ما السر وراء تسابق دول الخليج العربي نحو التسلح؟
كتب دانيال شتاينفورث وكريستيان فايسفلوغ
في الوقت الراهن، تقوم الدول الخليجية بشراء الأسلحة المتطورة تكنولوجيا من الدول الغربية ضمن صفقات تقدر بالمليارات، في حين تعتمد إيران على أسلحة تقليدية. في حقيقة الأمر، تقبل الدول النفطية على شراء الأسلحة بشكل غير مسبوق وخاصة المملكة العربية السعودية التي ضاعفت ميزانيتها العسكرية خلال السنوات الأخيرة. ويعزى ذلك إلى سببين رئيسيين، ألا وهما الثورة الإسلامية الإيرانية التي جدت سنة 1979، وسقوط الرئيس العراقي الأسبق، صدام حسين سنة 2003، إبان الغزو الأمريكي.
لطالما كانت المملكة العربية السعودية تخشى على موقعها الريادي في العالم الإسلامي في أعقاب سيطرة نظام الملالي على السلطة في إيران. وخلال الفترة الفاصلة بين سنة 1978 و1982، ضاعفت المملكة العربية السعودية نفقاتها العسكرية لتبلغ 27 مليار دولار. من جانبها، فقدت الولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب الباردة حليفا مهما في الشرق الأوسط بعد سقوط نظام الشاه في إيران. ونتيجة لذلك، تعززت العلاقات الأمريكية السعودية، حيث أصبحت واشنطن تزود الرياض بكميات كبيرة من الأسلحة بهدف المحافظة على التفوق العسكري السعودي.
من جانب آخر، تولت حكومة شيعية مقاليد الحكم في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، الأمر الذي عزز نفوذ طهران في المنطقة على حساب السعودية. وعلى ضوء هذه المعطيات، ضاعفت الرياض من ميزانيتها العسكرية بنحو أربع مرات خلال الفترة الممتدة بين سنة 2003 و2015، لتبلغ 87 مليار دولار سنة 2015، وذلك على الرغم من أن أسعار النفط فقدت نصف قيمتها بعد سنة 2008.
الهلال الشيعي
أصبحت المملكة العربية السعودية على يقين بأن كابوس "الهلال الشيعي" الممتد من طهران إلى البحر المتوسط سيتحول إلى حقيقة في ظل تزايد النفوذ الإيراني في سوريا، علما وأن ذلك يعد السيناريو الأسوأ بالنسبة للرياض. علاوة على لذلك، يعد تشكيل حركة شيعية انفصالية بقيادة إيران في شمال شرق السعودية بمثابة ضربة قاضية بالنسبة للمملكة السنية.
وتجدر الإشارة إلى أن مخاوف السعودية إزاء المد الإيراني في المنطقة لا تعد السبب الوحيد الكامن وراء سعي المملكة السعودية للتسلح. ووفقا لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي "سيبري"، بلغت الميزانية العسكرية الإيرانية خلال السنة الماضية حوالي 13 مليار دولار.
في المقابل، أنفقت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة معا، أكثر من 100 مليار دولار من أجل تعزيز قواتها العسكرية. ويعزى هذا الاختلاف الكبير على مستوى النفقات العسكرية بين إيران والدول الخليجية إلى أن الدول الخليجية تقبل على شراء الأسلحة باهظة الثمن وذلك للتفوق على إيران المتطورة تكنولوجيا. وفي هذا الصدد، أفاد الباحث لدى كلية كينجز لندن، ديفيد روبرتس أن "إيران لا تملك حظوظا متكافئة في حال نشوب أي حرب نظرا لأن الطائرات المقاتلة الإماراتية قادرة على تدمير السلاح الجوي الإيراني خلال وقت قصير".
كسب ولاء الدول الغربية
في هذا الصدد، أكدت مصادر مطلعة أن الدول الخليجية تسعى إلى كسب دعم الدول الغربية على غرار الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، وذلك من خلال إبرام صفقات أسلحة ضخمة تقدر بمليارات الدولارات.
