«ستراتفور»: لماذا ذهب الملك «سلمان» إلى روسيا؟
ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد
في توقعات «ستراتفور» السنوية لعام 2017، ذكرنا أن المملكة العربية السعودية تستعد لتقديم الاكتتاب العام الأولي لشركة أرامكو السعودية في عام 2018، في محاولة لتوسيع نطاق صندوقها للاستثمار العام، لتبني استثمارات أكثر مخاطرة في الخارج، في محاولة لتحويله إلى صندوق ثروة سيادية حقيقي. وذكرنا أيضا أن روسيا تواجه فترة طويلة من الركود الاقتصادي، وعليها أن تلتزم بميزانية متحفظة إلى أن ترتفع أسعار النفط بشكل مجد مرة أخرى. وجاءت زيارة الملك السعودي «سلمان» مؤخرا لموسكو كجزء من هذا السرد، فكل من السعودية وروسيا في أوضاع اقتصادية ضعيفة، وكلاهما يستفيد من علاقة أوثق بالآخر.
وكان الملك «سلمان» قد صنع التاريخ كأول ملك سعودي يزور روسيا. ولم تكن السعودية وروسيا أبدا في وئام، لكن الظروف قد اتسقت بطريقة تدفع كل منهما إلى الآخر. ويقضى الملك «سلمان» 4 أيام في موسكو للاجتماع مع مسؤولين روس رفيعي المستوى، من بينهم الرئيس «فلاديمير بوتين»، وتدور النقاشات في الغالب حول الطاقة والاقتصاد. إلا أن الجانبين سيحاولان أيضا إيجاد أرضية مشتركة حول قضايا أخرى أكثر إثارة للجدل، بما فى ذلك تورط روسيا في نزاعات الشرق الأوسط، وعلاقات السعودية بالمناطق الإسلامية في روسيا.
مخاوف متبادلة
وكانت السعودية قد قطعت علاقاتها مع الاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة، ومنذ ذلك الحين لم تكن الأمور على ما يرام بين البلدين. وتتهم موسكو السعودية بتمويل المناطق الإسلامية الانفصالية في روسيا في التسعينات، الأمر الذي أدى إلى حربين وحشيتين في شمال القوقاز. ومن ثم لا يمكن توجيه اللوم إلى روسيا في قلقها بشأن العلاقات السعودية الحالية مع الجمهوريات الإسلامية في روسيا. ويشعر الكرملين بالقلق من أن ترتفع النبرة الانفصالية الإسلامية مرة أخرى، نظرا لأن العديد من المناطق الإسلامية، بما في ذلك تتارستان، قد أعلنت انتقادات للحكومة الروسية مؤخرا، فضلا عن امتلاك مناطق، مثل الشيشان، قوات عسكرية مستقلة وقوية. وتطلع كل من تتارستان والشيشان إلى السعودية للاستثمار والتمويل في الأعوام الأخيرة. وتأمل موسكو أن تتمكن من خلال فتح خط اتصال مع المملكة من كبح أي دعم سري لمناطقها الإسلامية وتجنب عدم الاستقرار.
وفي الوقت نفسه، تعتبر روسيا قوة واضحة وقوية في العديد من الصراعات في الشرق الأوسط، تلك الصراعات التي تركز عليها السعودية، بما في ذلك في سوريا واليمن وليبيا. وكثيرا ما تكون روسيا والمملكة على ضفتين متقابلتين في هذه الصراعات، ولكن أحيانا قد تكون هناك فائدة في أن تكونا على جانب مختلف من نفس الطاولة. ويواجه الخصم الرئيسي للمملكة، إيران، علاقة معقدة مع روسيا، وقد تأمل الحكومة السعودية في استغلالها. وعلى الرغم من تعاون روسيا الكبير مع إيران على مدى الأعوام القليلة الماضية، إلا أن مصالحهما لا تصطف دائما، ويمكن للمملكة استخدام ذلك لصالحها، في إطار عملها على مواجهة التوسع الإيراني في الشرق الأوسط.
