هل السعودية دولة مستقرة لا تعاني التهديد المجتمعي؟
مجلس العلاقات الخارجية – التقرير
استقرار المملكة العربية السعودية يعطي مؤشرا مطمئنا، فهي ليست تحت التهديد المباشر، ولكن الأسئلة حول مصير المملكة على المدى الطويل سوف تستمر.
يجتمع خبراء ومحللو الشرق الأوسط حول تخمينات مستقبل المملكة العربية السعودية، فمع بداية الثورات العربية عام 2011، أثيرت الشكوك حول الاستقرار السياسي في السعودية، ونظرا لكون المملكة موردًا رئيسيًا للطاقة يهتم العالم لأمرها أكثر من أي دولة أخرى، بل أن العالم على قناعة تامة أن أي اضطرابات داخل أرجاء هذه الدولة ستؤدي إلى تقويض الاستقرار في أماكن أخرى بالشرق الأوسط.
ورغم هذا، فإن أغلب التوقعات تتجه إلى كوننا أمام “مسألة وقت” قبل أن تقع المملكة فريسة للاضطرابات الداخلية مع انهيار النظام.
السعودية واحدة من أكثر البلدان استقرارًا في المنطقة، حتى مع معاناتها من انكماشٍ كبير في أسعار النفط وانخفاض إيرادات الدولة، وما يبرز على السطح من خلافات حول خط الخلافة ونزاعات تلوح في الأفق، وتكلفة تدخلها العسكري في اليمن، كل ذلك وضع الخبراء في حيرة، هل نحن أمام إحساس زائف بالهدوء؟
خشية زعزعة الاستقرار تأتي من وجهتين، إما من الأسفل، من جراء تزايد الاضطرابات الشعبية، أو من أعلى، من خلال الخصومات داخل الأسرة المالكة الحاكمة، إلا أن قوة الدولة تجعل الرؤية غير واضحة أمام هذه الأمور.
هل تعد المملكة ضمن الدول الهشة؟
غالبًا ما يدرس المحللون الذين يقيمون مدى تعرض الدول لعدم الاستقرار السياسي عدة عوامل تسمى “عوامل الخطر”، والتي يعتقد عموما أنّها ترتبط ببدء هذه الأحداث.
وتشمل هذه العوامل المصادر الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المحتملة لحدوث الاضطراب، فضلًا عن قدرة الدولة على إدارة التحديات الداخلية المحتملة أو الصدامات الخارجية، بما في ذلك ولاء قوى الأمن الداخلي، وتماسك القيادة، وحالة الاحتياطيات والمخزون النقدي للبلاد.
على سبيل المثال، في أحدث مؤشرٍ للدول الهشة في عام 2017، وهو تقييم للدول الضعيفة وغير المستقرة ينتجه صندوق السلام، وهو منظمة غير حكومية، جاءت السعودية في المرتبة 101 من بين 178 بلدًا. وبالمثل، فإن مؤشر البنك الدولي للاستقرار السياسي وغياب العنف، وهو واحد من المؤشرات الستة التي يرصدها في مائتي بلد من خلال مشروع مؤشرات الحكم العالمي، أعطى المملكة درجة 0.28 في عام 2015. ومن عام 1996 إلى عام 2015، وكانت النتيجة المتوسطة للمملكة -0.31، حيث تأتي درجات المؤشر بين -2.5 للدول الأشد ضعفًا و 2.5 للدول الأقوى.
كما صنف تقرير «الدول الهشة» الصادر عن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، عام 2016، السعودية بأنّها تقع ضمن «نطاق الاستقرار السياسي المعتدل».
وعلى الرغم من أنّ هذه الأرقام لمؤشرات المخاطر يمكن اعتبارها مطمئنة، إلا أنّها لا تبدد تمامًا القلق من أنّ الأحداث غير المتوقعة قد تتجمع فجأة لزعزعة استقرار المملكة. وسبق وأن انهارت الأنظمة التي بدت ظاهريًا مستقرة أو بدت وكأنّها تسيطر على الوضع في الماضي. والشرق الأوسط ليس استثناءً. وعلى سبيل المثال، لم تكن تونس ومصر وليبيا وسوريا تعتبر غير مستقرة قبل الربيع العربي، وفقًا للمؤشرات الرئيسية لهشاشة الدولة، إلا أنّ كل تلك الدول قد وقعت فريسة للصراعات العنيفة. فما هي السيناريوهات المستقبلية الأكثر معقولية بالنسبة للسعودية؟
صدمة في المستقبل؟
هناك ثلاث طرق عامة يمكن فيها الإطاحة بالأنظمة الاستبدادية، وهي التمرد الشعبي أو الانقلاب أو الإكراه الخارجي. أما بالنسبة للسعودية، فالوسيلة الأخيرة هي الأقل احتمالًا. فإيران، الخصم الرئيسي للمملكة، ليست لديها القدرة على إحداث تغيير في النظام، على الرغم من أنّها قد تكون قادرة على إثارة الاضطرابات في المجتمعات ذات الغالبية الشيعية في المنطقة الشرقية للمملكة وفي البحرين واليمن المجاورين. ومن غير المرجح أن تشكل مثل هذه الاضطرابات تهديدًا وجوديًا للمملكة، ولكن بالاقتران مع تحدياتٍ أخرى، يمكن أن تصبح أكثر من مجرد إزعاج.