في الحقيقة، يسعى كل حاكم خليجي إلى إبهار نظيره من خلال استعراض أحدث الأسلحة المتطورة تكنولوجيا. ومن هذا المنطلق، يقف انعدام الثقة بين الدول الخليجية عائقا أمام تكوين جيش قوي أو تحالف عسكري خليجي ضد إيران. وفي الأثناء، تملك المملكة العربية السعودية قوات منفصلة عن الجيش تضم الحرس الوطني والحرس الملكي، فضلا عن الميليشيات
خلال عهد الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، حثت واشنطن دول الخليج على بناء درع دفاعي صاروخي ضد إيران، ولكن هذه الدول لم تلبي هذا الطلب نظرا لانعدام الثقة بينها. وفي سنة 2013، قرر مجلس التعاون الخليجي تشكيل تكتل عسكري خليجي موحد. في المقابل، كشفت الحرب في اليمن مدى عمق الخلاف بين الدول الخليجية، حيث رفضت كل من عمان والكويت المشاركة في هذه الحرب، في حين بادرت قطر بسحب قواتها على خلفية الأزمة الخليجية الأخيرة.
و في هذا السياق، أشار الكتاب السنوي "التوازن العسكري" الصادر عن المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية إلى أن "الحرب اليمنية تخاض دون قائد". وفي السياق ذاته، أفاد الخبير في الشؤون الخليجية، ديفيد روبرتس أن "المملكة العربية السعودية قد تورطت في الحرب اليمنية بشكل سيء للغاية".
في الواقع، تفتقر الدول الخليجية للخبرة الحربية على عكس إيران التي خاضت حربا استمرت لمدة طويلة ضد العراق خلال الثمانينات. وفي وقت سابق، استنجدت الدول الخليجية بالولايات المتحدة الأمريكية خلال غزو الكويت سنة 1991. وفي هذا الإطار، قال روبرتس إن "الولايات المتحدة الأمريكية مثلت المشكلة المركزية على العديد من المستويات". وبفضل الدعم الأمريكي، لم تضطر الجيوش العربية لاستنزاف قواتها، حيث قامت واشنطن بنشر حوالي 300 ألف جندي في كل من الكويت والبحرين والإمارات العربية المتحدة. ومؤخرا، تم التنسيق لشن غارات جوية في العراق وسوريا انطلاقا من قطر.
خلافا لذلك، برزت وبوضوح مختلف نقاط ضعف الدول الخليجية في ظل عجزها عن حل مشاكلها دون الاستعانة بطرف خارجي. وفي هذا الصدد، صرح المستشار في الشؤون الدفاعية، هايكو بورشيرت، أن "عهد التألق الخليجي قد ولىّ". ويتمثل السبب الرئيسي وراء تراجع قوة الدول الخليجية في انخفاض أسعار النفط. ونتيجة لذلك، بادرت المملكة العربية السعودية خلال السنة الماضية بتخفيض نفقاتها العسكرية إلى حدود 56 مليار دولار.
من جهة أخرى، تنامت وتيرة شكوك الدول الخليجية بشأن مدى مصداقية الولايات المتحدة الأمريكية على اعتبارها حليفا إستراتيجيا لها، خاصة إثر إبرام الاتفاق النووي الإيراني ورفع العقوبات الاقتصادية على طهران، فضلا عن الامتناع عن توجيه ضربة عسكرية كبرى ضد النظام السوري.
قامت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بتطوير الصناعة العسكرية، وذلك بهدف تكريس استقلاليتها الحربية. ونتيجة لذلك، أصبحت كلا الدولتان تتنفسان في إطار سباق نحو التسلح. ونظرا لأن الولايات المتحدة الأمريكية رفضت تزويد المملكة العربية السعودية بترسانة من الطائرات دون طيار، أقدمت الرياض على شراء هذه الطائرات من الصين، التي تعتزم إنشاء مصنع لإنتاج الطائرات دون طيار من طراز CH-4.
والجدير بالذكر أن المملكة العربية السعودية تهدف من خلال هذه الصفقات إلى تسجيل 50 بالمائة من نفقاتها العسكرية في سلسلة القيمة الخاصة بها بحلول سنة 2030. وفي سياق متصل، أفاد بورشيرت أن "مصدري الأسلحة لن يكونوا قادرين على الدخول إلى الأسواق دون توظيف التكنولوجيا".
فرض الخدمة العسكرية
تسعى الإمارات العربية المتحدة جاهدة إلى تحقيق المزيد من التطور العسكري، خاصة وأن قواتها الخاصة التي شاركت رفقة الناتو في الحرب الأفغانية، كانت على درجة عالية من الحرفية. فضلا عن ذلك، شاركت هذه القوات في الحرب الليبية، حيث بادرت الإمارات العربية المتحدة بإنشاء قاعدة عسكرية هناك.