صفقات ومصالح
وبترك خلافاتهما جانبا، عندما يتعلق الأمر بالطاقة والاقتصاد، تتداخل مصالح روسيا والسعودية أكثر من أي وقت مضى. ومن المتوقع أن يكون العائد الاقتصادي لزيارة هذا الأسبوع كبيرا، حيث أعلنت شركة النفط السعودية، أرامكو، وصندوق الاستثمار المباشر الروسي عن صندوق بقيمة مليار دولار لمشاريع الخدمات النفطية في روسيا والمملكة، وسوف ينشئ الصندوق صندوقا للتكنولوجيا تبلغ قيمته مليار دولار. ومن المتوقع أن تعلن الحكومة السعودية عن استثمار بقيمة 150 مليون دولار في شركة أوراسيا للتنقيب. ومن المتوقع أن تناقش أرامكو السعودية استثمارا محتملا في مشروع الغاز الطبيعي المسال في القطب الشمالي التابع لشركة نوفاتيك، وأن تتحدث عن مشروع مشترك مع شركة سيبور القابضة لبناء مصنع لتصنيع المطاط الصناعي. وسيتم التوقيع على مذكرات تفاهم، وقد وافقت مؤسسة الصناعات العسكرية السعودية بالفعل على البدء في التفاوض بشأن إمكانية شراء عدد كبير من الأسلحة والمعدات العسكرية الروسية.
ويعد الدور الفعال لروسيا والسعودية، باعتبارهما اثنين من أكبر ثلاثة منتجين للنفط في العالم، أمرا حيويا لأي عمل منسق على الصعيد العالمي في أسواق النفط، وتتماشى مصالحهما في الوقت الراهن. وقد اجتمع وزيرا الطاقة، «خالد الفالح» و«ألكسندر نوفاك»، يوم 5 أكتوبر/تشرين الثاني، لبحث أسواق النفط والجهود الرامية إلى تمديد اتفاق خفض إنتاج النفط العالمي. ولم تعترف أي من الوزارتين بالعمل معا على إبرام اتفاق تمديد، ولكنهما سيعملان بالتأكيد على مراقبة أسواق الطاقة عن كثب خلال الأشهر القليلة المقبلة، وإذا لزم الأمر، سيعملان معا على التمديد. وقبل يوم واحد من اجتماع وزراء الطاقة، قال «بوتين» إنه سيكون منفتحا على تمديد الاتفاق حتى نهاية عام 2018، إلا أنه لن يتم اتخاذ قرارا حتى شهر مارس/آذار من العام المقبل. وهناك شيء واحد واضح، لن يقدم أي من البلدان على دفع سوق النفط إلى الانهيار بسبب الخروج غير المنضبط من الاتفاق. وإذا لم يتم التفاوض على التمديد، ستعمل السعودية وروسيا على تنظيم كيفية الخروج.
وتشهد الفوائد المتبادلة من الزيارة على حقيقة أنها جاءت في معظمها حول التعاون السعودي الروسي في مجالي الاقتصاد والطاقة. ولدى المملكة احتياطيات كبيرة من العملة الصعبة تحتاجها روسيا لمشاريع لا تعد ولا تحصى. ومن جانبها، تحتاج المملكة إلى دعم روسيا لخططها للطاقة، والتي تعتبر حيوية لخطة رؤيتها الاقتصادية لعام 2030 الأوسع نطاقا. وتساعد المشاريع التعاونية السعودية الروسية، مثل مصنع المطاط الصناعي، الذي سيتم بناؤه في المملكة، في تحقيق أهداف «رؤية 2030». وستكون الفوائد السياسية من الزيارة أقل أهمية، ولكن من الواضح أن السعودية وروسيا لديهما مصلحة في بناء علاقات أوثق لأسباب سياسية واقتصادية.
المصدر | ستراتفور