Sunday 22nd of December 2024 11:35:45 AM

لماذا صادق مجلس الوزراء المصري فجأة على اتفاق التنازل عن تيران وصنافير ؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2614
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

عماد عنان

بينما الملايين من المصريين قابعون إما في منازلهم أمام شاشات التلفاز، أو على المقاهي في الميادين العامة، يتابعون ديربي الكرة المصرية، بين الأهلي والزمالك، حيث الشوارع الخاوية، والأنفاس الدافئة بحرارة التشجيع الكروي، تقرر الحكومة المصرية – فجأة وبدون مقدمات – الموافقة على اتفاقية ترسيم الحدود مع الجانب السعودي، والتي بمقتضاها يتم التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، وتحيلها للبرلمان المصري للتصديق عليها.

قرار استقبله المصريون بعاصفة من الاستنكار والتوبيخ، حيث شنت القوى السياسية هجومًا ضد حكومة شريف إسماعيل، متهمة إياها بعدم احترام أحكام القضاء، فضلاً عن العديد من التساؤلات التي فرضت نفسها على ألسنة المواطنين، تبحث عن إجابة، لماذا تمت الموافقة في هذا التوقيت بالذات؟ وما هي التطورات التي دفعت الحكومة لهذه الخطوة؟ ثم لماذا لم تنتظر حكم القضاء النهائي المقرر له منتصف يناير الجاري؟ وهل هناك ضغوط إقليمية لتمرير هذه الاتفاقية أم أنها استمرار لمناورة النظام المصري مع نظيره السعودي؟

حكم في مقابل حكمين

أصدر مجلس الوزراء المصري برئاسة شريف إسماعيل بيانًا الخميس الماضي بشأن تحويل اتفاقية ترسيم الحدود الموقعة بين مصر والمملكة العربية السعودية لمجلس النواب "البرلمان" للبت فيه، حيث جاء في البيان: “إنه فيما يتعلق باتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية الموقعة في القاهرة في 18 إبريل 20166، فقد وافق المجلس في جلسته اليوم على الاتفاقية، وأحالها لمجلس النواب، طبقًا للإجراءات الدستورية المعمول بها في هذا الشأن”.

تأتي هذه الخطوة قبيل ساعات معدودة من حكم "محكمة القاهرة للأمور المستعجلة"، والمتعلق باستمرار العمل بالاتفاقية الموقعة، وتأييد نقل سيادة الجزيرتين للسعودية، إذ قضت بوقف تنفيذ حكم "مصرية تيران وصنافير" الذي أصدرته محكمة القضاء الإداري في يونيو الماضي، وقضى ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية.

وقد كانت محكمة القضاء الإداري، أصدرت في يونيو الماضي، حكماً ببطلان توقيع ممثل الحكومة على اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية واستمرار السيادة المصرية على جزيرتي تيران وصنافير. وتضمن نص الحكم إلزام الدولة بتنفيذ الحكم، ثم تم تأييد هذا الحكم للمرة الثانية على التوالي في نوفمبر الماضي.

قرار خاطئ ومجنون

موجة من الاستنكار سادت الشارع المصري عقب قرار الحكومة بإحالة الاتفاقية للبرلمان بعد الموافقة عليها، حيث تساءل الدكتور محمد البرادعي، نائب رئيس الجمهورية السابق، عن سبب تعجل الحكومة في الموافقة عليها، ونقلها إلى مجلس النواب.

البرادعي على حسابه الخاص على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" كتب يقول: : «‏ألم يكن من الحكمة ومنعًا للمزيد من الاستقطاب واحترامًا للشعب والقانون أن ننتظر حكم القضاء في مدى التزام الاتفاقية بالدستور؟»، مختتما تغريدته: "لماذا العجلة؟"

 

ألم يكن من الحكمة ومنعا للمزيد من الاستقطاب واحتراما للشعب والقانون أن ننتظر حكم القضاء فى مدى التزام الإتفاقية بالدستور؟لماذا العجلة !!

 

بينما وصف خالد علي، المرشح الرئاسي السابق، والمحامي صاحب حكم بطلان اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية، قرار الحكومة بـ"الجنون"، مضيفا أنه قرار خاطئ، وليس من حق مجلس الوزراء إحالة الاتفاقية للبرلمان، كما أنه ليس من حق البرلمان مناقشتها.

علي شدد في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" على ضرورة توقف البرلمان عن مناقشة هذه الاتفاقية حالًا، ملفتا أن ما حدث خطوة تعصف بدولة القانون، وتهدر الأحكام القضائية الصادرة ببطلان الاتفاقية، وأن الخطوة تعني عدم احترام أحكام القضاء من قبل الحكومة.

المحامي صاحب حكم بطلان الاتفاقية، أشار إلى أن المسار القانوني والقضائي شكل من أشكال المقاومة، وليس هو الشكل الوحيد، منوها أن هناك المسار السياسي والمجتمعي لفضح جريمة التنازل عن أرض مصرية، وعدم احترام الدستور والقانون، من خلال السعي لوقف هذه الجريمة، واستخدام كافة الوسائل السياسية لذلك، ففي مواجهة نظام مستبد كهذا حتى ينجح المسار القانوني والقضائي يجب أن يصاحبه ظهير سياسي ومجتمعي قوى وفعال في الشارع، على حد قوله.