كما يبدو الانقلاب العسكري غير مرجح. فقد تراجع هذا النوع من تغيير النظام منذ الستينات، حين فقدت 50% تقريبًا من جميع الحكومات الأوتوقراطية السلطة بهذه الطريقة، والسعودية ليست بلدًا معرضة للانقلابات. وكانت آخر محاولة معروفة بها منذ خمسين عامًا تقريبًا، كما أنّ المسافة بين المراكز الحضرية الرئيسية الثلاثة في المملكة ستجعل من الصعب على القوات العسكرية السيطرة بسرعة. علاوةً على ذلك، لا تخضع قوات الأمن السعودية لسلطة قيادة واحدة، فهي تأخذ التوجيه من مختلف أفراد العائلة المالكة، وهو ما يمثل تحدٍ إضافي لأي متآمرٍ محتمل قد يخطط للانقلاب.
غير أنّ القيادة اللامركزية تعني احتمالية تحول الخلافة المتنازع إلى صراعٍ عنيف. ولم يحدث ذلك حتى الآن، رغم ما أثير من شائعاتٍ حول السخط داخل آل سعود حول قوة ونفوذ «محمد بن سلمان»، ابن الملك سلمان وولي ولي العهد. وفي سنٍ مبكرة في الواحد والثلاثين من عمره، اكتسب «محمد بن سلمان» مجموعة متزايدة من المسؤوليات، بدءًا بشغله منصب وزير الدفاع حتى رئاسة المجلس الاقتصادي، على حساب العديد من كبار العائلة المالكة، وهو ما تسبب في استياءٍ كبير. كما ازدادت التكهنات حول احتمالية ترقيته ليصبح خليفة الملك «سلمان» قبل أن يتوفى الملك، البالغ من العمر 81 عامًا، وليس في أفضل أحواله الصحية. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى مزيد من الانقسامات داخل الأسرة المالكة، وقد يشهد مقاومة.
ويتوقف تحول أزمة الخلافة في المستقبل إلى شيءٍ أكثر خطورة على نجاح مبادرات الإصلاح المحلية الأخيرة، والتي تعبر عن تصور ولي ولي العهد لتنويع وتوسيع الاقتصاد السعودي، على أمل رفع مستويات المعيشة على مدى الأعوام العشرة إلى الخمسة عشر المقبلة. وقد تم تحديد خارطة الطريق لتحقيق ذلك في بيان «رؤية 2030» وبرنامج التحول الوطني المرتبط بها. وهدفه هو تطوير قطاعات الاقتصاد السعودي مثل الدفاع والتجزئة والطاقة المتجددة، والقطاع الخاص بشكلٍ عام، بحيث لا تعتمد البلاد اعتمادًا كبيرًا على النفط والغاز، والذي يمثل أكثر من 50% من إجمالي الناتج المحلي.
وتدعو الخطة أيضًا إلى تخفيض الإعانات الحكومية لتقليل أعباء الميزانية. وقد تم إنشاء صندوق ثروة سيادية جديد لدعم الاستثمارات الوطنية التي من المتوقع أن تحصل على دعم مادي كبير من خلال عائدات الاكتتاب العام الجزئي القادم لشركة أرامكو السعودية، وهي شركة النفط الوطنية الضخمة التي تديرها الدولة.
والرؤية عبارة عن خطط طموحة لتحويل الاقتصاد السعودي، وهو ما يلقي بظلاله على العقد الاجتماعي الطويل بين المواطنين والدولة، وهو العقد الذي يكفل رفاهية المواطنين إلى حدٍ ما عن طريق العمل الحكومي والإعانات. وليس من المستغرب أن يسأل العديد من المراقبين الخارجيين عما إذا كانت الخطة ستتحقق على الإطلاق. وما إذا كانت الإصلاحات ستولد فرص عمل جديدة كافية لاستيعاب النمو السريع المتوقع في عدد السكان في سن العمل في السعودية.
