العلاقات الأمريكية الخليجية: ماذا تنتظر دول الخليج من الإدارة الجديدة؟
ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد
ستواجه الولايات المتحدة مجموعة جديدة ومختلفة تمامًا من التحديات في علاقتها بدول مجلس التعاون الخليجي في السنوات الأربع القادمة. ولأول مرة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، تأتي الإدارة الجديدة في واشنطن وهي تواجه «عجزًا في الثقة» في إدارتها لعلاقاتها مع شركائها في مجلس التعاون الخليجي. وقد عزز تصويت الكونجرس على تجاوز فيتو لـ«أوباما» على قانون جاستا من شكوك دول المجلس حول بقاء الولايات المتحدة كضامن لأمن المنطقة والاستقرار الإقليمي. وجاءت تلك الشكوك نتيجة سلسلة من الإجراءات والخيارات السياسية للولايات المتحدة بدءً من سوريا إلى الربيع العربي إلى اتفاق إيران النووي. لا نقول أنّ قرارات الإدارة في كل هذه القضايا كانت خاطئة، لكنّها ولدت الشكوك عند شركائنا.
التحديات في علاقة الولايات المتحدة بمجلس التعاون الخليجي
وكانت النتيجة المباشرة للشك الإقليمي في مدى جدارة الولايات المتحدة بالثقة هي تسريع عملية استقلال صناعة القرار في مجلس التعاون الخليجي والرغبة في فعل ذلك بشكل منفرد حيث تتباين مصالح الولايات المتحدة ومصالح دول الخليج. ومؤخرًا، لم تعد دول المجلس ترغب في اتباع قرارات الولايات المتحدة دون إبداء رأي، وأصبحت تميل أكثر إلى «قول لا». وظهر ذلك في قرار السعودية باستمرار الحملة العسكرية في اليمن برغم ضغط الإدارة الأمريكية في اتجاه وقف إطلاق النار، كما رفضت السعودية الاتفاق النووي مع إيران.
تشمل مبادرات الاستقلال السياسية المنافسة مع إيران، والمساعدات من السعودية والإمارات لنظام «السيسي» في مصر، رغم تفضيل الولايات المتحدة ربط المساعدات بإصلاحات سياسية واقتصادية. كما تقدم الإمارات دعمًا عسكريًا لـ«خليفة حفتر» في ليبيا، في تجاهل واضح لدعم الولايات المتحدة للحكومة الجديدة في طرابلس.
إضافةً إلى ذلك، يجلب الضعف المستمر في أسعار النفط مجموعة من التحديات أمام الإدارة الأمريكية ويقوض من اعتمادها لوقت طويل على دول المجلس كمصدر لتمويل الأنشطة الإقليمية. فقد تعرضت تلك الدول لمشاكل اقتصادية ولم تعد تستطيع لعب نفس الدور. لكنّ لذلك إيجابيات أيضا، فسوف تؤدّي هذه الأزمة لاعتماد تلك الدول على قطاعات غير نفطية، وإشراك أكبر للمجتمع المدني والقطاع الخاص، وإشراك المواطنين في صنع القرار، وهو ما يجعلها دولًا أكثر شمولًا.
ورغم عدم تأثر دول مجلس التعاون الخليجي كثيرًا بثورات الربيع العربي (باستثناء البحرين)، إلّا أنّها تواجه نفس الضغط بسبب النمو السكاني الذي يتطلب تغييرًا مثلما حدث في مصر وتونس وليبيا واليمن. وتؤدي هذه الضغوط لخلق نظم سياسية واقتصادية أكثر انفتاحًا لتخفيف الضغط، ولكنّ ذلك يزيد من التركيز أكثر على الشؤون الداخلية.
إعادة بناء الثقة
في ضوء هذه التحديات، سيتعين على الإدارة القادمة العمل على استعادة الثقة المتبادلة مع دول المجلس، وأن تكون من بين الأولويات في الشهور الأولى للمكتب الرئاسي. ومن المفضل الاستمرار في جدول الزيارات الدوري المتبادل بين الولايات المتحدة وشركائها في مجلس التعاون. كما يفضل إجراء زيارة من قبل الرئيس الجديد إلى الخليج قبل شهر رمضان القادم عام 2017 (أواخر مايو/ أيار وأوائل يونيو/ حزيران)، لإرسال إشارة إيجابية أنّ الولايات المتحدة ملتزمة تجاه المنطقة.
ولن يكون هناك أهم لدى دول الخليج في جوانب السياسة الأمريكية من ملف تعامل الإدارة الجديدة مع إيران ما بعد اتفاقية العمل المشترك الشاملة. ويؤكد جميع المراقبين تقريبًا على أنّ الولايات المتحدة الأمريكية ينبغي أن «تطمئن» دول الخليج من ناحية التزامها المستمر بأمنها في مواجهة التحركات الإيرانية العدوانية. ولن يكون التطمين الشفوي كافيًا. بدلًا من ذلك، ينبغي على واشنطن تعزيز العملية التشاورية مع نظرائها في مجلس التعاون الخليجي لتطوير عناصر رئيسية مشترك لنهج مشترك تجاه إيران، ويفضل أن يأتي مع توصيات يلتزم بها الطرفان.