من ناحية أخرى، دخلت الإمارات العربية المتحدة في مجال صناعة السفن الحربية بفضل المساعدات الفرنسية. وخلال العمليات العسكرية في اليمن، أنشأت الإمارات قاعدتين عسكريتين في كل من شمال الصومال وجنوب إريتريا. بالإضافة إلى ذلك، عمدت الإمارات إلى فرض الخدمة العسكرية على مواطنيها أسوة بقطر والبحرين، وذلك بهدف التقليص من حجم الاعتماد على الميليشيات الأجنبية.
عموما، يمكن أن يفسر التسابق نحو التسلح بين الدول الخليجية بصفة جزئية حرص الولايات المتحدة الأمريكية خلال عهد أوباما على إبرام العديد من صفقات الأسلحة الضخمة بقيمة عشرات المليارات من الدولارات مع هذه الدول، من بينها صفقة نظام ثاد للدفاع الجوي الصاروخي الذي يقوم بصد هجمات الصواريخ الباليستية. وتجدر الإشارة إلى أن صفقات الأسلحة لا تعكس فقط الروح التنافسية بين الدول الخليجية، بل تحمل في طياتها خلفيات دبلوماسية، حيث يحيل ذلك إلى مدى تخوف المملكة العربية السعودية من الاتفاق النووي الإيراني.
الخيارات النووية
على الرغم من أن إيران تملك موارد مالية متواضعة، إلا أنها تعمل بدورها على تعزيز ترسانتها العسكرية. فخلال بداية هذه السنة، صادق البرلمان الإيراني على قرار يقضي بالترفيع في النفقات العسكرية إلى حدود 5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. وفي الأثناء، تعتزم طهران أن تتزود بجملة من الصواريخ بعيدة المدى والطائرات دون طيار المزودة بالأسلحة، فضلا عن أنها تحاول التركيز على الحرب السيبرانية.
ومن المثير للاهتمام أن هذه الميزانية تندرج ضمن المخطط الخماسي الذي يمتد إلى حدود سنة 2021، والذي أقره المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، علي خامنئي. من جانب آخر، يمكن أن تكون هذه الخطوة بمثابة رد على تسابق الدول الخليجية نحو التسلح فضلا عن التمركز العسكري الأمريكي في المنطقة.
خلال السنوات الأخيرة، تراجعت واردات الأسلحة الإيرانية، فقد عمدت طهران فيما مضى إلى التزود بمتطلباتها من الأسلحة من روسيا والصين. وفي الأثناء، أصبحت إيران تعلق آمالها على برنامج الصواريخ البالستية نتيجة حظر الأسلحة الذي طالها منذ الثورة الإسلامية الإيرانية. عموما، يمكن أن تنافس إيران التقدم العسكري الخليجي من خلال قدراتها التكتيكية العالية.
في الوقت الذي تستثمر فيه المملكة العربية السعودية وحلفاؤها أموالهم في اقتناء أحدث الطائرات المقاتلة والدبابات وأنظمة الدفاع الصاروخي الغربية، تعمل إيران على تطوير برنامجها الصاروخي فضلا عن بسط نفوذها السياسي والعسكري في المنطقة بشكل موسع. ومن جانبه، عمد الحرس الثوري الإيراني إلى تركيز ميليشيات شيعية في العراق وسوريا ولبنان، الأمر الذي غذى مخاوف المملكة العربية السعودية وحلفائها من امتداد النفوذ الإيراني في المنطقة. ومنذ تاريخ إبرام الاتفاق النووي الإيراني، ازداد الوضع سوءا.
على العموم، تحظى إيران بموارد مالية محترمة على الرغم من تواصل الحظر الاقتصادي عليها إبان إبرام الاتفاق النووي. وفي هذا الصدد، أفاد أحد الخبراء السياسيين أن "إيران لن تستثمر هذه الأموال في مجال تطوير صناعتها الحربية". وعلى الرغم من أن الاتفاق النووي الإيراني يحد من الأنشطة النووية الإيرانية، إلا أن إيران لم تتوان عن شراء العديد من الأسلحة التقليدية. وفي الوقت نفسه، لا يعني الاتفاق النووي أن إيران ستتخلى عن بنيتها التحتية النووية، حيث لم يتم إلغاء خيار التسلح النووي، بل تم تأجيله. من جانبها، هددت المملكة العربية السعودية بالتسلح النووي.
المصدر: نويه تسوريشر تسايتونغ