة عبدالله» إلى شروط ترامب

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2305
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

على وقع اعتراف دونالد ترامب بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل» ورميه على طاولة «السلام»، قفزت السعودية من مشروع التطبيع الذي تحمله منذ عام 2002 بناءً على «مبادرة السلام العربية» إلى مشروع «التطبيع المجاني» في عام 2018. وكما في كلّ مرة، أسقط وضع القدس «أقنعة» دول عربية كان لها اليد الطولى في القرار الأميركي، ليكون «بوصلة» لأي «مبادرات سلام» جديدة، على أن تكون خالية من أي تنازلات إسرائيلية، بذريعة «الأولويات» السعودية: «مواجهة الخطر الإيراني»
علي جواد الأمين
منذ «قمم ترامب» الثلاث في الرياض، وصولاً إلى الاعتراف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل»، ثمة مسار أميركي ــ سعودي لإعلان «سلام» جديد في الصراع العربي ــ الإسرائيلي. ولم يخف ذلك، اللقاءات والاتصالات و«التسريبات» السابقة واللاحقة لقرار الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال، فلم يكن مستغرباً ما كشف عنه الإعلام الإسرائيلي بأنّ السعودية ومصر أعطتا الرئيس الأميركي موافقتهما على اعتراف إدارته بالقدس عاصمة للاحتلال، بل عكس ذلك تماماً «مسرحية» رد الفعل السعودي الرسمي «الخجول» برفض القرار، مقابل رد الفعل غير الرسمي المجاهر بتقبّل القرار، والذي تمثل بجناحي ولي العهد محمد بن سلمان: الدعاة والإعلاميين (المتبقين خارج السجون).
ولعل الهدوء في خطبتي الحرمين المكي والمدني في أول جمعة بعد القرار خير مثال، في وقت كانت فيه العواصم العربية تضجّ بالرفض، أما سِرب الكتّاب والإعلاميين المقربين من ولي العهد، فقد نشطوا على موقع التواصل «تويتر» في امتصاص القرار واستذكار «خيانات» الفلسطينيين، كما زعموا، ناصحين الشباب السعودي بعدم الانصياع لـ«الكضية» كما حلا لهم التعبير عن القضية، في محاولة لـ«ضبط مفاعيل الشارع الإسلامي»، تنفيذاً لوعد محمد بن سلمان لجاريد كوشنر، صهر ومستشار ترامب، بعد «مظاهر تنديد لا بد منها في البداية»، بحسب ما كشفت القناة «العاشرة» الإسرائيلية. وقد نجح هؤلاء بالفعل، في إظهار موقف الرياض الحقيقي من الاعتراف المعلوم مسبقاً.