ويستهدف برنامج التحول الوطني خلق ستة ملايين وظيفة جديدة بحلول عام 2030، وهو رقم يتجاوز بكثير كل ما تم إنجازه من قبل، ولا يأخذ في الحسبان احتمال دخول النساء إلى سوق العمل. وسيتعين على القطاع الخاص ليس فقط التوسع بشكل كبير، بل أيضًا توظيف المواطنين السعوديين بدلًا من الأجانب، وهي الخطوة التي ستكون غير مسبوقة أيضًا.
وخلال الفترة نفسها، سيُطلب من الأسر السعودية التكيف مع انخفاض الإعانات السخية. وقد تم تعليق الخطط الأولية لخفض الامتيازات المقدمة للموظفين الحكوميين مؤخرًا، وهم يشكلون ثلثي مجموع السكان، وذلك على الأرجح بسبب الاستياء الذي حدث نتيجة التخفيضات.
وقد ينمو الغضب الشعبي إذا لم يشارك أفراد الأسرة المالكة في الخضوع لتدابير التقشف. وعلى الرغم من التدابير التقشفية الأخيرة، يبدو أنّ الأسرة المالكة السعودية لم تغير عادات إنفاقها بشكلٍ كبير. وبالمثل، ومع تغير التركيبة الديموغرافية، يبلغ معدل بطالة الشباب في المملكة نحو 30% ويتوقع أن يزداد في السنوات القادمة. ويقع نصف السكان دون سن الخامسة والعشرين. ومع وجود فرص عمل محدودة وزيادة عدد السكان وفي القلب منهم الشباب المتعلمين وأصحاب الوصول الجيد لخدمات الإنترنت، ينشط 93% من المواطنين السعوديين على الإنترنت، ويتفاعل 2.4 مليون منهم على موقع تويتر، وهو ما يمثل نصف مستخدميه النشطين في المنطقة العربية، وهو ما يوفر إمكانية التنظيم والثورة. وقد تؤدي متطلبات المزيد من الشفافية حول الاكتتاب العام لشركة أرامكو إلى تفاقم مثل هذه المظالم، من خلال الكشف عن مدى استفادة الأسرة المالكة من عائدات النفط والغاز.
ومن المرجح أن تزداد حدة هذه التحديات المالية والاقتصادية إذا لم تسترد أسعار الطاقة العالمية عافيتها، وكذلك إذا فرضت التحديات الأمنيةالخارجية أعباءً مالية إضافية على الدولة. وسوف تتوقف الأمور على تماسك النخبة الحاكمة. وفي الواقع، يعتبر فريق العمل المعني بالاستقرار السياسي، والذي تدعمه وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لإجراء تقييمات للحكومة الأمريكية، أنّ هذا العامل هو العامل الأكثر أهمية في تحديد ما إذا كانت الأنظمة الحاكمة ستستسلم للتحديات السياسية الداخلية أم ستنجح في تجاوزها.
وعلى الرغم من أنّ فشل خطة التحول الوطني يمثل أكبر خطر على المملكة، فإنّه لا ينبغي أيضًا التغاضي عن الآثار المحتملة لنجاحها. ومن المفارقات، أنّ توسع الطبقة الوسطى السعودية التي لن تستفيد بسخاء الدولة يمكنه أن يؤدي إلى زيادة المطالب بالإصلاح السياسي. وكما يوضح «فريق عمل عدم الاستقرار السياسي»، فإنّ الأنظمة الاستبدادية التي تخضع لإصلاحاتٍ جزئية للتحول إلى نظمٍ أكثر ديمقراطية تكون معرضة بشكلٍ خاص للانهيار.
في النهاية
ليس هناك سببٌ مقنعٌ للقلق من احتمالية أن تشهد المملكة العربية السعودية عدم استقرار سياسي خطير أو انهيار للنظام في العام أو العامين المقبلين. ومع ذلك، هناك أسبابٌ تدعو للقلق بشأن ما سيحدث لاحقًا. ومن غير المضمون نجاح الإصلاحات الاقتصادية المحلية المخطط لها بأي حالٍ من الأحوال، وتزامنها مع العديد من التطورات، مثل عملية الخلافة المعرضة للانقسام، واضطرابات البيئة الخارجية، وتزايد الاضطرابات في الداخل، بما في ذلك تصاعد الهجمات الإرهابية من الجهاديين السعوديين العائدين من الخارج، قد يشكل تحديًا قد لا يتمكن النظام الحاكم من إدارته.
هذا لن يعني بالضرورة أنّ المملكة ستسير في طريق بلدان الربيع العربي، ولكن قد تستمر تلك الضربات المتتالية في إضعافها. كما لا يعني أن يؤدي عدم الاستقرار السياسي وتغيير النظام بالضرورة إلى جعل السعودية أكثر ديمقراطية. وفي الواقع، نتيجة زوال حاكم أو نظام استبدادي، في كثيرٍ من الحالات، هي صعود آخر.