وأختتم المرشح السابق تصريحاته بحث الناس على التحرك لوقف هذه الجريمة، سواء كان التحرك فرديا أو جماعيا، كذلك ناشد بضرورة مقابلة أعضاء مجلس النواب بدوائرهم وحثهم على رفض الاتفاقية، وفضح مؤامرة النظام للتنازل عن أرضه وتراب وطنه.

المسار القانوني والقضائي شكل من أشكال المقاومة، وليس هو الشكل الوحيد، فهناك المسار السياسي والمجتمعي لفضح جريمة التنازل عن أرض مصرية، وعدم احترام الدستور والقانون

 

خالد علي أثناء حضور إحدى جلسات بطلان اتفاقية تيران وصنافير

وصمة عار في جبين البرلمان

"كيف نقسم باحترام الدستور والقانون واستقلال الوطن ووحدة وسلامة أراضيه ثم ننظر اتفاقية باطلة وتخالف الدستور والقانون وتقبل من حيث المبدأ التنازل عن جزء من تراب الوطن.." بهذه الكلمات أستهل هيثم الحريري، عضو مجلس النواب المصري، حديثه معلقا على قرار الحكومة الموافقة على الاتفاقية وإحالتها للبرلمان.

الحريري على صفحته الرسمية على موقع التواصل الإجتماعي "فيس بوك" أكد أن مناقشة القرار في حد ذاته “حنث” باليمين، الذي قطعه النواب على أنفسهم، وهو احترام الدستور والقانون ومراعاة مصالح الشعب، مطالبًا ببيان عاجل في جلسة الغد 2 يناير حول الاتفاقية،  مشيرا في طلبه المقدم لرئيس مجلس النواب، أن هذه الاتفاقية أصبحت هي والعدم سواء،  وذلك بعد حكم محكمة القضاء الإداري بإبطالها،  وقد صدر الحكم ضد رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب، وبناء على هذا الحكم لم يعد هناك اتفاقية من الأساس.

شرعية هذا النظام بأكمله وشرعية مؤسسات الدولة السلطة التنفيذية ورأس السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية على المحك، فمجرد مناقشة الاتفاقية يعد وصمة عار علينا جميعا وخاصة أن الحكم صدر ضد رئيس المجلس بصفته الممثل القانوني لمجلس النواب

النائب المستقل أضاف أن موافقة الحكومة على الاتفاقية، وإرسالها إلى البرلمان، مخالفة صحيحة للدستور والقانون، ودلالة على أنها لا تحترم أحكام القضاء، محذرا أن شرعية هذا النظام بأكمله وشرعية مؤسسات الدولة السلطة التنفيذية ورأس السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية على المحك، فمجرد مناقشة الاتفاقية يعد وصمة عار علينا جميعا وخاصة أن الحكم صدر ضد رئيس المجلس بصفته الممثل القانوني لمجلس النواب..على حد قوله.

من جانبها هددت الدكتورة غادة صقر، عضو مجلس النواب، بالدخول في إضراب كلي عن الطعام حتى الموت داخل منزلها اعتراضا على التنازل عن الجزيرتين، مشيرة أنهما أرض مصرية خالصة، ولا يمكن التفريط فيهما.

البرلمانية المصرية أضافت أن القضاء قال كلمته وأقر بأن الجزيرتان مصريتين ومازالت القضية مطروحة، متسائلة:  كيف للحكومة أن تحيلها لمجلس النواب؟ وتابعت: الحكومة لن تدير المجلس وفق هواها.

 

النائب هيثم الحريري يتقدم بطلب لرئيس البرلمان لعدم مناقشة الإتفاقية

أزمة دستورية

قرار الحكومة الأخير بإحالة اتفاقية ترسيم الحدود للبرلمان وصفه البعض بأنه محاولة لتوريط مجلس النواب المصري من خلال الصدام بينه وبين السلطة القضائية، حيث رأي بعض السياسيين أنه في حال الموافقة على الاتفاقية المقدمة من الحكومة، سيصطدم البرلمان بمؤسسات القضاء، وذلك في أعقاب إصدار محكمة القضاء الإداري حكمين بإلغاء الاتفاقية، ما يعرض الدولة لأزمة دستورية طاحنة.

داعمو هذا الرأي يحذرون من مخاطر نظر البرلمان لهذا القرار، لأنه سيعد انتهاكًا لمبدأ الفصل بين السلطات، وإهدارًا لحجية الأحكام القضائية، ويمكن أن يكون سندًا قانونيًّا كافيًا لحله، ملفتين أن التدخل النيابي الآن هو تدخل في سير العدالة، ليس بهدف تنظيم الواقع بقواعد عامة مجردة، تتسم بعدم التخصص، بل هو تدخل لتمرير محتوى محدد لحالة محددة، مخصصة بذاتها، ما يفقد القانون كل سماته، ويعدمه تمامًا.