من «مبادرة السلام العربية» ممكنة
بعيداً عن التنسيق السعودي ــ الأميركي ــ الإسرائيلي من «ألف» إلى «ياء» القرار الأميركي، إلا أنّ خيارات الرياض منعدمة إقليمياً، وليس أمامها سوى التعامل مع قرار ترامب على أنّه «واقع»، على الرغم من تمسكها بـ«مبادرة عبدالله» رسمياً إلى الآن، في انتظار مآل تداعيات الاعتراف الخطير، قبل البدء في طرح «مبادرة سلام» جديدة خالية من أي شروط تتعارض وتطلعات ترامب الصعبة المنال، لأنّ أي خيار سعودي آخر من شأنه وقف عملية «السلام»، وبالتالي «تجميد» مسار التطبيع، ما لن يُصيب العلاقة السعودية ــ الأميركية فحسب، بل سيصيب بالعمق، لائحة المشاريع السعودية داخلياً وخارجياً، والتي تعتمد في جزء كبير منها على «إسرائيل»، بدءاً من «نيوم»، وصولاً إلى «اتفاقية تيران وصنافير»، وليس انتهاءً بالمعارك التي تخوضها على الحلبتين الخليجية مع قطر والإقليمية مع إيران، في اليمن وفلسطين ولبنان، الأمر الذي قد يُعرّض المملكة «للذبح» على يد حلفائها كما وعدها ترامب خلال حملاته الانتخابية، في ظل تردي حالها السياسي.
الموقف السعودي الواضح من قرار ترامب، وما تلاه من دعوة لرئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي السريعة إلى «التفاوض» بشأن المدينة، يشي بأنّ الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين، ينتظرون من السعودية طرح مبادرة جديدة برعاية أوروبية، لا يؤخذ منها للفلسطينيين حقاً. فبعد 15 عاماً من اعتماد السعودية رسمياً «مبادرة السلام العربية» التي لم تأت على ذكر الملك سلمان في افتتاح أعمال الدورة السنوية لمجلس الشورى في الرياض أمس، اختصر قرار ترامب على السعوديين أشواطاً في «عملية السلام» المرجوة، وليس أمام المملكة بعدها، سوى الانطلاق من «الأمر الواقع» الذي لم يترك مجالاً لصيغتها الحالية، ووضع «لمسات جذرية» في بندَيها الثاني والثالث بالتحديد، على أن تُلغي أولاً طلب «التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يُتفق عليه وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 194»، والذي يقرّر «وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم»، لتتناسب مع مبادرة ترامب التي تنص، بحسب ما كشفت «القناة الإسرائيلية الثانية» الشهر الماضي، على عدم تفكيك أي مستوطنة صهيونية أو إجلاء أي مستوطن من الضفة الغربية، من دون حق العودة للاجئين الذين شُرّدوا في حربي 1948 و1967. وثانياً، على السعودية إذا أرادت الحفاظ على تحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، إلغاء البند الثاني من المبادرة، الذي يطلب «قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من حزيران عام 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة، (على أن) تكون عاصمتها القدس الشرقية»، مقابل الطلب بجعل بلدة أبو ديس بدلاً من «القدس الشرقية» عاصمة لحكم فلسطيني ذاتي محدود، بحسب تسريبات لمشروع ترامب، كشف عنها الإعلام الأميركي والإسرائيلي في الآونة الأخيرة. أما البند الأول المطالب بـ«الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة، بما في ذلك الجولان السوري وحتى خط الرابع من حزيران 1967، والأراضي التي لا تزال محتلة في جنوب لبنان»، فهو خارج الحسابات الإقليمية سعودياً وبحكم الملغى.
وفيما تقرُّ مبادرة ترامب أيضاً، بحق «إسرائيل» في بقاء جيشها على الحدود الفاصلة بين الضفة الغربية والأردن، بحجة «ضمان أمن حدود إسرائيل الشرقية» من تسلل عناصر «من الحركات والتنظيمات الجهادية الإسلامية من الأردن»، تظهر علامات الامتعاض في الأردن من المشروع الذي ينهي وصاية «المملكة الهاشمية» على الأماكن المقدسة في فلسطين.