تعدّ الحرب الأهلية في اليمن هي البؤرة الأسخن في المواجهة بين السعودية وإيران اليوم. وقد شهدت تلك الحرب سقوط عدد كبير من المدنيين وفشلا عسكريا للحملة السعودية بسبب عدم الكفاءة. وعلى الولايات المتحدة مع الإدارة الجديدة أن تعمل على تبني جهود الأمم المتحدة في إيجاد حل سياسي للأزمة مع عدم إهمال المصالح السعودية. فبالطبع لا يمكن تخيل قبول السعوديين لوجود موطئ قدم للإيرانيين على حدودهم جنوب شبه الجزيرة العربية، وعلى الولايات المتحدة التأكيد على أنّ ذلك «خطا أحمر». وفي الواقع، فإنّ وجود موقف واضح للولايات المتحدة بدعم السعودية سيساهم في مواقف أكثر واقعية من قبل الطرفين على طاولة المفاوضات ويعزز موقف المبعوث الخاص للأمم المتحدة، «إسماعيل ولد شيخ أحمد».
وقد زادت الشكوك في مدى التزام الولايات المتحدة بالأمن الإقليمي بعد تأخر الإدارة في كثير من القرارات بشأن مبيعات الأسلحة للمنطقة. وسيتعين على الإدارة الجديدة إعادة الاتساق والشفافية في ملف التعاون الأمني ومبيعات الأسلحة مع مجلس التعاون. بالطبع لا تحتاج الولايات المتحدة للموافقة على كل طلب لمعدات عسكرية من شركائها في المجلس، لكن يمكن تقديم إطار عمل لوضع معايير وأولويات للمبيعات. وينبغي اتخاذ القرارات في وقت مناسب وإبلاغها للحكومات والكونغرس.
وكما ذكرنا، ستجبر الميزانيات المضغوطة لدول المجلس على التعامل بحذر مع الموارد، وستكون الأولوية تلبية المتطلبات المحلية. وبالفعل، اتخذت الحكومة السعودية خطوات في تقليص الدعم والبدء في إجراءات تقشف أخرى، وهناك غيرها من الحكومات الأخرى في المنطقة تحذو حذوها. وستؤثر تلك الحقبة من التقشف على الإنفاق في المساعدات الخارجية. وفي الماضي، كانت الإدارات الأمريكية تطالب دول الخليج بدفع تكاليف مبادرات خارجية، وربما في بعض المرات لم تمثل أهمية لدول الخليج بالقدر الكافي. وفي ضوء الظروف المتغيرة في المنطقة، سيكون على الإدارة الجديدة التعامل بمزيد من السيطرة والمراقبة على طلبات التمويل من دول المجلس، والعمل على أن تنفق هذه الأموال في دعم البرامج الإنسامية وبرامج إعادة الإعمار والتنمية في المنطقة.
فرص جديدة
أخيرًا، لقد تركزت علاقات الولايات المتحدة بشركائها في المنطقة تقليديًا في قطاعين: الطاقة والأمن. وفي حين انّ الشراكة بين الولايات المتحدة ودول الخليج قد خدمت كلا الجانبين بشكل جيد لسنوات عديدة، فمن الواضح أنّ التغييرات الهامة في هذه القطاعات قد أصبحت عبئًا على العلاقات الأكبر. وعلى الإدارة الجديدة تحديد مجالات أكتر للتعاون المحتمل والقادرة على توسيع وتعميق العلاقات بين واشنطن والخليج، ووضع هذه العلاقات الحيوية على أسس أكثر استدامة على المدى الطويل. ويعدّ التنويع الاقتصادي فرصةً جيدة لعلاقات مثمرة بين القطاع الخاص في كلًا من الولايات المتحدة ومنطقة الخليج. التغير المناخي هو مجال آخر من مجالات التعاون المحتملة من أجل العمل على دعم الجهود العالمية للحد من الاحتباس الحراري.
وشكّلت العلاقات القوية مع دول الخليج دعامة رئيسية للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط لعقود، ومساهم رئيسي في الاستقرار الإقليمي. ومع استمرار الإضطرابات في المنطقة، يصبح وجود علاقات مستقرة وقوية مع هؤلاء الشركاء طويلي الأجل أكثر ضرورة من أي وقت مضى. لكنّ اختلاف وجهات النظر وسوء الفهم ساهمت في إضعاف تلك العلاقات في السنوات الأخيرة. وستكون الجهود المبكرة والجادة من جانب الإدارة الجديدة لإعادة توضع العلاقات مع دول الخليج من جديد على أساس ثابت، عنصرًا حاسمًا للمضي قدمًا في سياسة ناجحة في الشرق الأوسط.
المصدر | معهد الشرق الأوسط