مناورة جديدة

فريق من الداعمين للنظام الحالي يرى أن هذا القرار مواصلة للمناورة التكتيكية التي يقوم بها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع المملكة العربية السعودية، خاصة بعد توتر العلاقات بين البلدين في الآونة الأخيرة بصورة غير مسبوقة، ما كان له الأثر السيئ على مكانة كلتا الدولتين إقليميا- سياسيا واقتصاديا وأمنيا-.

أنصار هذا التوجه يبررون ما تقوم به الحكومة من استخدام الأوراق السياسية المتاحة للضغط على السعودية للحصول على أكبر قدر من المكاسب، خاصة بعد إجادة الرياض اللعب بما لديها من أوراق لاسيما المتعلقة بالنفط، وليس ما حدث من وقف إمدادات شركة أرامكو النفطية للقاهرة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة ببعيد.

كما يرى فريق مواز أن الاتفاقية جاءت استجابة للشروط السعودية المقدمة من أجل استمرار الدعم المقدم للقاهرة، وهو ما رأته الجهات السيادية المصرية خط أحمر، لاسيما في الوقت الراهن، حيث الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يمثل الدعم الخليجي أحد أبرز مقومات التعافي منها، ومن ثم لا يمكن التضحية بهذا الدعم مهما كانت الأسباب، وهو ما دفع نظام السيسي إلى قبول الضغوط السعودية لفترة ما حتى يتم الحصول على الدعم، ثم يلقي بالكرة في ملعب القضاء والبرلمان والحكومة، ليقولوا كلمتهم النهائية، وتظل هذه الاتفاقية أسيرة منصات المحاكم ولجان مجلس النواب وأجهزة الحكومة حتى تحصل القاهرة على ما تريد، وتلعب بها كورقة ضغط في أي وقت تتراجع فيها الرياض على التزاماتها.

 

السيسي أثناء لقاءه بمحمد بن سلمان 

هل هناك ضغوط خليجية؟

وفي المقابل هناك من يرى أن موافقة الحكومة المصرية على الاتفاقية جاء رضوخا للضغوط الممارسة من أجل تحسين أجواء العلاقات مع الرياض، لاسيما الإماراتية والكويتية، وهو ما تم الكشف عنه مؤخرا من خلال جهود الوساطة من قبل حكام الإمارات والكويت لتقريب وجهات النظر بين القاهرة والرياض.

قرار حكومة إسماعيل يأتي بعد يوم واحد فقط من الزيارة المفاجئة التي قام بها وفد مصري رفيع المستوى بطائرة خاصة إلى العاصمة السعودية الرياض، الأربعاء الماضي، في جولة خاطفة استغرقت عدة ساعات، التقى خلالها عددًا من المسئولين بالديوان الملكي السعودي، لبحث آخر المستجدات على الساحة العربية والشرق أوسطية، وسبل تقريب وجهات النظر حيال القضايا الخلافية كخطوة أولى نحو إذابة الجليد في العلاقات بين البلدين.

الزيارة المفاجئة هي الأخرى جاءت بعد ساعات قليلة من الزيارة السرية للوفد السعودي الذي ضم أربعة أشخاص برئاسة المستشار بالديوان الملكي السعودي تركي بن عبد المحسن آل الشيخ للقاهرة الأحد الماضي، والتي كشف عنها عطل فني بالطائرة بحسب مصدر ملاحي بمطار القاهرة الدولي.

قرار حكومة إسماعيل يأتي بعد يوم واحد فقط من الزيارة المفاجئة التي قام بها وفد مصري رفيع المستوى بطائرة خاصة إلى العاصمة السعودية الرياض، الأربعاء الماضي، في جولة خاطفة استغرقت عدة ساعات

أنصار هذا الفريق يرون أن الخطوة التي أقدمت عليها القاهرة كانت استجابة سريعة لجهود الوساطة الإقليمية التي سعت إلى تخفيف حدة التوتر بين البلدين، خاصة في ظل المستجدات السياسية والأمنية التي فرضت نفسها على الساحة الإقليمية، والتي تدفع الجانبين، إلى تنحية الخلافات جانبًا من أجل التصدي للتحديات الراهنة، أبرزها تنامي الدور الإيراني والروسي والتركي على حساب الدور المصري والسعودي.

وقد قلنا سابقًا أن هذا الأمر يتوقف على حجم التنازلات التي من الممكن أن يقدمها كل طرف لإزالة الاحتقان وتقليل منسوب التوتر مع الجانب الآخر، فهل بادرت القاهرة بالتنازل عن جزء من أراضيها تلبية للضغوط الخليجية وحرصا على استمرار الدعم والتمويل؟ أم أن هذه الخطوة استمرار لنهج المناورة والتكتيك السياسي للحصول على أكبر قدر من المكاسب؟.. هذا ما سيجيب عنه مجلس النواب المصري في جلسته القادمة لمناقشة الاتفاقية.

 
 

تعليقات الزوار