«السلام» السعودي... في 2018؟
قبل «إعلان ترامب»، أطلع محمد بن سلمان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أثناء زيارته الأخيرة والمفاجئة للرياض مطلع الشهر الماضي، بالتفصيل على «مشروع السلام» الأميركي الجديد، عقب لقاءاته مع كوشنر، وعرض ولي العهد مساعدات مالية ضخمة للسلطة «لحثه (عباس) على قبول المبادرة الأميركية»، وهو ما أكده مسؤولون فلسطينيون أخيراً لوكالة «رويترز»، من دون ذكر أسمائهم، أن محمد بن سلمان والرئيس عباس، بحثا «صفقة كبرى»، متوقعين كشف النقاب عنها في النصف الأول من عام 2018، وربما يكون موعد طرحها ومناقشتها، في آذار المقبل، حيث ستستضيف الرياض القمة العربية الـ 29، بناءً على طلب الإمارات.
يبدو أن قرار ترامب جزء من سيناريو متّفق عليه في «معسكر ترامب» للقفز عن العراقيل التي شابت عملية «السلام»، وخصوصاً المصالحة الفلسطينية، وهو ما أشار إليه الكاتب الأميركي اليهودي المعروف بـ«اليد الخفية» في السياسة الأميركية، نوح فيلدمان، الذي عرض سيناريو المخطط في مقال لصحيفة «الشرق الأوسط» السعودية ووكالة «بلومبيرغ»، وأوضح فيه أن القرار هو «السبيل الوحيد لإبرام اتفاق السلام»، لعلمه المسبق بأنّ تل أبيب لن تقدم على أي تنازلات تجعل من «مبادرة السلام العربية» ممكنة.
الكاتب الذي يُعرف بأنه «صاحب النظرية السحرية في تقسيم الشعوب»، نظراً إلى باعه الطويل في العمل الاستخباري في كل من العراق ومصر وتونس وأفغانستان، أكد أنّ الجانب الفلسطيني سيوُضَع أمام خيار واحد لا غير، هو «الموافقة على أفضل الصفقات الممكنة، وربما هي الأسوأ قليلاً، مما رفضه (الرئيس الراحل) ياسر عرفات من قبل في عام 2000 في كامب ديفيد»، حيث رفض «الحلول الوسط» التي عرضها الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون بشأن القدس.
ترامب قفز عن «الحلول الوسط» التي عرضتها واشنطن في السابق، لكنّه ترك الباب مفتوحاً لتوقيت نقل السفارة إلى القدس، وهي الخطوة التي من دونها يبقى القرار عملياً فارغاً من أي مفاعيل على الأرض.
وفيما لم يحدِّد ترامب جدولاً زمنياً، توقع المسؤولون الأميركيون أن يستغرق نقل السفارة ثلاث أو أربع سنوات، ما يعني أنّ تفعيل القرار سيكون برسم تداعياته ومفاوضات الحل النهائي، ليبقى «الإعلان» مجرّد فاتحة لـ«سلام» جديد، يسمح بأفضل الأحوال، بتقسيم القدس بمباركة عربية، على أن «يبيع» ترامب حكام الرياض «الفضل» بجعل «القدس الشرقية» عاصمة لفلسطين، لكن من دون أي تنازلات إسرائيلية في الضفة الغربية أو بشأن حق العودة للاجئين.
وإن كان للسعودية تصور محدد في القضية التي أكملت نصف قرن من التيه، إلا أنّ إدارة ترامب عملياً لم تبحث في أي تصور غير الذي تراه «إسرائيل» مناسباً، وتضع السعودية في تصوراتها بعيداً عن حسابات «الضغوط العربية»، فلا تتعامل مع الرياض على أنها تملك خيارات، وهو ما بدا في تجاهل ترامب للبيانات التي أصدرتها الخارجية السعودية وسفارتها في واشنطن قبل «الإعلان»، والاكتفاء بإعلان البيت الأبيض بعد دقائق من إعلان ترامب، أن محمد بن سلمان لا علاقة له بقرار الاعتراف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل»... إعلانٌ، كان أشبه بنكران التهمة قبل الاتهام.

«محطة»
دور السعودية في هذه المرحلة لا ينقطع عن دورها السابق منذ ما بعد حرب 1948. هي «محطة» من مسار طويل وفق البرقيات التاريخية المسربة. بدءاً من «صفقة بيع فلسطين»، التي دخل فيها عبد العزيز بن سعود، مؤسس السعودية، في مفاوضات سريّة في عام 1943، لبيع فلسطين مقابل 20 مليون جنيه بحسب الوثيقة المحفوظة في الأرشيف البريطاني، وصولاً إلى طلب السعودية من الاحتلال الاستيلاء على قطاع غزة والضفة الغربية، ولا سيما القدس، بحسب وثيقة أخرى تم تأريخها في 27 ديسمبر عام 1966، تعود إلى وزارة الخارجية السعودية، نشرها موقع «ويكيليكس»، ووردت في كتاب «البرقيات السرية لوزارة الخارجية السعودية» الذي أعده المؤلف سعود بن عبد الرحمن السبعاني.